المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[أدلة المجوزين للتوسل والإستغاثة] - جلاء العينين في محاكمة الأحمدين

[ابن الألوسي]

فهرس الكتاب

- ‌[سبب تأليف الكتاب]

- ‌[ابن حجر ينال من ابن تيمية]

- ‌[ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية]

- ‌[الحافظ الذهبي يتحدث عن ابن تيمية]

- ‌[الحافظ ابن كثير أيضاً]

- ‌[ما كتبه الزملكاني]

- ‌[كلام للسيوطي في ابن تيمية]

- ‌[رأى الحافظ ابن سيد الناس في ابن تيمية]

- ‌[رأى ابن الوردى]

- ‌[رأى الواسطى]

- ‌[رأى ابن دقيق العيد]

- ‌[رأى العلامة السبكي]

- ‌[رأى الحافظ ابن حجر العسقلاني]

- ‌[المؤمنون يفتنون]

- ‌فصل:في تبرئة الشيخ مما نسب إليه وثناء المحققين المتأخرين عليه

- ‌[شهادة الكورانى]

- ‌[شهادة السويدي البغدادي]

- ‌[شهادة الآلوسي والد المؤلف]

- ‌فصل: (في قول العلامة ابن حجر المتقدم سابقاً)

- ‌(ترجمة الإمام السبكي)

- ‌(في رد اليافعي على السبكي)

- ‌(مطلب كلام السبكي)

- ‌(الجواب من اليافعي)

- ‌(ترجمة القاضي تاج الدين السبكي)

- ‌(ترجمة العز بن جماعة)

- ‌(ترجمة الزملكاني)

- ‌(ترجمة أبي حيان)

- ‌(ترجمة ابن حجر الهيتمي)

- ‌(ترجمة ابن حجر العسقلاني)

- ‌فصل: يشتمل على مقصدين

- ‌المقصد الأول: في تراجم بعض آباء الشيخ ابن تيمية وأقربائه

- ‌(ترجمة المجد ابن تيمية)

- ‌(ترجمة عبد الحليم بن تيمية)

- ‌(ترجمة عبد الغني بن تيمية)

- ‌(ترجمة شرف الدين بن تيمية)

- ‌(ترجمة محمد بن تيمية)

- ‌(ترجمة زينب بنت تيمية)

- ‌المقصد الثاني: في ترجمة بعض تلامذته الكرام المشهورين وترجمة المثنين عليه من العلماء المتأخرين

- ‌(ترجمة الإمام ابن القيم)

- ‌(ترجمة الحافظ الذهبي)

- ‌(ترجمة شمس الدين ابن قداه)

- ‌(ترجمة ابن قاضي الجبل)

- ‌(ترجمة الطوفى الصرصري)

- ‌(ترجمة ابن الوردى)

- ‌(ترجمة زين الدين الحراني)

- ‌(ترجمة ابن مفلح)

- ‌(ترجمة شرف الدين ابن المنجا)

- ‌[ترجمة بعض تلامذة الإمام الذين تأثروا به ولم يعاصروه]

- ‌(ترجمة ابن ناصر)

- ‌(ترجمة الشيخ إبراهيم الكوراني)

- ‌(ترجمة منلا على القارئ)

- ‌(ترجمة العلامة السويدي البغدادي)

- ‌(ترجمة شهاب الدين مفتى الحنفية ببغداد الألوسي البغدادي)

- ‌(ترجمة مسند الوقت أحمد ولى الله الدهلوي)

- ‌(ترجمة العلامة الشوكاني)

- ‌(ترجمة الإمام الأجر أبي الطيب)

- ‌فصل: (في الجرح والتعديل)

- ‌(لا يؤخذ بقول العلماء في طعن بعضهم بعضاً)

- ‌(فيمن طعن في معاصروه)

- ‌[لغرض أو مرض هوجم ابن تيمية]

- ‌فصل: (في كلام العلامة ابن حجر فيما يتعلق بكتب الصوفية)

- ‌الفصل الأول: (في عقيدة الإمام ابن تيمية)

- ‌[إجلاله للصحابة]

- ‌[ابن تيمية والشاذلي]

- ‌(ترجمة أبي الحسن الشاذلي)

- ‌الفصل الثالث: [المعترضون على الصوفية كثيرون]

- ‌(ترجمة الإمام محي الدين بن العربي)

- ‌[الناس في ابن عربي أقسام ثلاثة]

- ‌(ترجمة ابن الفارض)

- ‌(ترجمة ابن سبعين)

- ‌(ترجمة الحلاج)

- ‌[رأى ابن حجر العسقلاني في الحلاج ومن على شاكلته]

- ‌[ابن تيمية يرد القول بولاية الحلاج من وجوه]

- ‌(مكتوب شيخ الإسلام ابن تيمية)

- ‌الفصل الرابع: في الكلام على ما نقله الشيخ ابن حجر من عبارة شيخ الإسلام

- ‌[ابن حجر لا يلتزم أدب المناظرة في النقل]

- ‌[الصوفى المثالى]

- ‌[الصوفى المنحرف]

- ‌[ابن تيمية كان يتشدد في سد ذرائع البدع]

- ‌[رأى ابن تيمية في الولاية والأولياء]

- ‌[لم يكن ابن تيمية وحده هو الذي حارب الفلاسفة]

- ‌[الغزالي يرمى الفلاسفة بالكفر]

- ‌فصل: [في أصنافهم وشمول سمة الكفر كافتهم]

- ‌[رأى لابن تيمية في الفلاسفة]

- ‌[هل يعلم الولى بلغيب

- ‌(ترجمة ابن سينا)

- ‌(ترجمة الإمام أبي حامد الغزالي)

- ‌[مما أخذ عن الغزالي]

- ‌[ليس ابن تيمية أول من انتقد الغزالي]

- ‌[فرق الشيعة وعقائدهم]

- ‌(ترجمة الفضيل بن عياض)

- ‌(ترجمة القشيرى)

- ‌[عقيدة المعتزلة وفرقهم]

- ‌[عقيدة الجهمية]

- ‌[مناظرة شعرية بين أهل السنة والمعتزلة حول رؤية الله]

- ‌[علم الكلام بين مادحيه وقادحيه]

- ‌[رأى ابن تيمية في المتكلمين]

- ‌[التعريف برسائل إخوان الصفا]

- ‌[ترجمة أبي حيان التوحيدى]

- ‌[ابن سينا يرى أن علم الغيب بالنسبة للبشر جار على السنن الطبيعي]

- ‌[بحث في الرؤيا]

- ‌ الروح

- ‌[في الإنسان]

- ‌[الروح حادثة أم هي قديمة

- ‌[مستقر الأرواح في البرزخ]

- ‌[هل تموت الروح

- ‌[قصيدة ابن سينا في الروح ومعارضه الدهلوى لها]

- ‌(ترجمة الإمام أبي بكر بن العربي)

- ‌[الدس في بعض الكتب]

- ‌(ترجمة الإمام المازرى)

- ‌(ترجمة الإمام الطرطوشي)

- ‌(ترجمة الإمام ابن الجوزي)

- ‌(ترجمة ابن عقيل)

- ‌فصل: وأما قول الشيخ ابن حجر:

- ‌[أكاذيب تدفعها حقائق]

- ‌[تعريفه وشروطه]

- ‌[هل يتجزأ الاجتهاد

- ‌[هل يجوز أن يخلو الزمان عن مجتهد

- ‌[فتوى للإمام ابن تيميه عن التقليد]

- ‌[فتوى للإمام ابن تيمية حول جواز تقليد غير الأربعة]

- ‌[هل يجوز الانتقال من مذهب إلى مذهب

- ‌[التقليد في أصول الدين]

- ‌(ترجمة الإمام أحمد بن حنبل)

- ‌[كتاب للإمام أحمد عن السنة]

- ‌[محنة القول بخلق القرآن]

- ‌[نقلة فقه الإمام أحمد]

- ‌((وما ضرنا أنا قليل وجارنا عزيز وجار الأكثرين ذليل))

- ‌[ترجمة الإمام أبو الحسن الأشعري]

- ‌[من أتباع الأشعري]

- ‌[عقيدة الأشعري]

- ‌[ترجمة الإمام البيهقي]

- ‌فصلوقد آن الشروع في أجوبة ما عزاه الشيخ ابن حجر عليه الرحمة إلى الشيخ ابن تيمية

- ‌[رأى ابن تيمية في يمين الطلاق]

- ‌[الطلاق المخالف للسنة]

- ‌[تارك الصلاة عمداً هل يقضى]

- ‌[هل يباح للحائض الطواف بدون كفارة]

- ‌[هل يرد الطلاق الثلاث إلى واحدة]

- ‌[حكم المكوس وهل تقوم مقام الزكاة

- ‌فصل: [في المظالم المشتركة]

- ‌[هل تنجس المائعات بموت حيوان]

- ‌[هل للجنب أن يصلى التطوع ليلاً قبل أن يغتسل

- ‌[شرط الواقف هل يعتبر أو لا

- ‌[اختيارات أخرى ذهب إليها ابن تيميه]

- ‌[رأى ابن تيميه في الحسن والقبح]

- ‌[أفعال العباد]

- ‌[حكم مخالف الإجماع]

- ‌[عقيدة ابن تيميه في كلام الله]

- ‌[فتوى لابن تيميه عن كلام الله]

- ‌[كلام نفيس لابن القيم في الموضوع]

- ‌فصل: [عقيدة ابن القيم وشيخه في القرآن]

- ‌[مقتطفات من نونية ابن القيم]

- ‌فصل: في مذهب الاقترانية

- ‌فصل: في مذهب القائلين بأنه متعلق بالمشيئة والإرادة

- ‌فصل: في مذهب الكرامية

- ‌فصل: في ذكر مذهب أهل الحديث

- ‌فصلوأتى ابن حزم بعد ذاك

- ‌فصلونعتقد أن القرآن كلام الله عز وجل

- ‌فصلونعتقد أن القرآن حروف مفهومة

- ‌فصل: [حروف المعجم أمخلوقة هي أو قديمة

- ‌فصل[البيهقي يستدل لكون القرآن غير مخلوق]

- ‌[القول والكلام يتواردان على معنى واحد]

- ‌[ما جاء في إثباته صفة التكليم والتكلم والقول سوى ما مضى]

- ‌[كيف يكلم الله البشر

- ‌[إسماع الرب ملائكته]

- ‌[الفرق بين التلاوة والمتلو]

- ‌[هل كان ابن تيمية دهرياً يقول بقدم العالم

- ‌[وهل كان يقول بالحسمية والجهة والانتقال]

- ‌[تبرئة ابن تيمية مما نسبه إليه ابن حجر من التجسيم]

- ‌[فوقية الخالق سبحانه]

- ‌[قول الله عز وجل: {أأمنتم من في السماء} [الملك 16]]

- ‌[قول الله عز وجل لعيسى ابن مريم]

- ‌[مجئ الله]

- ‌[مذهب السلف. تنزيه. وتفويض. وتصديق]

- ‌[ليس الاستواء بمعنى الاستيلاء]

- ‌[أنتصار الرازى لتأويلات الخلف]

- ‌[الصفات بين المفوضين والمعطلين]

- ‌[رأى المؤلف في الصفات]

- ‌[مذهب ابن تيمية في الصفات]

- ‌[كلام ابن تيمية في العرش وإحاطة الله بمخلوقاته]

- ‌[أسماء الله وصفاته توقيفية دون زيادة ولا نقصان]

- ‌[ما روى في الحجر الأسود أنه يمين الله وتأويله]

- ‌[عقيدة الشيخ عبد القادر الكيلاني]

- ‌[عقيدة الأشعري]

- ‌[ابن تيمية لم يكن بدعاً من الأئمة حينما رأى ما رأى]

- ‌[لازم المذهب ليس بمذهب]

- ‌[الأقوال في آيات الصفات وأحاديثها]

- ‌[القول في فناء النار]

- ‌[هل الجنة والنار موجودتان؟ وأين؟ وهل هما ابديتان

- ‌[أدلة القائلين بعدم فناء النار]

- ‌[صاحب الكبيرة]

- ‌[عصمة الأنبياء]

- ‌[كلام في التوسل والوسيلة والاستغاثة]

- ‌[أدلة المجوزين للتوسل والإستغاثة]

- ‌[أدلة المانعين للتوصل]

- ‌[حقيقة الشفاعة]

- ‌[سقوط الاستدلال بحديث الأعمى]

- ‌[توسل عمر بالعباس]

- ‌[حديث آدم]

- ‌[حديث الأعرابي]

- ‌[حديث مالك]

- ‌[التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌[قيمة المنامات والحكايات في الاستدلال]

- ‌[الحياة البرزخية]

- ‌[مذهب ابن تيمية في التوسل]

- ‌[لا يعبد الله إلا بما شرع]

- ‌[نوعا الشفاعة]

- ‌[هل تنعقد اليمين بغير الله]

- ‌[الوسيلة الجائزة والممنوعة]

- ‌[الاستغاثة بالمشايخ والموتى]

- ‌[إسراف بغيض]

- ‌[هل يشد الرحال لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌[باب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌[فتوى لابن تيمية في زيارة قبره صلى الله عليه وسلم

- ‌[حكم زيارة القبور بلا شد الرحال]

- ‌[السنن والبدع في زيارة القبور]

- ‌[كيف بدلت التوراة والإنجيل]

- ‌[ابن حجر لا يعدل في القضية]

- ‌[ارتفاع الحدث بماء الورد]

- ‌[حكم المسح على النعلين وما جرى مجراهما]

- ‌[هل يتوقت المسح على الخفين

- ‌[التيمم لخشية فوات الوقت]

- ‌[اختيار لابن تيمية في التيمم]

- ‌[مدة الحيض]

- ‌[مسافة القصر]

- ‌[هل تستبرأ البكر

- ‌[هل يقضى من أكل في وقت الصوم يظنه بليل]

- ‌[المسابقة]

- ‌استبراء المختلعة

- ‌[وطء الوثنيات بملك اليمين]

- ‌[بيع الأصل بالعصير]

- ‌[بيع الفضل بالمصنوع متفاضلاً]

- ‌[تفصيل مسائل الربا]

- ‌[ابن القيم يرى أن ربا الفضل حرم سداً للذرائع]

- ‌[هل يجوز إهداء ثواب القراءة للنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌[هل للإنسان أن يجعل ثواب عمله لغيره]

- ‌[مطلب في إرسال العذبة]

- ‌[حكم بيع المسجد إذا خرب]

- ‌كلمة المطبعة

الفصل: ‌[أدلة المجوزين للتوسل والإستغاثة]

مجيزى التوسل لم يجعلوه خاصاً بسيد الرسل، وأن المانعين أقسام: فمنهم من عمم المنع، ومنهم من أستثنى خاتمة الأنبياء الكرام عليه وعليهم الصلاة والسلام. وإنى ذاكر إن شاء الله تعالى ذلك بفضول، وخاتمة بالتوسط المقبول. فاستمع ما نتلوه عليك، واتباع أسلمها مفوض إليك.

[أدلة المجوزين للتوسل والإستغاثة]

الفصل الأول

في أدلة المجوزين للتوسل والإستغاثة بالأنبياء والصالحين، ولا سيما ذو الجاه العظيم، الرسول الشفيع الكريم، والنبي الرءوف الرحيم، عليه افضل الصلاة والتسليم.

قال العلامة القسطلاني شارح البخارى في كتابه ((المواهب اللدنية)) ما نصه: وينبغي للزائر أن يكثر من الدعاء والتضرع، والاستغاثة والتشفع، والتوسل به صلى الله عليه وسلم. فجدير بمن استشفع به أن يشفعه الله تعالى فيه.

واعلم أن الاستغاثة هي طلب الغوث، فالمستغيث يطلب من المستغاث به أن يحصل له الغوث منه، فلا فرق بين أن يعبر بلفظ الاستغاثة، أو التوسل، أو التشفع، أو التوجه، لأنها من الجاه والوجاهة، ومعناه: علو القدر والمنزلة. وقد يتوسل بصاحب الجاه إلى من هو أعلى منه. ثم إن كلا من الاستغاثة والتوسل والتشفع والتوجه بالنبي صلى الله عليه وسلم، كما ذكره في تحقيق النصرة ومصباح الظلام - واقع في كل حال قبل خلقه وبعد خلقه، في مدة حياته في الدنيا وبعد موته صلى الله عليه وسلم، في مدة البرزخ وبعد البعث في عرصات القيامة. فأما الحالة الأولى فحسبك ما قدمته في المقصد الأول من استشفاع آدم عليه السلام به لما خرج من الجنة، وقوله

ص: 496

((اللهم بحق محمد عليك اغفر لي خطيئتى)) ، وقول الله تعالى:((يا آدم لو أستشفعت إلينا بمحمد في اهل السماوات والأرض لشفعناك)) . وفي حديث عمر ابن الخطاب عند الحاكم والبيهقى وغيرهما: ((وإذا سألتنى فقد غفرت لك)) ويرحم الله تعالى ابن جابر حيث يقول: [طويل] :

به قد أجاب الله آدم إذ دعا ونجى في بطن السفينة نوح

وما ضرت النار الخليل لنوره ومن أجله نال الفداء ذبيح

وأما التوسل به صلى الله عليه وسلم بعد خلقه في مدة حياته، فمن ذلك: الاستغاثة به عليه الصلاة والسلام عند القحط وعدم الأمطار. وكذلك الاستغاثة به من الجوع ونحو ذلك مما ذكرته في مقصد المعجزات، ومقصد العبادات في الاستسقاء.

ومن ذلك استغاثة ذوى العاهات به صلى الله عليه وسلم. وحسبك ما رواه النسائي، والترمذي عن عثمان بن حنيف: أن رجلاً ضريراً أتاه صلى الله عليه وسلم، فقال: ادع الله تعالى أن يعافيني. قال: فأمره أن يتوضأ ويحسن وضوءه، ويدعو بهذا الدعاء:((اللهم إنى أسألك واتوجه إليك بحبيبك محمد نبي الرحمة، يا محمد أنى أتوجه بك إلى ربك في حاجتى لتقضى. اللهم شفعه في)) وصححه البيهقي وزاد: فقام وقد ابصر.

وأما التوسل به صلى الله عليه وسلم بعد موته في البرزخ فهو أكثر من ان يحصى، او يدرك باستقصا.

وفي مصباح الظلام في المستغيثين بخير الأنام للشيخ أبي عبد الله بن النعمان طرف من ذلك

ولقد كان حصل لى داء أعيا دواؤه الأطباء، وأقمت به سنين فاستغيث به صلى الله عليه وسلم ليلة الثامن والعشرين من جمادى الأولى سنة ثلاث

ص: 497

وتسعين وثمانمائة بمكة، زادها الله تعالى شرفاً، فبينما أن نائم إذا رجل معه قرطاس يكتب فيه: هذا دواء لداء أحمد بن القسطلاني من الحضرة الشريفة بعد الإذن الشريف النبوى. ثم أستيقظت فلم أجد بي والله شيئاً مما كنت أجده، وحصل الشفاء ببركة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم.

وأما التوسل به صلى الله عليه وسلم في عرصات القيامة فمما قام عليه الإجماع، تواترت به الأخبار في حديث الشفاعة. أهـ.

وقال السمهودى في تاريخ المدينة المسمى ((بخلاصة الوفا)) : التوسل والتشفيع به صلى الله عليه وسلم وبجاهه وببركته من سنن المرسلين، وسيرة السلف الصالحين، واستدل على ذلك أيضاً بما تقدم من حديث آدم عليه السلام والأعمى. وكذا مما رواه البيهقي والطبراني عن عثمان بن عفان بن حنيف رضي الله عنه: أن رجلاً لا يلتفت إليه، ولا ينظر في حاجته، فشكا ذلك لابن حنيف فقال له: أئت الميضاة قتوضأ ثم أئت المسجد فصل ركعتين، ثم قل: اللهم انى اسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد نبي الرحمة. يا محمد، إنى أتوجه بك إلى ربك في حاجتى لتقضى، وتذكر حاجتك. فانطلق الرجل فصنع ذلك، ثم أتى باب عثمان بن عفان فجاءه البواب حتى اخذ بيده فادخله على عثمان رضي الله عنه فأجلسه معه على الطنفسة، فقال له: ما حاجتك؟ فذكر حاجته وقضاها ثم قال له: ما ذكرت حاجتك حتى الساعة، وما كانت لك من حاجة فأذكرها. ثم خرج ذلك الرجل من عنده فلقى عثمان بن حنيف فقال له: جزاك الله تعالى خيراً، ما كان ينظر في حاجتى حتى كلمته. فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلمته! ولكنى شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه ضرير فشكا إليه ذهاب بصره، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أو تصبر؟

ص: 498

فقال: يا رسول الله، إنه ليس لي قائد، وقد يشق علي. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((ائت الميضأة فتوضأ، ثم صلى ركعتين، ثم أدع بهذه الدعوات

)) . أهـ

وبه استدل أيضاً ابن الجزرى، فذكر في ((الحصن الحصين)) : أن م آداب الدعاء أن يتوسل الداعي إلى الله تعالى بانبيائه والصالحين من عباده.

وقال ابن الحاج المالكي في كتابه ((المدخل)) ما لفظه: وأما عظيم جناب الأنبياء، والرسل صلوات الله وسلامه عليهم فياتى إليهم الزائر، ويتعين قصدهم من الأماكن البعيدة.

فإذا جاء إليهم فليتصف بالذل، والانكسار، والمسكنة، الفقر والفاقة، والاضطرار، والخضوع، ويحضر قلبه وخاطره إليهم، وإلى مشاهدتهم بعين قلبه لا بعين بصره، لأنهم لا يبلون ولا يتغيرون، ويثني على الله بما هو أهله، ثم يصلى عليهم، ويترضى عن أصحابهم، ويترحم على التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم يتوسل إلى الله تعالى بهم في قضاء مآربه ومغفرة ذنوبه، ويستغيث بهم ويطلب حوائجه منهم، ويحزم بالإجابة ببركتهم، ويقوى حسن ظنه في ذلك، وانهم باب الله تعالى المفتوح، وجرت سنة الله سبحانه على قضاء الحوائج على أيديهم وبسببهم.

ومن عجز الوصول إليهم فليرسل بالسلام عليهم ويذكر ما يحتاج إليه من حوائجه ومغفرة ذنوبه، وستر عيوبه، إلى غير ذلك. فإنهم السادة الكرام لا يردون من سألهم ولا من توسل بهم، ولا من لجأ غليهم، وهذه في زيارة الأنبياء عليهم السلام. وأما زيارة نبينا صلى الله عليه وسلم فيزيد على ما ذكرنا اضعافاً مضاعفة. أهـ.

وقال صاحب المبدع: يستحب الاستسقاء بمن ظهر صلاحه، لأنه اقرب إلى الإجابة، وقد استسقى عمر بالعباس رضي الله عنه، واستسقى معاوية بيزيد بن أبي الأسود الحرشي التابعي المشهور.

ص: 499

وقال صاحب التلخيص من الحنابلة: لا ياس بالتوسل في الاستسقاء بالشيوخ، والعلماء المتقين. وقال في منتهى الإرادات للحنابلة: ويباح التوسل بالصالحين. وكذلك قال ابن مفلح الحنبلي في فروعه. وذكر السمهودى: ان النبي صلى الله عليه وسلم لم ينزل في قبر أحد إلا خمسة قبور: قبر خديجة بمكة، واربعة بالمدينة: قبر ابن كان لخديجة في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، وقبر عبد الله المزني، يقال له: ذو البجادين. وقبر ام رومان أم عائشة بنت ابي بكر رضي الله عنه. وقبر فاطمة بنت أسد بن هاشم بالروحاء.

ففي المعجم للطبراني برجال الصحيح إلا روح بن صلاح ففيه مقال، وقد وثقه ابن حبان عن أنس قال: لما ماتت فاطمة بنت اسد دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس عند رأسها وقال ((رحمك الله يا أمى بعد أمي

)) وذكر ثناءه عليها وتكفينها ببرده، وأمر بحفر قبرها. وقال: فلما بلغو اللحد حفره رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، فلما فرغ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاضطجع فيه ثم قال:((الله الذى يحيى ويميت، وهو حي لا يموت، اغفر لأمى فاطمة بنت اسد، ووسع عليها مدخلها بحق الأنبياء الذين من قبلى، فإنك أرحم الراحمين)) .

ثم قال السمهودى: وذكر المحبوب قد يكون سبباً للإجابة. وفي العادة أن من يتوسل بمن له قدر أجابة عند شخص أجابة إكراماً له. وقد يتوجه بمن له جاه إلى من هو أعلى منه، وإذا جاز التوسل بالأعمال الصالحة كما في حديث الثلاثة الذين أصابهم المطر فدخلوا الغار فانطبقت عليهم الصخرة، فدعو الله بأعمالهم ففرج عنهم، وهي مخلوقة، فالسؤال به صلى الله عليه وسلم أولى.

وقد روى البيهقي عن مالك الدار رضي الله عنه، وكان خازن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، فجاء رجل إلى قبر النبي - صلى الله عليه

ص: 500

وسلم - فقال: يا رسول الله، استسق لأمتك، فإنهم قد هلكوا، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال له:((أئت عمر فأقرئه السلام، وأخبره أنهم مسقون، وقل له: عليك الكيس الكيس)) وذكر شيئاً كثيراً مما وقع للعلماء والصالحين من الشدائد، فالتجئوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحصل لهم الفرج.

ومما حكاه أبو محمد الشيلى قال: نزل برجل من اهل غرناطة علة عجز عنها الأطباء، فكتب عنه الوزير كتاباً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وضمنه شعراً، فلما وصل الركب إلى المدينة الشريفة، وقرئ على رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الشعر برئ الرجل مكانه.

وقد سئل العز بن عبد السلام عن التوسل بالذات الفاضلة؟ فقال: إن صح حديث الأعمى فهو مقصور على النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون من خصوصياته. وتعقبه المجزون بقياس غيره عليه صلى الله عليه وسلم. ومن أدلتهم أنه قد أوجب الله تعالى أمره وتوقيره، وإلزام إكرامه، وقد كانت الصحابة تتبرك بآثاره وشعره، ولا شك أن حرمته صلى الله عليه وسلم بعد وفاته وتوقيره لازم كما كان حال حياته.

وقد روى أن أبا جعفر المنصور ناظر مالكاً في المسجد النبوى، فقال له مالك: يا أمير المؤمنين، لا ترفع صوتك في هذا المسجد النبوى، فإن الله تعالى ادب قوماً فقال:{لا ترفعوا اصواتكم فوق صوت النبي} الآية. وإن حرمته ميتاً كحرمته حياً فاستكان ابو جعفر وقال: يا أبا عبد الله، استقبل القبلة وأدعوا؟ أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ولم تصرف وجهك عنه، وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم إلى الله تعالى يوم القيامة؟ بل استقبل واستشفع به فيشفعه الله تعالى. قال الله سبحانه {ولو أنهم إذ ظلموا انفسهم جاءوك

ص: 501

فاستغفر الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً} [النساء 6] وإذ قد ثبت تعظيمه وإجلاله له ميتاً صلى الله عليه وسلم كما كان حياً، وثبت أنه حي في قبره فطلب الشفاعة منه دخول في توقيره صلى الله عليه وسلم، ويكون طالب الشفاعة كمن طلب شيئاً ممن له قدرة عليه، وهو عليه الصلاة والسلام قادر على ذلك بوجه التسيب في الدعاء كما كان حياً، وكما كان وسيلة في التبليغ. فهو صلى الله عليه وسلم الوسيلة في دعائه لأمته، ويكون طلب ذلك منه ادعى للإجابة. وفي الصحيح عن أنس رضي الله عنه: أن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه كان إذا أقحطوا استسقى بالعباس فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا صلى الله عليه وسلم فاسقنا. قال: فيسقون. وفي رواية: ونستشفع إليك بشيبته،)) في ذلك يقول عباس بن عتبه بن ابي لهب: بعمي سقى الله الحجاز وأهله عشية يستسقى بشيبته عمر

توه بالعباس في الحدب راغبا إليه فما إن زال حتى اتى المطر

ومنا رسول الله فينا تراثه فهل أحد هذى المفاخر مفتخر

وقال النووي وغيره: ثم يرجع الزائر إلى موقفه قبالة وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتوسل به ويستشفع به إلى ربه. ومن احسن ما يقول ما حكاه اصحابنا عن العتبى مستحسن له قال: كنت جالساً عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله، سمعت الله تعالى يقول:{ولو أنهم ّذ ظلموا انفسهم جاءوك} الآية [النساء 64] ، وقد جئتك مستغفراً من ذنبي، مستشفعاً بك إلى ربي. ثم أنشأ يقول:[بسيط]

يا خير من دفنت بالقاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم نفسى الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم

ص: 502

قال: ثم أنصرف. فحملتنى عيناي، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، فقال:((يا عتبى، الحق الأعرابي فبشره بأن الله قد غفر له)) ، وممن ذكرها الإمام ابن الجوزى في كتابه ((مثير الغرام)) عن العتبى. قالوا: ونقل الواحدى في كتابه ((أسباب نزول القرآن)) عن ابن عباس، رضي الله عنه عند قوله تعالى:{وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا} أنه قال: كانت أهل خيبر تقاتل غطفان اليهود، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كفروا به.

قالوا: وما ورد في الأدعية المأثورة عن سيد الأنام صلى الله عليه وسلم مثل: أسألك بحق السائلين عليك، ويحق ممشاى هذا إليك، يدل على جواز التوسل بأفعال العبد، فكيف بذاته الشريفة عليه الصلاة والسلام فالتوجه به اولى، والتوجه إلى حضرة الحق به أحرى.

وقد روى البخارى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ألا أخبركم باهل الجنة؟ كل ضعيف مستضعف، لو أقسم على الله تعالى لأبره)) .

قال العلماء: معناه لو حلف على الله ليفعلن كذا لأوقع مطلوبه فيبر بقسمه إكراماً له لعظم منزلته عنده، فهذا وعد الله تعالى لعباده الصالحين، فكيف بسيد المرسلين؟ ! وورد: إذا انفلتت دابة احدكم بأرض فلاة فليناد: يا عباد الله، وأعينوني (ثلاثا) . قال النووى: وقد حرب ذلك بعض أهل العلم، ونحن جربناه فصح، انتهى.

وروى الطبراني بإسناد صحيح عن عباده، رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الأبدال في أمتى ثلاثون رجلاً، بهم تقوم الأرض، وبهم تمطرون، وبهم تنصرون)) والأحاديث في مثل

ص: 503

ذلك كثيرة، فمن وقف على هذه وامثالنا، تبين له ان الله سبحانه قد جعل من عباده في الأرض غياثاً يستغيث الناس بهم، لا مانع من ذلك عقلاً وشرعاً، لأن ذلك كله بإذن الله تعالى، ومن أقر بالكرامة لم يجد بداً من اعترافه بجواز ذلك وإن كانوا في برازخهم.

فقد ورد في حديث المعراج: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على موسى وهو قائم يصلى في قبره، والصلاة تستدعى بدناً حياً، فنبينا صلى الله عليه وسلم أولى بهذه الحياة، والاستغاثة به في حياته صلى الله عليه وسلم ثابتة بالدعاء، فكذلك بعد انتقاله ورفاقه، والأحاديث الواردة في زيارة قبره عليه الصلاة والسلام التى تضمنت الوعد لمن زار قبره الشريف صلى الله عليه وسلم بالشفاعة التى تتضمن البشارة بالموت على التوحيد، وذلك يفيد نيل المزيد. فكل ذلك من ثمرات زيارته والتشفيع به، ولم يزل الناس في جميع الأزمان من جميع البلدان مجمعين على زيارة قبره المنيف، رجاء الخير والبركة، والطمع في الشفاعة، ولا فرق بين ذكر التوسل والاستغاثة والتشفع، والتوجه به صلى الله عليه وسلم أو بغيره من الأنبياء، وكذا الأولياء.

والاستغاثة: طلب الغوث. والمستغيث يطلب من المستغاث به أن يحصل له الغوث من غيره، وغن كان أعلى منه. فالتوجه والاستغاثة به صلى الله عليه وسلم، وبغيره ليس لها معنى في قلوب المسلمين غير ذلك. ولم يقصد بها احد سواه. فمن لم ينشرح صدره لذلك، فليبك على نفسه.

والمستغاث به في الحقيقة هو الله تعالى.

والنبي صلى الله عليه وسلم واسطه بينه وبين المستغيث، فهو سبحانه مستغاث، والغوث منه خلقاً وإيجاداً، والنبي - صلى الله عليه

ص: 504