الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[النحل 49] فأخبرنا الله تعالى أنه يخلق الخلق ((بكن)) فمن زعم أن ((كن)) مخلوق فقد زعم أن الله جل جلاله يخلق الخلق بخلق.
وقال البخاري: حدثوني عن وكيع أنه قال: لا تستخفوا بقولهم: القرآن مخلوق، فإنه من شر قولهم، وإنما يذهبون الله التعطيل.
وقال الإمام البيهقي: قلت وقد روينا نحو هذا عن جماعة من فقهاء الأمصار وعلماؤهم، ولم يصح عندنا خلاف هذا القول عن احد من الناس في زمان الصحابة والتابعين رضي الله عنهما أجمعين. واول من خالف الجماعة في ذلك الجعد بن درهم، فأنكره عليه خالد بن عبد الله القسرى وقتله وقد خطبهم في يوم أضحى بواسط فقال: ارجعوا أيها الناس فضحوا، تقبل الله منكم، فإنى مضح بالجعد بن درهم، فإنه يزعم أن الله عز وجل لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليماً، سبحانه وتعالى عما يقول الجعد بن درهم. قال: ثم نزل فذبحه قال أبو رجاء: وكان يأخذ هذا الكلام من الجعد بن درهم، رواه البخاري في كتاب التاريخ.
باب
[الفرق بين التلاوة والمتلو]
قال الله عز وجل: ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر} [القمر 17] وقال: {والطور. وكتاب مسطور. في رق منشور} [الطور 1 - 3] وقال: {بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم} [العنكبوت 49] وقال: {وإن أحد من المشركين أستجارك فأجره حتى يسمع كلام الله} [التوبة 6] فالقرآن الذي نتلوه هو كلام الله عز وجل، وهو متلو بألسنتنا على الحقيقة، و\مكتوب في مصاحفنا، محفوظ في صدرونا، مسموع في أسماعنا، عير حال في شئ منها، إذ هي من صفات غير بائنة منه، وهو كما أن
البارى سبحانه معلوم بقلوبنا / مذكور بألسنتنا، مكتوب في كتابنا، معبود في مساجدنا، مسموع بأسماعنا، غير حال في شئ منها وأما قراءنتا وكتابتنا وحفظنا فهو من أكسابه مخلوقة لا شك فيها.
قال الله تعالى: {وافعلوا الخير لعلكم تفلحون} [الحج 77] وسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم تلاوة القرآن فعلاً في قوله عليه الصلاة والسلام ((لا حسد إلا في أثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل والنهار، فيقول: لو أوتيت مثل ما أوتى هذا لفعلت كما يفعل. ورجل أتاه الله مالاً فهو ينفقه في حقه فيقول: لو أوتيت مثل ما أوتى هذا عملت مثل ما يعمل)) قال يحيى بن سعيد: مازلت أسمع أصحابنا يقولون: أفعال العباد مخلوقة.
قال البخاري: حركاتهم وأصواتهم، وأكسابهم وكتابتهم مخلوقة فأما القرآن المتلو المبين المثبت في المصاحف، المسطور المكتوب المحفوظ في القلوب، فهو كلام الله عز وجل ليس بخلق
وعن ابن عباس في قوله: {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر} [القمر 17] لولا أن يسره على لسان الآدميين ما أستطاع أحد أن يتكلم بكلام الله عز وجل.
وقال ابن المبارك: لا أقول القرآن خالق، ولا مخلوق، ولكنه كلام الله تعالى ليس منه ببائن.
قال الشيخ البيهقى: قلت هذا هو مذهب السلف والخلف من أصحاب الحديث، أن القرأن كلام الله تعالى وهو صفة من صفات ذاته ليست ببائنة منه.
وإذا كان هذا الأصل مذهبهم في القرآن، فكيف يتوهم عليهم خلاف ما ذكرنا في تلاوتنا وكتابتنا وحفظنا، إلا أنهم في ذلك على طريقين: منهم من فصل بين التلاوة والمتلو كما فصلنا. ومنهم من أحب ترك الكلام فيه مع إنكار قول من زعم أن لفظى بالقرآن غير مخلوق.
ولصحة ذلك أنا أبو عبد الله الحافظ قال: أنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: سمعت أبا بكر محمد بن إسحق يقول: سمعت ابا محمد فوران يقول: جاءني ابن شداد برقعة فيها مسائل وفيها: أن لفظي بالقرآن غير مخلوق، فدفعتها إلى أبي بكر المروزى فقلت له: أذهب بها إلى بن عبد الله - يعنى أحمد بن حنبل - وأخبره أن ابن ابي شداد ههنا، وهذه الرقعة قد جاء بها، فما كرهت منها وأنكرته فاضرب عليه فجاءنى بالرقعة وقد ضرب على موضع ((لفظي بالقرآن غير مخلوق)) وكتب:((القرآن)) حيث تصرف غير مخلوق.
ثم ذكر الإمام البيهقى أخرى مثلها، ثم قال: فهاتان الحكايتان تصرحان بأن أبا عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه برئ مما خالف مذهب المحققين من أصحابنا، إلا أنه كان يستحب قلة الكلام في ذلك، وترك الخوض فيه مع إنكار ما خالف مذهب الجماعة.
وفي مثل ذلك ما روى عن ابن عبد الله بن أحمد بن حنبل أنه قال: سمعت أبي يقول: من قال لفظى بالقرآن مخلوق يريد به القرآن فهو كافر.
قال البيهقي: قلت فهذا تقييد حفظه عنه ابنه عبد الله، وهو قول يريد به القرآن قد غفل عنه غيره. ومما رويناه أن أبا بكر أحمد بن إسحق الفقيه رحمه الله تعالى أملى اعتقاده واعتقاد رفقائه على أبي بكر عثمان، وعرضه على محمد بن إسحق بن خزيمة فاستصوبه محمد بن إسحق وارتضاه.
وكان فيما أملى من اعتقادهم: من زعم أن الله جل ذكره لم يتكلم إلا مرة، ولا يتكلم إلا ما تكلم به ثم انقضى كلامه، كفر بالله.
بل لم يزل الله متكلماً، ولا يزال متكلماً لا مثل لكلامه، لأنه صفة من صفات ذاته فنفى اله عز وجل المثل عن كلامه، كما نفى المثل عن نفسه