الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رمضان معتقداً أنه ليل، وكان نهاراً لا قضاء عليه، كما هو الصحيح عن عمر رضي الله عنه، وإليه ذهب بعض التابعين وبعض الفقهاء بعدهم.
والقول بجواز المسابقة بلا محلل وإن أخرج المستبقان.
والقول باستبراء المختلعة بحيضة، وكذلك الموطوءة بشبهة والمطلقة آخر ثلاث طلقات.
والقول بإباحة وطء الوثنيات بملك اليمين. وجواز طواف الحائض ولا شئ عليها إذا لم يمكنها أن تطوف طاهراً.
والقول بجواز بيع الأصل بالعصير كالزيتون بالزيت، والسمسم بالشيرج متفاضلاً، وجعل الزائد من الثمن في مقابلة الصنعة.
والقول بالتكفير في الحلف بالطلاق، وهو من الأقوال المشهورة التى جرى بسبب الإفتاء بها محن وقلاقل، وأن الثلاث بلفظة لا يقع إلا واحدة. وأن الطلاق المحرم لا يقع. وله في ذلك مؤلفات كثيرة لا تحصر ولا تنضبط أهـ.
وأنت تعلم أن كثيراً من ذلك هو قول لأحد المذاهب الربعة أو لداود الظاهري، أو لأحد الصحابة الكرام، أو أحد التابعين. وقد بينت البعض فيما سبق، وسأبين الباقي إن شاء الله تعالى فيما سيلحق.
والحاصل - أن هذه الأقوال والاختبارات إما له فيها سلف، أو أدلة بحسب الظاهر قويات فلا تغفل.
[رأى ابن تيميه في الحسن والقبح]
(قوله: ومن مسائل الأصول مسألة الحسن والقبح التزم كل ما يرد عليها - أقول: يا لله العجب! من إجمال هذا النقل والتشنيع على هذا القول كما لا يخفى عدم حسنه عند ناقد بصير، لأن هذه المسألة كما ستقف إن شاء الله تعالى على تفصيلها، أختلف العلماء في تفريعها وتأصيلها. فعند الأشعرية هما
شرعيان. وعند غالب الحنفية وكثير من أصحاب المذاهب وجمهور المعتزلة عقليان. فإذا خالف الشيخ ابن تيمية قول السادة الأشعرية ووافق قوله غير واحد من الحنفية أو الشافعية أو الحنبلية، هل ينبغي أن يعد ذلك من الأقوال المطعونة والآراء المرذولة، بحيث إذا سمع هذا التجهيل جاهل، أو عالم عن الاختلاف غافل، يظن أن الشيخ ابن تيمية قد تفرد بهذه المسألة، وشذ عن أهل السنة النبوية، ولم يعلم أنه قد أختلف فيها أيضاً من فحول الأئمة الماتريدية، فاستمع الآن ما تنقله لك من كتب الاسلاف التى هي كفيلة بتبيان الخلاف.
قال العلامة صدر الشريعة الحنفى في التوضيح شرح التنقيح: هذه المسألة من أمهات مسائل الأصول، ومهمات مباحث المعقول والمنقول، ومع ذلك هي مبنية على مسائل الجبر والقدر التى زلت في بواديها أقوام الراسخين، وضلت في مباديها أفهام المتفكرين، وغرقت في بحارها عقول المتبحرين. وحقيقة الحق فيها - أعنى الحق بين الإفراط والتفريط - سر من أسرار الله تعالى التى لا يطلع إلا خواص عباده. وهأنذا بمعزل من ذلك، لكن أوردت مع العجز عن درك الإدراك قدر ما وقفت عليه، ووقفت لإيراده.
أعلم أن العلماء قد ذكروا أن الحسن والقبح يطلقان على ثلاثة معان:
الأول: كون الشئ ملائماً للطبع ومنافراً له.
والثاني: كونه صفة كمال، وكونه صفة نقصان.
والثالث: كون الشئ متعلق المدح عاجلاً والثواب آجلاً، وكونه متعلق الذم عاجلاً والعقاب آجلاً.
فالحسن والقبح بالمعنيين الأولين يثبتان بالعقل أتفاقاً، أما بالمعني الثالث فقد أختلفوا فيه، فعند الأشعري لا يثبتان بالعقل بل بالشرع فقط. فهذا بناء على أمرين:
أحدهما - أن الحسن والقبح ليسا لذات الفعل وليس للفعل صفة يحسن الفعل أو يقبح لأجلها عند الأشعري.
وثانيهما - أن فعل العبد ليس باختياره عنده، فلا يوصف بالحسن والقبح ومع ذلك جوز كونه متعلق الثواب والعقاب بالشرع، بناء على أن عنده لا يقبح من الله تعالى أن يثبت العبد أو يعاقبه على ما ليس باختياره، لأن الحسن والقبح لا ينسبان إلى أفعال الله تعالى عنده.
فالحسن والقبح بالمعني الثالث يكونان عند الأشعري بمجرد كون الفعل مأموراً به ومنهياً عنه. فالحسن عنده ما أمر به والقبيح ما نهى عنه. وعند المعتزلة ما يحمد على فعله سواء يحمد عليه شرعاً أو عقلاً. والقبح ما يذم على فعله. ثم بعد ما أبطل دليل الأشعري بما يطول نقله قال: وعند بعض أصحابنا يعني الحنفية والمعتزلة حسن بعض أفعال العباد وقبحها يكونان لذات الفعل أو لصفة له ويعرفان عقلاً أيضاً، لأن وجوب تصديق النبي صلى الله عليه وسلم إن توقف على الشرع يلزم الدور، وإن لم يتوقف على الشرع كان واجباً عقلاً فيكون حسناً عقلاً. وأيضاً وجوب تصديق النبي صلى الله عليه وسلم موقوف على حرمة الكذب، فهي إن ثبتت شرعاً يلزم الدور، وإن ثبتت عقلاً يلزم قبحاً عقلاً.
ثم قال: ولما أثبتنا الحسن والقبح العقليين - وفي هذا القدر لا خلاف بيننا وبين المعتزلة - أردنا أن نذكر بعد ذلك الخلاف بيننا وبينهم، وذلك في امرين:
أحدهما - أن العقل عندهم حاكم مطلقاً بالحسن والقبح على أن الله تعالى وعلى العباد. أما على الله تعالى فلأن الأصلح واجب على الله تعالى بالعقل، فيكون تركه حراماً على الله تعالى. والحكم بالوجوب والحرمة يكون حكماً بالحسن والقبح ضرورة. وأما على العباد فلأن العقل عندهم يوجب الأفعال عليهم
ويبيحها ويحرمها من غير أن يحكم الله تعالى فيها بشئ من ذلك. وعندنا، الحاكم بالحسن والقبح هو الله تعالى، وهو متعال عن أبي يحكم غيره، وعن أن يجب عليه شئ، وهو خالق أفعال العباد، جاعل بعضها حسناً وبعضها قبيحاً وله في كل قضية كلية أو جزئية حكم معين، وقضاء مبين، وإحاطة بظواهره وبواطنها، وقد وضع فيها ما وضع من خير أو شر، ومن نفع أو ضر، ومن حسن أو قبح.
وثانياً - أن العقل عندهم يوجب العلم بالحسن والقبح بطريق التوليد بأن يولد العقل العلم بالنتيجة عقب النظر الصحيح. وعندنا العقل آلة لمعرفة بعض من ذلك، إذ كثير مما حكم الله تعالى بحسنه أو قبحه لم يطلع العقل على شئ منه، بل معرفته موقوفة على تبليغ الرسل، لكن البعض منه قد أوقف الله تعالى العقل على انه غير مولد للعلم، بل أجرى عادته بخلق بعضه من غير كسب، وبعضه بعد الكسب. أى ترتيب العقل المقدمات المعلومة ترتيباً صحيحاً على ما مر أنه ليس لما قدرة إيجاد الموجودات، وترتيب الموجودات ليس بإيجاده. أهـ. ملخصاً.
وكتب السعد في تلويحه على قوله ((وعندنا الحاكم بالحسن والقبح هو الله تعالى)) ما نصه: لا يقال هذا مذهب الأشاعرة بعينه، لأنا نقول: الفرق هو أن الحسن والقبح عند الأشاعرة لا يعرفان إلا بعد كتاب ونبي وعلى هذا المذهب قد يعرفها العقل بخلق الله تعالى علماً ضرورياً بهما، إما بلا كسب كحسن تصديق النبي وقبح الكذب الضار، وإما مع كسب كالحسن والقبح المستفادين من النظر في الأدلة وترتيب المقدمات، وقد لا يعرفان إلا بالنبي والكتاب كأكثر أحكام الشرع. أهـ. ملخصاً.
وقال التاج السبكي في جمع الجوامع: الحسن والقبح بمعنى ملاءمة الطبع
ومنافرته وصفة الكمال والنقص - عقلي وبمعنى الذم عاجلاً والعقاب آجلاً - شرعي، خلافاً للمعتزلة. قال شارحه ولي الدين أحمد الشهير بابي زرعه العراقي الشافعي: الحسن والقبح يطلق بثلاثة اعتبارات:
أحدها - ما يلائم الطبع وينافره، كقولنا: إنقاذ الفريق حسن، وإتهام البرئ قبيح.
الثاني - صفة الكمال والنقص، كقولنا: العلم حسن والجهل قبيح وهو بهذين الاعتبارين عقلى بلا خلاف، أى أن العقل يستقل بإدراكها من غير توقف على الشرع.
الثالث: ما يوجب المدح أو الذم الشرعي عاجلاً، والثواب أو العقاب آجلاً وهو موضع الخلاف. والمعتزلة قالوا: هو عقلى أيضاً، يستقل العقل بإدراكه. وهل أهل السنة: هو شرعي لا يعرف إلا بالشرع. أهـ.
ونقل العلامة السفاريني عند شرح قوله: [رجز]
وربنا يخلق باختيار من غير حاجة ولا اضطرار
لكنه لا يخلق الخلق سدى كما أتى في النص فاتبع الهدى
ما نصه: قال شيخ الإسلام ابن تيميه قدس الله تعالى روحه: ونشا من هذا الاختلاف نزاع بين المعتزلة وغيرهم ومن وافقهم في مسألة التحسين والتقبيح العقلي، فأثبت ذلك المعتزلة والكرامية، وغيرهم، ومن وافقهم من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، واهل الحديث وغيرهم رضي الله عنه، ونفى ذلك الأشعرية ومن وافقهم من اصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم. وأتفق الفريقان على أن الحسن والقبيح إذا فسر أيكون الفعل نافعاً للفاعل ملائماً له، وكونه ضاراً للفاعل منافراً له أنه تمكن معرفته بالعقل كما يعرف بالشرع وظن من ظن من هؤلاء أن الحسن والقبح المعلوم بالشرع خارج عن هذا، وليس كذلك، بل جميع الأفعال التى أوجبها الله تعالى وندب إليها هي نافعة لفاعليها ومصلحة لهم، وجميع الأفعال التى نهى الله تعالى عنها هي ضارة لفاعليها ومفسدة في حقهم.
والحمد والثواب المترتب على طاعة الشارع نافع للفاعل ومصلحة له. والذم والعقاب المترتب على معصيته ضار للفاعل مفسدة له. والمعتزلة اثبتت الحسن في افعال الله تعالى لا بمعنى حكم يعود إليه من أفعاله تعالى.
قال الشيخ: ومنازعوهم لما أعتقدوا ان لا حسن ولا قبح في الفعل إلا ما عاد إلى الفاعل منه حكم، نفوا ذلك وقالوا: القبيح في حق الله تعالى هو الممتنع لذاته، وكل ما يقدر ممكناً من الأفعال فهو حسن، إذ لا فرق بالنسبة إليه عندهم بين مفعول ومفعول، وأولئك - يعني المعتزلة - اثبتوا حسناً وقبحاً لا يعود إلى الفاعل منه حكم يقوم بذاته. وعندهم لا يقوم بذاته ولا وصف ولا فعل ولا غير ذلك، وغن كانوا قد يتناقضون. ثم أخذوا يقيسون ذلك على ما يحسن من العبد ويقبح، فجعلوا يوجبون على الله سبحانه من جنس ما يوجبون على العبد، ويحرمون عليه من جنس ما يحرمون على العبد، ويسمون ذلك العدل والحكمة مع قصور عقلهم عن معرفة حكمته، فلا يثبتون له مشيئه عامة ولا قدرة تامة. فلا يجعلونه على كل شئ قديراً، ولا يقولون ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولا يقرون بانه خالق كل شئ. ويثبتون له من الظلم ما نزه نفسه عنه، فإنه سبحانه قال:{ومن يعلم من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً ولا هضماً} [طه 112] أى لا يخال أن يظلم فيحمل عليه من سيئات غيره، ولا يهضم من حسناته.
والحاصل - أن فعل الله تعالى وتقدس وأمره لا يكون لعلة في قول مرجوح - أختاره كثير من علمائنا وبعض المالكية والشافعية، وقاله الظاهرية والأشعرية والجهمية.
والقول الثاني - أنها لعلة وحكمة، أختاره الطوفي، وهو مختار شيخ
الإسلام ابن تيميه وابن القيم وابن قاضي الجبل وحكاه عن إجماع السلف وهو مذهب الشيعة والمعتزلة.
لكن المعتزلة تقول بوجوب الصلاح، ولهم في الأصلح قولان. والمخالفون لهم يقولون بالتعليل لا على منهج المعتزلة. قال شيخ الإسلام: لأهل السنة في تعليل أفعال الله تعالى وأحكامه قولان، والأكثرون على التعليل والحكمة، وهل هي منفصلة عن الرب ولا تقوم به، أو قائمة مع ثبوت الحكم المنفصل، لهم فيه أيضاً قولان. وهل يتسلسل الحكم أولا بتسلسل، أو يتسلسل في المستقبل دون الماضي؟ فيه أقول.
قال: احتج المثبتون للحكمة والعلة بقوله تعالى: {من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل} [المائدة 32] وقوله تعالى: {كي لا يكون دولة} [الحشر 7] وقوله سبحانه: {وما جعلنا القبلة التى كنت عليها إلا لنعلم} [البقرة 143] ونظائرها، ولأنه تعالى حكيم شرع الأحكام لحكمة ومصلحة، لقوله تعالى:{وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} [الأنبياء: 107] والإجماع واقع على اشتمال الأفعال على الحكم والمصالح، جوازاً عند أهل السنة، ووجوباً عند المعتزلة، فيفعل ما يريد بحكمته.
وتقدم أن النافين للحكمة والعلة احتجوا بما أحتجوا به انه يلزم من قدم العلة قدم المعلول وهو محال، ومن حدوثها افتقارها إلى علة أخرى، وأنه يلزم التسلسل.
قال الإمام الرازي. وهو مراد المشايخ بقولهم: كل شئ صنعه ولا علة لصنعه. وما أجاب به من قال بالحكمة، وانها قديمة لا يلزم من قدم العلة قدم معلولها، كالإدارة فإنها قديمة ومتعلقها حادث.
والحاصل - أن شيخ الإسلام وجمعاً من تلامذته أثبتوا الحكمة والعلة أفعال الباري سبحانه واقاموا على ذلك من البراهين ما لعله لا يبقى في مخيلة
الفطين، السالم من ربقة تقليد الأساطين - أدنى اختلاج وأقل تخمين، منها قوله تعالى:{أيحسب الإنسان أن يترك سدى} [القيامة 36] وقوله تعالى {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً} [المؤمنون 115] وغير ذلك.
واما الإمام شمس الدين ابن القيم قد أجلب وأجنب، واتى بما يقضى منه العجب، في كتابه ((شرح منازل السائرين)) و ((مفتاح دار السعادة)) وغيرهما فمن أراد تنمية البحث والأدلة فليرجع إليهما، وإلى شرح عقيدة السفاريني عليه الرحمة. وقال أيضاً عند شرح قوله:[رجز]
فكل ما منه تعالى يحمل لأنه عن فعله لا يسئل
ما بعضه: مذهب الأشاعرة أن أفعال البارى تعالى ليست معللة بالأغراض والمصالح، ويقولون: إنه سبحانه يفعل هذه الحوادث عند الأسباب، واللام للعاقبة لا للتعليل. ومذهب الماتريدية: امتناع خلو فعله عن المصلحة، كما قال السعد.
والحق أن تعليل بعض الأفعال لا سيما الأحكام الشرعية بالحكم والمصالح ظاهر، وأنه مذهب سلف الأمة. والقول الوسط كما حكاه الشيخ في ((شرح الأصبهانية)) لأنه تعالى خلق كل شئ، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ويثبتون لله تعالى حكمة يفعل لأجلها قائمة به عز وجل. أهـ.
وقال بعض الأشاعرة: إنهم يقولون بالحكمة والمصلحة في نفس الآمر لأنهم يمنعون العبث في افعاله سبحانه، كما يمنعون الغرض، ولذلك كان التعبدي من الأحكام ما لا يطلع على حكمته لا مالا حكمه له، على أن بعضهم نقل عن الأشاعرة أنهم إنما يمنعون وجوب التعليل لا أنهم يحيلونه، كما صرح به ابن عقيل الحنبلى، واستغربه بعض الأشاعرة، أهـ. وقال أيضاً عند شرح قوله:[رجز]
فلم يحب عليه فعل الأصلح ولا الصلاح ويح من لم يفلح
خلافاً للمعتزلة. فمعتزلة البصرة قالوا بوجوب الأصلح في الدين، وقالوا تركه بخل ويفه يجب تنزيه البارى تعالى عنه، ومنهم الجبائي. وذهب معتزلة بغداد إلى وجوب الصلح في الدين والدنيا معاً، لكن بمعنى الأوفق في الحكمة والتدبير. وهذه المسألة مترجمة في كتب القوم بمسألة وجوب الصلاح والأصلح أنتهى.
قلت: والكلام فيها مبسوط في محله. وقصة الأشعري مع الجبائي المتقدمة لك في ترجمته قاضية بحقية مذهب أهل السنة ثم قال:
تنبيه - مذهب القول بالصلاح والأصلح مبني فيما قاله متكلموا الأشاعرة وغيرهم على قاعدتين:
إحداهما - تحسين العقل وتقبيحه في الأحكام الشرعية.
الثانية - استلزام الأمر للإدارة، فإن قلت: قد أسلفت أن أسلافك مثل شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم وغيرهما لهم الميل الاستدلال لإثبات التعليل والحكمة في الخلق والأمر، وذلك من اصول القول بالصلاح والأصلح. ثم هنا أبطلت هذا القول، وذكرت من لوازمه ما لا جواب عنه فما تصنع في هذه اللوازم التى ألزمت بها المعتزلة وما الجواب عنها إذا وجهت إليكم؟.
قلت: لا ريب، إنما نثبت لله وما أثبته لنفسه، وشهدت به الفطرة والعقول من الحكمة في خلقه وأمره، فكل ما خلقه وامر به فله فيه حكمه بالغة. وآية ظاهرة لأجلها خلقه وأمر به. لكن نقول: إن الله تعالى في خلقه كالفرق بين الفعلين، وكالفرق بين الوصفين والذاتين، فليس كمثله شئ في وصفه ولا في فعله ولا في حكمه مطلوبة له.
بل الفرق بين الخالق والمخلوق في ذلك كله أعظم فرق وابينه وأوضحه عند العقول والفطر، وعلى هذا فجميع ما ألزمت به الفرق القائلة بالصلاح
والأصلح، بل واضعاف ما ذكر من الإلزاميات فيه حكمة يختص بها لا يشاركه فيها غيره، ولأجلها حسن منه ذلك، وقبح من المخلوقين لانتفاء تلك الحكمة في حقهم. وهذا كما يحسن منه تعالى مدح نفسه والثناء عليها، وإن قبح من اكثر خلقه ذلك. ويليق بجلالة الكبرياء والعظمة، ويقبح من خلقه تعاطيها كما روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه حكى عن الله تعالى أنه قال:((الكبرياء إزارى والعظمة ردائى، فمن نازعني واحداً منها عذبته)) وكما يحسن منه إماتة خلقه وابتلاؤهم وامتحانهم بانواع المحن، ويقبح ذلك من خلقه.
وهذا أكثر من أن تذكر أمثلته، فليس بين الله تعالى وبين خلقه جامع يوجب أن يحسن منه ما حسن منهم، ويقبح منه ما قبح منهم، وإنما تتوجه تلك الإلزامات على من قاس أفعال الله تعالى بأفعال العباد، دون من أثبت له حكمه يختص بها لا تشبه ما للمخلوقين من الحكمة، فهو عن تلك الإلزامات بمعزل، ومنزلة منها أبعد منزل.
ونكتة الفرق أن بطلان الصلاح والأصلح لا يستلزم بطلان الحكمة والتعليل كما أن التعليل الذى نثبته غير الذى تثبته المعتزلة كما مر، فإن المعتزلة أثبتوا لله شريعة عقلية، وأوجبوا عليه فيها وحرموا بمقتضى عقولهم. فالمعتزلة يوجبون على اله تعالى ويحرمون بالقياس على عباده، ولا ريب أن هذا من أفسد القياس وأبطله كما نبه عليه وبينه الإمام المحقق ابن القيم في كتابه:(مفتاح دار السعادة) . وأما زعم المعتزلة استلزام الآمر للإرادة فباطل لا يعول عليه وبالله تعالى التوفيق. أهـ.
فإذا أحطت خبراً بما تقرر علمت أن في المسألة أقوالاً، وأن العلماء قد كثر بينهم لذلك القيل والقال. فخذ ما طابق الكتاب وأترك الجدال.