الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية
بيع أصل السندات على غير من هو عليه بثمن حال
[م-1257] وإن كان بيع أصل السندات على غير من هو عليه بثمن حال، كان الخلاف فيه كالخلاف في بيع الدين على غير من هو عليه بثمن حال.
فمن الفقهاء من قال: لا يجوز بيع الدين لغير المدين مطلقاً.
وهو قول الحنفية
(1)
، وإحدى القولين للشافعية
(2)
، والمشهور من مذهب
(1)
قال الكاساني في بدائع الصنائع (2/ 43): «والدين لا يقبل التمليك لغير من عليه الدين» ، وقال محمد بن الحسن في الحجة (2/ 699):«قال أبو حنيفة: لا ينبغي أن يشتري ديناً على رجل حاضر، ولا غائب، ولا على ميت، بإقرار من الذي عليه الدين، ولا بإنكار؛ لأن ذلك كله غرر، لا يدري أيخرج أم لا يخرج» . وانظر البحر الرائق (5/ 280)، تبيين الحقائق (4/ 83)، حاشية ابن عابدين (8/ 269)، المبسوط (15/ 141).
واستثنى الحنفية من عدم جواز بيع الدين على غير من هو عليه ثلاثة أشياء،
جاء في حاشية ابن عابدين (5/ 152): «لا يجوز تمليك الدين من غير من عليه الدين إلا إذا سلطه عليه واستثنى في الأشباه من ذلك ثلاث صور.
الأولى: إذا سلطه على قبضه فيكون وكيلا قابضاً للمولى ثم لنفسه.
الثانية: الحوالة. الثالثة: الوصية». وانظر فتح القدير (8/ 62).
(2)
جاء في نهاية المحتاج (4/ 92): «وبيع الدين غير المسلم فيه بعين لغير من هو عليه باطل في الأظهر، بأن يشتري عبد زيد بمائة له على عمرو؛ لأنه لا يقدر على تسليمه .. » .
وقال النووي في المجموع (9/ 332): «صحح الرافعي في الشرح، والمحرر أنه لا يجوز» .
وقال السيوطي في الأشباه والنظائر (ص:330 - 331): «وأما بيعه
…
لغير من هو عليه بالعين، كأن يشتري عبد زيد بمائة له على عمرو، ففيه قولان: أظهرهما في الشرحين والمحرر، والمنهاج: البطلان؛ لأنه لا يقدر على تسليمه».
والثاني: يجوز كالاستبدال، وصححه في الروضة من زوائده
…
». وانظر تحفة المحتاج (4/ 408 - 409)، مغني المحتاج (2/ 71).
الحنابلة
(1)
.
وقيل: يجوز بيع الدين مطلقاً، وهو رواية عن أحمد، اختاره ابن تيمية
(2)
.
وقيل: يجوز بيع الدين بالعين بشروط، وهو مذهب المالكية
(3)
، والراجح
(1)
الإنصاف (5/ 112)، المحرر (1/ 338)، شرح منتهى الإرادات (2/ 72).
(2)
المبدع (4/ 199)، مجموع الفتاوى (29/ 506)، وقال في الاختيارات (ص:131): «يجوز بيع الدين بالذمة من الغريم وغيره، ولا فرق بين دين السلم وغيره، وهو رواية عن أحمد» .
(3)
حاشية الدسوقي (3/ 63)، الخرشي (5/ 77 - 78)، الشرح الصغير (3/ 98 - 99).
والشروط التي ذكرها المالكية لصحة هذا البيع، هي:
الأول: أن يكون المدين حاضراً، ويعلم حاله من غنى وفقر.
الثاني: أن يكون الدين مما يجوز بيعه قبل قبضه، فإن كان مما لا يجوز بيعه قبل قبضه كالطعام لم يجز بيعه.
الثالث: أن يكون المدين مقراً بالدين، فلا يكفي ثبوته بالبينة.
الرابع: أن يقبض الثمن؛ لأنه إذا لم يقبض الثمن كان من بيع الدين بالدين. وهذا الشرط لا حاجة لاشتراطه لأن المسألة مفروضة في بيع الدين بالعين.
الخامس: أن يكون الثمن من غير جنس الدين، أو من جنسه مع التساوي حذراً من الوقوع في الربا.
السادس: ألا يكون ذهباً بفضة ولا عكسه؛ لئلا يؤدي إلى صرف مؤخر، لاشتراط تقابض العوضين بالصرف. وهذا الشرط لا حاجة له؛ لأن الصرف معروف لدى جميع الفقهاء بأنه يشترط فيه التقابض.
هذه مجمل الشروط التي ذكروها، وكان الغرض من هذه القيود إما دفع الغرر، وإما مخافة الوقوع في الربا، أو الوقوع في الضرر.
السابع: ألا يكون بين المشتري والمدين عداوة لئلا يتسلط عليه لإضراره، وهذا القيد لا حاجة له؛ لأن البيع يفترض فيه أن يكون عن رضا واختيار، وليس فيه إكراه.
عند الشافعية
(1)
.
وقد سبق لنا ذكر أدلة كل قول، والراجح فيها، فأغنى عن إعادتها هنا، والله أعلم.
يقول الشيخ المترك: «لو قدر أن السند يمثل ديناً مشروعاً، فهل يصح بيعه؟ .... وأما بيعه على غير من هو عليه، فالذي يترجح هو الجواز إذا بيع السند بغير نقود، كأن يبيعه بأرز، أو شعير، أ و سيارة.
وأما إذا باعه بنقود فلا يصح؛ لأنه بيع دراهم حالة بدراهم مؤجلة، ومن شرط صحة ذلك التقابض إذا كانت النقود من غير جنس النقود المباعة، وإذا
(1)
قال العمراني في البيان (5/ 71): «وأما الدين في الذمة، فعلى ثلاثة أضرب:
الأول: دين مستقر لا يخاف انتقاصه
…
فهذا يجوز بيعه ممن عليه، وهل يجوز بيعه من غيره؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يجوز؛ لأنه ربما جحده.
والثاني: يجوز، وهو الأصح، كما يجوز بيعه ممن عليه
…
».
ورجحه الشيرازي في المهذب (1/ 263)، والشروط التي ذكرها الشافعية للجواز:
ـ كون المدين مليئاً.
ـ وكونه مقراً بما عليه، أو عليه بينة.
ـ وكون الدين مستقراً، أي مأموناً من سقوطه، وهذا الشرط لا حاجة إلى اشتراطه لأن الكلام على بيع الدين المستقر ..
ـ ويشترط القبض للعوضين في المجلس. انظر حاشية البجيرمي (2/ 274)، المجموع (9/ 332).
نستطيع أن نقول إن ما اشترطه فقهاء الشافعية داخل فيما اشترطه المالكية، وذلك كون المدين غنياً مقراً بما عليه، وكون الدين حالاً، وأما باقي الشروط فلا حاجة للتنصيص عليها، والله اعلم
كانت النقود من جنسها، فيشترط أيضاً مع التقابض التماثل فلا يباع السند بثمن أقل مما يمثله، فلو كان السند يمثل عشرة جنيهات، فلا يصح أن يباع بأحد عشر جنيهاً نسيئة؛ لأنه يكون فيه ربا فضل، وربا نسيئة»
(1)
.
ويضاف إلى هذا الشرط شرطان آخران، وهو ألا يربح فيه؛ لأن الدين مضمون على المدين، وإذا ربح الدائن فيه يكون قد ربح في شيء لم يدخل في ضمانه، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن.
وأن يتعين الثمن حتى لا يكون من باب بيع الدين بالدين.
* * *
(1)
الربا والمعاملات المصرفية (ص: 375).