الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحجة الرابعة:
حاجة الدولة إلى العملات الأجنبية حاجة تصل إلى حد الضرورة، والضرورة تبيح المحرمات
(1)
.
وهذه الحجة هي حجة من أباح السندات فقط في حال الضرورة، ولذا أرجي مناقشتها عند ذكر حجة هذا القول.
حجة من يبيح إصدار السندات في حال الضرورة
.
جاء في البحر الرائق: «يجوز للمحتاج الاستقراض بالربح»
(2)
.
المقصود بالحاجة هنا الضرورة، والفقهاء يعبرون بالحاجة تارة ويقصدون بها الضرورة. وذلك أن مجرد الحاجة لا تبيح المحرم، خاصة إذا كان محرماً لذاته كربا النسيئة، وإنما الضرورة فقط هي التي تبيح المحرم
(3)
.
قال الشافعي رحمه الله: «وليس يحل بالحاجة محرم إلا في الضرورات»
(4)
.
ويحتمل أن تكون الحاجة هنا على ظاهرها، وبناء عليه تنزل الحاجة منزلة الضرورة.
(1)
معاملات البنوك وأحكامها الشرعية. د. محمد طنطاوي (ص: 222 - 224).
(2)
البحر الرائق (6/ 137).
(3)
قال ابن قدامة في المغني في معنى الحاجة (1/ 59): «أن تدعو الحاجة إلى فعله، وإن كان غيره يقوم مقامه» .
وأما الضرورة فقيل في تعريفها: «الضرورة: اسم من الاضطرار، ومأخوذة من الضرر، وهو ضد النفع، وفي الاصطلاح: بلوغ الإنسان حداً إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب» .
وقيل: الضرورة «الحالة الملجئة لتناول الممنوع شرعاً» .
(4)
الأم (3/ 28).
جاء في غمز عيون البصائر: «الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت، أو خاصة»
(1)
.
وقال الزركشي: «الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة الخاصة في حق آحاد الناس»
(2)
.
«ومعنى كون الحاجة عامة: أن الناس جميعاً يحتاجون إليها فيما يمس مصالحهم العامة، من تجارة، وزراعة، وصناعة، وسياسة عادلة، وحكم صالح. ومعنى كون الحاجة خاصة: أن يحتاج إليها فرد أو أفراد محصورون أو طائفة خاصة كأرباب حرفة معينة.
والمراد بتنزيلها منزلة الضرورة: أنها تؤثر في الأحكام، فتبيح المحظور، وتجيز ترك الواجب، وغير ذلك مما يستثنى من القواعد الأصلية»
(3)
.
والربا - وإن كان حراماً - فإنه تبيحه الضرورة إذا لم يجد الرجل من يقرضه، أو قامت بالأمة حاجة إلى مشاريع يكون فيها قوامها، وديمومتها، والمشقة تجلب التيسير.
قال أبو بكر بن العربي المالكي عند ذكر القاعدة السابعة من قواعد البيوع في القبس: «اعتبار الحاجة في تجويز الممنوع كاعتبار الضرورة في تحليل المحرم .... ومن ذلك حديث العرايا وبيع التمر فيها على رؤوس النخل بالتمر الموضوع على الأرض، وفيه من الربا ثلاثة أوجه:
بيع الرطب باليابس.
(1)
غمز عيون البصائر (1/ 293).
(2)
المنثور في القواعد الفقهية (2/ 24).
(3)
الموسوعة الكويتية (16/ 256).
والعمل بالحزر والتخمين في تقدير المالين الربويين.
وتأخير القبض إن قلنا: إنه يعطيها له إذا حضر جذاذ التمر»
(1)
.
ويقول ابن تيمية: «يجوز للحاجة ما لا يجوز بدونها، كما جاز بيع العرايا بالتمر استثناء من المزابنة للحاجة
…
»
(2)
.
ويقول ابن تيمية في معرض كلامه على إباحة الغرر اليسير: «والشريعة جميعها مبنية على أن المفسدة المقتضية للتحريم، إذا عارضتها حاجة راجحة، أبيح المحرم»
(3)
.
ويقول الدكتور محمد يوسف موسى: «إنني أرى وجوب التفرقة بين ضروب الأعمال المختلفة التي يحتاج القائمون بها إلى الاقتراض بفوائد ثابتة، في شكل سندات يصدرونها لأصحاب الأموال. إنني أرى - والعلم لله وحده- أنه لا يجوز شرعاً أن يتوسع تاجر أو صانع أو صاحب مؤسسة أو شركة في أعماله، معتمداً على الاقتراض بفائدة، ولكن هناك مشاريع عمرانية، لا بد منها للبلد، تقوم بها الدولة، أو بعض الأفراد، وهناك شركات صناعية تقوم بأعمال حيوية للأمة، لا تستغني عنها بحال، ويتوقف على هذه الأعمال كثير من المرافق العامة القومية، فهذه المشروعات والشركات والمؤسسات العامة وأمثالها ينبغي أن يسندها القادرون بالمساهمة فيها على الوجه الذي لا خلاف في جوازه شرعاً، أي بأن يكونوا أصحاب أسهم لا سندات، فإن لم يكن هذا ممكناً، وكان من الضروري أن تظل قائمة بأعمالها التي لا غنى للأمة عنها، كان لها شرعاً إصدار سندات بفائدة مضمونة تدفع من الأرباح التي لا شك في الحصول
(1)
القبس (2/ 790 - 791).
(2)
مجموع فتاوى ابن تيمية (29/ 480).
(3)
مجموع الفتاوى (29/ 49).