الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويقول الدكتور حسن الأمين: «عملية الخصم هي على القول الراجح في تكييفها الشرعي من قبيل القرض بفائدة، وليست من قبيل حوالة الحق؛ لعدم تساوي الدين المحال به، والمحال عليه، وذلك شرط لصحة الحوالة.
كما أنها ليست من قبيل بيع الدين الثابت بالأوراق المخصومة؛ لأن بيع الدين لغير من عليه الدين يلزم فيه التقابض وعدم التفاضل»
(1)
.
[ن-227] وإذا اعتبرنا المبلغ الذي أخذه بائع الكمبيالة قرضاً، فكيف نكيف الورقة المالية التي أخذها المصرف (المشتري)؟
اختلف أهل العلم في ذلك على قولين:
القول الأول:
إنها من قبيل الرهن.
وإلى هذا ذهب السنهوري
(2)
، ورجحه السالوس
(3)
، وأحمد بزيع الياسين
(4)
وغيرهم.
(1)
انظر: حكم التعامل المصرفي المعاصر بالفوائد - د. حسن الأمين، بحث مقدم لمجلة مجمع الفقه الإسلامي (2/ 2/812).
(2)
يقول السنهوري في الوسيط (5/ 436): «ومن ذلك تعجيل مصرف مبلغاً من النقود لعميل، لقاء أوراق مالية مودعة في المصرف، فالمصرف يكون قد أقرض العميل هذا المبلغ الذي عجله، في مقابل رهن الأوراق المالية المودعة في المصرف» .
(3)
يقول الدكتور السالوس كما في مجلة مجمع الفقه الإسلامي (7/ 2/195 - 196): «خصم الكمبيالة كما بينه العلامة الدكتور السنهوري في الوسيط: قرض بفائدة، مع رهن الورقة التجارية، إذن الورقة التجارية هذه بمثابة رهن، ولذلك البنك بعد أن تظهر له الكمبيالة إذا حل الموعد، ولم يحصل الكمبيالة، عاد مرة أخرى على من ظهر له الكمبيالة، وطالبه بالمبلغ كاملاً، وبما يأتي من فوائد جديدة ..... إذن خصم الكمبيالة: قرض ربوي برهن هذه الورقة التجارية، ولا يمكن تخريجها أي تخريج آخر.
(4)
مجلة مجمع الفقه الإسلامي (7/ 2/197).
والقول بأن الورقة التجارية رهن بالقرض لا يصح، إذا عرفنا أن المصرف المقرض يحق له حسمها لدى مصرف آخر، أو لدى البنك المركزي قبل حلول الأجل، وهذا يدل على أنه قد تملكها بالتظهير، وليست أمانة في يده، بينما الرهن أمانة في يد المرتهن، لا يحق له بيعه، ولا التصرف فيه، وإنما يجوز بيعه إذا حل الأجل، و تعذر الاستيفاء من صاحبه.
القول الثاني: يعتبر الورقة من قبيل الحوالة.
يقول القاضي: محمد تقي العثماني قاضي القسم الشرعي للمحكمة العليا بباكستان: «والذي يظهر لي أن حسم الكمبيالة ليس بيعاً في الحقيقة، وإنما هو إقراض، وحوالة، فالذي يحسم الكمبيالة يقرض حاملها مبلغاً، ثم يحيل المقترض إياه على مصدر الكمبيالة، والدليل على ذلك أن في قوانين معظم البلاد، لا يتحمل الحاسم خطر عدم التسديد، بل يحق له الرجوع على حامل الكمبيالة إذا لم يقع التسديد من مصدر الكمبيالة، وهذا شأن الحوالة على مذهب الحنفية.
وعلى هذا، فما يعطيه حاسم الكمبيالة قرض أقرضه إلى حاملها، بشرط أن يحيله على مديونه بمبلغ أكثر منه، وهو ربا صراح؛ لأن الحوالة من صحة شرطها تساوي الدينين، وقد تحقق هنا بين مبلغ القرض والمبلغ المستوفى فيما بعد، زيادة في مقابل الأجل، وهو من ربا النسيئة»
(1)
.
ويقول الشيخ مبارك آل سليمان: «الخصم، وما يتصل به من تظهير، قرض بفائدة أولاً، ثم حوالة بالدين على المسحوب عليه ثانياً، وهي حوالة غير صحيحة، ذلك أن الفائدة على القرض محرمة
…
»
(2)
.
(1)
مجلة مجمع الفقه الإسلامي (11/ 1/85).
(2)
أحكام التعامل في الأسواق المالية المعاصرة (1/ 355 - 356). والذي أعرف أن من قال: إنها حوالة لم يقصد بتخريج الخصم على أنه حوالة؛ لأن الحوالة لا بد أن يثبت للمحال دين له على المحيل، سواء قلنا: إن هذا الدين (الخصم) بيع دين بنقد مع الحوالة، أو قلنا: إنه قرض بفائدة وحوالة، ولم يقل أحد: إن الخصم نفسه حوالة.
وذهب الشيخ نزيه حماد إلى توصيفها تارة بحسب شكلها، وتارة بحسب المقصود والغاية منها، فجعلها من قبيل بيع الدين على غير من هو عليه بالنظر إلى شكلها، وجعلها قرضاً بفائدة باعتبار المقصود والغاية منها، وهذا محاولة منه في الجمع بين التخريجين، وعملية خصم الورقة لا بد أن تكون إما هذا أو ذاك، لا أن تكون عقدين مختلفين، وإن كان بين الدين والقرض تشابهاً من جهة الشكل، إلا أن بينهما اختلافاً من جهة المقصود: فيجتمعان: أن في كل منهما مبادلة مال بمال على سبيل التمليك، ويختلفان بالمقصود: فالمقصود من القرض الإرفاق والإحسان إلا ما كان منه مشتملاً على ربا، والمقصود من البيع: المعاوضة، وطلب الربح.
وعلى هذا فالراجح عند الشيخ نزيه أنه يراها قرضاً بفائدة، وليست من قبيل بيع دين بنقد
(1)
.
يقول الشيخ نزيه: «حسم الكمبيالات صورة من صور الإقراض بفائدة التي تقوم بها البنوك التقليدية، وهو عملية محظورة شرعاً؛ لابتنائها على قاعدة القرض الربوي، ولانطوائها بلا ريب على الربا، وهو محرم شرعاً، وذلك لأمرين:
أحدهما: أننا لو أخذنا عملية خصم الكمبيالات على ظاهرها بحسب الشكل
(1)
لأن الأمور في المعاملات ينظر إلى الغاية والمقصود منها، وليس إلى شكلها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه عندما أراد أن يلخص بحثه، قال في مجلة مجمع الفقه الإسلامي (11/ 1/404):«والمسألة الثانية: قضية حسم الكمبيالات، وهي أيضاً صورة من صور الإقراض بفائدة، والتي تقوم بها البنوك التقليدية، وهي عملية محظورة شرعاً، لابتنائها على قاعدة القرض الربوي» ، فهنا الشيخ حسم أمره، واعتبرها من القرض بفائدة.
الذي أفرغت به فيه لوجدناها من قبيل بيع الدين لغير من عليه الدين، حيث يبيع صاحب الكمبيالة (الدائن) دينه المؤجل المسطور فيها لغير المدين بثمن معجل أقل من جنسه، وبيع الدين لغير من عليه الدين محظور مطلقاً عند أكثر الفقهاء، وجائز عند بعضهم إذا انتفى فيه الغرر والربا، غير أن الربا ليس بمنتف ههنا، بل هو متحقق؛ لأن العوضين من النقود، وقد باع الدائن نقداً آجلاً لغير المدين بنقد عاجل أقل منه من جنسه، فانطوى بيعه هذا على ربا الفضل والنساء، ومن هنا كان محظوراً باتفاق الفقهاء.
والثاني: أننا لو نظرنا إلى عملية خصم الكمبيالات بحسب المقصود والغاية منها لوجدناها أحد أمرين:
أ - إما إقراض مبلغ، وأخذ المقرض حوالة من المقترض بمبلغ أكثر منه، يستوفى بعد مدة معينة، وهو ربا صريح لا مجال للتأويل فيه؛ لأن الحوالة يشترط لصحتها التساوي بين الدين المحال به، والمحال عليه، وهنا تحقق بين الدين المحال به (وهو مبلغ القرض) والدين المحال عليه (وهو المبلغ الذي تثبته الكمبيالة) زيادة في مقابل الأجل، وذلك من ربا النسيئة.
ب - وإما قرض مضمون بالورقة التجارية المظهرة لأمر المصرف تظهيراً تاماً، إذ المصرف لم يقصد أن يكون مشترياً للحق الثابت في الذمة، ولا أن يكون محالاً، وإنما قصد الإقراض، فقبل انتقال ملكية الورقة المخصومة إليه على سبيل الضمان، فإذا حل وقت استحقاقها، ولم يدفع أي من الملتزمين قيمتها، فإن المصرف يعود على الخاصم بالقيمة، دون أن يرغب أو يكلف نفسه مؤونة ملاحقة الملتزمين حتى نهاية المطاف، كما هو الحاصل عملياً»
(1)
.
(1)
بيع الدين - أحكامه، تطبيقاته المعاصرة. د نزيه حماد، بحث مقدم لمجلة مجمع الفقه الإسلامي (11/ 1/183).