الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[لا يعبد الله إلا بما شرع]
وقد اتفق المسلمون على أنه ليس لأحد أن يعبد الله تعالى بما سنح له وأحبه، بل لا يعبده إلا بما كان عبادة لله عند الله تعالى، وهو العبادات الشرعية، فكل ما لم تثبت الأدلة الشرعية له عبادة لم يحكم بأنه عبادة.
ودين الإسلام مبنى على اصلين: أحدهما: ألا نعبد إلا الله، والثاني: أن نعبده بما شرع ولا نعبده بالبدع، كما قال الفضيلي بن عياض في قوله تعالى:{ليبلونكم أيكم أحسن عملا} قال: أخلصه وأصوبه.
قالوا: يا ابا على: ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل. وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل، فالخالص أن يكون لله، الصواب أن يكون على السنة.
وبالجملة فقول القائل: يستغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم. والصالح في كل ما يستغاث الله عز وجل فيه على معنى أنه وسيلة من وسائل الله تعالى، كلام مجمل متشابه. وهؤلاء الجهلة يطلقون مثل هذا الكلام، ولا يميزون بين معانيه من اللغة، ولا بين ما شرع من ذلك، وما لا يشرع، ولكن الأقسام الواقعة في مثل هذا إذا اسغاثت به على نعنى التوسل به والاستغاثة بطلب تفريج الكربة، فإما أن يسأله نفس تفريج الكربة، وإما أن يسأل الله تعالى تفريج الكربة.، وإما أن يستشفع به فيسأل الله تعالى شفاعته، ويسأله أن يسأل الله سبحانه. وإما أن يسال الله تعالى به، ولا يسأله شيئاً.
وأما أن يسأله فعل الله عز وجل مثل ما كانت الأمم تسأل الأنبياء الآيات وهو في الحقيقة سؤال لهم أن يسألوا الله تعالى. أو سؤال له تعالى أن يفعل لأجلهم، أو مركباً من الأمرين.
فالسائل المستغيث بشئ على معنى التوسل به لابد أن يكون من أحد
هذه الأقسام. ووجه التقسيم: أنه إما أن يسأل الله تعالى فقط، أو يسأل المخلوق فقط، أو يسألهما جميعاً، أ، يسأل سؤالاً مطلقاً، ولا يعين فيه المسئول.
فأما الأول: فمثل أن يقول: اللهم إني أسألك بفلان.
واما الثاني: فقد يسأله الله تعالى، وقد يسأله الفعل، كقول الأمم لكل نبي: اشفع لنا إلى ربك، وقول الأعرابي: يا رسول الله هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فأدع الله أن يغيثنا، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وقال:((اللهم أغثنا، اللهم اغثنا)) .
وأما سؤاله الفعل، فمثل قول موسى عليه السلام. أرنا الله جهرة، وقول القائل: أسألك قضاء ديني، وأسألك نصرى على غيرى، فيطلب منه قضاء حاجته ولا يعين في دعائه أن يسأل الله تعالى أو لا يسأل.
والثالث: مثل أن يقول: اللهم أني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة - يا محمد يا رسول الله إنى أتوجه بك إلى ربي في حاجتى ليقضيها اللهم فشفعه في.
وأما الرابع: وهو السؤال المطلق، فمثل قول الحواريين: نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا، ومثل قول القائل: أنا أطلب قضاء دينى وانتصارى على عدوى، ولا يعين هل هو سؤال الله عز وجل فقط بجاه الشخص مثلاً، أو سؤاله الشخص أن يسأل، وأن يكون مطلوبه، أو السؤال لهما، أو السؤال لله بدعائه، أو السؤال له أن يدعو، أو أن يكون هذا الفعل.
فهذه خمسة أقسام بل ستة كلها تدخل في قوله: يستغاث بالنبي والصالح في كل ما يستغاث الله تعالى فيه، على معنى أنه وسيلة من وسائل الله تعالى. واللفظ يعم الاستغاثة في كل حال، وفي حال حياته ومشهده، وفي حال مغيبه ومماته، و صلى الله عليه وسلم إلى أن قال: ولفظ التوسل والتوجه يراد
به أن يتوسل إلى الله عز وجل، ويتوجه إليه بدعائهم وشفاعتهم - فهذا هو الذى جاء في ألفاظ السلف من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، كما في صحيح البخارى: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استسقى بالعباس وقال: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبيك عليه الصلاة والسلام فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون. فهذا إخبار من عمر رضي الله عنه عما كانوا يفعلونه، وتوسل منهم بالعباس كما كانوا يتوسلون بالنبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك معاوية لما أستسقى بأهل الشام توسل بيزيد بن الأسود الجرشى، فقال معاوية رضي الله عنه عنه: اللهم إنا نستشفع إليك بخيرنا وأفضلنا، اللهم إنا نستشفع إليك بيزيد ابن الأسود الجرشى.
يا يزيد، أرفع يديك إلى الله تعالى فرفع يديه ورفع الناس.
فهذا توسل منهم بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وسؤاله وشفاعته، ولهذا توسلوا بعده بدعاء العباس ودعاء يزيد بن الأسود. وهذا هو الذى ذكره الفقهاء في كتاب الاستسقاء قالوا: يستحب أن يستسقى بالصالحين، وإذا كانوا من أقارب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أفضل.
ومن هذا الباب ما في صحيح البخارى عن ابن عمر رضي الله عنه عنهما قال: ربما ذكرت قول الشاعر وأنا أنظر إلى وجه النبي صلى الله عليه وسلم فيستسقى، فما ينزل حتى يجيش الميزاب:[طويل]
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل
ومن هذا الباب حديث الأعمى - فإنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أدع الله تعالى أن يعافيني. فقال: ((إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت فهو خير لك)) قال: أدع الله تعالى، فإمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء. ((اللهم إنى اسألك وأتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة.