الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى أن كان بعد السبعمائة من سنى الهجرة أشتهر بدمشق وأعمالها تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني، فتصدي للانتصار لمذهب السلف، وبالغ في الرد على الأشعرية، وصدع بالنكير عليهم وعلى الرافضة وعلى الصوفية، فافترق الناس فيه فريقين: فريق يقتدي به ويعول على أقواله ويعمل برأيه ويرى أنه شيخ الإسلام، وأجل حفاظ الأنام وفريق يبدعه ويضلله، ويزرى عليه بإثبات الصفات، وينتقد عليه مسائل معروفة، وكانت له ولهم خطوب كثيرة وحسابه وحسابهم على الله الذى لا يخفى عليه شئ في الأرض ولا في السماء وله إلى وقتنا هذا أتباع بالشام ومصر وكذا بين الأشاعرة والماتريدية أتباع أبي المنصور محمد بن محمود الماتريدي، وهم طائفة الفقهاء الحنفية - من الخلاف في العقائد ما هو مشهور في موضعه: وهذا إذا تتبع يبلغ بضع عشرة مسألة، كان بسببها في أول الأمر تباين وتنافر، وقدح كل منهم في عقيدة الآخر، إلا أن الأمر آل أخيراً إلى الإغضاء - ولله الحمد - أنتهى.
[عقيدة الأشعري]
وقال غير واحد: والأشاعرة من حيث هم يسمون أيضاً الصفاتية، لإثباتهم صفات الله تعالى القديمة، ثم افترقوا في الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة، كالاستواء والنزول والإصبع واليد والقدم والصورة وغيرها فرقتين: فرقة تؤول جميع ذلك على وجوه محتملة. وفرقة لم تتعرض للتأويل ولا صاروا إلى التشبيه، ويقال لهؤلاء الأشعرية الأثرية. ومقالات الأشعري المعروفة الآن لدى المصنفين مشعرة بأن مذهبه يخالف المعتزلة والمشبهة لأنه أمر متوسط كما صرح به في كتابه ((الإبانة)) من قوله: وقولنا الذى نقول به، وديانتنا التى ندين بها التمسك بكلام ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وما روى عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول أبو عبد الله
أحمد بن حنبل - نضر الله تعالى وجهه، ورفع درجته - قائلون، ولما خالف قوله مخالفون، لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل - إلى آخر ما قال مما سنذكره إن شاء اله تعالي في بعض المحال.
ونقل عنه شيخ الإسلام أمه قال في كتابه لاذى صنفه في اختلاف المضلين ومقالات الإسلاميين ذكر فرق الخوارج والروافض والمرجئة والمعتزلة وغيرهم ثم قال مقالة أهل السنة وأصحاب الحديث. جملة قول أهل السنة وأصحاب الحديث الإقرار بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله، وبما جاء عن الله عز وجل، وما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون من ذلك شيئاً، وأن الله واحد أحد فرد صمد، لا إله إلا هو لم يتخذ صاحبه ولا ولداً، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الجنة حق وأن النار حق، وان الساعة حق آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأن الله على عرشه كما قال:{الرحمن على العرش أستوى} [طه 5]، وأن له يدين بلا كيف كما قال:{خلقت بيدي} [ص: 75] وكما قال: {بل يداه مبسوطتان} [المائدة 64] وأن له عينين كما قال {تجرى بأعيننا} [القمر 14] وأن له وجهاً كما قال {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} [الرحمن 27] وأن لله أسماء لا يقال غير اله، ولا يقال كما قالت المعتزلة والخوارج، وأقروا أن لله علماً كما قال {أنزله بعلمه} [النساء 166] وكما قال تعالى:{وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه} [فاطر 11، وفصلت 47] واثبتوا السمع والبصر، ولم ينفوا ذلك عن الله تعالى كما نفته المعتزلة. وأثبتوا له القوة كما قال:{أو لم يروا أن الله الذى خلقهم هو أشد منهم قوة} [فصلت 15] وذكر مذهبهم في القدر إلى أن قال: ويقولون إن القرآن كلام الله غير مخلوق والكلام في اللفظ والوقف بدعة. ومن قال باللفظ والوقف فهو مبتدع عندهم، لا يقال: اللفظ بالقرآن غير مخلوق، ولا يقال مخلوق.
ويقرون أن الله سبحانه يرى بالأبصار كما يرى القمر ليلة البدر، يراه المؤمنون، ولا يراه الكافرون، لأنهم عن الله محجوبون. وذكر قولهم في الإسلام والحوض والشفاعة وأشياء أخر، إلى أن قال: ويقرون بأن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص ولا يقولون مخلوق ولا يشهدون على أحد من أهل الكبائر بالنار، إلى ان قال: وينكرون الجدل والمراء في الدين والخصومة والمناظرة فيما يتناظر فيه أهل الجدل، ويتنازعون من دينهم، ويسلمون للروايات الصحيحة ولما جاءت به الآثار التى جاءت بها الثقات عدلاً عن عدل حتى ينتهوا بذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.
لا يقولون: كيف، ولا لم، لأن ذلك بدعة، إلى أن قال: ويقرون أن الله عز وجل يجئ يوم القيامة كما قال {وجاء ربك والملك صفاً صفاً} [الفجر 22] وأنه يقرب من خلقه كيف يشاء كما قال: نحن أقرب إليه من حبل الوريد} [ق16] إلى أن قال: ويرون مجانبه كل داع إلى بدعة والتشاغل بقراءة القرآن وكتابه الآثار، والنظر في الفقه مع الاستكانة، والتواضع وحسن الخلق، وبذل المعروف، وكف الآذى وترك الغيبة والنميمة وتفقد المأكل والمشرب.
قال: فهذه جملة ما يامرون به، ويستسلمون إليه وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول وإليه نذهب، وما توفيقنا إلا بالله وهو المستعان. أنتهى.
وقال الوالد عليه الرحمة: إن مذهب الإمام الأشعري عند كثير من المحققين والعلماء المصنفين هو مذهب الإمام أحمد، لكن كثرت المقالة بين متأخري الأشاعرة والحنابلة، حتى أدى ذلك إلى تضليل كل من الفريقين صاحبه، وذلك في مسائل تمسكت فيها الحنابلة بظواهر الكتاب والسنة، كالاستواء والنزول والوجه، وغير ذلك من أحاديث الصفات. وأولها كثير من الشاعرة قاصدين فيه كمال التنزيه لله تعالى عن لوازم الأجسام، فبالغ لذلك جمع من الحنابلة في ردهم وتخطئهم مبرءون مما نسب إليهم، ومذهبهم الأسلم الأحكم.