المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[حقيقة الشفاعة] وحقيقة الشفاعة الماذون فيها: أن الله سبحانه هو الذى - جلاء العينين في محاكمة الأحمدين

[ابن الألوسي]

فهرس الكتاب

- ‌[سبب تأليف الكتاب]

- ‌[ابن حجر ينال من ابن تيمية]

- ‌[ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية]

- ‌[الحافظ الذهبي يتحدث عن ابن تيمية]

- ‌[الحافظ ابن كثير أيضاً]

- ‌[ما كتبه الزملكاني]

- ‌[كلام للسيوطي في ابن تيمية]

- ‌[رأى الحافظ ابن سيد الناس في ابن تيمية]

- ‌[رأى ابن الوردى]

- ‌[رأى الواسطى]

- ‌[رأى ابن دقيق العيد]

- ‌[رأى العلامة السبكي]

- ‌[رأى الحافظ ابن حجر العسقلاني]

- ‌[المؤمنون يفتنون]

- ‌فصل:في تبرئة الشيخ مما نسب إليه وثناء المحققين المتأخرين عليه

- ‌[شهادة الكورانى]

- ‌[شهادة السويدي البغدادي]

- ‌[شهادة الآلوسي والد المؤلف]

- ‌فصل: (في قول العلامة ابن حجر المتقدم سابقاً)

- ‌(ترجمة الإمام السبكي)

- ‌(في رد اليافعي على السبكي)

- ‌(مطلب كلام السبكي)

- ‌(الجواب من اليافعي)

- ‌(ترجمة القاضي تاج الدين السبكي)

- ‌(ترجمة العز بن جماعة)

- ‌(ترجمة الزملكاني)

- ‌(ترجمة أبي حيان)

- ‌(ترجمة ابن حجر الهيتمي)

- ‌(ترجمة ابن حجر العسقلاني)

- ‌فصل: يشتمل على مقصدين

- ‌المقصد الأول: في تراجم بعض آباء الشيخ ابن تيمية وأقربائه

- ‌(ترجمة المجد ابن تيمية)

- ‌(ترجمة عبد الحليم بن تيمية)

- ‌(ترجمة عبد الغني بن تيمية)

- ‌(ترجمة شرف الدين بن تيمية)

- ‌(ترجمة محمد بن تيمية)

- ‌(ترجمة زينب بنت تيمية)

- ‌المقصد الثاني: في ترجمة بعض تلامذته الكرام المشهورين وترجمة المثنين عليه من العلماء المتأخرين

- ‌(ترجمة الإمام ابن القيم)

- ‌(ترجمة الحافظ الذهبي)

- ‌(ترجمة شمس الدين ابن قداه)

- ‌(ترجمة ابن قاضي الجبل)

- ‌(ترجمة الطوفى الصرصري)

- ‌(ترجمة ابن الوردى)

- ‌(ترجمة زين الدين الحراني)

- ‌(ترجمة ابن مفلح)

- ‌(ترجمة شرف الدين ابن المنجا)

- ‌[ترجمة بعض تلامذة الإمام الذين تأثروا به ولم يعاصروه]

- ‌(ترجمة ابن ناصر)

- ‌(ترجمة الشيخ إبراهيم الكوراني)

- ‌(ترجمة منلا على القارئ)

- ‌(ترجمة العلامة السويدي البغدادي)

- ‌(ترجمة شهاب الدين مفتى الحنفية ببغداد الألوسي البغدادي)

- ‌(ترجمة مسند الوقت أحمد ولى الله الدهلوي)

- ‌(ترجمة العلامة الشوكاني)

- ‌(ترجمة الإمام الأجر أبي الطيب)

- ‌فصل: (في الجرح والتعديل)

- ‌(لا يؤخذ بقول العلماء في طعن بعضهم بعضاً)

- ‌(فيمن طعن في معاصروه)

- ‌[لغرض أو مرض هوجم ابن تيمية]

- ‌فصل: (في كلام العلامة ابن حجر فيما يتعلق بكتب الصوفية)

- ‌الفصل الأول: (في عقيدة الإمام ابن تيمية)

- ‌[إجلاله للصحابة]

- ‌[ابن تيمية والشاذلي]

- ‌(ترجمة أبي الحسن الشاذلي)

- ‌الفصل الثالث: [المعترضون على الصوفية كثيرون]

- ‌(ترجمة الإمام محي الدين بن العربي)

- ‌[الناس في ابن عربي أقسام ثلاثة]

- ‌(ترجمة ابن الفارض)

- ‌(ترجمة ابن سبعين)

- ‌(ترجمة الحلاج)

- ‌[رأى ابن حجر العسقلاني في الحلاج ومن على شاكلته]

- ‌[ابن تيمية يرد القول بولاية الحلاج من وجوه]

- ‌(مكتوب شيخ الإسلام ابن تيمية)

- ‌الفصل الرابع: في الكلام على ما نقله الشيخ ابن حجر من عبارة شيخ الإسلام

- ‌[ابن حجر لا يلتزم أدب المناظرة في النقل]

- ‌[الصوفى المثالى]

- ‌[الصوفى المنحرف]

- ‌[ابن تيمية كان يتشدد في سد ذرائع البدع]

- ‌[رأى ابن تيمية في الولاية والأولياء]

- ‌[لم يكن ابن تيمية وحده هو الذي حارب الفلاسفة]

- ‌[الغزالي يرمى الفلاسفة بالكفر]

- ‌فصل: [في أصنافهم وشمول سمة الكفر كافتهم]

- ‌[رأى لابن تيمية في الفلاسفة]

- ‌[هل يعلم الولى بلغيب

- ‌(ترجمة ابن سينا)

- ‌(ترجمة الإمام أبي حامد الغزالي)

- ‌[مما أخذ عن الغزالي]

- ‌[ليس ابن تيمية أول من انتقد الغزالي]

- ‌[فرق الشيعة وعقائدهم]

- ‌(ترجمة الفضيل بن عياض)

- ‌(ترجمة القشيرى)

- ‌[عقيدة المعتزلة وفرقهم]

- ‌[عقيدة الجهمية]

- ‌[مناظرة شعرية بين أهل السنة والمعتزلة حول رؤية الله]

- ‌[علم الكلام بين مادحيه وقادحيه]

- ‌[رأى ابن تيمية في المتكلمين]

- ‌[التعريف برسائل إخوان الصفا]

- ‌[ترجمة أبي حيان التوحيدى]

- ‌[ابن سينا يرى أن علم الغيب بالنسبة للبشر جار على السنن الطبيعي]

- ‌[بحث في الرؤيا]

- ‌ الروح

- ‌[في الإنسان]

- ‌[الروح حادثة أم هي قديمة

- ‌[مستقر الأرواح في البرزخ]

- ‌[هل تموت الروح

- ‌[قصيدة ابن سينا في الروح ومعارضه الدهلوى لها]

- ‌(ترجمة الإمام أبي بكر بن العربي)

- ‌[الدس في بعض الكتب]

- ‌(ترجمة الإمام المازرى)

- ‌(ترجمة الإمام الطرطوشي)

- ‌(ترجمة الإمام ابن الجوزي)

- ‌(ترجمة ابن عقيل)

- ‌فصل: وأما قول الشيخ ابن حجر:

- ‌[أكاذيب تدفعها حقائق]

- ‌[تعريفه وشروطه]

- ‌[هل يتجزأ الاجتهاد

- ‌[هل يجوز أن يخلو الزمان عن مجتهد

- ‌[فتوى للإمام ابن تيميه عن التقليد]

- ‌[فتوى للإمام ابن تيمية حول جواز تقليد غير الأربعة]

- ‌[هل يجوز الانتقال من مذهب إلى مذهب

- ‌[التقليد في أصول الدين]

- ‌(ترجمة الإمام أحمد بن حنبل)

- ‌[كتاب للإمام أحمد عن السنة]

- ‌[محنة القول بخلق القرآن]

- ‌[نقلة فقه الإمام أحمد]

- ‌((وما ضرنا أنا قليل وجارنا عزيز وجار الأكثرين ذليل))

- ‌[ترجمة الإمام أبو الحسن الأشعري]

- ‌[من أتباع الأشعري]

- ‌[عقيدة الأشعري]

- ‌[ترجمة الإمام البيهقي]

- ‌فصلوقد آن الشروع في أجوبة ما عزاه الشيخ ابن حجر عليه الرحمة إلى الشيخ ابن تيمية

- ‌[رأى ابن تيمية في يمين الطلاق]

- ‌[الطلاق المخالف للسنة]

- ‌[تارك الصلاة عمداً هل يقضى]

- ‌[هل يباح للحائض الطواف بدون كفارة]

- ‌[هل يرد الطلاق الثلاث إلى واحدة]

- ‌[حكم المكوس وهل تقوم مقام الزكاة

- ‌فصل: [في المظالم المشتركة]

- ‌[هل تنجس المائعات بموت حيوان]

- ‌[هل للجنب أن يصلى التطوع ليلاً قبل أن يغتسل

- ‌[شرط الواقف هل يعتبر أو لا

- ‌[اختيارات أخرى ذهب إليها ابن تيميه]

- ‌[رأى ابن تيميه في الحسن والقبح]

- ‌[أفعال العباد]

- ‌[حكم مخالف الإجماع]

- ‌[عقيدة ابن تيميه في كلام الله]

- ‌[فتوى لابن تيميه عن كلام الله]

- ‌[كلام نفيس لابن القيم في الموضوع]

- ‌فصل: [عقيدة ابن القيم وشيخه في القرآن]

- ‌[مقتطفات من نونية ابن القيم]

- ‌فصل: في مذهب الاقترانية

- ‌فصل: في مذهب القائلين بأنه متعلق بالمشيئة والإرادة

- ‌فصل: في مذهب الكرامية

- ‌فصل: في ذكر مذهب أهل الحديث

- ‌فصلوأتى ابن حزم بعد ذاك

- ‌فصلونعتقد أن القرآن كلام الله عز وجل

- ‌فصلونعتقد أن القرآن حروف مفهومة

- ‌فصل: [حروف المعجم أمخلوقة هي أو قديمة

- ‌فصل[البيهقي يستدل لكون القرآن غير مخلوق]

- ‌[القول والكلام يتواردان على معنى واحد]

- ‌[ما جاء في إثباته صفة التكليم والتكلم والقول سوى ما مضى]

- ‌[كيف يكلم الله البشر

- ‌[إسماع الرب ملائكته]

- ‌[الفرق بين التلاوة والمتلو]

- ‌[هل كان ابن تيمية دهرياً يقول بقدم العالم

- ‌[وهل كان يقول بالحسمية والجهة والانتقال]

- ‌[تبرئة ابن تيمية مما نسبه إليه ابن حجر من التجسيم]

- ‌[فوقية الخالق سبحانه]

- ‌[قول الله عز وجل: {أأمنتم من في السماء} [الملك 16]]

- ‌[قول الله عز وجل لعيسى ابن مريم]

- ‌[مجئ الله]

- ‌[مذهب السلف. تنزيه. وتفويض. وتصديق]

- ‌[ليس الاستواء بمعنى الاستيلاء]

- ‌[أنتصار الرازى لتأويلات الخلف]

- ‌[الصفات بين المفوضين والمعطلين]

- ‌[رأى المؤلف في الصفات]

- ‌[مذهب ابن تيمية في الصفات]

- ‌[كلام ابن تيمية في العرش وإحاطة الله بمخلوقاته]

- ‌[أسماء الله وصفاته توقيفية دون زيادة ولا نقصان]

- ‌[ما روى في الحجر الأسود أنه يمين الله وتأويله]

- ‌[عقيدة الشيخ عبد القادر الكيلاني]

- ‌[عقيدة الأشعري]

- ‌[ابن تيمية لم يكن بدعاً من الأئمة حينما رأى ما رأى]

- ‌[لازم المذهب ليس بمذهب]

- ‌[الأقوال في آيات الصفات وأحاديثها]

- ‌[القول في فناء النار]

- ‌[هل الجنة والنار موجودتان؟ وأين؟ وهل هما ابديتان

- ‌[أدلة القائلين بعدم فناء النار]

- ‌[صاحب الكبيرة]

- ‌[عصمة الأنبياء]

- ‌[كلام في التوسل والوسيلة والاستغاثة]

- ‌[أدلة المجوزين للتوسل والإستغاثة]

- ‌[أدلة المانعين للتوصل]

- ‌[حقيقة الشفاعة]

- ‌[سقوط الاستدلال بحديث الأعمى]

- ‌[توسل عمر بالعباس]

- ‌[حديث آدم]

- ‌[حديث الأعرابي]

- ‌[حديث مالك]

- ‌[التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌[قيمة المنامات والحكايات في الاستدلال]

- ‌[الحياة البرزخية]

- ‌[مذهب ابن تيمية في التوسل]

- ‌[لا يعبد الله إلا بما شرع]

- ‌[نوعا الشفاعة]

- ‌[هل تنعقد اليمين بغير الله]

- ‌[الوسيلة الجائزة والممنوعة]

- ‌[الاستغاثة بالمشايخ والموتى]

- ‌[إسراف بغيض]

- ‌[هل يشد الرحال لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌[باب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌[فتوى لابن تيمية في زيارة قبره صلى الله عليه وسلم

- ‌[حكم زيارة القبور بلا شد الرحال]

- ‌[السنن والبدع في زيارة القبور]

- ‌[كيف بدلت التوراة والإنجيل]

- ‌[ابن حجر لا يعدل في القضية]

- ‌[ارتفاع الحدث بماء الورد]

- ‌[حكم المسح على النعلين وما جرى مجراهما]

- ‌[هل يتوقت المسح على الخفين

- ‌[التيمم لخشية فوات الوقت]

- ‌[اختيار لابن تيمية في التيمم]

- ‌[مدة الحيض]

- ‌[مسافة القصر]

- ‌[هل تستبرأ البكر

- ‌[هل يقضى من أكل في وقت الصوم يظنه بليل]

- ‌[المسابقة]

- ‌استبراء المختلعة

- ‌[وطء الوثنيات بملك اليمين]

- ‌[بيع الأصل بالعصير]

- ‌[بيع الفضل بالمصنوع متفاضلاً]

- ‌[تفصيل مسائل الربا]

- ‌[ابن القيم يرى أن ربا الفضل حرم سداً للذرائع]

- ‌[هل يجوز إهداء ثواب القراءة للنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌[هل للإنسان أن يجعل ثواب عمله لغيره]

- ‌[مطلب في إرسال العذبة]

- ‌[حكم بيع المسجد إذا خرب]

- ‌كلمة المطبعة

الفصل: ‌ ‌[حقيقة الشفاعة] وحقيقة الشفاعة الماذون فيها: أن الله سبحانه هو الذى

[حقيقة الشفاعة]

وحقيقة الشفاعة الماذون فيها: أن الله سبحانه هو الذى يتفضل على أهل الإخلاص والتوحيد فيغفر لهم بواسطة دعاء الشافعين، الذين أذن لهم في المشفوع له ليكرمهم على حسب مراتبهم. وينال نبينا صلى الله عليه وسلم منه المقام المحمود الذى يغبطه به الأولون والآخرون. ولما كان عليه الصلاة والسلام يشفع لأمته بدعاء واستسقاء مما هو شفاعة منه لهم، فكذلك في عرصات القيامة، بفتح الله تعالى عليه في الدعاء فيشفعه، كما ورد في حديث الشفاعة.

ومن تأمل بعين الأستبصار في الشفاعة المنفية أولاً علم ان المقصود بنفي الشفاعة نفى الشرك وهو أن لا يعبد إلا الله. والدعاء عبادة كما ورد، وقال سبحانه:{فلا تدعو مع الله أحداً}

ولا يسأل غيره، ولا يتوكل عليه لا في شفاعة ولا في غيرها. فكما أنه ليس للمؤمن أن يتوكل على أحد في أن يرزقه، وإن كان الله تعالى ياتيه برزقه باسباب، كذلك ليس له أن يتوكل على غير الله تعالى في أن يغفر له ويرحمه في الآخرة بشفاعة وغيرها مما لم يأذن الله سبحانه به، إذ لا فرق بينهما، فالشفاعة التى نفاها القرآن مطلقاً، كما قال تعالى:{ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع} ما كان فيها شرك، وتلك منفية مطلقاً.

والشفاعة المثبتة ما تكون بعد الأذن يوم القيامة، ولا تكون الشفاعة إلا لمن أرتضى، فهذه الشفاعة من التوحيد، ومستحقها أهل التوحيد. فمن كان موحداً مخلصاً قطع رجاءه عن غير الله تعالى، ولم يجعل له ولياً ولا شفيعاً من دون الله سبحانه.

إذا تبين هذا، فالمشركون قد كانت عبادتهم لآلهتهم هذا الالتجاء والرجاء

ص: 508

والدعاء لأجل الشفاعة معتقدين أنها المقربة لهم، فبسبب هذا الاعتقاد والالتجاء أريقت دماؤهم واستبيحت أموالهم.

وقد ارسل صلى الله عليه وسلم بل جميع الرسل بكلمة التوحيد ليعدلهم عما هم عليه من الضلالات، وأوحيت عليهم إفراد الحق سبحانه بالألوهية، التى من أعظم خواصها هذا الالتجاء والرجاء، وألا يجعلوا الألوهية لغيره، وقد تعبدهم الله تعالى باعتقاد هذا التوحيد والعمل بمقتضى الشهادة المشتملة على التجريد والتفريد، اللذين هما حقيقة التوحيد. فهذا الالتجاء بطلب الشفاعة ورجائها عبادة لا تصلح إلا له عز وجل، وإنها من صرف حقوقه تعالى ومن الشرك (1) .

(فإن قلت) : إن المشركين كانوا يعبدونهم ونحن لا نعبدهم؟

(فالجواب) : أن عبادتهم هي هذا الالتجاء الذى انت فيه، وكما أنك تدعو النبي صلى الله عليه وسلم الذى بعث بإخلاص الدعوة لله تعالى، وحاشاه أن يرضى بذلك ولا يرضيه إلا ما يرضى ربه من التوحيد - فإنه عليه الصلاة والسلام قد أمر بإخلاص العبادة، ونهى عن الشرك، وحذر وبصر، وأرشدك وبلغ، ونصح الأمة، وأزل عنا الغمة، فهدانا إلى السبيل المستقيم، وتدعو غيره ملتجئاً إليهم بطلب الشفاعة منهم. كذلك الأولون كانوا يدعون صالحين وانبياء ومرسلين، طالبين منهم الشفاعة عند رب العالمين، كما قال تعالى:{ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله} فبهذا الالتجاء والتوكل على هذه الشفاعة والرجاء أشركوا.

(فإن قلت) : إن الأولين لا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وينكرون البعث، ويجعلون القرآن سحراً.

(1) كذا في الأصل.

ص: 509

فالجواب: إنه لا خلاف بين العلماء كلهم: أن الرجل إذا صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في شئ وكذبه في آخر، أنه لم يدخل في الإسلام، كما إذا آمن ببعض القرآن وكفر ببعض، فما نحن فيه من هذا القبيل.

(فإن قلت) : إن النبي صلى الله عليه وسلم مأذون بالشفاعة ونحن نطلبها ممن هو مأذون فيها.

(فالجواب) : أنه عليه الصلاة والسلام الآن موعود بالشفاعة في اليوم الآخر ووعد الله حق، لكنها مشروطة ببعد الإذن ورضاه عن المشفوع فيه، فينبغي لمن أراد أن يدعو بطلب الشفاعة أن يقول: اللهم لا تحرمنى شفاعته عليه الصلاة والسلام، اللهم شفعه في، وأمثال ذلك.

ولو كانت تطلب منه صلى الله عليه وسلم الآن لجاز لنا أن نطلبها أيضاً ممن وردت الشفاعة لهم، كالقرآن والملائكة والأفراط، وهم أطفال المؤمنين، والحجر الأسود، إذ قد روى أنه يشفع لمثل ربيعة ومضر، وبالصالحين، ولجاز لنا أن ندعوهم ونلتجئ إليهم ونرجوهم بهذه الشفاعة، إذ لا فرق بين الجمع بثبوت أصل الشفاعة لهم والإذن فيها، فنصير إذن والمشركون الولين في طريق واحد، ولم نفترق إلا بالأعمال الظاهرة: كالصوم والصلاة، وقول كلمة التوحيد من غير عمل بما فيها، ومن غير اعتقاد لحقيقتها.

ولا يقدم على ذلك من له أدنى مسكة من عقل، أو فكرة فيما صح من النقل.

ومن نظر بعين افنصاف، وتجنب سبيل الاعتساف، ونظر إلى ما كان عليه الأولون، وعرف كيف كان شركهم، وبماذا أرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف التوحيد، وما معنى الإله والتأله، وتبصر في

ص: 510

العبادات وأنواعها - تحقق أن هذا الألتجاء والتوكل والرجاء بمثل طلب الشفاعة هو الذى نهى عنه الأولون، وأرسل لأجل قمعه المرسلون، وبذلك نطق الكتاب، وبينه لنا خير من اوتى الحكمة وفصل الخطاب، سيما إذا استغيث بهم لدفع الشدائد والملمات، ولرفع الكرب المهمات، مما لا يقدر على دفعه إلا خالق الأرض والسماوات.

وقد كان الأولون إذا وقعوا في شدة دعوا الله مخلصين له الدين، فلما نجاهم إذا هم يشركون. ومن فعل هذا بحالتى الشدة والرخاء، بل في قسمى المنع والعطاء فقد غلا وداوز حده، قال سبحانه:{له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشئ إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه، وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} [الرعد 14] .

وإذا علمت هذا، فاعلم أن الاستغاثة بالشئ طلب الإغاثة والغوث منه، كما ان الاستغاثة بشئ: طلب الإعانة منه. فإذا كانت بنداء من المستغيث للمستغاث كان ذلك سؤالاً منه، وظاهر أن ذلك ليس توسلاً به إلى غيره، بل طلب منه، إذ قد جرت العادة أن من توسل بأحد عند غيره أن يقول لمستغاثه: أستغيثك على هذا الآمر بفلان، فيوجه السؤال إليه ويقصر أمر شكواه عليه، ولا يخاطب المستغاث به ويقول له ارجو منك، أو أريد منك، أو أستغيث بك، ويقول إنه وسيلتى إلى ربي، فإن هذا غير معروف، وإن كان كما يقول فما قدر عظم المتوسل إليه حق قدره وتعظيمه، وقد رجا وتوكل والتجأ إلى غيره. كيف واستعمال العرب يأبي عنه، فإن من يقول: صار لى ضيق فاستغيث بصاحب القبر فحصل الفرج، يدل دلالة جبلية على أنه قد طلب الغوث منه، ولم يفد كلامه أنه توسل به عند غيره، بل إنما يراد هذا المعنى إذا قال: توسلت أو أستغيث عند الله تعالى بفلان، أو يقول لمستغاثه وهو الله سبحانه: استعيث إليك بفلان، فيكون حينئذ مدخول الباء متوسلاً به،

ص: 511

ولايصح إرادة هذا المعنى إذا قلت: أستغثت بفلان، وتريد التوسل به، وسيما إذا كنت داعية وسائلة، بل قولك هذا نص على أن مدخول الباء مستغاث وليس بمستغاث به. والقرائن التى تكشفه من الدعاء له، وقصر الرجاء عليه شهود عدول، ولا محيد عما شهدت به ولا عدول. فهذه الاستغاثة، وتوجه القلب إلى المسئول بالسؤال والإبانة، محظور على المسلمين، لم يشرعها لأحد من أمته رسول رب العالمين.

قال الشيخ محمد الأمين السويدى الشافعي: ولا يجوز ذلك إلا من جهل آثار الرسالة، ولهذا عمت الاستغاثة بالأموات عند نزول الكربات، يسألونهم ويتضرعون إليهم، فكان ما يفعلونه معهم أعظم من عبادتهم واعتقادهم في رب السماوات. أهـ.

قال المانعون: وهل سمعتم ان أحداً في زمانه صلى الله عليه وسلم أو ممن بعده في القرون الثلاثة المشهود لأهلها بالنجاة والصدق، وهم أعلم منا بهذه المطالب، وأحرص على نيل مثل تيك الرغائب - استغاث بمن يزيل كربته التى لا يقدر على إزالتها إلا الله سبحانه، أم كانوا يقصرون الاستغاثة على مالك ولم يعبدوا إلا إياه.

ولقد جرت عليهم أمور مهمة وشدائد مدلهمة في حياته صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته. فهل سمعت عن احد منهم انه استغاث بسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم! أو قالوا: إنا مستغيثون بك يا رسول الله! أم بلغت أنهم لاذوا بقبره الشريف، وهو سيد القبور، حين ضاقت منهم الصدور! كلا! لا يمكن لهم ذلك، وإن الذى كان بعكس ما هنالك فلقد أثنى الله تعالى عليهم ورضي عنهم فقال عز من قائل:{إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم} [الأنفال 9] مبيناً لما سبحانه أن هذه الاستغاثة هي اخص الدعاء، وأجلى احوال الالتجاء.

ص: 512

ففي استغاثة المضطر بغيره تعالى عند كربته: تعطيل لتوحيد معاملته الخاصة به.

(فإن قلت) : إن اللمستغاث بهم قدرة كسبيه وتسببية فتنسب الإغاثة إليهم بهذا المعنى.

(قلنا له) : إن كلامنا فيمن يستغاث به عند المام ما لا يقدر عليه غلا الله تعالى، أو لسؤال ما لا يعطيه، ويمنعه إلا الله سبحانه، وأما فيما عدا ذلك مما يجرى فيه التعاون والتعاضد بين الناس، وإغاثة بعضهم ببعض فهذا شئ لا نقول به ولا ننكره؟ كما قال تعالى:{فاستغاثة الذى من شيعته على الذى من عدوه} [القصص 15] ، ونعد منعه جنوناً، كما نعد إباحة ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى شركاً وضلالاً. وكون العبد له قدرة كسبية، لا يخرج بها عن مشيئة رب البرية، لا يستغاث به فيها لا يقدر عليه إلا الله، ولا يستعان به ولا يتوكل عليه، يلتجأ في ذلك. وأما مجئ جبريل عليه السلام لإبراهيم عليه الصلاة والسلام حين القى في النار، وقوله: هل لك من حاجة؟ فقال: إما إليك، فإن ذلك مما يقدر عليه جبريل بإذن اله تعالى، لأنه كما قال سبحانه فيه:{شديد القوى} فلو أذن تعالى له أن يأخذ نار إبراهيم وما حولها من الأرض، أو يرفع إبراهيم إلى السماء لفعل. فإذا علمت ذلك فلا يقال لحي او ميت قريب أو بعيد: أرزقنى، أو أمت فلاناً، أو أشف مريضى، إلى غير ذلك مما هو من الفعال الخاصة به عز وجل. وبالجملة، فالاستعاثة والاستعانة والاتوكل أغصان دوحة التوحيد، المطلوب من العبيد.

بقى ههنا بوردة المجيزون على هؤلاء المانعين، وهو أنه لا شك أن عن عبد غير الله تعالى مشرك، وأن الدعاء المختص بالله سبحانه عباده، بل هو مخ العبادة، كما ورد في الحديث. ولكن لا نسلم أن طلب الإغاثة لمن استغيث

ص: 513

بهم شرك مطلقاً، وإنما يكون شركاً لو كان المستغيث معتقداً أنهم هم الفاعلون لذلك خلقاً وإيجاداً، فحينئذ يكون من الشرك الاعتقادى قطعاً.

أما من اعتقدهم الفاعلين كسباً وتسيباً، وأن المؤثر الحقيقى هو الله تعالى، وإنما تسند هذه الأمور إليهم لكونها جرت على أيديهم فليس بمسلم. ولئن سلمنا فليس المقصود من طلب الإغاثة منهم وندائهم إلا التوسل بهم وبجاههم، وإن كان اللفظ يدل على الطلب منهم، لكن المقصود التشفيع والتوسل بهم إلى ربهم، وهو صلى الله عليه وسلم من اشرف الوسائل إليه سبحانه.

وقد أمرنا عز وجل بطلب ما يتوسل إليه بقوله تعالى: {وابتغوا إليه الوسيلة} فكيف تخطرونها شركاً مخرجاً من الملة، وليس في قلوب المسلمين إلا هذا المعنى، وأن في الذى ذكرتموه تكفير أكثر الناس. وكيف تحكمون على إناس قد ظهروا شعائر انثلام من اذان وصلاة وصوم وحج وزكاة، يأتون بكلمة التوحيد، ويحبون الله تعالى وسيد المرسلين. وغاية المر أنهم لرهبتهم من ربهم ومعرفتهم بعلو مرتبة نبينا صلى الله عليه وسلم، وما وعده الله سبحانه به من إرضائه، كما قال تعالى:{ولسوف يعطيك ربك فترضى} ولا يرضى عليه الصلاة والسلام إلا بأن يقف لأمته في مثل هذه التوسلات فينالوا الرغبات. وليس في اقوالكم هذه إلا تنقص بحق هذا النبي الأمين. الذى أوجب الله تعالى علينا حبه أكثر من محبتنا لأنفسنا والقربين، وفي مثل ذلك تدعونه بشاعة في القول، وشناعة بطريق الأولى.

فأجاب المانعون بقولهم: أما قولكم: أن ليس مقصودهم إلا التوسل والتشفيع، وإن تكلموا بما يفيد غيره،فإنه يدل على أن الشرك لا يكون إلا أعتقادياً، وأن اللفظ لا يكون كفراً إلا إذا طابق الاعتقاد.

ص: 514

هذا يقتضى سد أبواب الشرائع،ومحو الأبواب التى ذكرها الفقهاء في الردة. ولا سيما ما ذكرته الحنفية من التكفير بألفاظ يذكرها بعض الناس من غير اعتقاد، كيف وأن الله سبحانه يقول:{ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم} والكلمة التى قالوها كانت على جهة المزح مع كونهم في زمن رسوله صلى الله عليه وسلم، وكانوا يجاهدون ويصلون، ويفعلون جميع الأوامر، وقال تعالى:{أبالله ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} ، وقد ذكر المفسرون: أنهم قالوها على جهة المزح.

وكذلك العلماء كفروا بألفاظ سهلة جداً، وبأفعال تدل على ما هو دون ذلك، لا سيما الحنفية كما لا يخفى على من تتبع كتبهم.

ولو قلنا: إن الألفاظ لا عبرة بها، وإنما العبرة للإعتقاد لأمكن لكل من تكلم بكلام يحكم على قائله بالردة اتفاقاً أن يقول: لم تحكمون بردتى! ؟ فيذكر احتمالاً، ولو بعيداً، يخرج به عما كفر فيه، ولما احتاج إلى توبة ولا توجه عليه لوم أبداً.

وهذا ظاهر البطلان، ولساغ لكل أحد ان يتكلم بكل ما أراد، فتئسد الأبواب المتعلقة بأحكام الألفاظ.

قالوا: وأما ما ذكرتم من انه صلى الله عليه وسلم من اشرف الوسائل فهي كلمة حق أريد بها بالطل، كقولهم: إنه ذو الجاه العريض، والمقام المنيع، ونحن أولى بهذا المقام منكم لاتباعنا لأقواله وأفعاله، واقتدائنا به صلى الله عليه وسلم في جميع احواله، مقنفين لأثاره، واقفين عند اخباره، فهو صلى الله عليه وسلم نبينا وهادينا إلى سبل الإسلام، ومنقذنا برسالته من مهاوى اولئك الجفاة الطغام. فلا نعمل إلا بأمره، ونتلقى ذلك بالسمع والطاعة في حلوه ومره. وقد أوجب سبحانه علينا ان نتبع سبيل

ص: 515

المؤمنين، ونهانا عن الغلو في الدين. وهذا طريق سلفنا الصالح، والاعتقاد الراجح.

هذا، وإن نبينا عليه الصلاة والسلام، وأرواحنا واولادنا وأموالنا له الفداء، لا يرضى بما يغضب الرب المتعال. وكيف وقد بعث بحماية التوحيد من هذه الأقوال والأفعال، وقد قالت عائشة رضي الله عنه:((كان خلقه القرآن، يرضى لرضاه، ويسخط لسخطه)) فليس لنا وسيلة إلى الله تعالى إلا طاعة رسوله، والأعمال الصالحة، والدعاء المبني على أصول الذل والافتقار وهو مخ العبادة.

هذا، وقد اختلف العلماء بعد أن اتفقوا على استحباب سؤاله عز وجل به وباسمائه وبصفاته وأفعاله في جواز التوسل بالذوات المنفية والأماكن والأوقات الشريفة، فعن العز بن عبد السلام ومن تابعه: عدم الجواز إلا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وعن الحنابلة في اصح القولين: إنه مكروه كراهة تحريم. وهذا إذا كان الداعي متوجهاً إلى ربه متوسلاً إليه بغيره، مثل أن يقول: أسألك بجاه فلان عبدك، أو بحرمته أو بحقه.

وأما إذا توجه إلى ذلك الغير فطلب منه كما يفعله كثير من الجهلة فهو شرك كما تقدم.

ونقل القدورى وغيره عن الحنفية عن أبي يوسف أنه قال: قال أبو حنيفة رضي الله عنه:لا ينبغي لأحد أن يدعو الله تعالى إلا به.

وذكر العلائي في شرح التنوير عن التتار خانية عن ابي حنفية أنه قال: لا ينبغي لأحد أن الله يدعو سبحانه إلا به. والدعاء المأذون فيه المامور به: ما استفيد من قوله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فأدعوه بها} قال: وكذا لا يصلى أحد إلا على النبي عليه الصلاة والسلام. أهـ.

وفي جميع متونهم: أن قول الداعي المتوسل بحق الأنبياء والأولياء،

ص: 516