المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[عقيدة ابن تيميه في كلام الله] - جلاء العينين في محاكمة الأحمدين

[ابن الألوسي]

فهرس الكتاب

- ‌[سبب تأليف الكتاب]

- ‌[ابن حجر ينال من ابن تيمية]

- ‌[ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية]

- ‌[الحافظ الذهبي يتحدث عن ابن تيمية]

- ‌[الحافظ ابن كثير أيضاً]

- ‌[ما كتبه الزملكاني]

- ‌[كلام للسيوطي في ابن تيمية]

- ‌[رأى الحافظ ابن سيد الناس في ابن تيمية]

- ‌[رأى ابن الوردى]

- ‌[رأى الواسطى]

- ‌[رأى ابن دقيق العيد]

- ‌[رأى العلامة السبكي]

- ‌[رأى الحافظ ابن حجر العسقلاني]

- ‌[المؤمنون يفتنون]

- ‌فصل:في تبرئة الشيخ مما نسب إليه وثناء المحققين المتأخرين عليه

- ‌[شهادة الكورانى]

- ‌[شهادة السويدي البغدادي]

- ‌[شهادة الآلوسي والد المؤلف]

- ‌فصل: (في قول العلامة ابن حجر المتقدم سابقاً)

- ‌(ترجمة الإمام السبكي)

- ‌(في رد اليافعي على السبكي)

- ‌(مطلب كلام السبكي)

- ‌(الجواب من اليافعي)

- ‌(ترجمة القاضي تاج الدين السبكي)

- ‌(ترجمة العز بن جماعة)

- ‌(ترجمة الزملكاني)

- ‌(ترجمة أبي حيان)

- ‌(ترجمة ابن حجر الهيتمي)

- ‌(ترجمة ابن حجر العسقلاني)

- ‌فصل: يشتمل على مقصدين

- ‌المقصد الأول: في تراجم بعض آباء الشيخ ابن تيمية وأقربائه

- ‌(ترجمة المجد ابن تيمية)

- ‌(ترجمة عبد الحليم بن تيمية)

- ‌(ترجمة عبد الغني بن تيمية)

- ‌(ترجمة شرف الدين بن تيمية)

- ‌(ترجمة محمد بن تيمية)

- ‌(ترجمة زينب بنت تيمية)

- ‌المقصد الثاني: في ترجمة بعض تلامذته الكرام المشهورين وترجمة المثنين عليه من العلماء المتأخرين

- ‌(ترجمة الإمام ابن القيم)

- ‌(ترجمة الحافظ الذهبي)

- ‌(ترجمة شمس الدين ابن قداه)

- ‌(ترجمة ابن قاضي الجبل)

- ‌(ترجمة الطوفى الصرصري)

- ‌(ترجمة ابن الوردى)

- ‌(ترجمة زين الدين الحراني)

- ‌(ترجمة ابن مفلح)

- ‌(ترجمة شرف الدين ابن المنجا)

- ‌[ترجمة بعض تلامذة الإمام الذين تأثروا به ولم يعاصروه]

- ‌(ترجمة ابن ناصر)

- ‌(ترجمة الشيخ إبراهيم الكوراني)

- ‌(ترجمة منلا على القارئ)

- ‌(ترجمة العلامة السويدي البغدادي)

- ‌(ترجمة شهاب الدين مفتى الحنفية ببغداد الألوسي البغدادي)

- ‌(ترجمة مسند الوقت أحمد ولى الله الدهلوي)

- ‌(ترجمة العلامة الشوكاني)

- ‌(ترجمة الإمام الأجر أبي الطيب)

- ‌فصل: (في الجرح والتعديل)

- ‌(لا يؤخذ بقول العلماء في طعن بعضهم بعضاً)

- ‌(فيمن طعن في معاصروه)

- ‌[لغرض أو مرض هوجم ابن تيمية]

- ‌فصل: (في كلام العلامة ابن حجر فيما يتعلق بكتب الصوفية)

- ‌الفصل الأول: (في عقيدة الإمام ابن تيمية)

- ‌[إجلاله للصحابة]

- ‌[ابن تيمية والشاذلي]

- ‌(ترجمة أبي الحسن الشاذلي)

- ‌الفصل الثالث: [المعترضون على الصوفية كثيرون]

- ‌(ترجمة الإمام محي الدين بن العربي)

- ‌[الناس في ابن عربي أقسام ثلاثة]

- ‌(ترجمة ابن الفارض)

- ‌(ترجمة ابن سبعين)

- ‌(ترجمة الحلاج)

- ‌[رأى ابن حجر العسقلاني في الحلاج ومن على شاكلته]

- ‌[ابن تيمية يرد القول بولاية الحلاج من وجوه]

- ‌(مكتوب شيخ الإسلام ابن تيمية)

- ‌الفصل الرابع: في الكلام على ما نقله الشيخ ابن حجر من عبارة شيخ الإسلام

- ‌[ابن حجر لا يلتزم أدب المناظرة في النقل]

- ‌[الصوفى المثالى]

- ‌[الصوفى المنحرف]

- ‌[ابن تيمية كان يتشدد في سد ذرائع البدع]

- ‌[رأى ابن تيمية في الولاية والأولياء]

- ‌[لم يكن ابن تيمية وحده هو الذي حارب الفلاسفة]

- ‌[الغزالي يرمى الفلاسفة بالكفر]

- ‌فصل: [في أصنافهم وشمول سمة الكفر كافتهم]

- ‌[رأى لابن تيمية في الفلاسفة]

- ‌[هل يعلم الولى بلغيب

- ‌(ترجمة ابن سينا)

- ‌(ترجمة الإمام أبي حامد الغزالي)

- ‌[مما أخذ عن الغزالي]

- ‌[ليس ابن تيمية أول من انتقد الغزالي]

- ‌[فرق الشيعة وعقائدهم]

- ‌(ترجمة الفضيل بن عياض)

- ‌(ترجمة القشيرى)

- ‌[عقيدة المعتزلة وفرقهم]

- ‌[عقيدة الجهمية]

- ‌[مناظرة شعرية بين أهل السنة والمعتزلة حول رؤية الله]

- ‌[علم الكلام بين مادحيه وقادحيه]

- ‌[رأى ابن تيمية في المتكلمين]

- ‌[التعريف برسائل إخوان الصفا]

- ‌[ترجمة أبي حيان التوحيدى]

- ‌[ابن سينا يرى أن علم الغيب بالنسبة للبشر جار على السنن الطبيعي]

- ‌[بحث في الرؤيا]

- ‌ الروح

- ‌[في الإنسان]

- ‌[الروح حادثة أم هي قديمة

- ‌[مستقر الأرواح في البرزخ]

- ‌[هل تموت الروح

- ‌[قصيدة ابن سينا في الروح ومعارضه الدهلوى لها]

- ‌(ترجمة الإمام أبي بكر بن العربي)

- ‌[الدس في بعض الكتب]

- ‌(ترجمة الإمام المازرى)

- ‌(ترجمة الإمام الطرطوشي)

- ‌(ترجمة الإمام ابن الجوزي)

- ‌(ترجمة ابن عقيل)

- ‌فصل: وأما قول الشيخ ابن حجر:

- ‌[أكاذيب تدفعها حقائق]

- ‌[تعريفه وشروطه]

- ‌[هل يتجزأ الاجتهاد

- ‌[هل يجوز أن يخلو الزمان عن مجتهد

- ‌[فتوى للإمام ابن تيميه عن التقليد]

- ‌[فتوى للإمام ابن تيمية حول جواز تقليد غير الأربعة]

- ‌[هل يجوز الانتقال من مذهب إلى مذهب

- ‌[التقليد في أصول الدين]

- ‌(ترجمة الإمام أحمد بن حنبل)

- ‌[كتاب للإمام أحمد عن السنة]

- ‌[محنة القول بخلق القرآن]

- ‌[نقلة فقه الإمام أحمد]

- ‌((وما ضرنا أنا قليل وجارنا عزيز وجار الأكثرين ذليل))

- ‌[ترجمة الإمام أبو الحسن الأشعري]

- ‌[من أتباع الأشعري]

- ‌[عقيدة الأشعري]

- ‌[ترجمة الإمام البيهقي]

- ‌فصلوقد آن الشروع في أجوبة ما عزاه الشيخ ابن حجر عليه الرحمة إلى الشيخ ابن تيمية

- ‌[رأى ابن تيمية في يمين الطلاق]

- ‌[الطلاق المخالف للسنة]

- ‌[تارك الصلاة عمداً هل يقضى]

- ‌[هل يباح للحائض الطواف بدون كفارة]

- ‌[هل يرد الطلاق الثلاث إلى واحدة]

- ‌[حكم المكوس وهل تقوم مقام الزكاة

- ‌فصل: [في المظالم المشتركة]

- ‌[هل تنجس المائعات بموت حيوان]

- ‌[هل للجنب أن يصلى التطوع ليلاً قبل أن يغتسل

- ‌[شرط الواقف هل يعتبر أو لا

- ‌[اختيارات أخرى ذهب إليها ابن تيميه]

- ‌[رأى ابن تيميه في الحسن والقبح]

- ‌[أفعال العباد]

- ‌[حكم مخالف الإجماع]

- ‌[عقيدة ابن تيميه في كلام الله]

- ‌[فتوى لابن تيميه عن كلام الله]

- ‌[كلام نفيس لابن القيم في الموضوع]

- ‌فصل: [عقيدة ابن القيم وشيخه في القرآن]

- ‌[مقتطفات من نونية ابن القيم]

- ‌فصل: في مذهب الاقترانية

- ‌فصل: في مذهب القائلين بأنه متعلق بالمشيئة والإرادة

- ‌فصل: في مذهب الكرامية

- ‌فصل: في ذكر مذهب أهل الحديث

- ‌فصلوأتى ابن حزم بعد ذاك

- ‌فصلونعتقد أن القرآن كلام الله عز وجل

- ‌فصلونعتقد أن القرآن حروف مفهومة

- ‌فصل: [حروف المعجم أمخلوقة هي أو قديمة

- ‌فصل[البيهقي يستدل لكون القرآن غير مخلوق]

- ‌[القول والكلام يتواردان على معنى واحد]

- ‌[ما جاء في إثباته صفة التكليم والتكلم والقول سوى ما مضى]

- ‌[كيف يكلم الله البشر

- ‌[إسماع الرب ملائكته]

- ‌[الفرق بين التلاوة والمتلو]

- ‌[هل كان ابن تيمية دهرياً يقول بقدم العالم

- ‌[وهل كان يقول بالحسمية والجهة والانتقال]

- ‌[تبرئة ابن تيمية مما نسبه إليه ابن حجر من التجسيم]

- ‌[فوقية الخالق سبحانه]

- ‌[قول الله عز وجل: {أأمنتم من في السماء} [الملك 16]]

- ‌[قول الله عز وجل لعيسى ابن مريم]

- ‌[مجئ الله]

- ‌[مذهب السلف. تنزيه. وتفويض. وتصديق]

- ‌[ليس الاستواء بمعنى الاستيلاء]

- ‌[أنتصار الرازى لتأويلات الخلف]

- ‌[الصفات بين المفوضين والمعطلين]

- ‌[رأى المؤلف في الصفات]

- ‌[مذهب ابن تيمية في الصفات]

- ‌[كلام ابن تيمية في العرش وإحاطة الله بمخلوقاته]

- ‌[أسماء الله وصفاته توقيفية دون زيادة ولا نقصان]

- ‌[ما روى في الحجر الأسود أنه يمين الله وتأويله]

- ‌[عقيدة الشيخ عبد القادر الكيلاني]

- ‌[عقيدة الأشعري]

- ‌[ابن تيمية لم يكن بدعاً من الأئمة حينما رأى ما رأى]

- ‌[لازم المذهب ليس بمذهب]

- ‌[الأقوال في آيات الصفات وأحاديثها]

- ‌[القول في فناء النار]

- ‌[هل الجنة والنار موجودتان؟ وأين؟ وهل هما ابديتان

- ‌[أدلة القائلين بعدم فناء النار]

- ‌[صاحب الكبيرة]

- ‌[عصمة الأنبياء]

- ‌[كلام في التوسل والوسيلة والاستغاثة]

- ‌[أدلة المجوزين للتوسل والإستغاثة]

- ‌[أدلة المانعين للتوصل]

- ‌[حقيقة الشفاعة]

- ‌[سقوط الاستدلال بحديث الأعمى]

- ‌[توسل عمر بالعباس]

- ‌[حديث آدم]

- ‌[حديث الأعرابي]

- ‌[حديث مالك]

- ‌[التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌[قيمة المنامات والحكايات في الاستدلال]

- ‌[الحياة البرزخية]

- ‌[مذهب ابن تيمية في التوسل]

- ‌[لا يعبد الله إلا بما شرع]

- ‌[نوعا الشفاعة]

- ‌[هل تنعقد اليمين بغير الله]

- ‌[الوسيلة الجائزة والممنوعة]

- ‌[الاستغاثة بالمشايخ والموتى]

- ‌[إسراف بغيض]

- ‌[هل يشد الرحال لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌[باب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌[فتوى لابن تيمية في زيارة قبره صلى الله عليه وسلم

- ‌[حكم زيارة القبور بلا شد الرحال]

- ‌[السنن والبدع في زيارة القبور]

- ‌[كيف بدلت التوراة والإنجيل]

- ‌[ابن حجر لا يعدل في القضية]

- ‌[ارتفاع الحدث بماء الورد]

- ‌[حكم المسح على النعلين وما جرى مجراهما]

- ‌[هل يتوقت المسح على الخفين

- ‌[التيمم لخشية فوات الوقت]

- ‌[اختيار لابن تيمية في التيمم]

- ‌[مدة الحيض]

- ‌[مسافة القصر]

- ‌[هل تستبرأ البكر

- ‌[هل يقضى من أكل في وقت الصوم يظنه بليل]

- ‌[المسابقة]

- ‌استبراء المختلعة

- ‌[وطء الوثنيات بملك اليمين]

- ‌[بيع الأصل بالعصير]

- ‌[بيع الفضل بالمصنوع متفاضلاً]

- ‌[تفصيل مسائل الربا]

- ‌[ابن القيم يرى أن ربا الفضل حرم سداً للذرائع]

- ‌[هل يجوز إهداء ثواب القراءة للنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌[هل للإنسان أن يجعل ثواب عمله لغيره]

- ‌[مطلب في إرسال العذبة]

- ‌[حكم بيع المسجد إذا خرب]

- ‌كلمة المطبعة

الفصل: ‌[عقيدة ابن تيميه في كلام الله]

وكذلك طائفة من أصحاب مالك وأبي حنيفة وأحمد قالوا: إن جمع الطلاق الثلاث واحدة، لأن الكتاب والسنة عندهم إنما يدل على ذلك، وخالفوا أئمتهم. وطائفة من أصحاب مالك والشافعي وأبي حنيفة رأوا غسل الدهن النجس، وهو خلاف قول الأئمة الأربعة. وطائفة من أصحاب أبي حنيفة رأوا تحليف الناس بالطلاق، وهو خلاف قول الأئمة الأربعة، بل ذكر ابن عبد البر أن الإجماع منعقد على خلافه. وطائفة من أصحاب مالك وغيرهم قالوا: من حلف بالطلاق فإنه يكفر يمينه، وكذلك من حلف بالعتاق.

وكذلك قال طائفة من أصحاب أبي حنيفة والشافعي أن من قال: الطلاق يلزمني لا يقع به طلاق، ومن حلف بذلك لا يقع به طلاق. وهذا منقول عن أبي حنيفة نفسه. أهـ. باقتصار.

قلت: ومن ذلك الأقوال الزفرية (1) التى نقلتها الأئمة الحنفية، فإن الفتوى فيها على قول زفر لقوة أدلته، ولم يلتفت فيها على قولهم. وأشباه ذلك كثير لمن تتبع أقوال علماء المذاهب الأربعة. أهـ. فتدبر وافهم.

[عقيدة ابن تيميه في كلام الله]

(قوله: وإن ربنا سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علواً كبيراً - محل الحوادث، تعالى الله عن ذلك وتقدس - إلى قوله - وغن القرآن محدث في ذات الله تعالى.

أقول: عني بذلك مسألة الكلام على ما ذهبت متكلم بكلام ازلي بحروف وأصوات. وهذا التشنيع أيضاً قد اتبع فيه السبكي كما تقدم لك في منظومته حيث قال: [بسيط]

يحاول الحشو أنى كان فهو له

حثيث سير بشرق أو بمغربه

(1) نسبة إلى زفر بن الهزيل الإمام المعروف، وهو أحد اصحاب أبي حنيفة النعمان.

ص: 299

يرى حوادث لا مبدأ لأولها

في الله سبحانه عما يظن به

وجواب اليافعي له بقوله:

المنزلات كلاماً لا شبيه به

وقد تكلم رب العرش بالكتب

إذا يشاء وهذا الحق فارفض به

ولم يزل فاعلاً أو قائلاً أزلاً

الأبيات السالفات: وانت تعلم أن عدم قيام الحوادث بذاته تعالى مما أتفق عليه أهل السنة (1) إلا الكرامية، فقد قال السعد في شرح المواقف: إنه تعالى يمتنع أن يقوم بذاته حادث.

ولا بد قبل الشروع في الحجاج من تحرير محل النزاع، ليكون التوارد بالنفي والإثبات على شئ واحد فنقول:

الحادث هو الموجود بعد العدم، وأما مالا وجود له وتجدد، ويقال له متجدد، ولا يقال له حادث فثلاثة أقسام: الأول - الأحوال ولم يجوز تجددها في ذاته تعالى إلا أبو الحسن من المعتزلة فإنه قال: بتجدد العالمية فيه بتجدد المعلومات.

الثاني - الإضافات أى النسب، ويجوز تجددها اتفاقاً من العقلاء حتى يقال: كأنه تعالى موجود مع العلم بعد أن لم يكن معه.

الثالث - السلوب، فما نسب إلى ما يستحيل إنصاف البارئ تعالى به امتنع تجدده، كما في قولنا: إنه ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض. فإن هذه سلوب يمتنع تجددها وإلا جاز، فإنه تعالى موجود مع كل حادث، وتزول عنه هذه المعية إذا عدم الحادث، فقد تجدد له صفة سلب بعد ان لم تكن.

وإذا عرفت هذا الذى ذكرناه فقد اختلف في كونه تعالى محل الحوادث، أى الأمور الموجودة بعد عدمها، فمنعه الجمهور من العقلاء من أرباب الملل وغيرهم. وقال المجوس: كل حادث هو من صفات الكمال قائم به، أى

(1) على هامش الأصل؟ ((ولعل الصواب أخذاً مما يأتى: أهل السنة وغيرهم إلا الكرامية والمجوس. فلعل السقط من الناسخ)) أهـ.

ص: 300

يجوز أن تقوم به الصفات الكمالية الحادثة مطلقاً. وقال الكرامية:

يجوز أن يقوم به الحادث لا مطلقاً، بل كل حادث يحتاج البارئ إليه في إيجاده للخلق، ثم اختلفوا في ذلك الحادث فقيل: هو الإدارة، وقيل هو قوله: كن. واتفقوا على أن الحادث القائم بذاته يسعى حادثاً، ومالاً يقوم بذاته من الحوادث يسمى محدثاً لا حادثاً. ولهم في إثبات امتناع بذاته لجاز أزلاً واللازم سبحانه ثلاثة وجوه: الأول - لو جاز قيام الحادث بذاته لجاز أزلاً واللازم باطل.

الثاني - صفاته تعالى صفات كمال، فخلوه عنها نقص، والنقص عليه محال إجماعاً، فلا يكون شئ من صفاته حادثاً وإلا كان خالياً عنه قبل حدوثه.

الثالث: أنه تعالى لا يتأثر عن غيره، ولو قام به حادث لكانت ذاته متأثرة عن الغير متغيرة به، وأوردا عليها ما يطول ذكره، فإن أردته فارجع إليه.

ثم قال: واحتج الخصم بوجوه ثلاثة: منها الاتفاق على انه متكلم سميع بصير، ولا يتصور إلا بوجود المخاطب والمسموع والمبصر، وهي حادثة فوجب حدوث هذه الصفات القائمة بذاته تعالى.

وأجابوا عنه بان الحادثة تعلقه، وان ذلك التعليق إضافة من الإضافات فيجوز تجددها وتغيرها، إذ الكلام عند الأشاعرة معنى نفسي قديم قائم بذاته تعالى لا يتوقف على وجود المخاطب بل يتوقف عليه تعلقه، وكذا السمع والبصر.

وقالت الكرامية: العقلاء يوافقوننا في قيام الصفة الحادثة بذاته سبحانه وإن أنكرونا باللسان، فإن الجبائية قالوا بإدارة وكراهية حادثتين لا في محل، لكن المريدية والكارهية حادثتان في ذاته تعالى، وكذا السامعية والمبصرية تحدث بحدوث المسموع والمبصر. وابو الحسين يثبت علوماً

ص: 301

متجددة. والأشعرية يثبتون النسخ، وهو إما رفع الحكم القائم بذاته أو انتهائه، وهما عدم بعد الوجود فيكونان حادثين. أهـ. ملخصاً.

وإن أردت الأجوبة فعليك بالكتب المطولة. وأما ما ذكرنا من مسألة الكلام عند الحنابلة فهو مذهب المحدثين والسلف الصالحين، وهو أحد تسعة أقوال على ما حماه العلامة الملا على القارى في شرحه الفقه الأمبر: أحدها - أن كلام الله تعالى هو ما يفيض على النفوس من المعاني، إما من العقل الفعال، وهو جبريل عند بعضهم، أو من غيره، وهذا قول الصابئة والمتفلسفة.

وثانيهاً - أنه مخلوق خلقه الله تعالى منفصلاً عنه، وهو قول المعتزلة.

وثالثهاًُ - أنه معنى واحد قائم بذات الله تعالى هو الأمر والنهي، والخبر والاستخبار، إن عبر بالعربية كان قرآناً، وإن عبر عنه بالعبرية كان توراة، وإليه ذهب ابن كلاب ومن وافقه كالأشعرية.

ورابعها - أنه حروف وأصوات أزلية مجتمعة في الأزل، وإليه ذهبت طائفة من المتكلمة وأهل الحديث.

وخامسها - انه حروف وأصوات، لكن تكلم الله تعالى بها بعد أن لم يكن متكلماً، وإليه ذهبت الكرامية وعيرهم.

وسادسها - أنه يرجع إلى ما يحدثه من علمه وإرادته القائم بذاته، وهو قول صاحب المعتبر وإليه ذهب الرازي في المطالب العالية.

وسابعها - أن كلامه يتضمن معنى قائماً بذاته وهو ما خلقه في عيره، وإليه ذهب أبو منصور الماتريدي.

وثامنها - أنه مشترك بين المعنى القائم بالذات وهو الكلام النفسي وبين ما يخلقه في غيره من الأصوات، وهو قول أبي المعالي ومن تبعه.

(قلت) والأظهر أن معنى الأول حقيقة، والثاني مجاز.

وتاسعها - أنه تعالى لم يزل متكلماً إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء، وهو متكلم به بصوت يسمع، وغن نوع الكلام قديم وإن لم تكن صورة المعين قديماً، وهو المأثور عن أئمة الحديث والسنة أهـ.

ص: 302

وانت تعلم أن هذه المسألة من أعظم مسائل الدين، وقد تحيرت فيها آراء المتقدمين والمتأخرين، وأضطربت فيها الأقوال، وكثرت بسببها الأهوال، وأثارت فتناً، وجلبت محناً، وكم سجنت إماماً، ونكبت أقواماً وقد أرشد الله تعالى إليها اهل السنة والجماعة، كما سياتيك بيانه إن شاء الله تعالى، وما تستلذ سماعه.

(فأقول) : إن المشهور من هذه المذاهب والمبسوطة أدلتها في اكثر الكتب أربعة: وهي مذهب الحنابلة القائلين بقدم الكلام اللفظي، وإنه غير مخلوق. ومذهب الأشاعرة المثبتين للكلام النفسي وقدمه، وعدم خلقه وعدم الكلام اللفظي. ومذهب الكرامية المثبتين للكلام اللفظي وحدوثه. ومذهب المعتزلة القائلين بخلق القرآن وحدوثه. ونفي الكلام النفسي. وستتضح لك إن شاء الله تعالى أقوالهم المجملة بادلتها المفصلة. فقد قال العلامة الملا جلال الدواني في شرحه للعقائد العضدية: ولا خلاف بين أهل الملة في كونها تعالى متكلماً، أى موصوفاً بهذه الصفة: لكن اختلفوا في تحقيق كلامه، هل هو نفسي أم لفظي، وحدوثه وقدمه. وذلك أنهم لما رأوا قياسين متعارضين النتيجة وهما كلام الله تعالى مؤلف من حروف وأصوات مترتبة متعاقبة في الوجود، وكل كا هو كذلك فهو حادث، فكلام الله تعالى حادث - أضطروا إلى القدح في أحد القياسين ضرورة أمتناع حقيقة النقيضين، فمنع كل طائفة بعض المقدمات. فالحنابلة ذهبوا إلى أن كلام الله تعالى حروف وأصوات وهي قديمة، ومنعوا أن كل ما هو مؤلف من حروف واصوات مترتبة فهو حادث، بل قال بعضهم بقدم الجلد والغلاف.

(وأقول) : وهذا غير مقبول عند محققى الحنابلة، بل هو منكر منسوب

ص: 303

إلي بعضهم، وقد كثر قادحوه منهم كما سيظهر لك إن شاء الله تعالى ذلك. ثم قال: وقيل: إنهم إطلاق لفظ الحادث على الكلام النفسي، كما قال بعض الأشاعرة: إن كلامه تعالى ليس قائماً بلسان أو قلب، ولا حالاً في مصحف أو لوح، ومنع إطلاق القول بحدوث كلامه، وإن كان المراد هو اللفظي رعاية للأدب واحتراز الوهم إلى حدوث الكلام الأزلي.

والمعتزلة قالوا بحدوث كلامه، وإنه مؤلف من أصوات وحروف وهو قائم بغيره. ومعنى كونه متكلماً عندهم أنه موجد لتلك الحروف والأصوات في الجسم كاللوح المحفوظ أو كجبريل أو النبي صلى الله عليه وسلم، أو غيرها كشجرة موسى عليه السلام، فهم منعوا ان المؤلف من الحروف والأصوات صفة الله تعالى قديمة.

والكرامية لما رأوا أن مخالفة الضرورة التى ألتزمها الحنابلة أشنع من مخالفة الدليل، أن ما التزمه المعتزلة من كون كلامه تعالى صفة لغيره، وان معنى كونه متكلماً كونه خالقاً للكلام في الغير مخالف للعرف واللغة - ذهبوا إلى أن كلامه تعالى صفة له مؤلفة من احروف والأصوات الحادثة القائمة بذاته تعالى، فمنعوا أن كل ما هو صفة له فهو قديم.

والأشاعرة قالوا: كلامه تعالى معنى واحد بسيط، قائم بذاته تعالى قديم فهم منعوا أن كلامه تعالى مؤلف من الحروف والأصوات. ولا نزاع بين الشيخ والمعتزلة في حدوث الكلام اللفظي، وإنما نزاعهم في إثبات الكلام النفسي وعدمه. وذهب المصنف إلى أن مذهب الشيخ - يعني الأشعري - أن الألفاظ أيضاً قديمة، وأفرد في ذلك مقالة ذكر فيها ان لفظ المعنى يطلق تارة على مدلول اللفظ، وأخرى على القائم بالغير.

ص: 304

فالشيخ لما قال: هو المعنى النفسي فهم الأصحاب منه أن مراده مدلول اللفظ وهو القديم عنده، واما العبارات فإنما سميت كلاماً مجازاً لدلالتها على ما هو الكلام الحقيقي، حتى صرحوا بأن الألفاظ حداثة على مذهبه ولكنها ليست كلاماً له تعالى حقيقة.

وهذا الذى فهموه له لوازم كثيرة فاسدة، كعدم تكفير من أنكر كلامية ما بين دفتى المصاحف، مع أنه علم من الدين ضرورة كونه كلام الله تعالى حقيقة، وكعدم كون المقروء والمحفوظ كلامه تعالى حقيقة، إلى غير ذلك مما يخفى على المتفطنين في الأحكام الدينية، فوجب حمل كلام الشيخ على انه أراد به المعنى الثاني، فيكون الكلام النفسي عنده أمراً شاملاً للفظ والمعنى جميعاً قائماً بذاته تعالى. أهـ.

فقوله ((المعنى الثاني)) أى فوجب أن يحمل قوله: الكلام هو المعنى النفسي على أنه اراد بالمعنى المعنى الثاني وهو القائم بالغير، لا ما فهمه الأصحاب من أن مراده به مدلول اللفظ فيكون المعنى النفسي عند الشيخ أمراً شاملاً للفظ القائم بذات الله تعالى ولمدلوله القائم به.

وقال الوالد عليه الرحمة في الفوائد التى حررها أول تفسيره: إن الذى انتهى إليه كلام أئمة الدين، كالماتريدي والأشعري وغيرهما من المحققين أن موسى عليه السلام سمع كلام الله تعالى بحرف وصوت، كما تدل عليه النصوص التى بلغت في الكثرة مبلغاً لا ينبغي معه تأويل، ولا يناسب في مقابلته قال وقيل. أهـ.

ولنذكر هذه الفائدة بتمامها، فإنها توقفك من مسالة الكلام على غوامضها (فأقول) : قال عليه الرحمة ما نصه: إن الإنسان له كلام بمعنى التكلم الذى هو مصدر، وكلام بمعنى التكلم به الذى هو الحاصل بالمصدر،

ص: 305

ولفظ الكلام لغة للثاني، قليلاً كان أو كثيراً، حقيقة كان أو حكماً وقد يستعمل استعمال المصدر كما ذكر الرضى. وكل من المعنيين إما لفظي أو نفسي.

فالأول من اللفظي، فعل الإنسان باللسان وما يساعده من المخارج.

الثاني منه - كيفية في الصوت المحسوس. والأول من النفسي فعل قلب الإنسان ونفسه الذى لم يبرز إلى الجوارح. والثاني منه - كيفية في النفس إذ لا صوت محسوساً عادة فيها، وإنما هو صوت معنوي مخيل.

أما الكلام اللفظي بمعنييه فمحل وفاق. اما النفسي فمعناه الأول تكلم الإنسان بكلمات ذهنية، وألفاظ مخيلة يرتبها في الذهن على وجه إذا تلفظ بها بصوت محسوس كانت عين كلماته اللفظية. ومعناه الثاني - هو هذه الكلمات الذهنية، والألفاظ المخيلة المترتبة ترتيباً ذهنياً منطبقاً عليه الترتيب الخارجي والدليل على ان النفس كلاماً بالمعنيين الكتاب والسنة، فمن الآيات قوله تعالى:{فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكاناً} [يوسف 77] فإن ((قال)) بدل من ((أسر)) أو استئناف بياني، كأنه قيل: فماذا قال في نفسه في ذلك الإسرار؟ فقيل: قال أنتم شر مكاناً. وعلى التقديرين فالآية دالة على ان للنفس كلاماً بالمعنى المصدري، قولاً بالمعنى الحاصل بالمصدر وذلك من ((أسر)) والجملة بعدها. وقوله تعالى:{أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى} [الزخرف 80] وفسر النبي صلى الله عليه وسلم السر بما اسره ابن آدم في نفسه. وقوله تعالى: {واذكر ربك في نفسك} [الأعراف 25] وقوله تعالى: {يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الآمر شئ ما قتلنا ههنا} أي يقولون في انفسهم كما هو الأسرع أنسياقاً إلى الذهن. والآيات في ذلك كثيرة.

ومن الأحاديث ما رواه الطبراني عن أم سلمة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سأله رجل فقال: إنى لأحدث نفسي بالشئ

ص: 306

لو تكلمت به لأحبطت أجرى، فقال:((لا يلقى ذلك الكلام إلا مؤمن)) فسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الشئ المحدث به كلاماً مع أنه كلمات ذهنية، والأصل في الإطلاق الحقيقة ولا صارف عنها.

وقوله تعالى في الحديث القدسي: ((أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي

... .)) الحديث. وفيه دليل على أن للعبد كلاماً نفسياً بالمعنيين، وللرب أيضاً كلاماً نفسياً كذلك ولكن أين التراب، من رب الأرباب.

فالمعنى الأول للحق تعالى شأنه صفة أزلية منافية للآفة الباطنية التى هي بمنزلة الخرس بالتكلم الإنساني اللفظي، ليس من جنس الحروف والألفاظ أصلاً، وهي واحدة بالذات تتعدد تعليقاتها بحسب تعدد المتكلم به.

وحاصل الحديث: من تعلق تكلمه بذكر اسمى، تعلق تكلمي بذكر أسمه، والتعليق من الأمور النسبية التى لا يضر تجددها، وحدوث التعليق إنما يلزم في التعليق النتجيزي ولا ننكره، وأما التعليق المعنوي التقديري وتعلقه فأزليان، ومنه ينكشف وجه صحة نسبة السكوت عن اشياء ((رحمة غير نسيان)) كما في الحديث، إذا معناه أن تكلمه الزلي لم يتعلق ببيانها مع تحقيق أتصافه أزلاً بالتكلم النفسي، وعدم هذا التعليق الخاص لا يستدعى انتفاء الكلام الأزلي كما لا يخفى. والمعنى الثاني - له تعالى كلمات غيبية، وهي ألفاظ حكمية مجردة عن المواد مطلقاً، نسبية كانت أو خيالية أو روحانية، وتلك الكلمات أزلية مترتبة من غير تعاقب في الوضع الغيبي العلمي لا في الزمان إذ لا زمان، والتعاقب بين الأشياء من توابع كونها زمانية، ويقربه من بعض الوجوه وقع البصر على سطور الصفحة المشتملة على كلمات مترتبة في الوضع الكتابي دفعه، فهي مع كونها مترتبة لا تعاقب في ظهورها، فجميع معلومات الله الذى هو نور السماوات والأرض مكشوفة له ازلاً.

ص: 307

كما هي مكشوفة له فيما لا يزال. ثم تلك الكلمات الغيبية المترتبة وضعياً أزلياً يقدر بينها التعاقب فيما لا يزال، والقرآن كلام الله تعالى المنزل بهذا المعنى، فهو كلمات غيبية مجردة من المواد، مترتبة في علمه أزلاً غير متعاقبة تحقيقاً بل تقديره عند تلاوة الألسنة الكونية الزمانية.

ومعنى تنزيلها: إظهار صورها في المواد الروحانية والحسية من الألفاظ المسموعة والذهنية والمكتوبة. ومن هنا قال السنيون: القرآن كلام الله غير مخلوق، وهو مكتوب في المصاحف محفوظ في الصدور، مقروء بالألسن، مسموع بالآذان، غير حال في شئ منها، وهو في جميع هذه المراتب قرآن حقيقة شرعية معلوم من الدين بالضرورة. فقولهم:((غير حال)) إشارة إلى مرتبة النفسية الأزلية، فإنه من الشئون الزاتية ولم تفارق الذات ولا تفارقها أبداً، ولكن الله أظهر صورها من الخيال والحس فصارت كلمات مخيلة، وملفوظة مسموعة، ومكتوبة مرئية، فظهر في تلك المظاهر من غير حلول إذ هو فرع الانفصال وليس فليس (1) فالقرآن كلام الله تعالى غير مخلوق، وإن تنزل في هذه المراتب الحادثه ولم يخرج عن كونه منسوباً إليه.

أما في مرتبة الخيال فلقوله صلى الله عليه وسلم: ((أغنى الناس حملة القرآن من جعله الله في جوفه)) واما في مرتبة اللفظ فلقوله تعالى: {وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن} [الأحقاف 21] واما في مرتبة الكتابة فلقوله تعالى: {بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ} [البروج 22] وقول الإمام أحمد: لم يزل الله متكلماً كيف يشاء، وإذا شاء بلا كيف، إشارة إلى مرتبتين:

الأولى - إلى كلامه في مرتبة التجلى والتنزيل إلى مظهر له، كقوله - صلى الله

(1) قوله، ((وليس فليس)) أي ليس انفصال فليس حلول.

ص: 308

عليه وسلم -: ((إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة اجنحتها خضعاناً لقوله كانه سلسلة على صفوان)) الحديث.

والثاني - إلى مرتبة الكلام النفسي، إذ الكيف من توابع مراتب التنزلات، والكلام في مرتبة الذات مجرد عن المادة فارتفع الكيف بارتفاعها.

فالحاصل - لم يزل الله متكلماً موصوفاً بالكلام من حيث تجلي، ومن حيث لا، فمن حيث تجليه في مظهر لكلامه كيف وإذا شاء لم يتكلم بما اقتضاه مظهر تجليه فيكون متكلماً بلا كيف كما كان ولم يزل.

والأشعري إذا حققت الحال وجدته قائلاً: بأن الله تعالى كلاماً بمعنى التكلم، وكلاماً بمعنى التكلم به، وإنه بالمعنى الثاني لم يزل منصفاً بكونه أمراً ونهياً وخبراً، فإنها أقسام المتكلم به، وغن الكلام النفسي بالمعنى الثاني حرفه غير عارضة للصوت في الحق والخلق، غير أنها في الحق كلمات، غيبية مجردة عن المواد أصلاً، غذ كان الله تعالى ولم يكن شئ غيره. وفي الخلق كلمات مخيلة ذهنية، فهي في مادة خيالية، فكلمات الكلام النفسي في جنابة كلمات حقيقية لكنها ألفاظ حكمية، ولا يشترط اللفظ الحقيقي في كون الكلمات حقيقة، إذ أطلق الفاروق الكلمة على أجزاء مقالته المخيلة في خبر يوم السقيفة.

والأصل في الإطلاق الحقيقة، فالأجزاء كلمات حقيقة لغوية، مع أنها ليست ألفاظاً كذلك، إذ ليست حروفها عارضة لصوت. واللفظ الحقيقى ما كانت حروفه عارضة، وهو لكونه صورة اللفظ النفسي الحكمي دال عليه، وهو دال في النفس على معناه بلا شبهة ولا أنفكاك، فيصدق على اللفظ النفسي بمعناه أنه مدلول اللفظ الحقيقي ومعناه، فتفسير المعنى النفسي المشهور عن الأشعري بمدلول اللفظ وحده كما نقله صاحب المواقف عن الجمهور لا ينافي

ص: 309

تفسيره بمجموع اللفظ والمعنى كما فسره هو ايضاً. وذلك في قوله على النفسي، وفي قول الجمهور على الحقيقى. ولا شك حينئذ أن مجموع النفسي ومعناه من حيث المجموع يصدق عليه أنه مدلول اللفظ الحقيقي وحده، لأن اللفظ الحقيقى لكونه صورة النفسي في مرتبة تنزله دال عليه، ويدل على أن المراد المجموع قول إمام الحرمين في الإرشاد: ذهب أهل الحق إلى إثبات الكلام القائم بالنفس وهو القول، اى المقول الذى يدور في الخلد، وهو اللفظ النفسي الدال على معناه بلا انفكاك.

نعم، عبارة صاحب المواقف غير واضحة في المقصود، وله مقاله مفردة في ذلك، ومحصولها كما قال السيد قدس سره: أن لفظ المعنى يطلق تارة على مدلول اللفظ. وأخرى على الأمر القائم بالغير. فالشيخ لما قال: الكلام النفسي هو المعنى النفسي، فهم الأصحاب منه أن مرداده مدلول اللفظ وحده، وهو القديم عنده. وأما العبارات فإنها تسمى كلاماً مجازاً لدلالتها على ما هو كلام حقيقي، حتى صرحوا بأن الألفاظ خاصة حادثة على مذهبه أيضاً، لكنها ليست كلامه حقيقة.

وهذا الذى فهموه من كلام الشيخ له لوازم كثيرة فاسدة، كعدم إكفار من أنكر كلامية ما بين دفتى المصحف مع انه علم من الدين ضرورة كونه كلام الله حقيقة، وكعدم المعارضة والتحدي بكلام الله الحقيقي، وكعدم كون المقروء والمحفوظ حقيقة إلى غير ذلك مما لا يخفى على المتفطن في الأحكام الدينية.

فوجب حمل كلام الشيخ على أنه أراد به المعنى الثاني، فيكون الكلام النفسي عنده أمراً شاملاً للفظ والمعنى جميعاً قائماً بذات الله تعالى، وهو مكتوب في المصاحف، مقروء بالألسن، محفوظ في الصدور، وهو غير

ص: 310

الكتابة والقراءة والحفظ الحادثة. وما يقال من أن الحروف والألفاظ مترتبة متعاقبة فجوابه. ان ذلك الترتيب إنما هو في التلفظ بسبب عدم مساعدة الآلة فالتلفظ حادث والأدلة الدالة على الحدوث يجب حملها على حدوثه دون حدوث الملفوظ جمعاً بين الأدلة. وهذا الرأى ذكرناه وإن كان مخالفاً لما عليه متأخروا اصحابنا إلا أنه بعد التأمل يعرف حقيقته. أهـ.

واعترضه الدواني بوجوه قال:

أما أولاً - فلأن مذهب الشيخ إن كلامه تعالى واحد وليس بامر ولا نهي ولا خبر، وإنما يصير أحد هذه الأمور بحسب التعلق. وهذه الأوصاف ما تنطبق على الكلام اللفظي، وإنما يصح تطبيقه على المعني المقابل للفظ بضرب من التكلف.

واما ثانياً - فلآن كون الحروف والألفاظ قائمة بذاته تعالى من غير ترتب يفضى إلى كون الأصوات مع كونها أعراضاً سيالة موجودة بوجود لا تكون فيه سيالة، وهو سفسطة من قبيل أن يقال: الحركة توجد في بعض الموضوعات من غير ترتب وتعاقب بين أجزائها.

وأما ثالثاً - فلأنه يؤدي إلى أن يكون الفرق بين ما يقوم بالقارئ من الألفاظ، وبين ما يقوم بذاته تعالى اجتماع الأجزاء وعدم اجتماعها بسبب قصور الآلة. فنقول: هذا الفرق إ أوجب اختلاف الحقيقة فلا يكون القائم بذاته من جنس الألفاظ، وغن لم يوجب وكان ما يقوم بالقارئ وما يقوم بذاته تعالى بسبب حقيقة واحدة، والتفاوت بينهما وإنما يكون باجتماعه وعدمه اللذين هما من عوارض الحقيقة الواحدة كان بعض صفاته الحقيقة مجانساً لصفات المخلوقات.

وأما رابعاً - فلأن لزوم ما ذكره من المفاسد وهم، فإن تكفير من أنكر

ص: 311

كون ما بين الدفتين كلام الله تعالى إنما هو إذا اعتقد أنه ليس كلام الله بمعنى أنه ليس بالحقيقة صفة قائمة بذاته بل هو دال على الصفة القائمة بذاته، ولا يجوز تكفيره اصلاً، وهو مذهب أكثر الأشاعرة ما خلا المصنف وموافقيه.

وما علم من الدين من كون ما بين الدفتين كلام الله حقيقة، وإنما هو بمعنى كونه دالاً على ما هو كلام الله تعالى حقيقة لا على أنه صفة قائمة بذاته تعالى، وكيق يدعى أنه من ضروريات الدين مع أنه خلاف ما نقله عن الأصحاب؟ وكيف بزعم أن هذا الجم الغفير من الأشاعرة أنكروا ما هو من ضروريات الدين حتى يلزم تكفيرهم! حاشاهم عن ذلك! .

واما خامساً - فلأن الأدلة على النسخ لا يمكن حملها على التلفظ بل ترجع إلى الملفوظ، كيف وبعضها مما لا يتعلق بالتلفظ به كما نسخ حكمه وبقى تلاوته! . أهـ.

والجواب أما عن الأول - فهو أن الحق عز أسمه له كلام بمعنى التكلم، وكلام بمعنى المتكلم له، وما هو أمر واحد المعنى الأول، وهو صفة واحدة تتعدد تعلقاتها بحسب تعدد المتكلم به من الكتب والكلمات وانها ليست من جنس الحروف والألفاظ لا الحقيقة ولا الحكمية، وما ذكر في الأعتراض ينطبق عليه بلا كلفة.

والدليل على أن المنعوت بهذه الأوصاف عند الشيخ هو المعنى الأول نقل الإمام أن الكلام الأزلي لم يزل متصفاً بكونه أمراً نهياً خبراً. ولا شك أن هذه أقسام المتكلم به، وكل ما كان قائلاً بانقسام الثاني كان المنعوت بالوحدة ذاتاً، والتعدد تعلقاً، المعنى الأول عنده جمعاً بين الكلامين.

واما عن الثاني - فهو أن ذلك إنما يلزم إذا أريد من اللفظ الحقيقي وأما إذا أريد النفسي الحكمي فلا ورود، لأن الألفاظ النفسية كلها مجتمعة

ص: 312

الأجزاء في الوجود العلمي مع كونها مرتبة كما ذكره هو نفسه.

وكلام صاحب المواقف محتمل للتأويل كما تقدم، فليحمل عليه سعياً بالإصلاح مهما أمكن.

وأما الثالث - فهو أن الإيراد مبني على ظن أن المراد باللفظ الحقيقي مع أنه محتمل لأن يراد النفسي كما يقتضيه ظاهر تشبيه بالقائم بنفس الحافظ.

واما الرابع - فهو أن الكلام النفسي عند اهل الحق هو مجموع اللفظ النفسي والمعنى، ولكن ظاهر كلام صاحب المواقف يدل على أنه فهم من ظاهر كلام بعض الأصحاب أن مرادهم بالمعنى هو المقابل للفظ مجرداً عن اللفظ مطلقاً، ودق سمعهم يقولون: إن الكلام اللفظي ليس كلامه تعالى حقيقة بل مجازاً، فإذا أنضم قولهم بنفي كونه حقيقة شرعية إلى أقوالهم في ظنه أن النفسي هو المعنى المقابل للفظ، لزم من هذا ما هو في معنى القول بكون اللفظي من مخترعات البشر، ولا يخفى استلزامه للمفاسد، ولكن لم يريدوا بالمجاز الشرعي، فإن إطلاق كلام الله تعالى المسموع متواتراً فلا يتأتى نفيه لأحد. بل المراد أن الكلام إنما يتبادر منه ما هو وصف للمتكلم وقائم به يقتضيه حقيقة الكلام، وذات المتكلم في الحق والخلق على الوجه اللائق بكل. وأما ما يتلى فهو حروف عارضة للصوت الحادث، ولا شك أنه ليس قائماً بذاته تعالى من حيث هو هو، بل هو صورة من صور كلامه القديم القائم به تعالى، ومظهر من مظاهر تنزلاته، فهو دال على الحقيقى القائم فسمى كلاماً حقيقة شرعية لذلك. وفيه إطلاق لاسم الحقيقة على الصورة فيكون مجازاً من هذا الوجه، وإلى هذا يشير كلام التفتارانى فلا يلزم شئ من المفاسد، واعتراض صاحب المواقف مبني على ظنه.

واما الخامس - فهو أن كلام صاحب المواقف ليس نصاً في أن الضمير راجع إلى التلفظ، بل يحتمل أن يكون راجعاً إلىلا الملفوظ، وذلك أنه قال:

ص: 313

المعنى الذى في النفس لا ترتب فيه، كما هو قائم بنفس الحافظ ولا ترتب فيه، وقد مر أن المراد به مجموع اللفظ والمعنى، كما يقتضيه ظاهر التشبيه بالقائم بنفس الحافظ، ولا شك أنه لا ترتب فيه، أى لا تعاقب فيه في الوجود العلمي، وحينئذ فقوله نعم الترتب إنما يحصل في التلفظ، معناه أن الترتب في المعنى النفسي الذى هو مجموع اللفظ النفسي والمعنى إنما يحصل في التلفظ الخارجي لضرورة عدم مساعدة الآلة. فقوله: وهو الذى هو حادث، أى الملفوظ بالتلفظ الخارجي الذى هو الصورة حادث، لا اللفظ النفسي، وتحمل الأدلة التى تدل على الحدوث وعلى حدوثه، أى الملفوظ بالتلفظ الخارجي وعلى هذا لا ورود للاعتراض أصلاً. ومنهم من أعترض ايضاً بانهم اشترطوا في المعجزة أن تكون فعل الله تعالى، أو ما يقوم مقامه، كالنزول، فلا يكون القرآن اللفظي الذى هو معجزة قديماً صفة له تعالى. ولا يخفى أن المعجزة هو القرآن في مرتبة تنزله إلى الألفاظ الحقيقية العربية. فكونه لفظاً حقيقياً عربياً مجعول بالنص فيكون معجزة بلا شبهة، والقديم على ما حقق هو القرآن اللفظي النفسي الذى هو مجموع اللفظ النفسي والمعني. وهذا واضح لمن ساعدته العناية.

وقد شنع على الشيخ الأشعري في هذا المقام أقوام تشابهت قلوبهم واتحدت أغراضهم، واختلفت أساليبهم. وها أنا بحوله تعالى راد لاعتراضاتهم بعد نقلها، غير هياب ولا وكل، وإن اتسع علم أهلها. فالبعوضة قد تدمى مقلة الأسد، وفضل الله تعالى ليس مقصوراً على أحد.

(فأقول) : قال تلميذ مولانا الدواني عفيف الدين الإيجى ما حاصله: إن هذا الذى تدعيه الأشاعرة من أن للكلام معنى آخر يسمى النفسي باطل، فإنا إذا قلنا: زيد قائماً، فهناك أربعة اشياء: الأول - العبارة الصادر عنه.

والثاني - مدلول هذه العبارة، وما وضع له هذه الألفاظ من المعاني المقصودة بها.

الثالث - علمه - علمه تلك النسبة وانتفائها.

الرابع - ثبوت تلك

ص: 314

النسبة وانتفاؤها في الواقع، والأخيران ليسا كلاماً اتفاقاً، والأول يمكن أن يكون كلام الله حقيقة على مذهبهم، فبقى الثاني، وكذا تقول في الأمر والنهي ههنا ثلاثة أمور: الأول - الإرادة والكراهة الحقيقية.

الثاني - اللفظ الصادر عنه.

الثالث - مفهوم لفظه ومعناه. والأول ليس كلاماً اتفاقاً. والثاني كذلك على مذهبهم، فبقى الثالث وبه صرح أكثر محققيهم. وكونه كلاماً نفسياً ثابتاً لله - تعالى شأنه - محكوماً عليه بأحكام مختلفة باطل من وجوه: الأول - أنه مخالف للعرف واللغة، فإن الكلام فيها ليس إلا المراكب من الحروف.

الثاني - أنه لا يوافق الشرع، إذ قد ورد فيما لا يحصى كتاباً وسنة أن الله تعالى ينادى عباده، ولا ريب أن النداء لا يكون إلا بصوت، بل قد صرح به في الأخبار الصحيحة، وباب المجاز وغن لم يغلق بعد إلا أن حمل ما يزيد على نحو مائة ألف من الصرائح على خلاف معناها مما لا يقبله العقل السليم.

الثالث - أن ما قالوه من كون هذا المعنى النفسي واحداً يخالف العقل، فإنه لا شك أن مدلول اللفظ في الأمر يخالف مدلوله في النهي، ومدلول الإنشاء، بل مدلول أمر مخصوص غير مدلول أمر أخر، وكذا في الخبر. ولا يرتاب عاقل أن مدلول اللفظ لا يمكن أن يكون غير القرآن وسائر الكتب السماوية، فيلزم أن يكون كل واحد مشتملاً على ما أشتمل عليه الآخر، وليس كذلك، وكيف يكون معنى واحداً خبراً وإنشاء محتملاً للتصديق والتكذيب، وغير محتمل، وهو جمع بين النفي والإثبات. أهـ.

ولا يخفى أن مبنى جميع أعتراضاته على فهمه أن مرادهم بالمعنى النفسي هو مدلول اللفظ وحده، أى المعنى المجرد عن مقارنة اللفظي مطلقاً ولو حكمياً.

ص: 315

وقد عرفت أنه ليس كذلك، بل المراد به مجموع اللفظ النفسي والمعنى وهو الذى يدور في الخلد، وتدل عليه العبارات، كما صرح به إمام الحرمين، وعليه إذا قال القائل: زيد قائم، فهناك أربعة أشياء كما ذكر المعترض وشئ خامس تركه وهو المراد، وهي هذه الجملة بشرط وجودها في الذهن بألفاظ مخيلة ذهنية على معانيها في النفس، وهذا يعنونه بالكلام النفسي فلا محذور.

(ونقول) على سبيل التفصيل: أما الأول - فجوابه إنه إنما تتم المخالفة إذا لم يكن عندهم مجموع اللفظ والمعنى، فحيث كان لا مخالفة لأن الكلام حينئذ مركب من الحروف إلا أنها نفسية غيبية في الحق، خيالية في الخلق.

وأما الثاني فجوابه أن هذا الذى لا يحصى ليس فيه سوى أن الحق سبحانه وتعالى متكلم بكلام حروفه عارضة للصوت، إلا أنه لا يتكلم إلا به، فلا ينتهض ما ذكر حجة على الشيخ، بل إذا أمعنت النظر رأيت حجة له، حيث بين أن الله تعالى لا يتكلم بالوحي لفظاً حقيقياص إلا على طبق ما في علمه، وكل ما كان كذلك كان الكلام اللفظي صورة من صور الكلام النفسي، ودليلاً من أدلة ثبوتها. والله يقول الحق، وهو يهدي السبيل.

وأما الثالث - فجوابه أن المنعوت بانه واحد بالذات تتعدد تعلقاته هو الكلام بمعنى صفة المتكلم ووحدته مما لاشك لعاقل فيها. وأما الكلام النفسي بمعنى المتكلم به فليس عنده واحداً، بل نص في الإبانة على أنقسامه إلى الخبر والأمر والنهي في الأزل، فلا اعتراض.

وقال النجم سليمان الطوفي: إنما كان الكلام حقيقة في العبارة مجازاً في مدلولها لوجهين: أحدهما: أن المتبادر إلى فهم أهل اللغة من إطلاق الكلام إنما هوالعبارة والمبادرة دليل الحقيقة.

الثاني - أن الكلام مشتق من الكلم، لتأثيره في نفس السامع، والمؤثر إنما هو العبارات لا المعاني النفسية

ص: 316

بالفعل نعم، وهي مؤثرة للفائدة بالقوة، والعبارة مؤثرة بالفعل، فكانت أول بان تكون حقيقية، وأخرى مجازاً. وقال المخالفون: أستعمل لغة في النفسي والعبارة.

قلنا: نعم، لكن بالاشتراك أو بالحقيقة فيما ذكرناه، والمجاز فيما ذكرتموه، والأول ممنوع، قالوا: الأصل في الإطلاق الحقيقة. قلنا: والأصل عدم الإشتراك. ثم إن لفظ الكلام أكثر ما يستعمل في العبارات، والكثرة دليل الحقيقة. وأما قوله تعالى:{يقولون في أنفسهم} [المجادلة 8] فمجاز دل على المعنى النفسي بقرينة ((في أنفسهم)) ولو أطلق لما فهم إلا بالعبارة. وأما قوله تعالى: {واسروا قولكم} [الملك 13] الآية - فلا حجة فيه، لأن الإسرار خلاف الجهر، وكلاهما عبارة عن ان يكون أرفع صوتاً من الآخر، وأما بيت الأخطل وهو:

إن الكلام لفى الفؤاد وإنما

إلخ

فالمشهور: إن البيان. وبتقدير أن يكون الكلام فهو مجاز عن مادته وهو في التصورات المصححة له، إذ من لم يتصور ما يقول لا يوجد كلاماً. ثم هو مبالغة من هذا الشاعر بترجيح الفؤاد على اللسان. أنتهى. وفيه ما لا يخفى.

واما أولاً - فلأن ما أدعاه من التبادر إنما هو لكثرة استعماله في اللفظي لمسيس الحاجة إليه، لا لكونه الموضوع له خاصة بدليل استعماله لغة وعرفاً في النفسي، والأصل في الإطلاق الحقيقة. وقوله:((والأصل عدم الإشتراك)) قلنا: نعم، وإن أردت به الإشتراك اللفظي ونحن لا ندعيه وإنما ندعى الاشتراك المعنوي، وذلك أن الكلام في اللغة بنقل النحويين: ما يتكلم به قليلاً كان أو كثيراً، حقيقة أو حكماً.

وأما الثانية - فلأن ما أدعاه من ان المؤثر في نفس المسامع إنما هو العبارات لا المعاني النفسية، الأمر فيه بالعكس بدليل أن الإنسان إذا سمع

ص: 317

كلاماً لا يفهم معناه لا تؤثر ألفاظه في نفسه شيئاً. وقد يتذكر الإنسان في حالة سروره كلاماً يحزنه، وفي حالة حزنه كلاماً يسره فيتأثر بهما، ولا صوت ولا حرف هناك، وإنما هي حروف وكلمات مخيلية نفسية، وهو الذى عناه الشيخ بالكلام النفسي. وعلى هذا فالسمع في قولهم لتأثيره في نفس السامع ليس بقيد واللتأثير في النفس مطلقاً معتبر في وجه التسمية.

وأما ثالثاً - فلأن ما قاله في قوله تعالى {يقولون في أنفسهم} من أنه مجاز على المعنى النفسي فيه بقرينه ((في أنفسهم)) ولو أطلق لما فهم إلا العبارة يرده قوله تعالى: {يقولون بأفواههم - وفي ىية - بالسنتهم ما ليس في قلوبهم} إذا لو كان مجرد ذكر ((في انفسهم)) قرينة على كون القول مجازاً في النفسي لكان ذكر ((بأفواههم)) و ((ألسنتهم)) قرينة على كونه مجازاً في العبارة واللازم باطل فكذا الملزوم.

نعم، والتقييد على دليل على ان القول مشترك معنى بين النفسي واللفظي وعين بن المراد من فردية فهو لنا لا علينا.

واما رابعاً - فلأن ما ذكرناه في قوله تعالى: {وأسروا} الآية تحكم بحت لأن السر كما قال الزمخشري: ما حدث به الرجل نفسه أو غيره من مكان خال ويساعده الكتاب والآثر واللغة، كما لا يخفى على المتتبع.

وأما خامساً: فلأن ما ذكره في بيت الأخطل خطل من وجوه:

أما أولاً فعلى تقدير أن يكون المشهور ((البيان)) بدل ((الكلام)) يكفينا في البيان لأنه اسم مصدر بمعنى ما يبين به، أو مصدر بمعنى التبيين. وعلى الأول هو بمعنى الكلام ولا فرق بينهما إلا في اللفظ. وعلى الثاني هو مستلزم للكلام النفسي بمعنى المتكلم به، عن كان المراد التبيين القلبي، اعنى ترتيب القلب للكلمات الذهنية على وجه إذا عبر عنها باللسان فهم غيره ما قصده منها.

ص: 318

واما ثانياً - فلأن قوله ((وبتقدير)) ان يكون)) إلخ إقرار بالكلام النفسي من غير شعور.

واما ثالثاً - فلأن دعوى المجاز تحكم مع كون الأصل في الأطلاق الحقيقة.

واما رابعاً - فلأن دعوى أن ذلك مبالغة من هذا الشاعر خلاف الواقع بل هو تحقيق من غير المبالغة كما يفهم مما سلف، فما ذكره هذا الشاعر كلمة حكمة سواء نطق بها على بينة من الأمر أو كانت منه رمية من غير رام، فإن معناه موجود في حديث أبي سعيد ((العينان دليلان، والأذنان قمعان والسان ترجمان - إلى أن قال - والقلب ملك فإذا صلح)) الحديث. وفي حديث أبي هريرة ((القلب ملك وله جنود - إلى ان قال - واللسان ترجمان)) الحديث. فما قيل: إن هذا الشاعر نصراني عدو الله ورسوله؟ أفيجيب أطراح كلام الله ورسوله تصحيحاً لكلامه، أو حمله على المجاز صيانة لكلمة هذا الشاعر عنه. وايضاً يحتاجون إلى أثبات هذا الشعر والشهرة غير كافية، فقد فتش ابن الخشاب دواوين الأخطل العتيقة فلم يجد فيها البيت. أنتهى - كلام أوهن وأوهى من بيت العنكبوت، وأنه لأوهن البيوت.

أما أولاً - فلأن كلام هذا العدو موافق لكلام الحبيب حتى لكلام المنكرين للكلام النفسي حيث اعترفوا به في عين إنكارهم.

وأما ثانياً - فلأنا أغناها الله تعالى ورسوله من فضله عن إثبات هذا الشعر.

واما ثالثاً - فلأن عدم وجدان ابن الخشاب لا يدل على انتفائه بالكلية كما لا يخفى. والحاصل. ان الناس أكثروا القال والقيل، في حق هذا الشيخ الجليل، وكل ذلك من باب [وافر] .

ص: 319

وكم من عائب قولاً صحيحاً وآفته من الفم السقيم

نعم، البحث دقيق، ولا يرشد إليه إلا توفيق، كم أسهر اناساً، وأطثر وسواساً، أثار فتنة، وأورث محنة، وسجن أقواماً واضر إماماً:[وافر]

مرام شط العقل فيه ودون مداه بيد لا تبيد

ولكن بفضل الله تعالى قد أتينا فيه بلب اللباب، وخلاصة ما ذكره والأصحاب، وقد اندفع به كثير مما أشكل على الأقوام، وخفى على أفهام ذوى الأفهام، ولا حاجة معه إلى ما قاله المولى المرحوم غني زاده في التخلص عن هاتيك الشبه ما نصه: ثك اعلم أنى ما حررت البحث بعثني فرط الإنصاف، إلى أنه لا ينبغي لذى الفطرة السليمة أن يدعى قدم اللفظ لاحتياجه إلى هذه التطليفات، وكذا كون الكلام عبارة عن المعنى القديم لركاكة توصيف الذات به، وكيف ومعنى قصة نوح مثلاً ليس بشئ يمكن أتصاف الذات به إلا بتحمل بعيد. فالحق الذى لا محيد عنه هو ان المعاني كلها موجودة في العلم الأزلي بوجود علمي قديم، لكن لما كان في ماهية بعضها داعية البروز في الخارج بوجود لفظي حادث حسمياً يستدعيه حدوث الحوادث فيما لا يزال أقتضى الذات أقتضاؤ أزلياص إبراز ذلك البعض في الخارج بذلك الوجود الحادث فيما لا يزال. فهذا الاقتضاء صفة قديمة للذات هو بها في الأزل مسماه يكون فيما لا يزال، والمغايرة بينه وبين صفة العلم ظاهرة، وهذا هو غاية الغاية الغاايات في هذا الباب. والحمد لله على ما خصني بفهمه من بين أرباب الألباب. أهـ.

وفيه أن غاية الغايات في الجسارة على باب الأرباب، وإحداث صفة قديمة ما انزل الله بها من كتاب إذ لم يردفي كتاب الله ولا في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولا روى عن صحابي ولا تابعي تسمية ذلك الإقتضاء

ص: 320

كلاماً، بل لا يقتضيه عقل ولا نقل، على انه لا يحتاج إليه، عند من أخذت العناية بيديه. هذا، وإذا سمعت ما تلوناه، ووعيت ما حققناه فاسمع الآن تحقيق الحق، في كيفية سماع موسى عليه السلام كلام الحق.

فأقول: الذي أنتهى إليه كلام ائمة الدين، كالماتريدي والأشعري وغيرها من المحققين: أن موسى عليه السلام سمع كلام الله تعالى بحرف وصوت كم تدل عليه النصوص التى بلغت في الكثرة مبلغاً لا ينبغي معه تأويل، ،لا يناسب في مقابلته قال وقيل، بل قد ورد إثبات الصوت لله تعالى شأنه في أحدايث لا تحصى، واخبار لا تستقصى. وروى البخاري في الصحيح:((يحشر الله العباد فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك أنا الديان)) . ومن علم أن الله الحكيم أن يتجلى بما شاء وكيف شاء، وانه منزه في تجليه، قريب في تعاليه، لا تقيده المظاهر عند أرباب الأذواق، إنه لخ الإطلاق الحقيقي حتى عن قيد الإطلاق، زالت عنه إشكالات، واتضحت لديه متشابهات، ومما يدل على ثبوت التجلى في المظهر لله تعالى قول ابن عباس، ترجمان القرآن في قوله تعالى:{أن بورك من النار} [النمل 8] كما الدر المنثور. يعني تبارك وتعالى نفسه، كان نور رب العالمين في الشجرة. وفي رواية عنه ((كان الله في النور ونودي من النور)) وفي صحيح مسلم:((حجابه النور)) وفي رواية له ((حجابه النار)) ودفع الله تعالى توهم التقييد بما ينافي التنزيه بقوله: {وسبحان الله} أي عن التقييد بالصورة والمكان والجهة وإن نادى، لأنه لكونه موصوفاً بصفة رب العالمين فلا يكون ظهوره المتجلي {أنا الله العزيز} فلا أتقيد لعزتى ولكني {الحكيم} فاقتضت حكمتى الظهور والتجلي في صورة مطلوبك. فالمسموع على هذا حرف وصوت سمعهما موسى من الله تعالى المتجلي بنوره في مظهر النار لما اقتضاه الحكمة،

ص: 321

فهو عليه السلام كليم الله بلا واسطة لكن من وراء حجاب مظهر النار، وهو عين تجلى الحق تعالى له.

اما ما شاع عن الأشعري من القول بسماع النفسي القائم بذاته تعالى فهو من باب التجويز والإمكان، لا أن موسى عليه السلام سمع ذلك بالفعل، إذ هو خلاف البرهان. ومما يدل على جواز سماع الكلام النفسي بطريق خرق العادة قوله تعالى في الحديث القدسي:((ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به)) الحديث ومن الواضح أن الله تعالى إذا كان بتجليه النوري المتعلق بالحروف غيبية كانت أو خيالية أو حسية - سمع العبد على الوجه اللائق الجامع أ ((ليس كمثله شئ)) عند من يتحقق معنى الإطلاق الحقيقي، صح أن يتعلق سمع العبد بكلام ليس حروفه عارضة لصوت، لأنه بالله يسمع إذ ذاك، واله سبحانه يسمع السر والنجوى.

والإمام الماتريدي أيضاً يجوز سماع ما ليس بصوت على وجه خرق العادة كما يدل عليه كلام صاحب التبصرة في كلام التوحيد، فما نقله ابن الهمام عنه من القول بالاستحالة العادية فلا خلاف بين الشيخين عند التحقيق.

ومعنى قول الأشعري: إن كلام الله تعالى القائم بذاته يسمع عند تلاوة كل تالٍ وقراءة كل قارئٍ - أن المسموع أولاً وبالذات عند التلاوة إنما هو الكلام اللفظي الذى حروفه عارضة لصوت القارئ بلا شك، لكن الكلمات اللفظية صور الكلمات الغيبية القائمة بذات الحق، فالكلام النفسي مسموع بعين سماع الكلام اللفظي، لأنه صورته لا من حيث الكلمات الغيبية فإنها لا تسمع إلا على طريق خرق العادة.

وقول الباقلاني: إنما نسمع التلاوة، دون المتلو، والقراءة دون المقروء يمكن حمله على انه أراد إنما يسمع أولاً وبالذات التلاوة، أى المتلو اللفظي الذى حروفه

ص: 322

عارضة لصوت التالي، لا النفسي الذى حروفه غيبية مجردة عن المواد الحسية والخيالية، فلا نزاع في التحقيق أيضاً.

والفرق بين سماع موسى عليه السلام سمع من اله عز وجل بلا واسطة لكن من وراء حجاب، ونحن إنما نسمعه من العبد التالي بعين سماع الكلام اللفظي المتلو بلسانه العارض من حروفه لصوته، لا من الله تعالى المتجلى من وراء حجاب العبد فلا يكون سماعاً من الله بلا واسطة. وهذا واضح عند من له قدم راسخةفي العرفان، وظاهر عند من قال بالمظاهر من تنزيه الملك الديان. وأنت إذا أمعنت النظر في قول أهل السنة: القرآن كلام الله عز وجل غير مخلوق وهو مقروء بالسنتنا مسموع بآذاننا، محفوظ في صدورنا، مكتوب في مصاحفنا غير حال في شئ منها رايته قولاً بالمظاهر، ودلا على أن تنزل القرآن القديم القائم بذاته تعالى فيها غير قادح في قدمه، لكونه غير حال في شئ منها مع كون كل منها قرآناً حقيقة شرعية بلا شبهه.

وهذا عين الدليل على ان تجلي القديم في مظهر حادث لا ينافي قدمه وتنزيهه، وليس من باب الحلول والتجسيم، ولا قيام الحوادث بالقديم، ولا ما يشاكل ذلك من شبهات تعرض لمن لا رسوخ له في هاتيك المسالك، ومنه يظهر معنى القرآن في صورة الرجل الصاحب يلقى صاحبه حين ينشق عنه القبر، وظهوره خصماً لمن حمله، فخالف أمره، وخصماً دون من حمله فحفظ الأمر، بل من احاط خبراً بأطراف ما ذكرناه، وطاف فكره المتجرد عن مخيط الهوى في كعبة حرم ما حققناه - أندفع عنه كل غشكال في هذا الباب.

وحيث تحرر الكلام في الكلام على مذهب أهل السنة، واندفع عنه بفضل الله تعالى كل محنة، فلا باس بأن نحكى بعض الأقوال (فنقول) :

ص: 323

أما المعتزلة فاتفقوا كافة على أن معنى كونه تعالى متكلماً: أنه خالق الكلام على وجه لا يعود إليه منه صفة حقيقية، كما لا يعود إليه من خلق الأجسام وغيرها صفة حقيقية. وأتفقوا أيضاً على أن كلام الرب تعالى مركب من الحروف والأصوات، وأنه محدث مخلوق. ثم أختلفوا فذهب الجبائي وابنه أبو هاشم إلى انه حادث في محل. ثم زعم الجبائي أن الله تعالى يحدث عند قراءة كل قارئ كلاماً لنفسه في محل القراءة، وخالفه الباقون.

وذهب أبو الهذيل بن العلاف واصحابه إلى أن بعضه في محل وهو قوله {كن} وبعضه لا في محل كالأمر والنهي والخبر والاستخبار.

وذهب الحسن بن محمد النجار إلى أن كلام البارى إذا قرئ فهو عرض، وإذا كتب فهو جسم.

وذهبت الإمامية والخوارج والحشوية إلى أن كلام الرب تعالى مركب من الحروف والأصوات. ثم اختلف هؤلاء فذهب الحشوية إلى انه قديم أزلي قائم بذات الرب تعالى، لكن منهم من زعم أنه من جنس كلام البشر. وبعضهم قال لا، بل الحروف حرفان، والصوت صوتان: قديم وحادث والقديم منهما ليس من جنس الحادث.

وأما الكرامية فقالوا: إن الكلام قد يطلق على القدرة على التكلم، وقد يطلق على الأقوال والعبارات، وعلى كلا التقديرين فهو قائم بذات الله تعالى، لكن إن كان بالاعتبار الأول فهو قديم متحد لآكثر فيه، وغن كان بالاعتبار الثاني فهو حادث متكثر.

واما الواقفية فقد أجتمعوا على أن كلام الرب تعالى كان بعد أن لم يكن لكن منهم م توقف في إطلاق اسم القديم والمخلوق عليه. ومنهم من توقف في إطلاق اسم المخلوق وأطلق وأطلق أسم الحادث. ومن القائلين بالحدوث من قال ليس جوهراً ولا عرضاً. وذهب بعض المعترفين بالصانع إلى أنه لا يوصف

ص: 324

بكونه متكلماً لا بكلام ولا بغير كلام. والذى أوقع الناس في حيص وبيص أنهم رأوا قياسين متعارضي النتيجة، وهما كلام الله تعالى صفة له، وكل ما هو صفة له فهو قديم، فكلام الله قديم، وكلام الله تعالى مركب من حروف مرتبة متعاقبة في الوجود، وكل ما هو كذلك فهو حادث، فكلام الله تعالى حادث فقوم ذهبوا: إلى أن كلامه تعالى حروف وأصوات وهي قديمة، ومنعوا ان كل ما هو مؤلف من حروف واصوات فهو حادث، ونسب إليهم اشياء برآء منها وآخرون قالوا بحدوثه، وأنه مؤلف من اصوات وحروف، وهو قائم بغيره، ومعنى كونه متكلماً عندهم أنه موجد لتلك الحروف والأصوات في جسم، كاللوح أو ملك كجبريل، أو غير ذلك. فهم منعوا أن المؤلف من الحروف والأصوات صفة الله تعالى. وأناس لما رأوا مخالفته الأولين للضرورة الظاهرة التى هي اشنع من مخالفة الدليل، أو مخالفة الآخرين فيما ذهبوا إليه للعرف واللغة ذهبوا إلى ان كلامه صفة له مؤلفة من الحروف والأصوات الحادثة القائمة بذاته تعالى. فهم منعوا أن كل ما هو صفة له تعالى فهو قديم.

وجمع قالوا: كلامه تعالى معنى واحد بسيط قائم بذاته تعالى قديم، فهم منعوا أن كلامه تعالى مؤلف من الحروف والأصوات، وكثر في حقهم القال والقيل، والنزاع الطويل. وبعضهم تحير فوقف، وحبس ذهنه في مسجد الدهشة واتعكف. وعندي القياسان صحيحان والنتيجتان صادقتان، ((ولكل مقام مقال)) ، ((ولكل كلام أحوال)) ولا أظنك تحوجني إلى التفصيل بعد ما وعاه فكرك الجميل، بل ولا تكلفني رد هذه الأقوال اشنيعة التى هي لديك إذا أخذت العناية بيديك كسراب بقيمة، فليطر شحرور القلم إلى روضة أخرى، وليغرد بفائدة لعلها أولى من افطالة وأحرى. والله تعالى الموفق - انتهى.

ص: 325