الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يعنى القرآن الذى هو في الصدور. وقال الله عز وجل: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون} [الأعراف 204] . وقال تعالى: {وقرآنا فرقناه لقرأه على الناس على مكث} [النساء 106] والناس إنما سمعوا قراءة النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه، فلفظه بالقرآن هو القرآن. ومدح الله سبحانه وتعالى الجن الذين سمعوا قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا:{إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدى إلى الرشد} [الجن 1] الآية. وقال تعالى: {وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن} [الأحقاف 39] وسمى الله تعالى قراءة جبريل عليه السلام للقرآن قرآنا فقال جل وعلا: {لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه. فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} [القيامة 16] وقال تعالى: {فاقرءوا ما تيسر من القرآن} [المزمل 20] وأجمع المسلمون على أن من قرأ فاتحة الكتاب في صلاة أنه قارئ كتاب الله تعالى، وأن من حلف ألا يتكلم فقرأ القرآن لم يحنث، فدل على أنه ليس بعبارة، قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث معاوية بن الحكم رضي الله عنه:((إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شئ من كلام الآدميين، وإنما هي القرآن والتسبيح، التهليل وتلاوة القرآن)) فأخبر أن تلاوة القرآن هي القرآن، فعلم بذلك أن التلاوة هي المتلو، والله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أمر المؤمنين بالقراءة في الصلاة ونهيا عن الكلام، فلو كانت قراءتنا كلامنا لا كلام الله تعالى لكنا مرتكبين للنهى في الصلاة.
فصل
ونعتقد أن القرآن حروف مفهومة
، وأصوات مسموعة، لأن بها يصير الأخرس والساكت متكلماً ناطقاً، وكلام الله عز وجل لا ينفك عن ذلك فمن ذلك فقد كابر حسه وعميت بصيرته. قال الله عز وجل:{آلم ذلك الكتاب. حم. طسم. تلك آيات الكتاب} فقد ذكر حروفاً وكنى
عنها بالكتاب: {ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفذت كلمات الله} [لقمان 27] فأثبت لنفسه كلمات متعددة غير متناهية الأعداد. وكذلك {قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفذ البحر قبل أن تنفذ كلمات ربي} [الكهف 109] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أقرءوا القرآن تؤجرون عليه بكل حرف عشر حسنات، أما إنى لا أقول ألم حرف ولكن الألف عشر واللام عشر والميم عشر فذلك ثلاثون)) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف)) وقال تعالى في حق موسى عليه السلام: {وإذ نادى ربك موسى - وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا} [مريم 52] وقال تعالى: لموسى عليه السلام: {إننى أنا الله لا إله إلا أنا فأعبدنى} [طه 14] كل هذا لا يكون إلا صوتاً، ولا يجوز أن يكون هذا النداء وهذا الاسم والصفة إلا لله عز وجل دون غيره من الملائكة وسائر المخلوقات. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا كان يوم القيامة يأتى الله عز وجل في ظلل من الغمام فيتكلم بكلام طلق ذلق فيقول وهو أصدق القائلين: أنصتوا فطالما أنصت لكم منذ خلقتكم أرى أعمالكم وأسمع أقوالكم، فإنما هي صحائفكم تقرأ عليكم، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه)) .
وروى البخارى في صحيحه بإسناده عن عبد الله بن أنيس رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يحشر الله سبحانه وتعالى العباد فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب أنا الملك أنا الديان)) .
وروى عبد الرحمن بن محمد المحاربى عن الأعمش عن مسلم بن مسروق عن عبد الله رضي الله عنه قال: إذا تكلم الله تعالى بالوحي سمع صوته
أهل السماء فيخرون سجداً حتى إذا فزع عن قلوبهم - قال: سكن عن قلوبهم - نادى أهل السماء: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق قال كذا وكذا. يعنى ذكر الوحي. وعن عبد الله بن الحرث عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: ((إن الله تبارك وتعالى إذا تكلم بالوحي سمع أهل السماوات صوتاً كصوت الحديد إذا وقع على الصفا فيخرون له سجداً، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق وهو العلي الكبير)) .
قال محمد بن كعب: قال بنو إسرائيل لموسى عليه السلام: بم شبهت صوت ربك حين كلمك من هذا الخلق؟ قال: شبهت صوت ربي الرعد حين لا يرتجع.
وهذه الآيات والأخبار تدل على أن كلام الله عز وجل صوت لا كصوت الآدميين، كما أن علمه وقدرته وبقية صفاته لا تشبه صفات الآدميين، كذلك صوت. وقد نص الإمام أحمد رحمه الله تعالى على إثبات الصون في رواية جماعة من الأصحاب رضوان الله تعالى عليهم أجمعين خلاف ما قالت الأشعرية، من أن كلام الله تعالى معنى قائم بنفسه، والله حسيب كل مبتدع ضال مضل، والله سبحانه لم يزل متكلماً وقد احاط كلامه بجميع معانى الأمر والنهى والاستخبار.
وقال ابن خزيمة رحمه الله تعالى: كلام الله تعالى متواصل لا سكوت فيه ولا صمت. وقيل لأحمد بن حنبل رحمه الله تعالى: هل يجوز أن نقول إن الله تعالى متكلما ويجوز عليه السكوت؟ فقال رحمه الله تعالى: نقول في الجملة: إن الله تعالى لم يزل متكلماً، ولو ورد الخبر بأنه سكت لقلنا به، ولكنا نقول: إنه متكلم كيف شاء بلا كيف ولا تشبيه.