الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذى نقله الشيخ رحمه الله تعالى - حكى الخلاف في مسالة بين العلماء، وأحتج لأحد القولين بحديث متفق على صحته، فأى عتب عليه في ذلك! ولكن نعوذ بالله تعالى من الحسد والبغي واتباع الهوى، والله سبحانه المسئول أن يوفقنا وإخواننا المسلمين لما يحبه ويرضاه من العمل الصالح، والقول الجميل، فإنه يقول الحق وهو يهدى السبيل. أنتهى.
[فتوى لابن تيمية في زيارة قبره صلى الله عليه وسلم
-]
وقال الشيخ ابن تيميه في فتاواه ما نصه: مسألة في رجل نوى زيارة قبر نبي من الأنبياء عليهم السلام مثل نبينا صلى الله عليه وسلم وغيره - فهل يجوز له في سفره أن يقصر الصلاة، وهل عي زيارة شرعية أم لا؟ وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((من حج فلم يزرنى فقد جفاني، ومن زارنى بعد مماتى فكأنما زرانى في حياتى)) وقد روى عنه أنه قال: ((لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدى هذا)) .
الجواب - الحمد لله رب العالمين. أما من سافر بمجرد زيارة قبور الأنبياء والصالحين فهل يجوز له القصر؟ على قولين:
أحدهما قول متقدمى العلماء الذين لا يجوزون القصر في سفر المعصية، كأبي عبد الله بن بطة، وأبي الوفا ابن عقيل، وطوائف كثيرة من العلماء المتقدمين: انه لا يجوز القصر في مثل هذا، لأنه سفر منهى عنه. وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى: إن السفر المنهى عنه في الشريعة لا يقصر فيه.
والقول الثاني - أنه يقصر، وهذا يقوله من يجوز القصر في السفر المحرم كأبي حنيفة ويقوله بعض المتأخرين من أصحاب الشافعي وأحمد ممن يجوز السفر لزيارة قبور الأنبياء، كأبي حامد الغزالي، وأبي الحسن
أبن عبدوس الحراني، وأبي محمد بن قدامه المقدسى، وهؤلاء يقولون: إن هذا السفر ليس بمحرم لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ((زوروا القبور)) وقد يحتج بعض من لا يعرف الحديث بالأحاديث المروية في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، كقوله:((من زارنى بعد مماتى فقد زارنى في حياتى)) رواه الدارقطنى وابن ماجه. وأما ما يذكره بعض الناس في قوله: ((من حج فلم يزرني فقد جفاني)) فهذا لم يروه أحد من العلماء.
وهو مثل قوله: ((من زارنى ضمنت له على الله الجنة)) فإن هذا أيضاً باطل باتفاق العلماء، لم يروه أحد، ولم يحتج به أحد، وإنما يحتج بعضهم بحديث الدارقطنى.
وقد احتج أبو محمد المقدسى على جواز السفر لزيارة القبور بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزور مسجد قباء، وأجاب عن حديث ((لا تشدوا الرحال)) بان ذلك محمول على نفي الاستحباب.
وأما الأولون فإنهم يحتجون بما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تشدوا الرحال إلا ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدى هذا)) وهذا الحديث اتفق الأئمة على صحته والعمل به، فلو نذر الرجل أن يصلى في مسجد أو مشهد، أو يعتكف فيه، أو يسافر إليه غير هذه الثلاثة لم يجب عليه ذلك باتفاق الأئمة.
ولو نذر أن يأتى المسجد الحرام لحج أو عمره، وجب عليه ذلك باتفاق العلماء
…
، ولو نذر أن ياتى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، أو المسجد القصى لصلاة أو أعتكاف، وجب عليه الوفاء بهذا النذر عند مالك والشافعي وأحمد، فإنهم يوجبون الوفاء بكل طاعة، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من نذر أن يطيع الله فليطعه
…
)) الحديث، رواه البخارى.
وأما السفر إلى بقعة يغر المساجد الثلاثة فلم يوجب أحد من العلماء السفر إليها إذا نذره، حتى نص بعض العلماء على أنه لا يسافر إلى مسجد قباء، لأنه ليس من الثلاثة، مع أن مسجد قباء يستحب زيارته لمن كان بالمدينة، لأن ذلك ليس بشد رحل كما في الصحيح:((من تطهر في بيته ثم اتى مسجد قباء لا يريد إلا الصلاة فيه كان كعمرة)) . وقالوا: ولأن السفر لزيارة قبور الأنبياء والصالحين بدعة لم يفعلها أحد من الصحابة والتابعين، ولا أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا استحبها أحد من ائمة المسلمين.
فمن أعتقد ذلك عبادة وفعلها، فهذا مخالف للسنة وإجماع الأمة.
وبهذا يظهر حجة ابي محمد، فإن زيارة النبي صلى الله عليه وسلم لمسجد قباء لم تكن بشد رحل، وهو يسلم لهم أن السفر إليه لا يجب بالنذر. وقوله: إن قوله: ((لا تشد الرحال)) محمول على نفى الاستحباب - يجاب عنه من وجهين:
أحدهما - أن هذا تسليم منه أن هذا السفر ليس بعمل صالح - ولا قربة وطاعة.
ومن يعتقد في السفر لزيارة قبور الأنبياء والصالحين أنه قربه وطاعة فقد خالف الإجماع.
وإذا سافر لاعتقاده أنها طاعة فإن ذلك محرم بإجماع المسلمين، فصار التحريم من جهة اتخاذه قربة، ومعلوم أن أحداً لا يسافر إليها إلا ذلك. وأما إذا قدر أن شد الرحل إليها لغرض مباح، فهذا جائز من هذا الباب.
الوجه الثاني - أن النفي يقتضى النهي، والنهي يقتضى التحريم، وما ذكره من الأحاديث في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فكلها ضعيفة باتفاق أهل العلم بالحديث، بل هي موضوعة، ولم يحتج أحد من الأئمة منها بشئ، بل مالك إمام اهل المدينة النبوية، الذى هو أعلم الناس بحك
م هذه المسالة كره أن يقول الرجل: زرت قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان هذا اللفظ مشروعاً أو مأثوراً عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكرهه عالم المدينة. والإمام أحمد رضي الله عنه أعلم الناس في زمانه بالسنة لما سئل عن ذلك لم يكن عنده ما يعتمد عليه في ذلك إلا حديث ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما من رجل يسلم على إلا رد الله تعالى علي روحي حتى أرد عليه السلام) . وعلى هذا اعتمد أبو داود في سننه، وكذلك مالك في الموطأ روى عن عبد الله بن عمر أنه كان إذا دخل المسجد قال: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا ابا بكر، السلام عليك يا أبت، ثم أنصرف.
وفي سنن ابي داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا تتخذوا قبرى عيداً وصلوا على أينما كنتم، فإن صلاتكم تبلغني)) . وفي سنن سعيد بن منصور عن عبد الله بن حسين بن على بن ابي طالب رأى رجلاً يختلف إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو عنده، فقال: يا هذا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((لا تتخذوا قبرى عيداً، صلوا على اينما كنتم فإن صلاتكم تبلغني)) فما أنت ورجل بالأندلس منه إلا سواء.
وكان الصحابة والتابعون لما كانت الحجرة النبوية منفصلة عن المسجد إلى زمن الوليد بن عبد الملك، لا يدخل أحد عنده لا لصلاة هناك ولا لمسح بالقبر، ولا لدعاء، بل هذا إنما يفعلونه في المسجد.
وكان السلف من الصحابة والتابعين إذا سلموا عليه وأرادوا الدعاء دعوا مستقبلين القبلة، ولم يستقبلوا القبر.
قال أكثر الأئمة: يستقبل القبر عند السلام خاصة، ولم يقل أحد من الأئمة أن يستقبل القبر عند الدعاء.
واتفق الأئمة على أنه لا يتمسح بقبر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يقبله، وهذا كله محافظة على التوحيد، فإن من اصول الشرك بالله سبحانه أتخاذ القبور مساجد، كما قال طائفة من السلف في قوله تعالى:{وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسراً} قالوا: هؤلاء كانوا قوماص صالحين في قوم نوح، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صور على صورهم تماثيل، ثم طل عليهم المد فعبدوها
وقد ذكر ذكر هذا المعنى البخارى في صحيحه عن ابن عباس، وذكره محمد ابن جرير الطبرى وغيره في التفسير عن غير واحد من السلف. وأول من وضع الأحاديث في السفر لزيارة المشاهد أهل البدع الرافضة، ونحوهم الذين يعطلون المساجد، ويعظمون المشاهد، يدعون بيوت الله سبحانه التى امر أن يذكر فيها اسمه ويعبد فيها وحده لا شريك له، ويعظمون المشاهد التىت يشرك فيها، ويبتدع فيها دين لم ينزل الله به سلطاناً. فإن الكتاب والسنة إنما فيهما ذكر المساجد لا المشاهد، كما قال الله تعالى:{قل أمر ربي بالقسط واقيموا وجوهكم عند كل مسجد} [الأعراف 29] وغير ذلك من الآيات. والله تعالى أعلم. انتهى.
وقال ايضاص في موضع آخر منها ما نصه: وقد ذكر بعض المتأخرين من العلماء أنه لا بأس بالسفر إلى المشاهد، واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان ياتى قباء كل سبت راكباً وماشياً، أخرجاه في الصحيحين. ولا حجة لهم فيه، لأن قباء ليس مشهداً بل مسجداً، وهي منهى عن السفر إليها باتفاق الأئمة. لأن ليس بسفر مشروع، بل لو سافر إلي قباء من دويرة أهله لم يجز، ولكن لو سافر إلى المسجد النبوى ثم ذهب منه إلى قباء. فهذا مستحب كزيارة أهل البقيع وشهداء أحد. أنتهى.