الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طالت المدة، أو قصرت، فدل ذلك على أن المأخوذ في الاعتبار هو مدة القرض، وأن الجعل في حقيقته، ما هو إلا الفائدة على القرض.
ثانياً: من المعلوم أن الجعالة من العقود الجائزة، وليست اللازمة، ومعنى ذلك، أنه يجوز للجاعل أن يفسخ العقد قبل أن يبدأ العامل بالعمل، فإذا عرفنا أن المصرف لا يبدأ في مباشرة العمل إلا في تاريخ الاستحقاق، فهل سيقبل المصرف عدول مظهر الورقة عن العقد قبل تاريخ الاستحقاق، وهو الذي ما أقرضه أصلاً، إلا طمعاً في الجعل؟
ثالثاً: ما ذكره المالكية ليس فيه أنهم جمعوا بين قرض وجعالة، حتى يمكن الاستشهاد به، وإنما ذكروا أن العامل الذي يحصل الدين يأخذ الجعل مما يقتضيه، وليس فيه أنه أقرض الجاعل شيئاً، فهو ينطبق تماما لو كان العقد يقتصر على تحصيل الكمبيالة فقط دون الخصم، وكون الجعل يحدد بجزء مما يقتضيه من الدين، ليس هو محل الإشكال، حتى يكون الاستشهاد به في كلام المالكية، وإنما الإشكال في الجمع بين القرض والجعالة، وهو الذي ليس في كلام المالكية ما يصلح مستمسكاً للاحتجاج به على قضيتنا
(1)
.
التخريج الرابع لمن قال بالإباحة:
تخريج الخصم على أنه حوالة، أو استيفاء بأجر.
ذكر ذلك الهمشري، ورده، وفي ذلك يقول: «لم لا نعتبر عملية الخصم عملية استيفاء بأجر، وهو أحد مفهومات الحوالة، ونعتبر الأجر ما اصطلح البنك على تسميته بـ (الأجيو)
(2)
.
(1)
انظر: أحكام التعامل في الأسواق المالية المعاصرة (ص: 368).
(2)
الأعمال المصرفية والإسلام (ص: 205).
ودعم هذا بفتوى للشيخ محمد رشيد رضا، حيث ورد على الشيخ سؤال عن حكم بيع الدين إلى بعض البنوك أو غيرها بأحد النقدين أو الأوراق المالية.
فكان في الفتوى: «
…
ولمن احتاج إلى ذلك أن يأخذ ما يأخذ من البنك أو غيره على أنه دين، يحوله بقيمته على مدينه، أو بأكثر منه، ويجعل الزيادة أجرة، أو ما شاء
…
»
(1)
.
ومع ذلك فقد رد الهمشري نفسه على الشيخ محمد رشيد رضا، ولم ير هذا التخريج يقوى على إباحة عملية الخصم، وفي ذلك يقول رداً على محمد رشيد رضا: «إن هذه الفتوى لا تقوى على إباحة عملية الخصم بصورتها الراهنة، حيث إنه قد سبق أن البنك يخصم من العميل ثلاثة أشياء:
1 -
الفائدة. 2 - العمولة (الأجر). 3 - المصاريف.
فالعمولة: وهي الأجر، من الممكن إجازتها، وكذا المصاريف؛ لأن كلاً منها مقابل خدمات حقيقية قدمها البنك، فالعمولة مقابل فتح الحساب، ومسكه، والمصاريف مقابل ما أنفقه، وتكبده، وهذا يتفق مع الإسلام وسماحته، وما نادت به الفتوى، ويبقى بعد ذلك حكم الفائدة، فكيف نستسيغها؟ وعلى أي تأويل نخرجها؟ وهذا ما أغفلته الفتوى، حيث إن الإجابة لم تتعمق في فهم ما يؤخذ عند بيع الدين، أو خصمه، وبهذا اقتصرت الفتوى عند الإجابة على تغطية ما يؤخذ عند بيع الدين، أو استيفائه كأجر، ولم تتناول الفائدة، اللهم إلا إذا أدمجت الفائدة مع العمولة، وأصبح الكل أجراً، وبالطبع لا يمكن أن نتصور ذلك؛ لأن العرف
(1)
الأعمال المصرفية والإسلام (ص:205 - 206).
والقانون يأبيان إدماج الفائدة مع العمولة في بند واحد؛ لأن كلاً منهما يحدد بنسبة معينة، مما يفهم منه انفصال الفائدة عن العمولة.
وبناء على ما تقدم، فالعملية بصورتها الراهنة لا يقوى هذا التخريج على إباحتها، وإن أباحت الفتوى هذا التصرف، فذلك لأنها قصرت في فهم طبيعة التعامل، أو على اعتبار إدماج الفائدة والعمولة، واعتبارهما كأجر، وقد ثبت أنهما منفصلان»
(1)
.
كما أن الشيخ مبارك آل سليمان تعقبه بأمر آخر:
(2)
.
(1)
الإعمال المصرفية والإسلام (207).
(2)
أحكام التعامل في الأسواق المالية المعاصرة (1/ 374)، وما تعقب به الهمشري، يتعقب به الدكتور سعد الخثلان، في كتابه (أحكام الأوراق التجارية) (ص: 250)، فإنه فهم أن الحوالة استيفاء من المحال عليه، يقول في ذلك: «وبهذا يتبين أن الحوالة إنما اعتبرت استيفاء لما يحصل فيها من استيفاء الدائن دينه من المحال عليه، وهذا هو مقصودها
…
».