الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في كسبه. وهذا هو المذهب الوسط، والقول العارى عن الخطر والشطط، إذ لا جبر ولا تفويض. إليه رجعوا كلام الأشعري، وإليه أشار باب مدينة العلم كرم الله تعالى وجهه بقوله للسائل عن القدر: أما إذا أبيت فإنه أمر بين أمرين: لا جبر ولا تفويض. ولله تعالى در من قال: [وافر]
تنكب عن طريق الجبر واحذر
…
وقوعك في مهاوى الاعتزال
وسر وسطاً طريقاً مستقيماً
…
كما سار الإمام أبو المعالى
وما أعلى ما رواه الثقات عن الإمام الشافعي رضي الله عنه لما سئل أيضاً عن القدر فقال:
وما شئت كان وإن لم أشأ
…
وما شئت إن لم تشا لم يكن
خلقت العباد على ما علمت
…
ففي العلم يجرى الفتى والمسن
على ذا مننت وهذا خذلت
…
وهذا أعنت وذا لم تعن
فمنهم شقى ومنهم سعيد
…
ومنهم قبيح ومنهم حسن
هذا والبحث طويل عريض. وإن أجببت زيادة الاطلاع فعليك برسائل الشيخ إبراهيم الكوراني، وشرح الأصفهانية، ونزهة والدنا وتفسيره روح المعاني، وتفسير الإمام الرازى، وغير ذلك من كتب الكلام، والله سبحانه اعلام بما جرت به الأقلام.
[حكم مخالف الإجماع]
(قوله: وإن مخالف الإجماع لا يكفر ولا يفسق) .
أقول: الصحيح أن مخالف الإجماع لا يكفر. فقد قال أبو زرعة في شرح جمع الجوامع نقلاً عن الرافعي أنه قال: كيف نكفر من خالف الإجماع، ونحن لا نكفر من رد أصل الإجماع وإنما نبدعه. أهـ. وقال العلامة السيد محمد أمين الشامي في حاشيته في باب المرتد: والحق أن المسائل الإجماعية تارة
يصحبها التواتر عن صاحب الشرع كوجوب الخمس، وقد لا يصحبها فالأول - يكفر جاحده لمخالفته التواتر لا لمخالفته الإجماع. أهـ.
ثم نقل في نور العين عن رسالة الفاضل الشهير حسام جلبي من عظماء علماء السلطان سليم بن بايزيدخان ما نصه: إذا لم تكن الآية أو الخبر المتواتر قطعي الدلالة، أو لم يكن الخبر متواتراً، أو كان قطعياً لكن فيه شبهة، او لم يكن الإجماع إجماع الجميع، أو كان ولم يكن إجماع الصحابة، أو كان ولم يكن إجماع جميع الصحابة، أو كان إجماع جميع الصحابة ولم يكن قطعياً، بأن لم يثبت بطريق التواتر، أو كان قطعياً لكن كان إجماعاً سكونياً - ففى كل من هذه الصور لا يكون الجحود كفراً، يظهر ذلك لمن نظر في كتب الأصول. فاحفظ هذا الأصل فإنه ينفعك في استخراج فروعه حتى تعرف منه صحة ما قيل: إنه يلزم الكفر في موضع كذا، ولا يلزم في موضع آخر. أهـ.
وقال الشيخ محيى الدين (في الباب الثامن والثمانين من الفتوحات) والإجماع إجماع الصحابة رضي الله عنه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وما عدا عصرهم فليس بإجماع يحكم به. وصورة الإجماع: أن يعلم أن المسألة بلغت لكل واحد من الصحابة فقال فيها بذلك الحكم الذى قال به الآخر، إذ لم يبق منهم أحد إلا وقد وصل إليه ذلك الأمر، وقد قال فيه بذلك الحكم. فإن نقل عن واحد منهم خلاف في شئ وجب رد الحكم فيه إلى الكتاب والخبر النبوي، فإنه خير وأحسن تأويلاً.
ولا يجوز أن يدان الله تعالى بالرأى، وهو القول بغير حجة ولا برهان، لا من كتاب ولا من سنة ولا إجماع. وإن كنا لا نقول بالقياس فلا نخطئ مثبته إذا كانت العلة الجامعة معقولة جلية، يغلب على الظن أنها مقصودة للشارع، وغنما منعنا نحن الأخذ بالقياس لأنه زيادة في الحكم، وفهمنا من
الشارع أنه يريد التخفيف عن هذه الأمة، وكان يقول:((أتركوني ما تركتكم)) أهـ.
وقد أجمل الشيخ ابن حجر عفا الله تعالى عنه هذا القول ولم يعزه أيضاً إلى محله. وقد أطنب الأصوليين في بحث مخالفة الإجماع وتقسيمه، فإن أردت التفصيل فعليك بكتبهم. وأما حجية الإجماع فقد قال بها الشيخ ابن تيمية، ففى فتاواه ما نصه:
(مسألة في إجماع العلماء - هل يجوز للمجتهد خلافه وما معناه؟
أجاب: معنى الإجماع أن يجمع علماء المسلمين على حكم من الأحكام، وإذا ثبت إجماع الأمة على حكم لم يكن لأحد أن يخرج عن إجماعهم. فإن الأمة لا تجتمع على ضلالة، ولكن كثيراً من المسائل يظن بعض الناس فيها إجماعاً ولا يكون الأمر كذلك، بل يكون القول الآخر أرجح في الكتاب والسنة. وأما أقوال بعض الأئمة كالفقهاء الأربعة وغيرهم فليس حجة لازمة ولا إجماعاً باتفاق المسلمين.
بل قد ثبت عنهم رضي الله تعالى أنهم نهوا الناس عن تقليدهم وأمروا إذا رأوا قولاً في الكتاب والسنة أقوى من قولهم أن يأخذوا بما دل عليه الكتاب والسنة ويدعوا أقوالهم.
ولهذا كان الأكابر من أتباع الأئمة الأربعة لا يزالون إذا ظهر لهم دلالة الكتاب والسنة على ما يخالف قول متبوعهم اتبعوا ذلك، مثل مسافة القصر فإن تحديدها بثلاثة أيام وستة عشر فرسخاً لما كان قولاً ضعيفاً كان طائفة من العلماء من أصحاب أحمد وغيرهم يرى قصر الصلاة في السفر الذى دون ذلك، كالسفر من مكة إلى عرفة، فإنه قد ثبت أن أهل مكة قصروا مع النبي صلى الله عليه وسلم بمنى وعرفه.