الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني
في المعاملات الآجلة وأحكامها الفقهية
توطئة
التعريف بالمعاملات الآجلة
سبق لنا الكلام في البيوع العاجلة، وعلمنا أنواع المعاملات الدائرة فيه، ودرسنا فيه المعاملات العاجلة العادية، والشراء بالهامش، والبيع على المكشوف.
وندرس في هذا الفصل إن شاء الله تعالى البيوع الآجلة، والمعاملات التي تدخل فيه.
وتنقسم المعاملات الآجلة إلى قسمين:
(1)
البيوع الباتة القطعية.
(2)
عقود الخيارات.
تعريف البيوع الباتة القطعية:
تعرف العلميات الآجلة الباتة: بأنها تلك العمليات التي يتم عقد الصفقة فيها الآن، ويؤجل فيها دفع الثمن والمثمن إلى أجل معلوم يسمى يوم التصفية، أو يوم التسوية
(1)
.
(1)
بورصة الأوراق المالية من منظور إسلامي - البرواري (ص: 202) نقلاً من موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية، هيكل عبد العزيز فهمي (ص: 345، 356)، الموسوعة الاقتصادية، عمر حسين (ص: 249، 263، 329)، والاستثمار في الأوراق المالية، نوفل حسن صبري (ص: 100).
وسميت بالباتة تمييزاً لها عن عقود الاختيارات الآتية، وذلك لأن العاقدين لا يملكان حق الرجوع عن تنفيذ العملية، ولكن يملكان تأجيل موعد التصفية النهائية إلى موعد آخر بالتراضي.
وتتسم العمليات الآجلة بصورة عامة بالخصائص التالية:
(1)
ـ أغلب المعاملات الآجلة تجري على المكشوف، أي أن البائع لا يملك الأوراق (محل الصفقة) وقت العقد، وإنما تشترط إدارة السوق أن يكون مالكاً لها وقت التصفية.
(2)
ـ تحدد لجنة البورصة مواعيد التصفية وذلك بواقع مرتين في كل شهر، مرة في وسطه، ومرة في آخره.
(3)
ـ لا خيار لأحد العاقدين في فسخ العقد أو إلغائه إلا أن لكل منهما أن يصفي مركزه قبل يوم التسوية، بأن يبيع نقداً ما اشتراه آجلاً، وله أو عليه الفرق بين سعر التعاقد والتصفية إن كان مشترياً، أو أن يشتري عاجلاً ما باعه آجلاً إن كان بائعاً، وله أو عليه الفرق بين سعر التعاقد والتصفية
(1)
.
(4)
ـ الغرض الأساسي للمتعاملين بالعقود الآجلة هو تحقيق ما يسمى بالأرباح الرأس مالية التي تتمثل في الفرق بين سعر الورقة الذي عقدت به الصفقة، وبين سعرها الذي يحدد في يوم التصفية، ويسمى صنيعهم ذلك بالمضاربة، وهي تتنوع إلى نوعين:
(1)
انظر أحكام التعامل في الأسواق المالية المعاصرة - مبارك آل سليمان (2/ 795) وما بعدها. سوق الأوراق المالية، خورشيد إقبال (ص: 393، 396)، الأسهم والسندات وأحكامها في الفقه الإسلامي - أحمد الخليل (ص: 197)، بورصة الأوراق المالية من منظور إسلامي - البرواري (ص: 202).
النوع الأول: المضاربة على الصعود.
وتعني شراء الأوراق المالية شراء آجلاً بسعر معين على أمل أن يرتفع سعرها في يوم التصفية، بحيث يقوم المضارب عند ذلك ببيع تلك الأوراق بسعر يوم التصفية، ليربح الفرق بين السعرين.
مثاله: أن يشتري زيد من الناس خمسين سهماً من شركة القصيم الزراعية، بقيمة 100 ريال لكل سهم، على أن يتم التسليم الفعلي بعد شهر من الصفقة، وذلك على أمل أن ترتفع الأسعار في يوم التصفية، بحيث يبيعها، ويربح الفرق، فلو تحققت توقعاته، وبلغ سعر السهم في يوم التصفية 110، فإنه سيأمر السمسار أن يبيع تلك الأسهم بهذا السعر، ويقبض الفرق من السمسار، ومقداره: 50×10=500 ريال، وبهذا يكون المشتري قد حقق ربحاً دون أن يتسلم الأسهم، أو يسلم الثمن.
أما لو لم تتحقق التوقعات، وانخفضت الأسعار، وصار سعر السهم 90 ريالاً، فإنه سيأمر السمسار ببيع تلك الأسهم، ويدفع الفرق، ومقداره 50×10= 500 ريال.
النوع الثاني: المضاربة على الهبوط.
وتعني بيع الأوراق المالية بيعاً آجلاً بسعر معين على أمل أن يهبط سعرها في يوم التصفية بحيث يقوم المضارب عند ذلك بشراء الأوراق بسعر يوم التصفية، وتسليمها إلى الطرف الثاني بالسعر المتفق عليه، ليربح الفرق بين السعرين.
مثاله: أن يبيع زيد من الناس خمسين سهماً من شركة القصيم الزراعية، بقيمة 100 ريال لكل سهم، على أن يتم التسليم الفعلي بعد شهر من الصفقة، على أمل أن تنخفض الأسعار في يوم التصفية، ويربح الفرق.
فلو تحققت توقعاته، وانخفضت الأسعار إلى تسعين ريالاً فإنه سيأمر السمسار بأن يشتري تلك الأسهم من السوق بهذا السعر، ويقبض الفرق من السمسار، وهو خمسمائة ريال دون أن يسلم أسهماً، أو يتسلم ثمناً.
أما لو ارتفعت الأسعار يوم التصفية إلى 105 ريالات، فإنه سيأمر السمسار أيضاً بأن يشتري تلك الأسهم بهذا السعر، ويدفع الفرق إلى السمسار، وهو 50×5= 250 ريال، وهو مقدار الخسارة التي يتحملها نتيجة المضاربة على الهبوط.
وفي حال خسارة المشتري أو البائع فإن أمامهما أحد الخيارات الثلاثة الآتية:
الخيار الأول:
الاستلام الفعلي للأسهم، وتسليم ثمنها في يوم التصفية، وهذا إنما يكون فيما إذا كان لهما رغبة في تملك المعقود عليه، كأحد أشكال الاستثمار طويل الأجل، ويدفع الخاسر الفرق بين السعرين. وهذا أمر نادر.
وهذا التصرف وإن كان هو مقتضى العقد إلا أن الاستلام قد تم في بيع فاسد؛ حيث يبيع البائع أسهماً معينة لا يملكها، ويربح فيها، والبيع الفاسد يجب فسخه بالاتفاق، ويملك بالقبض عند الحنفية
(1)
، وبالفوات عند المالكية
(2)
، كما لو تصرف فيه مشتريه بالبيع، وهو باطل مطلقاً عند الشافعية
(1)
انظر المبسوط (13/ 22 - 23)، تبيين الحقائق (4/ 61)، العناية شرح الهداية (6/ 459 - 460)، الهداية مع فتح القدير (6/ 404)، البدائع (5/ 107)، وسوف أتوسع إن شاء الله تعالى في مبحث خاص في مسألة ضمان ما قبض بعقد فاسد في مبحث قادم.
(2)
بداية المجتهد (2/ 145).
والحنابلة وإن تداولته الأيدي
(1)
، وسبق تحرير هذا في عقد البيع في المجلد الأول.
الخيار الثاني:
تصفية مركزهما بإبرام صفقات عكسية، والهدف منها دفع الفرق بين السعرين دون أن يكون هناك تسلم للأسهم أو تسليم للثمن.
تصفية مركز المشتري:
أن يبيع المشتري نقداً في يوم التصفية ما اشتراه آجلاً قبل قبضه للأسهم، ويقبض فرق السعر من السمسار إن كان رابحاً، أو يدفعه إليه إن كان خاسراً، دون أن يكون هناك تسلم فعلي للأسهم أو تسليم للثمن.
وقد يبيع المشتري تلك الأسهم بثمن مؤجل قبل يوم التصفية ليوقف تدهور الأسعار.
وتصرفه هذا في الحالين محرم:
لأنه إن باع الأسهم يوم التصفية كان البيع محرماً؛ لأنه تملك هذه الأسهم بعقد فاسد، حيث باع عليه البائع أسهماً لا يملكها، والبيع الفاسد قد سبق تحرير الخلاف فيه في عقد البيع فأغنى عن إعادته هنا.
وإن باع الأسهم قبل يوم التصفية كان البيع محرماً لكونه باع أسهماً قد ملكها بعقد فاسد، وبعض العلماء يرى أنه محرم أيضاً لأنه من باب بيع الشيء قبل قبضه، وفيه خلاف سبق تحريره في عقد البيع، وبعضهم يرى أنه محرم؛ لأن بيع المعين المؤجل قبل قبضه بثمن مؤجل من باب بيع الدين بالدين
(2)
، وفيه بحث:
(1)
انظر روضة الطالبين (3/ 408)، المجموع (9/ 455)، الكافي في فقه الإمام أحمد (2/ 40).
(2)
أحكام التعامل في الأسواق المالية المعاصرة (2/ 821).
هل تأجيل المعين يجعله ديناً؟ أو أن الدين ما تعلق في الذمة، وقد سبق ذكر الفرق بين الدين والعين.
تصفية مركز البائع:
لما كان البائع قد باع أسهماً لا يملكها، فإنه يقوم بشرائها يوم التصفية ويستلم من السمسار فرق السعر إن كان رابحاً، أو يدفعه إليه إن كان خاسراً قبل استلامه للأسهم، فتكون العملية قائمة على استلام فروق الأسعار دون أن يكون هناك استلام وتسليم.
وشراؤه لهذه الأسهم يوم التصفية شراء بعقد صحيح؛ لأن البيع حال، ولا ارتباط لهذا بالعقد الآجل
وقد يقوم بشراء تلك الأسهم مؤجلة بثمن مؤجل قبل يوم التصفية ليوقف تدهور الأسعار.
وهذا العقد محرم؛ لأنه يشتريها من شخص لا يملكها وقت العقد، وبعضهم يحرمها؛ لأنها من باب بيع معين مؤجل بثمن مؤجل، ويرى هذا من باب بيع الدين بالدين، وسبق الجواب عليه.
الخيار الثالث:
تأجيل مركزهما إلى التصفية القادمة، بحيث لا يصفي المتعامل مركزه تصفية نهائية، وإنما يؤجل التصفية إلى موعد التصفية التالية أملاً في تغير الأسعار لصالحه، فإن كان البائع هو الراغب في التأجيل فإن ذلك يسمى وضيعة، وإن كان الراغب في التأجيل هو المشتري، فإن ذلك يسمى مرابحة.
فبيع المرابحة: أن يطلب المشتري تأجيل مركزه إلى التصفية القادمة، وذلك عندما يتوقع تحسن السعر لصالحه بما يعوضه عن خسارته، فيصدر أمراً إلى سمساره بتأجيل مركزه في مقابل مبلغ يدفعه للبائع، يسمى بدل التأجيل، فإذا
وافق البائع انتقلت العملية إلى التصفية القادمة، وإذا رفض البائع بحث له السمسار عن ممول يقبل بشراء أسهمه شراء حالاً في موعد التصفية ثم يبيعها عليه بيعاً مؤجلاً حتى موعد التصفية القادمة بثمن أعلى من سعر يوم التصفية، يتمثل في سعر يوم التصفية الحالي مضافاً إليه مبلغ آخر يسمى بدل التأجيل.
وسميت مرابحة لتضمنها زيادة في ثمن الشراء الآجل تمثل ربحاً للممول أو الناقل.
وعليه فيمكن تعريف المرابحة: بأنها بيع أوراق مالية إلى آخر بثمن حال، ثم شراؤها منه مؤجلة بثمن مؤجل يزيد عن ثمنها الحالي.
وبيع الوضيعة: أن يطلب البائع تأجيل مركزه إلى التصفية القادمة إذا توقع تحسن مركزه بنزول السعر، وذلك بالاتفاق مع المشتري، فإذا رفض المشتري ذلك قام بشراء أسهم من الشركة التي باع أسهمها في العقد السابق شراء حالاً بسعر يوم التصفية، ليتولى السمسار قبضها، وتسليمها للمشتري الأول. ثم يقوم البائع ببيع أسهم من أسهم تلك الشركة إلى ما يسمى بالممول أو الناقل بيعاً آجلاً إلى يوم التصفية التالي بثمن أقل من سعر يوم التصفية، يتمثل في سعر يوم التصفية الحالي ناقصاً منه مبلغ آخر يسمى بدل تأجيل التصفية. وتسمى هذه العملية بالوضيعة لتضمنها وضع قدر من ثمن البيع الآجل لمصلحة الممول
(1)
.
ويلاحظ أن العقود لا تتم بين البائع والمشتري مباشرة، فلكل سوق من أسواق العقود الآجلة بيت سمسرة لتسوية الصفقات، يتألف من أعضاء السوق، ويتم العقد بين البائع وبيت التسوية، ثم بين المشتري والبيت، فلا توجد علاقة
(1)
انظر أحكام التعامل في الأسواق المالية المعاصرة - مبارك آل سليمان (2/ 788، 904)، بورصة الأوراق المالية - البرواري (ص: 203 - 205)، الخدمات الاستثمارية في المصارف (2/ 301 - 303).
مباشرة بين البائع والمشتري، بل العقد يتكون من طرفين بينهما بيت التسوية، يتعهد الأول مثلاً في محرم 1430 بشراء (1000) سهم لإحدى الشركات بسعر (100) مؤجلة إلى شهر ربيع أول 1430، ويتعهد الآخر بتسليمه هذه الأوراق في التاريخ المحدد، وبالسعر المتفق عليه.
والذي يجري بين شهر محرم وشهر ربيع هو انتقال هذا العقد بين المضاربين عن طريق بيت التسوية تلك عشرات المرات يومياً، فالمعاملات كلها تصفى في آخر النهار، ثم تبدأ في الغد بيعاً وشراء، فمن يتملك حق الحصول على تلك الأسهم بسعر (100) سيربح تلقائياً عندما يرتفع السعر لأكثر من هذا المبلغ، والمتعهد بتسليم تلك الأوراق بالسعر نفسه سيخسر عندما يرتفع السعر المذكور .... وهكذا. أما التسليم والقبض الفعلي للأصل محل العقد فهذا أمر لا يهتم به المتعاملون إلا في تاريخ القبض أي في شهر ربيع، حيث يتحول العقد في النهاية إلى المشتري الحقيقي بعد أن يكون قد مر على مئات المضاربين خلال الفترة التي تفصل بين العقد الأول والقبض الفعلي
(1)
.
وسوف أتكلم عن حكم بيع المرابحة والوضيعة في مبحث مستقل إن شاء الله تعالى.
هذه هي تقريباً خصائص البيوع الآجلة، فإذا عرف ذلك ننتقل إن شاء الله تعالى إلى حكم هذه العمليات الآجلة في الفقه الإسلامي، أسأل الله وحده عونه وتوفيقه.
* * *
(1)
انظر الأسواق المالية بحث الدكتور محمد القري، مجلة مجمع الفقه الإسلامي (6/ 2/ص 1624)، الخدمات الاستثمارية في المصارف - الشبيلي (2/ 302 - 303).