الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفائضة في صورة فوائد بنسبة مئوية زائدة عن النسبة المقررة، توزع في صورة جوائز بالقرعة بين المقرضين، وهي لا تختلف عن الفوائد الربوية، إلا في طريقة التوزيع، فهي فوائد ربوية للقرض، بعد أن قسمت، ووزعت بطريقة القرعة، وكلما زاد الناس إقبالاً، زادت الفوائد، فزادت الجوائز
(1)
.
وأما اشتمالها على القمار والميسر: فلأن هذه الجوائز إذا قسمت عن طريق القرعة، قد يأخذ من أقْرَض مبلغاً قليلاً، جائزة قيمتها مرتفعة جداً، ويأخذ من أقرض مبلغاً كبيراً، جائزة قيمتها قليلة، ويدفع طمع الناس بالحصول على الجوائز المرتفعة إلى شراء هذه السندات، وهذا واضح فيه القمار والميسر.
الراجح:
لقد أخذ مني التفكير وقتاً حين بحثت هذه المسألة، هل من السائغ أن يذكر القول المخالف مع شذوذه ومخالفته الحق الواضح، في حكم هذه السندات، بل ومخالفته حتى رجال القانون الذين عرفوا السندات بأنها قرض بفائدة؟ هل يستحق هذا القول مع هذه المخالفة والشذوذ عن قول عامة العلماء أن يناقش وتذكر حججه، وكأن المسألة من مسائل الخلاف؟ ثم رأيت أنه ليس من حقي أن ألغي الخلاف مهما كان شاذاً، ولم أتهم معاذ الله - ولا ينبغي لي - نيات قائليه، ورأيت أن هذا التردد نتيجة تربية خاطئة في التعامل مع خلاف العلماء، وأن منهج العلماء المتقدمين الراسخين في
(1)
ينظر المعاملات المالية المعاصرة - محمد شبير (ص: 184 - 185)، الاقتصاد الإسلامي - السالوس (1/ 214)، المنفعة والقرض - العمراني (ص: 528)، الأسهم والسندات - الخليل (ص: 311).
العلم، ما زالوا يحكون لنا الأقوال الغريبة والشاذة خارقين فيها حكاية الإجماع في مسائل الفقه المختلفة، ولم يحملهم ذلك على إلغائها، ولا على القدح في قائليها، ولنا فيهم أسوة حسنة، رحم الله المجتهدين، وغفر الله للمخالفين، فاستقر القول عندي أن الإجماع ليس قائماً مع هذه المخالفة، فانشرح صدري لذكره، ومناقشته كغيره من أقوال أهل العلم، ونظرت إلى القول وقائله باحترام وعذر وإنصاف، ورحم الله الإمام الشافعي حين قال:«والمستحل لنكاح المتعة والمفتي بها والعامل بها ممن لا ترد شهادته وكذلك لو كان موسراً فنكح أمة مستحلاً لنكاحها مسلمة أو مشركة؛ لأنا نجد من مفتي الناس وأعلامهم من يستحل هذا، وهكذا المستحل الدينار بالدينارين، والدرهم بالدرهمين يداً بيد، والعامل به؛ لأنا نجد من أعلام الناس من يفتي به ويعمل به ويرويه وكذلك المستحل لإتيان النساء في أدبارهن فهذا كله عندنا مكروه محرم، وإن خالفنا الناس فيه فرغبنا عن قولهم، ولم يدعنا هذا إلى أن نجرحهم، ونقول لهم: إنكم حللتم ما حرم الله، وأخطأتم؛ لأنهم يدعون علينا الخطأ كما ندعيه عليهم، وينسبون من قال قولنا إلى أنه حرم ما أحل الله عز وجل»
(1)
.
والذي لا شك فيه عندي، أن هذه السندات محرمة شرعاً، وأن متعاطيها واقع في الربا الصريح، إلا أن يكون معذوراً بتقليد أو اجتهاد، والله أعلم.
* * *
(1)
الأم (6/ 206).
المبحث السادس
في حكم تداول السند
الكلام هنا مفرع على قول عامة أهل العلم، ممن يرى تحريم إصدار السندات، وليس على قول من أباحها مطلقاً، أو أباحها في بعض الأحوال دون بعض، وإذا كان الصحيح من أقوال أهل العلم حرمة إصدار السندات، فهل هذا يعني: تحريم تداولها بالبيع؟ باعتبار أن مشتري السند يظل دائناً للشركة المصدرة، ويتقاضى على دينه فوائد ربوية، وذلك محرم شرعاً، وما أدى إلى الحرام فهو حرام؟
[ن-173] أو أن حكم التداول يمكن أن يأخذ حكماً مختلفاً عن حكم إصدارها؟
فالجواب:
أن هناك من يطلق تحريم تداول السندات بدون تفصيل:
وهذا ما أقره مجمع الفقه الإسلامي، ومجلس الإفتاء بالمملكة الأردنية الهاشمية، ووزارة الأوقاف الإسلامية بالمملكة المغربية، وهو قول عامة الفقهاء المعاصرين: منهم الشيخ شلتوت
(1)
، والشيخ الزرقاء
(2)
، والقرضاوي
(3)
، ونزيه حماد
(4)
، والسالوس
(5)
،
(1)
الفتاوى (ص: 348 - 349) للشيخ، موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة للشيخ السالوس (ص: 167).
(2)
سيأتي نقل كلامه بتمامه إن شاء الله تعالى لاحقاً.
(3)
فقه الزكاة (1/ 527).
(4)
سيأتي نقل كلامه بتمامه إن شاء الله لاحقاً.
(5)
موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة والاقتصاد الإسلامي (ص: 145).
والسعيدي
(1)
، والزحيلي، ومحمد عثمان شبير
(2)
.
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي: «السندات التي تمثل التزاماً بدفع مبلغها مع فائدة منسوبة إليه، أو نفع مشروط محرمة شرعاً، من حيث الإصدار، أو الشراء، أو التداول؛ لأنها قروض ربوية
…
»
(3)
.
وجاء في قرار مجلس الإفتاء في المملكة الأردنية الهاشمية: «يرى مجلس الإفتاء في المملكة الأردنية الهاشمية أن الصكوك المسماة بصكوك الإذن الحكومية، أو صكوك الخزينة، هي صكوك قرض ربوي محرم بالنصوص القطعية في كتاب الله تعالى العزيز، والسنة النبوية الثابتة، وأن تسميتها بخلاف ذلك لا يغير شيئاً من طبيعتها هذه، فلا يجوز شرعاً استثمار المال بطريق شرائها، وتداولها
…
»
(4)
.
ويقول الشيخ الزرقاء: «
…
صكوك الإذن الحكومية، هي مثل سندات التنمية، كلاهما قروض ربوية، لا يجوز في الشريعة الإسلامية التعامل بها أخذاً، وإعطاء، أو بيعاً، وشراء
…
»
(5)
.
(1)
يقول الشيخ السعيدي في كتابه الربا في المعاملات المصرفية المعاصرة (1/ 763): «وإذا كانت السندات من قبيل الدين الربوي، فإنه لا يجوز تملكها، ولا تداولها؛ لحرمة الربا» .
(2)
يقول الشيخ في كتابه المعاملات المالية المعاصرة (ص: 223) بعد أن ذكر خلاف أهل العلم في السندات، قال:«والراجح ما ذهب إليه أصحاب القول الأول، من أن السندات قروض بفائدة، أي مال نقدي أعطي للشركة، وتقاضى صاحبه مقابل ذلك زيادة ربوية، فهو من ربا النسيئة المحرم بالكتاب والسنة، فلا يجوز بيع السندات، وتداولها، سواء كانت المصدرة لها الشركات، أو الدول» .
(3)
مجلة مجمع الفقه الإسلامي (6/ 2/ص: 1725 - 1726).
(4)
فتاوى الشيخ مصطفى الزرقاء (ص: 594).
(5)
المرجع السابق (ص: 593).
ويقول الشيخ نزيه حماد: «وهذه السندات لا يجوز شرعاً إصدارها، ولا شراؤها، ولا تداولها بالبيع.
أما شراؤها عند الإصدار: فلأنه إقراض بفائدة ربوية ....
وأما تداولها بالبيع بعد صدورها مع الحسم، فهو من باب بيع الدين لغير من هو عليه، وهو غير جائز شرعاً في قول أحد من الفقهاء إذا انطوى على الربا حتى عند من يرى صحة بيع الدين لغير من هو عليه، ولا خفاء في تحقق الربا في بيع هذا النوع من السندات، إذ البدلان من النقود، ومن المعلوم المقرر في باب الصرف، عدم جواز بيع النقود بجنسها مع التفاضل، أو النساء، وحتى عند اختلاف الجنس يجب التقابض، وقد انتفى في هذا البيع شرط التساوي، والتقابض، فتحقق فيه ربا الفضل والنساء في قول سائر الفقهاء»
(1)
.
وهناك من يجيز بيع أصل السند دون الفائدة المأخوذة عليه، باعتباره قرضاً شرعياً إذا حذف منه ما اشتمل عليه من الربا، فإن صاحب السندات قد يحتاج إلى التخلص من السندات الربوية، وليس أمامه في هذه الحالة إلا طريقان:
الطريق الأول:
استرداد ما دفعه إلى الشركة المصدرة، بأن يقبض من الشركة قيمة السند الاسمية دون فوائده، تطبيقاً لقوله تعالى:{وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون} [البقرة: 279].
الطريق الثاني:
أن يبيع أصل الدين الذي يمثله السند، أي دون فوائده الربوية، وفي هذه
(1)
قضايا فقهية معاصرة في المال والاقتصاد (ص: 210).
الحالة، لا يخلو: إما أن يبيعه على الشركة المصدرة، أو على غيرها فإن باعه على الشركة المصدرة صار بمنزلة بيع الدين على من هو عليه، وإذا باعه على غيرها صار بمنزلة بيع الدين على غير من هو عليه، ولأهل العلم في كل مسألة خلاف، نذكره فيما يلي إن شاء الله تعالى.
وممن اختار هذا القول الشيخ مبارك آل سليمان
(1)
، والشيخ المترك
(2)
.
وهذا التفصيل أدق من إطلاق القول بالتحريم مطلقاً، ولأن هذا القول يفتح باباً للناس للتخلص من الحرام دون أخذ الفوائد المحرمة، وإذا جرد السند من فوائده أصبح قرضاً من القروض، وأخذ حكم بيع الدين، والأصل فيه الإباحة.
* * *
(1)
أحكام التعامل في الأسواق المالية المعاصرة (1/ 242).
(2)
الربا والمعاملات المصرفية (ص: 374).