الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
و تطارح الدينين مسألة خلافية سبق تحرير الخلاف فيها في عقد الصرف، فانظره هناك، فقد أغنى ذكره عن إعادته هنا.
ويجاب على هذا النقاش:
بأن المقاصة إنما تجري في الديون، والديون متعلقة بالذمة، فتصح المقاصة بينهما؛ لأن قبض الديون قبض أمثالها لا أعيانها، وأما إذا كانت المقاصة بين أسهم ونقود صارت المقاصة بين أعيان وديون، وهذه لا تجري المقاصة بينها، فإن قومت الأسهم على أنها نقود لتكون ديناً كان هذا من قبيل المعاوضة.
فإذا كان العقد: على حق اختيار الشراء، فإذا تحققت توقعاته فارتفعت الأسعار قام بتنفيذ العقد، وذلك بأن يقوم بالشراء الفعلي للشيء محل الاختيار من أسهم وغيرها، ولكنه بدلاً من ذلك يطلب من الملتزم أن يدفع له الفرق بين سعر الشراء وهو سعر التنفيذ وبين السعر في السوق فكأن المشتري اشترى الأسهم من البائع وقبل قبضها ودفع ثمنها باعها بثمن أكثر من الثمن الذي اشتراه به منه، ثم أجرى المقاصة بين النقود التي في ذمته والنقود التي في ذمة البائع.
فمن رأى أن ضمان المبيع المعين قبل قبضه من البائع كالحنفية والمالكية دخل هذا البيع ربح ما لم يضمن.
ومن رأى أن ضمان المبيع المعين الذي ليس فيه حق توفية على المشتري كالحنابلة لم يمنع من الربح فيه؛ لأن المال المعين من ضمان المشتري، ولو كان ذلك قبل قبضه.
وقد بحثت مسألة ضمان المبيع في عقد البيع فأغنى ذلك عن إعادته هنا، والله أعلم.
ويبقى تحريم هذا العقد؛ لأنه مبني على عقد محرم، وهو المعاوضة على حق الاختيار، فالشراء الأول تم بأقل من سعر السوق بناء على المعاوضة على حق الاختيار، ولولاه لم يقبل أن يبيعه هذه الأسهم بأقل من سعرها، والبيع الثاني وإن تم بسعر السوق لكنه لنفس السلعة التي ملكت بحق الاختيار، وما ترتب على الباطل فهو باطل.
وهذا توصيف التسوية النقدية في حال اختيار الشراء، وأما توصيف التسوية في حال اختيار البيع، فإن مشتري خيار البيع يتطلب انخفاض الأسعار، فإذا تحقق توقعه قام بتنفيذ البيع ولكنه بدلاً من أن يسلم ما باعه إلى المشتري يطلب منه أن يدفع له الفرق بين سعر التنفيذ وبين سعر السوق، وهذا يعني أن البائع باعه الأسهم وقبل تسليمها ودفع ثمنها يقوم بشرائها بسعر السوق، فيكون كل واحد منهما مديناً للآخر بالثمن، فتحصل المقاصة بين الدينين، فيسقط من الأكثر منهما قدر الأقل، ويقبض صاحب الدين الأكثر الفرق، وهو مشتري خيار البيع.
فتكون حقيقة التسوية النقدية في حال خيار البيع أن البائع بائع سلعة بثمن حال، وقبل تسليمها وقبض ثمنها رجع واشتراها من المشتري نفسه بثمن حال أقل منه.
وقد اعتبر الحنفية البيع الثاني فاسداً، واعتبر الحنابلة المعاملة من بيع العينة.
جاء في بدائع الصنائع: «إذا باع رجل شيئاً نقداً أونسيئة، وقبضه المشتري، ولم ينقد ثمنه، أنه لا يجوز لبائعه أن يشتريه من مشتريه بأقل من ثمنه الذي باعه منه عندنا»
(1)
.
(1)
بدائع الصنائع (5/ 198).