الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والخلاصة: أن قول الهيئات الشرعية بالثلث في باب الربا فرقاً بين القليل والكثير هو قول لم يكن لهم فيه سلف، ولا يسوغ الاجتهاد فيه، بإحداث قول جديد.
الشرط الثاني:
أن المالكية جعلوا الثلث فرقاً بين القليل والكثير في مسائل معدودة، ولم يعمموه في كل أبواب الفقه، جاء في الذخيرة:«الثلث في حد القلة في ست مسائل: الوصية، وهبة المرأة ذات الزوج إذا لم ترد الضرر، واستثناء ثلث الصبرة إذا بيعت، وكذلك ثلث الثمار والكباش، والسيف إذا كان حليته الثلث يجوز بيعه بجنس الحلية»
(1)
.
ويستدل المالكية بحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه
.
(ح-862) فقد روى البخاري من طريق عامر بن سعد.
عن سعد، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعودني، وأنا مريض بمكة، فقلت: لي مال، أوصي بمالي كله؟ قال: لا. قلت: فالشطر؟ قال: لا. قلت: فالثلث؟ قال: الثلث، والثلث كثير، إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس
…
الحديث، والحديث رواه مسلم
(2)
.
هذا هو قول المالكية، وهذا هو دليلهم، فإن كانت هذه الهيئات أخذت هذا التحديد من قول المالكية فلا أراه متوافقاً مع مذهب الإمام مالك، وإن كان هذا القول قد قالوه ابتداء من عندهم فلا أرى أنه يسوغ لهم إحداثه.
(1)
الذخيرة للقرافي (7/ 31).
(2)
البخاري (5354)، ومسلم (1628).
وعلى التنزل أن يكون هذا القول متسقاً مع قول المالكية فإنه لا بد من النظر في دليله، فالرسول صلى الله عليه وسلم لو قال: الثلث والثلث كثير في أمور محرمة، لأمكن الأخذ بعموم اللفظ، أما والحديث وارد في باب الوصية، وهو عمل مشروع، فسحب هذا الحكم على كل شيء في أبواب الفقه، في العبادات والمعاوضات، بل حتى في المحرمات، فيجعل ما نقص عن الثلث يسيراً في كل شيء فيه تكلف لا يخفى، وفيه قياس أمور على أخرى دون أن يكون هناك علة جامعة، فلا أعرف مسوغاً شرعياً أن يقاس الربا الذي حرمه الشارع بنصوص قطعية، حتى جعله من الموبقات، وقرنه بالشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله، والزنا، أن يقاس مثل هذا على الوصية التي ندب إليها الشارع وأقرها وقدمها على الميراث في توزيع التركات.
فكيف يقاس الخبيث على الطيب، ما لكم كيف تحكمون؟
هذا ما يمكن أن يقال في جعل الثلث فرقاً بين القليل والكثير في باب الاقتراض من الربا.
أما التحديد بـ 5% من الإيراد المحرم حداً لليسير، فيقال في الجواب عليه:
أولاً: جميع المقادير في الشريعة يحتاج الأمر فيها إلى توقيف، وذلك مثل تقدير خيار التصرية بثلاثة أيام حيث جاء فيه الحديث، وتقدير المسح للمقيم يوماً وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام، فأين التوقيف في تقدير مثل ذلك، خاصة أن ذلك يقلب الحرام إلى حلال، والحضر إلى إباحة.
ثانياً: إن كان المرجع في تقدير مثل ذلك إلى العرف، فإن هذا العمل لم يكن موفقاً؛ لأنه لا يمكن الأخذ بالعرف فيما ورد فيه نص شرعي؛ لأن ذلك يؤدي حتماً إلى تعطيل النص الشرعي.