الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد ثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبصق قبل وجهه فإن الله قبل وجهه، ولا عن يمينه فإن عن يمينه ملكاً، وليبصق عن يساره أو تحت رجله)) وفي رواية ((إنه أذن أن يبصق في ثوبه)) وفي حديث أبي رزين المشهور لما أخبر صلى الله عليه وسلم ((أنه ما من أحد إلا سيخلو به ربه)) فقال له أبو رزين: كيف يسعنا يا رسول الله وهو واحد ونحن جمع؟ فقال: ((سأنبئك بمثل ذلك في آلاء الله تعالى، هذا القمر آية من آيات الله تعالى كلكم يراه مخلياً به فالله أكبر)) وفي الصحيحين ((لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم في الصلاة أولا ترجع إليهم أبصارهم)) . واتفق العلماء أن رفع المصلى بصره إلى السماء منهي عنه.
وروى محمد بن سيرين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع بصره في الصلاة إلى السماء حتى نزل: {الذين هم في صلاتهم خاشعون} فكان بصره لا يجاوز موضع سجوده.
فهذا مما جاءت به الشريعة تكميلاً للفطرة، لأن الداعى المأمول بالذل لا يناسب حاله أن ينظر إلى ناحية من يدعوه، خلافاً للجهمية الذين لا يفرقون بين العرش وقعر البحر، وقد قال تعالى:{قد نرى تقلب وجهك في السماء} [البقرة 144] .
[ما روى في الحجر الأسود أنه يمين الله وتأويله]
ثم بين تأويل ((الحجر الأسود يمين الله في الأرض، فمن صافحه وقبله فكأنما صافح الله تعالى وقبل يمينه)) وقال: قد ظنوا أن هذا وأمثاله محتاج إلى التأويل، وهذا وهم، لأنه لو كان هذا اللفظ ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه صريح في أن الحجر ليس هو من صفاته تعالى، وتقييده بالأرض يدل على أنه ليس هو يده على الإطلاق، فلا تكون اليد حقيقية.
وقوله: ((فكأنما صافح الله تعالى)) إلخ. صريح في أن المصافح ليس مصافحاً له تعالى، لأن المشبه ليس هو المشبه به - إلى أن قال 0 فهذا كله بتقدير كرية العرش وأما إذا قدر أنه ليس بكرى الشكل بل هو فوق العالم من الجهة التي هي وجه الأرض وأنه فوق الأفلاك الكرية كما أم وجه الأرض الموضوع للأنام فوق نصف الأرض الكري أو غير ذلك ذلك من المقادير التي يقدر فيها أن العرش فوق ما سواه فعلى كل تقدير لا يتوجه إلى الله تعالى إلا إلى العلو مع كونه على عرشه مبايناً لخلته وعلى ما ذكرناه لا يلزم شيء من المحذور والتناقض.
وهذا يزيل كل شبهة تنشأ عن اعتقاد فاسد وهو أن يظن أن العرش إذا كان كريا والله تعالى فوقه كما تقضيه ذاته سبحانه عن مشابهة المخلوقين وجب فيما عند الزاعم أن يكون سبحانه كرياً ثم اعتقد أنه إذا كان كرياً فيصبح التوجه إلى ماهو كرى كالفلك التاسع من جميع الجهات وهذا خطأ فإن القول بأن العرش كرى لا يجوز أن يظن أنه مشابه للأفلاك في أشكالها وفي أقدارها أو صفاتها بل قد تبين أنه سبحانه أعظم وأكبر من أن تكون المخلوقات عنده أصغر من الحمصة في يد أحدنا.
فإذا كانت الحمصة مثلاً في يد الإنسان أو تحته أو نحوه ذلك هل يتصور عاقل إذا استشعر علو الانسان على ذلك وإحاطته بأن يكون الانسان كالفلك فالله تعالى وله المثل الأعلى أعظم من أن يظن به ذلك وإنما يظنه الذين لم يقدروا الله حق والأرض جمعياً قبضته يوم القيامة السموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون وإذا لم يكن كرياً فالأمر ظاهر مما تقدم.
وبهذا يظهر الجواب عن السؤال من وجوه متعددة والله تعالى أعلم. اهـ
وقد أطنب هو وتلميذه العلامة ابن القيم في إثبات جهة العلة بأدلة شرعية