الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وملكية الوقف فهذه الجهات ليست عبارة عن أصول وموجودات، وإن كان الوقف وبيت المال يملكان أصولاً، وديوناً، ومنافع.
هذا هو توصيف الشركة بالنسبة إليهم، ويبنون بناء على هذا التوصيف جملة من الأحكام منها:
* تصرف مجلس الإدارة في أموال الشركة ليس مبنياً على الوكالة، حتى يكون المساهمون مسئولين عن هذا التصرف.
* لا تتعدى تبعة الربا مجلس الإدارة، لأنهم هم المباشرون للعقود الربوية، وأما المساهم المستثمر فغير مباشر، فلا يكون مؤاخذاً، ومع هذا فإنه لا يحل له أخذ الربح الناتج عن الربا، أو العنصر المحرم، بل يجب عليه أن يتحرى مقدار ما دخل على عائدات أسهمه من الإيرادات المحرمة، فيتخلص منها.
ونوقش هذا:
سبق لنا في فصل مستقل مناقشة القول بالشخصية الاعتبارية بما يكفي، ونبهت بأن القول بالشخصية الاعتبارية «لم تتوفر حتى الآن على هذا المفهوم المستحدث بأبعاده القانونية ندوات، أو مؤتمرات فقهية بغرض دراسته، واتخاذ الموقف الإسلامي المناسب تجاهه، وإن لم يخل الموضوع من دراسة منفردة هنا، أو هناك في محاولة لاستكشاف جوانبه، والحكم له أو عليه»
(1)
.
فهناك من ينكر إثبات هذه الشخصية الاعتبارية للشركة مطلقاً، ويرى أن قيام شركة المساهمة لا يتوقف على اعتبار الشركة ذات شخصية اعتبارية، بل يمكن
(1)
المعايير الشرعية لصيغ التمويل المصرفي اللاربوي لمجموعة من العلماء د. محمد القري، سيف الدين إبراهيم تاج الدين، د. موسى آدم عيسى، د. التجاني عبد القادر أحمد، (ص:223).
أن تقوم شركة المساهمة بكل ما هو مقرر لها من أحكام، وخاصة فيما يتعلق بتداول الأسهم، دون أن توصف بالشخصية الاعتبارية، وإذا لم يكن هذا التكييف ضرورياً لم يكن لازماً.
وهناك فريق آخر يذهب إلى القول بوجود هذه الشخصية الاعتبارية للشركة، بالقدر الذي يساعد على تسهيل معاملات الشركة، ويعترف لها بحق التقاضي لكنه يرفض بعض هذه الآثار القانونية المترتبة عنها، ويرى أنها مصادمة لروح الفقه الإسلامي وعدالته، فالآثار التي رتبت على القول بالشخصية الاعتبارية ليست مبنية على لوازم فقهية، وإنما مبنية على أحكام قانونية، وهي لا تلزم الفقيه.
وبناء عليه فيمكن القول بالشخصية الاعتبارية للشركة، ولا يعني هذا الأخذ بتلك اللوازم القانونية، فلا نجعل ذمة الشركة مستقلة عن ذمة الشركاء من كل وجه، بل نأخذ به بالقدر الذي يساعد على تنظيم أعمال الشركة، والقيام بنشاطها دون تدخل مباشر من المساهمين؛ لأن وجود الشخصية الاعتبارية ليس أمراً جوهرياً تتغير به الحقيقة المقررة، وهي ملكية المساهمين للشركة، وموجوداتها.
ولو سلمنا بأن وصف القانون التجاري حجة، وهذا نقوله من باب المناظرة، فإن كتب القانون ليست متفقة على ذلك، فقد ذكر الدكتور عبد العزيز خياط في كتابه الشركات في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي: ثلاثة مذاهب لهم فيها، فمنهم من ينفيها، ولا يعتبر الشركة إلا بأشخاص مساهميها، ومنهم من يعتبرها مجازاً قانونياً، ومنهم من يعتبرها حقيقة قانونية، فإذا كان القول الفقهي إذا لم يتفق عليه، لا يعتبر حجة بمجرده، فما بالك بآراء أهل القانون الوضعي.
وشركة المساهمة لا تختلف عن طبيعة شركة العقود، حتى ولو لم تلحق بأي نوع من أنواع الشركات المعروفة لدى الفقهاء، ذلك أن جوهرها: هو اتفاق عدد
كبير من الشركاء على أن يدفع كل واحد منهما مالاً لمن يتصرف فيه، سواء كان من الشركاء أنفسهم، أو من غيرهم بقصد الحصول على الربح، وهذا هو مضمون شركات العقود، أما اختلاف الطريقة التي يحصل بها الاشتراك، ويجمع بها المال، أو الطريقة التي تدار بها أموال الشركة، فهذه أمور تنظيمية لا تتعارض مع طبيعة شركة العقد.
وإذا كان الشأن كذلك فكل ما يقال عن أحكام للشركات المساهمة تخالف فيه أحكام الشركات في الفقه الإسلامي فهو من قبيل الدعوى التي تفتقر فيه إلى برهان من كتاب، أو سنة، أو إجماع.
وإذا تقرر بأن اعتبار الشخصية الاعتبارية للشركة لا يعني الأخذ بتلك اللوازم القانونية لم يلزم من القول بإثبات الشخصية الاعتبارية للشركة في جواز المساهمة في الأسهم المختلطة، وذلك لأمور منها:
أولاً: أن تصرفات مجلس الإدارة في أموال الشركة: إما أن يكون التصرف منهم لمصلحتهم، أو لمصلحة المساهمين، أو لمصلحتهما معاً، ولا يوجد قسمة غير هذه.
فإن كانت تصرفاتهم في أموال الشركة لمصلحتهم، فما أخذوه من المساهمين بمنزلة القرض، ويجب عليهم أن يردوا مثله، فإن ردوا أكثر منه كان ذلك من الربا المحرم؛ لأنه من قبيل القرض الذي جر نفعاً.
وإن كان تصرفهم لمصلحة المساهمين، أو لمصلحتهما معاً، فإن تصرفهم في أموال المساهمين من قبيل الوكالة، وقول غير هذا قول لا برهان عليه، ولا دليل عليه لا من الواقع، ولا من الشرع، وإذا كان تصرفهم من قبيل الوكالة كانت التصرفات المحرمة من مجلس الإدارة منسوبة إلى جميع المساهمين.
ثانياً: إذا كانت حصتي في الشركة هي حصة ملك، وليست حصة اشتراك، فإذا تصرف أحد في حصتي فإما أن يتصرف بدون تفويض مني، فيعتبر تصرفه باطلاً؛ لأنه تصرف فيما لا يملك، أو يتصرف بتفويض، فيكون نائباً عني، وهذا هو التوكيل، فكل تصرفاته المحرمة أنا مسئول عنها؛ لأنه نائب عني.
ثالثاً: أن الذي عين مجلس الإدارة، وفوض إليه التصرف، هو المسئول عن تصرفاتها، فمجلس الإدارة إما أن يكون قد عينه الأعضاء المؤسسون، وأقرته الجمعية التأسيسية للشركة ممثلة بالمكتتبين كلهم، أو غالبهم، أو عينته ابتداء الجمعية التأسيسية.
فكيف يقال: إن تصرفات مجلس الإدارة لا يعتبر تصرفاً للمساهمين، وأنهم يمثلون أنفسهم، ولا يمثلون من عينهم، وأن الإثم عليهم وحدهم دون من كلفهم.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن المكتتب مسئول عن نظام الشركة أيضاً لأنه لا بد أن يصدق عليه في الجمعية التأسيسية. والتي يدعو فيها المؤسسون جميع المكتتبين إلى الاجتماع لاستكمال إجراءات التأسيس، ومن ذلك التصديق على نظام الشركة.
وكل هذه الإجراءات قبل أن تكتسب الشركة ما يسمى بالشخصية الاعتبارية؛ لأن هذه الإجراءات تسبق صدور القرار من وزير التجارة بإعلان تأسيس الشركة، ولا يمكن أن تكتسب الشركة شخصيتها القانونية والمعنوية إلا بعد صدور قرار وزير التجارة بإعلان التأسيس.
فتبين بهذا مسئولية المكتتب في الشركة من ناحيتين:
مسئوليته عن تصرف مجلس الإدارة؛ لأن المجلس نائب عنه.
مسئوليته في إقرار نظام الشركة.