الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن السندات التي تصدرها الدولة لا يقتصر شراؤها على جمهور الناس من أصحاب الدخل المحدود، بل يشتريها أيضاً الشركات الكبرى، والمؤسسات المالية المتخصصة، وشركات التأمين، فلم يكن من شروط بيع هذه السندات أن يكون المشتري ضعيفاً
(1)
.
الدليل الثالث للقائلين بجواز إصدار السندات
.
أن السندات ينطبق عليها حكم شركة المضاربة الصحيحة، وأوجه الشبه بين هذه السندات وعقد المضاربة من وجوه:
الوجه الأول:
أن رأس المال فيهما من أحد طرفي العقد، والعمل فيه من الطرف الآخر.
الوجه الثاني:
أن الربح فيه مشترك بين رب المال والعامل، وإن اختلفت فيهما صورة الاشتراك.
الوجه الثالث:
أن رأس المال فيهما أمانة في يد العامل؛ لأنه مال للطرف الآخر.
الوجه الرابع:
أن العامل في المال في الحالين يعد وكيلاً عن رب رأس المال في العقدين
(2)
.
وأما شروط المضاربة التي ذكرها الفقهاء، ومنها كون الربح بين الطرفين مشاعاً، كالنصف، أو الثلث مثلاً، فهذه شروط اجتهادية، استنبطت من قواعد
(1)
انظر أحكام التعامل في الأسواق المالية المعاصرة (1/ 226 - 227).
(2)
انظر حكم شهادات الاستثمار. بحث د. علي الخفيف (ص: 9).
الشريعة، لا من النصوص، حيث لم يرد بشأن المضاربة نص من القرآن الكريم، ولا من السنة النبوية، وكل ما ورد بشأنها، إنما هو أقوال نقلت عن بعض الصحابة تدل بمجموعها على أن التعامل بالقراض كان معروفاً عند العرب حتى جاء الإسلام، وإذا كان الأمر كذلك، كانت هذه الشروط الاجتهادية، تختلف باختلاف الأحوال والأزمان، وإذا كان الفقهاء قد اشترطوا أن يكون الربح مشاعاً كالنصف والثلث من أجل ألا يحرم أحد الطرفين من الربح في حال تحدد الجزء الذي يأخذه أحدهما، فإن هذه المشروعات مبنية على قواعد اقتصادية مضمونة النتائج، وما يأخذه صاحب المال من الربح بنسبة معينة من رأس المال قدر ضئيل بالنسبة لمجموع الربح الذي تدره المشروعات التي استثمرت فيها هذه الأموال، فكلا الطرفين استفاد، وانتفى الاستغلال والحرمان
(1)
.
وإذا كانت علة المنع من تحديد مقدار الربح، من أجل ألا يؤدي ذلك إلى حرمان الشريك من الربح في حال لم يزد الربح على ذلك القدر، لم يكن هذا الشرط لازماً؛ لأن الفقهاء قد جوزوا صوراً من التعاقد يكون ما يأتي من العامل من ربح ليس محلاً للمشاركة؛ «لأنه إذا جاز في رأي بعض الأئمة، أن يعطى المال لآخر يعمل به، على أن يكون الربح جميعه لرب المال، ولا شيء للعامل كما في المواضعة، وإذا جاز أيضاً أن يجعل الربح جميعه للعامل، دون أن يكون ضامناً لرأس المال، ولا شيء منه لرب المال، وإذا جاز أن يكون الربح لأجنبي عن العقد، فأولى بالجواز: ما إذا جعل من الربح مبلغاً معينا لرب المال، والباقي منه للعامل إن وجد ربح، وإلا فلا شيء للعامل، ويكون العامل
(1)
انظر معاملات البنوك وأحكامها الشرعية - لمحمد سيد طنطاوي (ص: 180 - 181)، المصارف والأعمال المصرفية لغريب الجمال (ص: 142)، المنفعة والقرض العمراني (ص: 518).