الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولو سألت أي تاجر لماذا اشتريت هذه البضاعة؟ لقال: أقصد من وراء ذلك المال والربح، ولا أقصد عين السلعة، فالسلعة مجرد وسيلة للحصول على الدراهم، وهكذا الشأن في كل عروض التجارة إنما يقصد صاحبها النقود، ولا يقال: يجب أن تطبق عليه عملية الصرف، دراهم بدراهم، وهذا ليس خاصاً بالمتاجرة في الأسهم، بل حتى المكتتب، فلا أحد يقول: إن من اكتتب في شركة زراعية إنما يريد الحصول على فواكه وخضروات، ولا من اكتتب في شركة صناعية أنه يريد الحصول على مصنوعات وآلات، فليس قصد النقود في الأسهم مؤثراً، وإلا لامتنع التداول في جميع الشركات إلا بقواعد الصرف.
الوجه الثاني:
القول إن الأسهم سلعة واحدة يتبادلها الناس، ليس صحيحاً، فالأسهم التجارية غير الأسهم الزراعية، غير الأسهم الصناعية ولذا اختلفت أحكامها في الزكاة كما هو معلوم، كما أن اختلاف قيم الأسهم في البورصة دليل على اختلاف ذواتها، فالقول إنها سلعة واحدة يتبادلها الناس قول يفتقر إلى الدليل، وإنما يقول ذلك من ادعى أن الأسهم عروض تجارة، لا علاقة لها بممتلكات الشركة، وقد بينا خطورة هذا القول، وضعفه في مسألة تكييف السهم، فأغنى عن إعادته هنا، فالصحيح أن العقد في بيع السهم يرد على ما يمثله السهم من أصول، ومنافع، وديون، وحقوق غير مالية، كالحقوق التي يمنحها السهم لمالكه، فهو عقد بيع حقيقي وارد على سلعة حقيقية، وكون مشتري السهم يبيعه بعد ذلك بأكثر مما اشتراه به، لا يعني أن ما يجري هو بيع نقد بنقد أكثر منه.
الدليل الثاني:
أن الاستثمار في الإسلام زيادة في كمية وسائل الإنتاج في المجتمع الأمر الذي يزيد القدرة على إنتاج الطيبات والمنافع، وشراء الأوراق المالية بقصد
بيعها لا ينتج طيبات، ولا يزيد منافع، فلا يصح شراؤها إلا بقصد الاستثمار، واستبقائها للحصول على عوائد دورية، فهذا هو الذي يحقق تلك المقاصد.
ويرى الدكتور أحمد محيى الدين بأن المضاربة تعني دوران رأس المال بعيداً عن دورة الإنتاج، وفي هذا يقول: «من أنواع التأثير الضار للمضاربة على النشاط الاقتصادي أنها تصرف جزءاً من أصحاب رؤوس الأموال عن القيام بعمليات الإنتاجية الحقيقية التي يتطلبها المجتمع من صناعة، وزراعة وتعدين
…
الخ وتجعلهم في انتظار الفرص التي قد تسنح من خلال تغيرات الأسعار، فإن صحت توقعاتهم وربحوا من وراء ذلك ازدادوا تعلقاً بالمضاربة، الأمر الذي يرسخ من دوران رؤوس أموال هؤلاء الأفراد بعيداً عن دورة النشاط الاقتصادي. أما إذا خسروا نتيجة مضارباتهم هذه، ويستفيد من خسارتهم عادة أفراد، ووسطاء، ومؤسسات، ومصارف ذات ارتباط مباشر أو غير مباشر بدوائر أجنبية رأسمالية ....
والفكرة الأساسية في هذا الصدد أن الفرص التي قد تسنح للمضاربين تتطلب أحياناً أموالاً جاهزة لاغتنامها، ولذلك فإن من يمتهن المضاربة يجنب أمواله السائلة أو جزءاً منها ولا يستخدمها، أو يسمح للآخرين باستخدامها في دورة الإنتاج»
(1)
.
فالمضاربة تكاد تكون معطلة للنمو الاقتصادي، فأصحاب رؤوس الأموال لن يستثمروا أموالهم في المشاريع الاقتصادية، والتي يستفيد منها كافة أفراد المجتمع، بل سوف يضارب على ارتفاع وانخفاض الأسعار لتزداد سيولته وأمواله، والمستفيد هو وحده ومعه الوسطاء من المصارف، بينما المجتمع في
(1)
أسواق الأوراق المالية، وآثارها الإنمائية - أحمد محيى الدين (ص: 518).