الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تتمة
[التقليد في أصول الدين]
قد اتضح لك التقليد في المسائل الفقهية، وبقى الكلام في جواز التقليد في أصول الدين، وهو علم العقائد المشهور بعلم الكلام.
فأعلم أن في جواز التقليد فيه أقوالاً: أحدها - وبه قال الجمهور - المنع، وفي التنزيل ذمه في الأصول بقوله سبحانه حكاية عن الكافر:{إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون} [الزخرف 23] والحث عليه في الفروع بقوله تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} [الأنبياء 7] والثاني - الجواز، وحكي عن العنبري وغيره إجماع السلف على قبول كلمتى الشهادة من الناطق بها من غير أن يقال له: هل نظرت أو تبصرت بدليل، الثالث - وجوب التقليد وتحريم النظر والبحث فيه، فمنهم من جعل سببه أن النظر فيه لا يفضى إلى العلم الذى هو المطلوب ومنهم من قال يفضى إليه، ولكن ربما أوقع الناظر في شبهة فيكون سبب ضلالة.
قال ابن أبي زرعة: وظاهر كلام الإمام الشافعي - رحمه الله تعالى - بوافق هذا المذاهب حيث قال: رأيي في أصحاب الكلام أن يضربوا بالجويد،وينادي عليهم في العشائر: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأشتغل بعلم الأوائل.
وقال: ما ارتدى أحد بالكلام فأفلح. وعلى الأول وهو المنع من التقليد فيه حكى عن الأشعري - زيادة في ذلك - إن إيمان المقلد لا يصح، وأنه يقول بتكفير العوام. وأنكره الأستاذ أبو القاسم القشيري وقال: هذا كذب وزور.
وقال إمامنا الأستاذ أبو منصور الماتريدي: أجمع أصحابنا على أن العوام
مؤمنون عارفون بالله تعالى، وانهم حشو الجنة للأخبار والإجماع فيه لكن منهم من قال: لا بد من نظر عقلي في العقائد، وقد حصل لهم منه القدر الكافي، فإن فطرتهم جبلت على توحيد الصانع وقدمه وحدوث الموجودات وإن عجزوا عن التعبير عنه على إصطلاح المتكلمين، والعلم بالعبارة علم زائد لا يلزمهم - أنتهى.
وقال إمامنا الأعظم في الفقه الأكبر: وإذا أشكل على الإنسان شئ من دقائق علم التوحيد فينبغي له - أى فيجب عليه - أن يعتقد ما هو الصواب عند الله تعالى - أى بطريق الإجمال - إلى أن يجد عالماً يسأله ولا يسعه تأخير الطلب - أى عند تردده - في صفة من صفات الجلال ونعوت الجمال ولا يعذر بالوقوف فيه، ويكفر - أي في الحال - إن توقف على بيان الأمر في الآستقبال، لأن التوقف موجب للشك،وهو فيما يفترض اعتقاده كالإنكار. أنتهى بزيادة من الشرح.
ثم قال الشارح النحرير: ولذا أبطلوا قول الثلجي من أصحابنا حيث قال في القرآن: أقول بالمتفق، وهو أنه كلامه تعالى، ولا أقول مخلوق أو قديم. هذا، والمراد به من دقائق علم التوحيد أشياء يكون الشك فيها منافياً للإيمان بذات الله تعالى وصفاته،ومعرفة كيفية المؤمن به بأحوال آخرته، فلا ينافى أن إمامنا أبا حنيفة توقف في بعض الأحكام. فالاختلاف فيها رحمة، والاختلاف في علم التوحيد ضلالة وبدعة، والخطأ في علم الأحكام مغفور بل صاحبه مأجور، بخلافه في علم الكلام فإنه كفر وزور - أنتهى.
(قلت) : فلذا قال ابن عساكر: إن الأئمة الأربعة في العقائد متفقون فليحفظ.