الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما أستطعتم)) وهذه لا تستطيع إلا هذا، والصلاة أعظم من الطواف، ولو عجز المصلى عن شرائطها من الطهارة أو ستر العورة أو استقبال القبلة صلى على حسب حاله، فالطواف أولى بذلك. كما لو كانت مستحاضة ولا يمكنها أن تطوف إلا مع النجاسة نجاسة الدم بدون الطهارة، فإنها تصلى وتطوف على هذه الحالة باتفاق المسلمين، وإذا توضأت وتطهرت فعلت ما تقدر عليه.
وينبغي للحائض إذا طافت أن تغتسل وتتحفظ كما تفعله عند الإحرام وقد أسقط النبي صلى الله عليه وسلم عن الحائض طواف الوداع وأسقط عن أهل السقاية والرعاية المبيت بمنى لأجل الحاجة ولم يوجب عليهم دماً، فإنهم معذورون في ذلك بخلاف غيرهم.
وكذلك من عجز عن الرمي بنفسه لمرض ونحوه فإنه يستنيب من يرمى عنه ولا شئ عليه، وليس من ترك الواجب للعجز كمن تركه لغير ذلك. والله تعالى أعلم، أنتهى فليفهم.
[هل يرد الطلاق الثلاث إلى واحدة]
(قوله: وإن الطلاق الثلاث يرد إلى واحدة إلخ) - أقول: قد أختلف أقوال الصحابة والتابعين والعلماء المتقدمين والمتأخرين في وقوع الطلاق ثلاثاً بلفظ واحد، كما أنهم أختلفوا في وقوعه حالة الحيض، وقد كثرت الأدلة من الطرفين، وبسطت الأجوبة من الجانبين في كتبهم المفضلة، فمن الحنابلة الشيخ ابن تيمية في فتواه وغيرها، وتلميذه ابن قيم الجوزية في أعلام الموقعين وغيره، ومن الشافعية الشيخ ابن حجر في تحفة المحتاج وغيره، ومن الحنفية ابن الهمام في فتح القدير، وخير الدين الرملي، وابن عابدين في حاشيته على الدر المختار، والوالد في اماكن من تفسيره وغيرهم.
وكثرت الرسائل في ذلك، ولنذكر مختصر مازبروه، وتلخيص ما ذكروه. فمن ذلك ما قاله العلامة ابن القيم: إنه قد ذهب إلى عدم وقوع الطلاق الثلاث بكلمة واحدة جمع من الصحابة، منهم الزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وعن علي وابن مسعود روايتان: ومن التابعين عكرمة وطاوس، ومن تابعيهم محمد ابن إسحق، وأفتى به داود بن علي على مذهب أهل الظاهر. قال: وأفتى به بعض أصحاب الإمام أحمد، الإمام أحمد نفسه. أنتهى، ثم بسط بقية الأدلة، فإن أردتها فارجع إليه.
وقال الوالد عليه الرحمة ونفعنا الله تعالى به في تفسير سورة البقرة عند قوله تعالى: {الطلاق مرتان} [البقرة 229] من كلام مطنب: لو طلق بلفظ واحد لا يقع إلا بواحدة كما هو مذهب الإمامية، وبعض أهل السنة، ومنهم الشيخ أحمد بن تيميه ومن أتبعه احتجاجاً بهذه الآية، وقياساً على شهادات اللعان ورمي الجمرات، فإنه لو أتى بالاربعة بلفظ واحد لا تعد له أربعاً بالإجماع. وكذا لو رمى بسبع حصيات دفعة واحدة لم يجز إجماعاً.
ومثل ذلك لو حلف ليصلين على النبي صلى الله عليه وسلم ألف مرة فقال: صلى الله تعالى على النبي ألف مرة، فإنه لا يكون باراً ما لم يأت بآحاد الألف، وتمسكاً بما أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي والحاكم والبيهقي عن ابن عباس: كان الطلاق الثلاث على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر واحدة، فقال عمر: إن الناس قد أستعجلوا في امر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم فأمضاه.
وذهب بعضهم إلى أن مثل ذلك ما لو طلق في مجلس واحد ثلاث مرات فإنه لا يقع إلا واحدة أيضاً، لما أخرج البيهقي عن أبن عباس قالوا: طلق ركانة امرأته ثلاثاً في مجلس واحد فحزن عليها حزناً شديداً، فسأله رسول الله - صلى الله
عليه وسلم -: ((كيف طلقتها)) قال: طلقتها ثلاثاً، قال:((في مجلس واحد)) ؟ قال: نعم: قال: ((فإنما تلك واحدة، فأرجعها إن شئت)) فراجعها.
وأجاب الجمهور بأن القياس على شهادات اللعان والرمي في غير محله، ألا ترى أنه لا يمكن الاكتفاء ببعض ذلك بوجه، ويمكن الاكتفاء ببعض وحدات الثلاث في الطلاق، ولعظم امر اللعان لم يكتف به غلا بالإتيان بالشهادات واحدة واحدة، مؤكدة بالإيمان، مقرونة خامستها باللعن، فلعل الرجوع أو الإقرار يقع في البين فيحصل الستر، أو يقام الحد، ويكفر الذنب ورمي الجمرات وتسبيعها أمر تعبدي، وما ذكروا في مسألة الحالف في الصلاة فأمر أقتضاه القصد والعرف، وأما الآية فليست نصاً في المقصود، ولهذا ورد عن أهل البيت ما يؤيد مذهب أهل السنة، فعن مسلم عن جعفر بن محمد أنه قال: معاذ الله! ما هذا من قولنا؟ من طلق ثلاثاً فهو كافر كما قال. أنتهى باقتصار.
وإن أردت تفصيل أدلة الطرفين وأجوبتهما فعليك به ولا تغفل.
وقال العلامة ابن عابدين: والطلاق البدعي - أي الحرم - ثلاث متفرقة في طهر واحد. وكذا بكلمة واحدة بالأولى. وعن الإمامية: لا يقع بلفظ الثلاث ولا في حالة الحيض، لأنه بدعة محرمة. وعن ابن عباس: يقع به واحدة، وبه قال ابن إسحاق، وطاوي وعكرمة، لما في مسلم ان ابن عباس قال: كان الطلاق على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وابي بكر وسنتين من خلافة عمر رضي الله عنه طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر: إن الناس قد أستعجلوا في أمر كان لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم، وذهب جمهور الصحابة والتابعين ومن بعدهم من ائمة المسلمين إلى أن يقع ثلاث.
قال في الفتح بعد سوق الأحاديث الدالة عليه: وهذا يعارض ما تقدم واما إمضاء عمر الثلاث عليهم مع عدم مخالفة الصحابة له ولعلمه بانها كانت واحدة فلا يمكن إلا وقد أطلعوا في الزمان المتأخر على وجود ناسخ، أو لعلمهم بانتهاء الحكم
لذلك، لعلهم بإناطته بمعان علموا أنتفاءها في الزمن المتأخر. وقول بعض الحنابلة: توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مائة ألف عين راته فهل صح لكم عنهم أو عن عشر عشر عشرهم القول بوقوع الثلاث باطل.
واما أولاً - فإجماعهم ظاهر، لأنه لم ينقل عن أحد منهم أنه خالف عمر حين أمضى الثلاث، ولا يلزم في نقل الحكم الإجماعي عن مائة ألف تسمية كل في مجلد كبير لحكم واحد على انه إجماع سكوتي.
وأما ثانياًُ - فالعبرة في نقل الإجماع نقل ما عن المجتهدين والمائة الألف لا يبلغ عدة المجتهدين الفقهاء منهم أكثر من عشرين، كالخلفاء والعبادلة وزيد بن ثابت ومعاذ وأنس وأبي هريرة، والباقون برجعون إليهم ويستفتون منهم ، قد ثبت النقل عن أكثرهم صريحاً بإيقاع الثلاث، ولم يظهر لهم مخالف فماذا بعد الحق إلا الضلال، وعن هذا قلنا: لو حكم حاكم بانها واحدة لم ينفذ حكمه، لأنه لا يسوغ الاجتهاد فيه فهو خلاف لا اختلاف. وغاية الأمر فيه أن يصير كبيع أمهات الأولاد، أجمع على نفيه وكن في الزمن الأول يبعن. انتهى.
وأنت تعلم ان الحنابلة القائلين بعدم وقوع الثلاث يناقشون في هذه المقدمات، لأن الإجماع لم يتم، لما ثبت أن أبن عباس لم يوافق، وكذا الزبير وعبد الرحمن وغير واحد من الصحابة والتابعين وتابع التابعين، ولم ينعقد إجماع القرون الثلاثة على ذلك كما تقدم، كما سيتضح من بحث الإجماع الآتى إن شاء الله تعالى، وأن هذه المسالة يعدونها كسائر المسائل الخلافية التى لم يقم الإجماع عليها فللاجتهاد فيها مجال، كذا قالوا.
وقال الوالد عليه الرحمة في سورة الطلاق من كلام طويل تفسيره ما نصه: والمراد بإرسال الثلاث دفعة واحدة ما يعم كونها بألفاظ متعددة، كأن يقال: أنت طالق، أنت طالق، أو بلفظ واحد، كان يقال: أنت
طالق ثلاثاً، وفي وقوع هذا ثلاثاًُ خلاف، وكذا في وقوع الطلاق مطلقاً في الحيض، فعند الإمامية لا يقع الطلاق بلفظ الثلاث، ولا في حالة الحيض لأنه بدعة محرمة، وقد قال صلى الله عليه وسلم:((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) ونقله غير واحد عن ابن المسيب وجماعة من التابعين.
وقال قوم منهم - فيما قيل - طاوس وعكرمة: الطلاق ثلاث بفم واحد يقع به واحدة.
وروى هذا أبو داود عن ابن عباس، وهو أختيار الشيخ ابن تيمية من الحنابلة. وفي الصحيحين أن أبا الصهباء قال لابن عباس: ألم تعلم أن الثلاث كانت تجعل واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وابي بكر وصدراً من خلافة عمر رضي الله عنه؟ قال: نعم. وفي رواية لمسلم: أن ابن عباس قال: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة فقال عمر: إن الناس قد أستعجلوا في أمر كان لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فامضاه عليهم. ومنهم من قال في المدخول بها: يقع ثلاث وفي الغير واحدة، لما في مسلم وأبي داود والنسائي أن أبا الصهباء كان كثير السؤال من ابن عباس قال: أما علمت أن الرجل إذا طلق امرأته ثلاثاًُ قبل أن يدخل بها جعلوا ذلك واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدراً من خلافة عمر.؟ الحديث.
والذى ذهب إليه جمهور الصحابة والتابعين ومن بعدهم من ائمة المسلمين ومنهم الأئمة الأربعة - وقوع الثلاث بفم واحد. ثم أجاب بما تقدم بعضه وأطال، وبسط القيل والقال، فإن أردت كمال الوقوف على هذه المسألة فارجع إليه وإلى الكتب المفصلة.
غير أنه قد تبين أن هذا القول لم ينفرد به الشيخ ابن تيمية، وأن شبهته