الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعقلية في تصنيفات مخصوصة سنية وقد أسلفنا لك شيئاً من ذلك فتدبره سالكا أحسن المسالك بحوله سبحانه وتوفيقه.
[عقيدة الشيخ عبد القادر الكيلاني]
وقال القطب الرباني الشيخ عبد القادر الكيلاني قدس سره النوراني في كتابه ((الفنية)) في باب معرفة الصانع ما بعضه: واحد أحد، فرد صمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد {ليس كمثله شئ وهو السميع البصير} لا شبيه له ولا نظير، ولا عون ولا شريك. ليس بجسم فيمن، ولا بجوهر فيحس، ولا عرض فيقضى، ولا ذى تركيب أو آلة أو تأليف، أو مائية وتحديد، ولا طبيعة من الطبائع، ولا طالع من الطوالع، ولا ظلمة تظهر، ولا نور يزهر.
هو حاضر الأشياء علماً، شاهد من غير مماسة.
وهو بجهة العلو مستو على العرش، محتو على الملك، محيط علمه بالأشياء {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} خلق الخلائق وأفعالهم - إلى قال - يقبض ويبسط، يضحك ويفرح، يحب ويكره، ويبغض ويرضى ويغضب ويسخط، يرحم ويغفر، يعطي ويمنع. له يدان وكلتا يديه يمين قال جل وعلا:{والسماوات مطويات بيمينه} .
وروى نافع عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر {والسماوات مطويات بيمينه} وقال: ((تكون في يمينه يرمى بها كما يرمى الغلام بالكرة، ثم يقول أنا العزيز)) قال: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرك على المنبر حتى كان يسقط.
قال ابن عباس رضي الله عنه: يقبض الأرضين والسماوات جميعاً، فلا يرى طرفها من قبضته. وعن أنس بن مالك عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((المقسطون يوم القيامة على
منابر من نور على يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين)) وخلق آدم عليه السلام بيده على صورته، وغرس جنة عدن بيده، وغرس شجرة طوبي بيده، وكتب التوراة بيده، ناولها موسى من يده إلى يده، وكلمه تكليماً من غير واسطة ولا ترجمان، وقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، ويوعيها مااراد، والسماوات والأرض يوم القيامة في كفه، كما جاء في الحديث:((ويضع قدمه في جهنم فينزوى بعضها إلى بعض وتقول: قط قط)) ، ويخرج قوم من النار بعده، وينظر أهل الجنة في وجهه ويرونه ولا يضامون في رؤيته ولا يضارون كما جاء في الحديث ((يتجلى لهم ويعطيهم ما يتمنون)) وقال عز من قائل:{للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} [يونس 36] قيل: الحسنى هي الجنة، والزيادة النظر إلى وجهه الكريم.
وقال تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} [القيامة 22، 23] ويعرض عليه العباد يوم الفصل والدين، يتولى حسابهم بنفسه، ولا يتولى ذلك غيره. وان الله تعالى خلق سبع سماوات بعضها فوق بعض، وسبع أرضين بعضها أسفل من بعض، ومن الأرض العليا إلى السماء الدنيا خمسمائة عام. وبين كل سماء وسماء مسيرة خمسمائة عام، والماء فوق السماء السابعة، وعرش الرحمن فوق الماء، والله تعالى على العرش، ودونه سبعون ألف حجاب من نور وظلمه وما هو أعلم به. وللعرش حملة يحملونه، قال الله عز وجل:{الذين يحملون العرش ومن حوله} [غافر 7] .
وللعرش حد يعلمه الله تعالى {وترى الملائكة حافين حول العرش} [الزمر 75] وهو سبحانه منزه عن مشابهة خلقه، ولا يخلو من علمه مكان ولا يجوز وصفه بانه في كل مكان، بل يقال: إنه في السماء على العرش، كما قال تعالى:{الرحمن على العرش أستوى} وقال تعالى: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} والنبي صلى الله عليه وسلم بإسلام الأمة لما قال لها:
أين الله؟ فأشارت إلى السماء: قال صلى الله عليه وسلم: ((لما قضى الله سبحانه الخلق كتب كتاباً على نفسه وهو عنده فوق العرش: إن رحمتى سبقت غضبي)) وينبغي إطلاق صفة الاستواء من غير تأويل، وأنه استواء الذات على العرش لا على معنى العلو، كما قالت الأشعرية، ولا على معنى الاستيلاء والغلبة كما قالت المعتزلة، لأن الشرع لم يرد بذلك، وقد روى عن أم سلمه زوج النبي صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل {الرحمن على العرش استوى} قالت: الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، والإقرار به واجب، والجحود به كفر.
وقد أسنده مسلم بن الحجاج عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيحه.
وقال أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى قبل موته بقريب: أخبار الصفات تمر كما جاءت بلا تشبيه، ولا تعطيل. وقال أيضاً في رواية بعضهم: لست بصاحب كلام، ولا أرى الكلام في شئ من هذه الأماكن في كتاب الله عز وجل أو حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن أصحابه رضي الله عنهما أو عن التابعين.
فإما غير ذلك فإن الكلام فيه غير محمود، فلا يقال في صفات الرب عز وجل: كيف ولم؟ لا يقول ذلك إلا شاك.
وقال أحمد في رواية عنه: نحن نؤمن بان الله تعالى على العرش كيف يشاء وكما شاء، بلا حد ولا صفة يبلغها واصف أو يحدها حاد، لما روى عن سعيد بن المسيب عن كعب الأحبار قال: قال الله تعالى في التوراة: ((أن الله فوق عبادى وعرشي فوق جميع خلقى، وأنا على عرشي أدبر عبادي، ولا يخفى على شئ
من عبادي)) .
وكونه عز وجل على العرش مذكور في كل كتاب انزل على كل نبي أرسل بلا كيف، فالاستواء من صفات الذات بعد ما أخبرنا به وأكده في سبع آيات من كتابه والسنة الماثورة به، وهو صفة لازمة له ولائقة به كاليد والوجه والعين والسمع والبصر والحياة والقدرة، وكونه خالقاً ورازقاً ومحيياً ومميتاً، موصوف بها، ولا نخرج من الكتاب والسنة، نقرأ الآية والخبر ونؤمن بما فيهما، ونكل الكيفية في الصفات إلى علم الله عز وجل. كما قال سفيان بن عيينة: كل ما وصف الله تعالى نفسه في كتابه فتفسيره قراءته ولم نتكلف غير ذلك، فغنه غيب لا مجال للعقل في إدراكه. وانه تعالى ينزل في كل ليلة إلى سماء الدنيا، كيف يشاء وكما يشاء. فيغفر لمن أذنب. ولا بمعنى نزول الرحمة وثوابه على ما أدعته المعتزلة والأشعرية للأحاديث الصحيحة في ذلك، منها مارواه الصديق رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال:((ينزل الله عز وجل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا فيغفر لكل نفس إلا الإنسان في قلبه شحناء أو شرك بالله عز وجل) .
وقال يحيى بن معين: إذا قال لك الجهمي: كيف ينزل؟ فقل له: كيف صعد؟ وقال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى: إذا قال لك الجهمي: أنا كافر برب ينزل، فقل له: أنا مؤمن برب يفعل ما يشاء - أنتهى باقتصار.
فتبين منه أن عقيدة الشيخ الجيلاني نفعنا الله تعالى بعلومه طبق عقيدة الشيخ ابن تيميه، وكذا سائر الحنابلة. والشيخ عبد القادر قدس سره من رؤسائهم كما هو المشهور في كافة التواريخ والطبقات، وهو المؤيد لمذهب الإمام أحمد، والمروج له في عصره بالعراق وسائر الآفاق. وأن ما نقله الشيخ ابن حجر في فتاواه عن الشيخ نجم الدين من رجوعه عن هذه العقيدة المحررة لا يعول عليه، لعدم وجود برهان على ما ذكره.
وكذا لا عبرة بما صنعه بعض العلماء الخلفيين من رفع هذا البحث من كتاب