المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(ترجمة الإمام أحمد بن حنبل) - جلاء العينين في محاكمة الأحمدين

[ابن الألوسي]

فهرس الكتاب

- ‌[سبب تأليف الكتاب]

- ‌[ابن حجر ينال من ابن تيمية]

- ‌[ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية]

- ‌[الحافظ الذهبي يتحدث عن ابن تيمية]

- ‌[الحافظ ابن كثير أيضاً]

- ‌[ما كتبه الزملكاني]

- ‌[كلام للسيوطي في ابن تيمية]

- ‌[رأى الحافظ ابن سيد الناس في ابن تيمية]

- ‌[رأى ابن الوردى]

- ‌[رأى الواسطى]

- ‌[رأى ابن دقيق العيد]

- ‌[رأى العلامة السبكي]

- ‌[رأى الحافظ ابن حجر العسقلاني]

- ‌[المؤمنون يفتنون]

- ‌فصل:في تبرئة الشيخ مما نسب إليه وثناء المحققين المتأخرين عليه

- ‌[شهادة الكورانى]

- ‌[شهادة السويدي البغدادي]

- ‌[شهادة الآلوسي والد المؤلف]

- ‌فصل: (في قول العلامة ابن حجر المتقدم سابقاً)

- ‌(ترجمة الإمام السبكي)

- ‌(في رد اليافعي على السبكي)

- ‌(مطلب كلام السبكي)

- ‌(الجواب من اليافعي)

- ‌(ترجمة القاضي تاج الدين السبكي)

- ‌(ترجمة العز بن جماعة)

- ‌(ترجمة الزملكاني)

- ‌(ترجمة أبي حيان)

- ‌(ترجمة ابن حجر الهيتمي)

- ‌(ترجمة ابن حجر العسقلاني)

- ‌فصل: يشتمل على مقصدين

- ‌المقصد الأول: في تراجم بعض آباء الشيخ ابن تيمية وأقربائه

- ‌(ترجمة المجد ابن تيمية)

- ‌(ترجمة عبد الحليم بن تيمية)

- ‌(ترجمة عبد الغني بن تيمية)

- ‌(ترجمة شرف الدين بن تيمية)

- ‌(ترجمة محمد بن تيمية)

- ‌(ترجمة زينب بنت تيمية)

- ‌المقصد الثاني: في ترجمة بعض تلامذته الكرام المشهورين وترجمة المثنين عليه من العلماء المتأخرين

- ‌(ترجمة الإمام ابن القيم)

- ‌(ترجمة الحافظ الذهبي)

- ‌(ترجمة شمس الدين ابن قداه)

- ‌(ترجمة ابن قاضي الجبل)

- ‌(ترجمة الطوفى الصرصري)

- ‌(ترجمة ابن الوردى)

- ‌(ترجمة زين الدين الحراني)

- ‌(ترجمة ابن مفلح)

- ‌(ترجمة شرف الدين ابن المنجا)

- ‌[ترجمة بعض تلامذة الإمام الذين تأثروا به ولم يعاصروه]

- ‌(ترجمة ابن ناصر)

- ‌(ترجمة الشيخ إبراهيم الكوراني)

- ‌(ترجمة منلا على القارئ)

- ‌(ترجمة العلامة السويدي البغدادي)

- ‌(ترجمة شهاب الدين مفتى الحنفية ببغداد الألوسي البغدادي)

- ‌(ترجمة مسند الوقت أحمد ولى الله الدهلوي)

- ‌(ترجمة العلامة الشوكاني)

- ‌(ترجمة الإمام الأجر أبي الطيب)

- ‌فصل: (في الجرح والتعديل)

- ‌(لا يؤخذ بقول العلماء في طعن بعضهم بعضاً)

- ‌(فيمن طعن في معاصروه)

- ‌[لغرض أو مرض هوجم ابن تيمية]

- ‌فصل: (في كلام العلامة ابن حجر فيما يتعلق بكتب الصوفية)

- ‌الفصل الأول: (في عقيدة الإمام ابن تيمية)

- ‌[إجلاله للصحابة]

- ‌[ابن تيمية والشاذلي]

- ‌(ترجمة أبي الحسن الشاذلي)

- ‌الفصل الثالث: [المعترضون على الصوفية كثيرون]

- ‌(ترجمة الإمام محي الدين بن العربي)

- ‌[الناس في ابن عربي أقسام ثلاثة]

- ‌(ترجمة ابن الفارض)

- ‌(ترجمة ابن سبعين)

- ‌(ترجمة الحلاج)

- ‌[رأى ابن حجر العسقلاني في الحلاج ومن على شاكلته]

- ‌[ابن تيمية يرد القول بولاية الحلاج من وجوه]

- ‌(مكتوب شيخ الإسلام ابن تيمية)

- ‌الفصل الرابع: في الكلام على ما نقله الشيخ ابن حجر من عبارة شيخ الإسلام

- ‌[ابن حجر لا يلتزم أدب المناظرة في النقل]

- ‌[الصوفى المثالى]

- ‌[الصوفى المنحرف]

- ‌[ابن تيمية كان يتشدد في سد ذرائع البدع]

- ‌[رأى ابن تيمية في الولاية والأولياء]

- ‌[لم يكن ابن تيمية وحده هو الذي حارب الفلاسفة]

- ‌[الغزالي يرمى الفلاسفة بالكفر]

- ‌فصل: [في أصنافهم وشمول سمة الكفر كافتهم]

- ‌[رأى لابن تيمية في الفلاسفة]

- ‌[هل يعلم الولى بلغيب

- ‌(ترجمة ابن سينا)

- ‌(ترجمة الإمام أبي حامد الغزالي)

- ‌[مما أخذ عن الغزالي]

- ‌[ليس ابن تيمية أول من انتقد الغزالي]

- ‌[فرق الشيعة وعقائدهم]

- ‌(ترجمة الفضيل بن عياض)

- ‌(ترجمة القشيرى)

- ‌[عقيدة المعتزلة وفرقهم]

- ‌[عقيدة الجهمية]

- ‌[مناظرة شعرية بين أهل السنة والمعتزلة حول رؤية الله]

- ‌[علم الكلام بين مادحيه وقادحيه]

- ‌[رأى ابن تيمية في المتكلمين]

- ‌[التعريف برسائل إخوان الصفا]

- ‌[ترجمة أبي حيان التوحيدى]

- ‌[ابن سينا يرى أن علم الغيب بالنسبة للبشر جار على السنن الطبيعي]

- ‌[بحث في الرؤيا]

- ‌ الروح

- ‌[في الإنسان]

- ‌[الروح حادثة أم هي قديمة

- ‌[مستقر الأرواح في البرزخ]

- ‌[هل تموت الروح

- ‌[قصيدة ابن سينا في الروح ومعارضه الدهلوى لها]

- ‌(ترجمة الإمام أبي بكر بن العربي)

- ‌[الدس في بعض الكتب]

- ‌(ترجمة الإمام المازرى)

- ‌(ترجمة الإمام الطرطوشي)

- ‌(ترجمة الإمام ابن الجوزي)

- ‌(ترجمة ابن عقيل)

- ‌فصل: وأما قول الشيخ ابن حجر:

- ‌[أكاذيب تدفعها حقائق]

- ‌[تعريفه وشروطه]

- ‌[هل يتجزأ الاجتهاد

- ‌[هل يجوز أن يخلو الزمان عن مجتهد

- ‌[فتوى للإمام ابن تيميه عن التقليد]

- ‌[فتوى للإمام ابن تيمية حول جواز تقليد غير الأربعة]

- ‌[هل يجوز الانتقال من مذهب إلى مذهب

- ‌[التقليد في أصول الدين]

- ‌(ترجمة الإمام أحمد بن حنبل)

- ‌[كتاب للإمام أحمد عن السنة]

- ‌[محنة القول بخلق القرآن]

- ‌[نقلة فقه الإمام أحمد]

- ‌((وما ضرنا أنا قليل وجارنا عزيز وجار الأكثرين ذليل))

- ‌[ترجمة الإمام أبو الحسن الأشعري]

- ‌[من أتباع الأشعري]

- ‌[عقيدة الأشعري]

- ‌[ترجمة الإمام البيهقي]

- ‌فصلوقد آن الشروع في أجوبة ما عزاه الشيخ ابن حجر عليه الرحمة إلى الشيخ ابن تيمية

- ‌[رأى ابن تيمية في يمين الطلاق]

- ‌[الطلاق المخالف للسنة]

- ‌[تارك الصلاة عمداً هل يقضى]

- ‌[هل يباح للحائض الطواف بدون كفارة]

- ‌[هل يرد الطلاق الثلاث إلى واحدة]

- ‌[حكم المكوس وهل تقوم مقام الزكاة

- ‌فصل: [في المظالم المشتركة]

- ‌[هل تنجس المائعات بموت حيوان]

- ‌[هل للجنب أن يصلى التطوع ليلاً قبل أن يغتسل

- ‌[شرط الواقف هل يعتبر أو لا

- ‌[اختيارات أخرى ذهب إليها ابن تيميه]

- ‌[رأى ابن تيميه في الحسن والقبح]

- ‌[أفعال العباد]

- ‌[حكم مخالف الإجماع]

- ‌[عقيدة ابن تيميه في كلام الله]

- ‌[فتوى لابن تيميه عن كلام الله]

- ‌[كلام نفيس لابن القيم في الموضوع]

- ‌فصل: [عقيدة ابن القيم وشيخه في القرآن]

- ‌[مقتطفات من نونية ابن القيم]

- ‌فصل: في مذهب الاقترانية

- ‌فصل: في مذهب القائلين بأنه متعلق بالمشيئة والإرادة

- ‌فصل: في مذهب الكرامية

- ‌فصل: في ذكر مذهب أهل الحديث

- ‌فصلوأتى ابن حزم بعد ذاك

- ‌فصلونعتقد أن القرآن كلام الله عز وجل

- ‌فصلونعتقد أن القرآن حروف مفهومة

- ‌فصل: [حروف المعجم أمخلوقة هي أو قديمة

- ‌فصل[البيهقي يستدل لكون القرآن غير مخلوق]

- ‌[القول والكلام يتواردان على معنى واحد]

- ‌[ما جاء في إثباته صفة التكليم والتكلم والقول سوى ما مضى]

- ‌[كيف يكلم الله البشر

- ‌[إسماع الرب ملائكته]

- ‌[الفرق بين التلاوة والمتلو]

- ‌[هل كان ابن تيمية دهرياً يقول بقدم العالم

- ‌[وهل كان يقول بالحسمية والجهة والانتقال]

- ‌[تبرئة ابن تيمية مما نسبه إليه ابن حجر من التجسيم]

- ‌[فوقية الخالق سبحانه]

- ‌[قول الله عز وجل: {أأمنتم من في السماء} [الملك 16]]

- ‌[قول الله عز وجل لعيسى ابن مريم]

- ‌[مجئ الله]

- ‌[مذهب السلف. تنزيه. وتفويض. وتصديق]

- ‌[ليس الاستواء بمعنى الاستيلاء]

- ‌[أنتصار الرازى لتأويلات الخلف]

- ‌[الصفات بين المفوضين والمعطلين]

- ‌[رأى المؤلف في الصفات]

- ‌[مذهب ابن تيمية في الصفات]

- ‌[كلام ابن تيمية في العرش وإحاطة الله بمخلوقاته]

- ‌[أسماء الله وصفاته توقيفية دون زيادة ولا نقصان]

- ‌[ما روى في الحجر الأسود أنه يمين الله وتأويله]

- ‌[عقيدة الشيخ عبد القادر الكيلاني]

- ‌[عقيدة الأشعري]

- ‌[ابن تيمية لم يكن بدعاً من الأئمة حينما رأى ما رأى]

- ‌[لازم المذهب ليس بمذهب]

- ‌[الأقوال في آيات الصفات وأحاديثها]

- ‌[القول في فناء النار]

- ‌[هل الجنة والنار موجودتان؟ وأين؟ وهل هما ابديتان

- ‌[أدلة القائلين بعدم فناء النار]

- ‌[صاحب الكبيرة]

- ‌[عصمة الأنبياء]

- ‌[كلام في التوسل والوسيلة والاستغاثة]

- ‌[أدلة المجوزين للتوسل والإستغاثة]

- ‌[أدلة المانعين للتوصل]

- ‌[حقيقة الشفاعة]

- ‌[سقوط الاستدلال بحديث الأعمى]

- ‌[توسل عمر بالعباس]

- ‌[حديث آدم]

- ‌[حديث الأعرابي]

- ‌[حديث مالك]

- ‌[التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌[قيمة المنامات والحكايات في الاستدلال]

- ‌[الحياة البرزخية]

- ‌[مذهب ابن تيمية في التوسل]

- ‌[لا يعبد الله إلا بما شرع]

- ‌[نوعا الشفاعة]

- ‌[هل تنعقد اليمين بغير الله]

- ‌[الوسيلة الجائزة والممنوعة]

- ‌[الاستغاثة بالمشايخ والموتى]

- ‌[إسراف بغيض]

- ‌[هل يشد الرحال لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌[باب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌[فتوى لابن تيمية في زيارة قبره صلى الله عليه وسلم

- ‌[حكم زيارة القبور بلا شد الرحال]

- ‌[السنن والبدع في زيارة القبور]

- ‌[كيف بدلت التوراة والإنجيل]

- ‌[ابن حجر لا يعدل في القضية]

- ‌[ارتفاع الحدث بماء الورد]

- ‌[حكم المسح على النعلين وما جرى مجراهما]

- ‌[هل يتوقت المسح على الخفين

- ‌[التيمم لخشية فوات الوقت]

- ‌[اختيار لابن تيمية في التيمم]

- ‌[مدة الحيض]

- ‌[مسافة القصر]

- ‌[هل تستبرأ البكر

- ‌[هل يقضى من أكل في وقت الصوم يظنه بليل]

- ‌[المسابقة]

- ‌استبراء المختلعة

- ‌[وطء الوثنيات بملك اليمين]

- ‌[بيع الأصل بالعصير]

- ‌[بيع الفضل بالمصنوع متفاضلاً]

- ‌[تفصيل مسائل الربا]

- ‌[ابن القيم يرى أن ربا الفضل حرم سداً للذرائع]

- ‌[هل يجوز إهداء ثواب القراءة للنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌[هل للإنسان أن يجعل ثواب عمله لغيره]

- ‌[مطلب في إرسال العذبة]

- ‌[حكم بيع المسجد إذا خرب]

- ‌كلمة المطبعة

الفصل: ‌(ترجمة الإمام أحمد بن حنبل)

فصل

ولما كان هذا الكتاب يستطرد فيه بعض العقائد المعزبة إلى الحنبلي والأشعري لزم ترجمة الذاتين المنسوب إليهما ذلك، لتكون تذكرة لي وللطالبين، ولما قيل: إن الرحمة تنزل عند ذكر الصالحين، وليعرف الواقف جلالة هذين الإمامين، وغزارة هذين البحرين، وانه إذا حقق، وامعن النظر ودقق، وتبين له أن عقيدتهما تسقى من ماء واحد، وليس بينهما خلاف يفضى إلى التبديع عند البصير الناقد، وكلاهما إن شاء الله تعالى من الفرقة التى هي مصداق الحديث الشهير، والآخذان بما كانت عليه الصحابة من غير تحريف وتغيير.

(ترجمة الإمام أحمد بن حنبل)

فالأول - الفقيه الأورع، والأعلم الأزهد، الإمام الرباني، المجتهد الشيباني، مقتدي المحدثين، رابع المجتهدين، محيى السنة، الصابر على المحنة: أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال، المتصل نسبه بعدنان، المروزي الأصل. خرجت أمة من مرو وهي حامل به فولدته في بغداد في شعر ربيع الأول سنة أربع وستين ومائة. وقيل: إنه ولد بمرو وحمل إلى بغداد وهو رضيع، وتوفى ضحوة نهار الجمعة لثنتى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين ومائتين ببغداد، ودفن بمقبرة باب حرب.

وقد أستولت دجلة على جميع هذه المقبرة من نحو مائة وخمسين سنة أو أكثر، وكانت واقعة بين مقبرة الخيزران التى فيها الإمام الأعظم أبو حنيفة ومقبرة الإمام موسى الكاظم رحمه الله تعالى.

وقد حرز من حضر جنازته من الرجال فكانوا ثمانمائة ألف، ومن النساء ستين ألفاً. وقيل: أسلم يوم موته عشرون ألفاً من النصارى واليهود

ص: 213

والمجوس. وقد صنف غير واحد من الأفاضل في ترجمة هذا الحبر الكامل كتباً ورسائل، ولا سيما العلامة أبن الجوزي قد أتى بالعجب العجاب، في كتابه المشتمل على مائة باب، وسنذكر منه على وجه الاختصار جملاً تنشرح بها الصدور والأبصار.

(فأقول) : قال صالح ابن الإمام أحمد: ولد أبي سنة أربع وستين ومائة في ربيع، وجئ به من مرو حملاً. وكذا روى ولده عبد الله عن أبيه أنه قال: قدمت بي أمى حاملاً من خراسان.

وقال أبو زرعه عنه: أصله بصري وخطته بمرو، وتوفى أبوه وهو طفل، ونشأ ببغداد وطلب بها العلم والحديث من شيوخنا، ثم رحل بعد ذلك في طلب العلم إلى البلاد كالكوفة والبصرة وما والاها، والمدينة والشام واليمن والجزيرة، وكتب عن علماء كل بلد، وقال: أول من كتبت عنه الحديث أبو يوسف.

ومشايخه كثيرون ومن أجلهم: عبد الرزاق بن همام، وقد رحل إليه إلي اليمن، وقال: ما قد علينا مثل أحمد بن حنبل. وقال وكيع: ما قدم الكوفة مثل أحمد. وقال قتيبة بن سعد: إذا رأيت الرجل يجب أحمد بن حنبل فأعلم أنه صاحب سنة. فقال مزاحم الخاقاني مضمناً لذلك: [طويل] .

لقد صار في الآفاق أحمد محنة وأمر الورى فيها فليس بمشكل

ترى ذا الهوى جهلاً لأحمد مبغضاً

... وتعرف ذا التقوى يجب أبن حنبل

(قلت) : ورأيت في تاريخ الخطيب البغدادي نحو هذين البيتين لأبن أعين وهما:

أضحى ابن حنبل محنة مأمونة وبحب أحمد يعرف المتنسك

وإذا رأيت لأحمد متنقصاً

فأعلم بأن ستوره ستهتك

ص: 214

قال: وقال الهمداني: أحمد محنة يعرف به المسلم من الزنديق. وقال الدورقي: من سمعتموه يذكر أحمد بن حنبل بسوء فاتهموه على الإسلام. أنتهى.

وقال أبو زرعة: كان أحمد يحفظ ألف ألف حديث. وقال أبو القاسم أبن الحنبلي: كان أحمد إذا سئل عن المسالة كان علم الدنيا بين عينيه. وقال إبراهيم الحربي: رأيت أحمد بن حنبل فرأيت كأن الله تعالى جمع له علم الأولين والآخرين، من كل صنف يقول ما شاء ويمسك ما شاء. وقال حرملة ابن يحيى: سمعت الشافعي يقول: خرجت من بغداد وما خلفت فيها أحداً أروع، ولا أتقى، ولا أفقه - وأظنه قال ولا أعلم - من أحمد بن حنبل. وقال حين دخوله إلى مصر: ما خلفت بالعراق أحداً يشبه أحمد بن حنبل.

وقال على بن المديني: إن الله عز وجل أعز هذا الدين برجلين ليس لهما ثالث: أبو بكر الصديق يوم الردة، وأحمد بن حنبل يوم المحنة، كفاك بالمديني شاهداً.

وقال أبو همام: ما رأيت مثل أحمد، ولا أرى أحمد مثله. وقال أبو عمير عرضت له الدنيا فأباها، والبدع فنفاها. وقال محمد بن إبراهيم: هو عندي أفضل من سفيان الثوري وأفقه منه. وقال بشر الحافي: قال أحمد مقام الأنبياء، وقد تداولته أربعة خلفاء، بعضهم بالضراء، وبعضهم بالسراء، فكان فيها معتصماً بالله عز وجل. تداوله المأمون، والمعتصم، والواثق بعضهم بالضرب والحبس، وبعضهم بالإخافة والترهيب، فما كان في هذه الحال إلا سليم الدين، غير تارك له من أجل ضرب ولا حبس.

ثم أمتحن أيام المتوكل بالتكرم والتعظيم، وبسطت الدنيا عليه فما ركن إليها، ولا أنتقل عن حالته الأولى رغبة في الدنيا، حتى حكى عن

ص: 215

المتوكل أنه قال: إن أحمد ليمنعنا من بر ولده، أي لشدة ورعه عن أخذ ولده من أموال الملوك شيئاً.

(قلت) : ومن زيادة ورعه ما نقله الوالد نور الله تعالى ضريحه في كتابه ((الطراز المذهب)) أنه كان يشرب من الآبار، لم يشرب من ماء دجله لاغتصابها الأراضي، ووقوع الماء من دلاء المستقين فيها بعد ملكهم له. ومن العجائب أنها اغتصبت أيضاً قبره رضي الله عنه وكافة القبور المجاورة له. وما حكاه ابن الجوزي والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد: أنه كان يزرع داره ويخرج الزكاة عنها في كل سنة، يذهب في ذلك إلى قول عمر أمير المؤمنين في أرض السواد، فقد روى الشعبي أنه رضي الله عنه بعث عثمان بن حنيف فمسح السواد - أي سواد العراق - فوجده ستة وثلاثين ألف ألف جريب، فوضع على كل جريب درهماً وقفيزاً. ويقال: إن حدوده من لدن تخوم الموصل مارا مع الماء إلى ساحل البحر ببلاد عبادان من شرقي دجلة طولاً، وأما عرضه فمنقطع الجبل من حلوان إلى منتهى طرف القادسية المتصل بالعذيب من أرض العرب.

قال الخطيب بعد كلام كثير، ما منه: أنه ذكر غير واحد من العلماء ان بغداد دار غصب، وان أنقاض أبنيتها تباع دون الأرض، لأن الأنقاض ملك لأصحابها، واما الأرض فلا حق لهم فيها إذ كانت غصباً.

وأجازت طائفة بيعها، وأحتجت بأن عمر رضي الله عنه أقر السواد في أيدى أهله، وجعل أخذ الخراج منهم عوضاً عن ذلك. ثم قال: وتحصل أن أرض بغداد ملك لأربابها، يصح أن تورث وتستغل وتباع، وعلى ذلك من أدركنا من العلماء والقضاة والشهود والفقهاء، وبهم يقتدى - أنتهى.

وقال الإمام أحمد: ما كتبت حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا وقد عملت به.

ص: 216