الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقوله: (من زاد أو استزاد فقد أربى) نص في شمول التحريم للقليل والكثير من الربا، فإذا ثبت التحريم لقليل الربا وكثيره سقط ما يقال في التفريق بين القليل والكثير.
فإن قال المخالف: نحن نقول: إن يسير الربا حرام ككثيره، ولكن الجواز مشروط بأن يأخذه على أن يتخلص منه.
قيل لهم: لم فرقتم بين الكثير والقليل؟ لما كان القليل من الربا حراماً كالكثير وهذا بالاتفاق صار أخذه بشرط التخلص حراماً كالكثير.
وإذا تجاوزنا موضوع الربا، فمن قال من أهل العلم من المتقدمين باعتبار الثلث حداً بين القلة والكثرة؟
وللجواب على ذلك يقال:
لا يعرف هذا إلا للمالكية وحدهم فهم من جعل الثلث فرقاً بين القليل والكثير، إلا أن اعتبار هذا التقدير مشروط بشرطين:
الشرط الأول:
أن لا يكون للأقل حكمه المنصوص عليه، فإذا كان للأقل حكمه المنصوص عليه لم يفرق بين القليل والكثير
(1)
.
مثال القليل الذي نص عليه: مثل كون يسير البول ناقضاً للوضوء، فالنقطة والنقطتان ناقضتان للوضوء، فالقليل له حكم الكثير هنا.
ومثله يسير الخمر، فإنه حرام ككثيره، للحديث:(ما أسكر كثيره فقليله حرام) رواه أحمد وغيره، وهو حديث صحيح
(2)
.
(1)
القواعد والضوابط الفقهية القرافية - عادل ولي قوته (1/ 350 - 351).
(2)
المسند (2/ 179)، والنسائي في المجتبى (5607)، والبيهقي في السنن (9/ 296)، وابن ماجه (3394)، والدارقطني (4/ 254) من طريق عبيد الله بن عمر العمري، حدثني عمرو ابن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما أسكر كثيره فقليله حرام.
وهذا إسناد حسن، وله شواهد من حديث جابر، وعائشة، وسعد بن أبي وقاص يكون فيها الحديث صحيحاً، والحمد لله.
ومثله لو كان الأقل مقيساً على منصوص عليه: كما لو ترك الإنسان بقعة في غسل يده في الوضوء، فإن وضوءه غير صحيح، ولا يقال: هذا قليل بالنسبة لأعضاء الوضوء قياساً على قوله صلى الله عليه وسلم: (ويل للأعقاب من النار).
فإذا طبقنا هذا الشرط على يسير الربا، فيسير الربا لم يقل أحد إنه لم ينص على تحريمه، ولم يدع أحد أنه حلال، فقد أجمع العلماء على تحريم ربا النسيئة قليله وكثيره، وقد نقلت النصوص من القرآن والسنة على تحريم يسير الربا، وهو محل إجماع وسيأتي نقل ما تبقى من النصوص في معرض الاستدلال.
وبالتالي لا يصح الاحتجاج بقول المالكية في الأخذ بالثلث فرقاً بين القليل والكثير؛ لأنهم لا يقولون بهذا؛ لأن القليل ما دام قد نص على تحريمه لم يكن هناك مجال للتفريق بين القليل والكثير، بل إن المالكية قد نصوا على أن يسير الربا حرام.
جاء في التاج والإكليل: «بالنسبة للربا لا يجوز منه قليل ولا كثير، لا لتبعية ولا لغير تبعية»
(1)
.
وقال ابن عبد البر: «الربا لا يجوز قليله، ولا كثيره، وليس كالغرر الذي يجوز قليله، ولا يجوز كثيره»
(2)
.
وإذا لم يقل به المالكية لم يقل به أيضاً أحد من الأئمة الأربعة.
(1)
التاج والإكليل (4/ 365).
(2)
التمهيد (14/ 213).