الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي الخوارج: ((يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية وكلاب أهل النار)) هذه أسماء رسول
الله صلى الله عليه وسلم، وتلك أسماء مصنوعة. أنتهى.
وقال الشيخ عبد القادر الكيلانى قدس سره: إن الباطنية تسمى أهل الحديث حشوية لقولهم بالأخبار وتعلقهم بالآثار. أنتهى فليحفظ.
وقال في مسند الوقت الشيخ الأجل أحمد ولى الله المحدث الدهلوى في كتابه حجة الله البالغة: واستطال هؤلاء الخاضعون على معشر أهل الحديث وسموهم مجسمة ومشبهة، وقالوا: هم المتسترون بالبلكفة. وقد وضح على وضوحاً بيناً أن أستطالتهم هذه ليست بشئ، وأنهم مخطئون في مقالتهم رواية ودراية وخاطئون في طعنهم أئمة الهدى. أنتهى.
[مذهب ابن تيمية في الصفات]
فصل
وأما الشيخ ابن تيميه فقد ألف في الصفات كتباً عديدة، وأتى بمباحث فريدة، أيد فيها مذهب السلف، وصرح بأنه معتقد بجميع ما قالوه نابذاً لكلام الخلف.
فمن ذلك ما في فتاويه: سئل شيخ الإسلام، وقامع البدعة في الأنام، ابو العباس أحمد بن تيمية نفعنا الله تعالى بعلومه الربانية - عن رجلين أختلفا في الاعتقاد فقال أحدهما: من يعتقد أن الله تعالى في السماء فهو ضال. وقال الآخر: لا ينحصر في مكان، وهما شافعيان - فبينوا لنا ما تتبعه من عقيدة الشافعي رضي الله عنه، وما الصواب في ذلك؟
فأجاب: الحمد لله. واعتقاد الشافعي رحمه الله تعالى هو اعتقاد سلف أئمة الإسلام كمالك والثورى والأوزاعي وابن المبارك وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية، وهو اعتقاد المشايخ المقتدى بهم، كالفضيل بن عياض وأبى
سليمان الدارانى وسهل بن عبد الله التسترى وغيرهم، فإنه ليس بين هؤلاء الأئمة وأمثالهم نزاع في أصول الدين. وكذلك الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى، فإن الاعتقاد الثابت عنه في التوحيد والقدر ونحو ذلك موافق لاعتقاد هؤلاء، واعتقاد هؤلاء ما كان عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان، وهو مما نطق به الكتاب والسنة.
وقال الشافعي في أول خطبة الرسالة: الحمد لله الذى هو كما وصف به نفسه وفوق ما يصفه به خلقه، فبين رحمه الله تعالى أن الله سبحانه موصوف بما وصف به نفسه في كتابه، وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك أحمد بن حنبل، رحمه الله تعالى، قال: لا يوصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا تتجاوز القرآن والحديث. وهكذا مذهب سائرهم أنهم يصفون الله تعالى بما وصف به نفسه، وبما وصف به رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف، ولا تمثيل، بل يثبتون له ما اثبته لنفسه من الأسماء الحسنى والصفات العلا، ويعلمون أنه ليس كمثله شئ لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فإنه كما أن ذاته سبحانه ليست مثل الدوات المخلوقة، فصفاته ليست كالصفات المخلوقة، بل سبحانه موصوف بصفات الكمال، منزه عن كل نقص وعيب، فهو حي قيوم، سميع بصير، عليم قدير، رءوف رحيم، وهو الذى خلق السماوات والأرض، وما بينهما في ستة ايام، ثم أستوى على العرش، وهو الذى كلم موسى تكليماً، وتجلى للجبل فجعله دكا، ولا يماثله شئ من الأشياء في شئ من صفاته، فليس كعلمه علم أحد، ولا كقدرته قدرة أحد، ولا كرحمته رحمة احد، ولا كاستوائه أحد، ولا كسمعه وبصره، ولا بصره، ولا كتكليمه تكليم أحد،
ولا كتجليه تجلى أحد. والله سبحانه قد أخبرنا أن في الجنة لحماً ولبناً، وعسلاً وماء،وحريراً وذهباً.
وقد قال ابن عباس، رضي الله عنه ليس في الدنيا مما في الأخرة إلا الأسماء، فإذا كانت المخلوقات الفانية ليست مثل هذه المخلوقات المشاهدة مع اتفاقها في الأسماء، فالخلق تعالى أعظم علواً ومباينة لخلقه من مباينة المخلوق للمخلوق وإن اتفقت الأسماء. وقد سمى نفسه حياً وعليماً، وسميعاً بصيراً، وملكاً رءوفاً رحيماً، وسمى ايضاً بعض مخلوقاته حياً وبعضها عليماً، وبعضها سميعاً بصيراً، وبعضها رءوفاً رحيماً، وليس الحي كالحي، ولا العليم كالعليم.
وقال تعالى: {يخرج الحي من الميت} . وقال تعالى: {وبشروه بغلام عليم} . وقال تعالى: {بالمؤمنين رءوف رحيم} ، وهو سبحانه قد قال في كتابه:{أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور * أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصباً} [الملك 16، 17] وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال للجارية:((أين الله؟ قالت: في السماء، قال من انا قالت: رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أعتقها فإنها مؤمنة)) . وهذا الحديث رواه مالك والشافعي، وأحمد بن حنبل، ومسلم في صحيحه وغيرهم.ولكن ليس معنى ذلك أن الله عز وجل في جوف السماء، وان السماوات تحصره وتحويه، فإن هذا لم يقله أحد من سلف الأمة وأئمتها، بل هم متفقون على أن الله سبحانه: فوق سماواته، على عرشه، بائن من خلقه، ليس في مخلوقاته شئ من ذاته، ولا في ذاته شئ من مخلوقاته.
وقال مالك بن انس، رحمه الله تعالى: إن الله تعالى في السماء وعلمه في كل مكان. وقالوا لعبد الله بن المبارك: بماذا يعرف ربنا؟ قال: بأنه فوق سماواته على عرشه، بائن من خلقه. وقال أحمد بن حنبل، رحمه الله تعالى، كما قال هذا وهذا.
قال الشافعي، رحمه الله تعالى: خلافة أبي بكر، حق قضاها الله تعالى في سمائه، وجمع عليها قلوب أوليائه.
وقال الأوزاعي: كنا والتابعون متوافرون، نقر بأن الله سبحانه فوق عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته، فمن اعتقد أن الله تعالى في جوف السماوات محصور محاط به، أو أنه مفتقر إلى العرش، أو غير العرش من المخلوقات، أو أن استواءه على عرشه كاستواء المخلوق على كرسيه فهو ضال مبتدع جاهل.
ومن اعتقد أنه ليس فوق السماوات إله يعبد، ولا على العرش رب يصلى له ويسجد، وأن محمداً لم يعرج به إلى ربه، ولا نزل القرآن من عنده فهو معطل فرعونى، ضال مبتدع، فإن فرعون كذب موسى في ان ربه فوق السماوات، وقال:{يا هامان ابن لي صرحاً لعلى ابلغ الأسباب، أسباب السماوات فاطلع إلى إله موسى وغنى لأظنه كاذباً} [غافر 37] ، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، صدق موسى عليه السلام أن ربه تعالى فوق السماوات، فلما كان ليلة المعراج، وعرج به إلى الله عز ودل، وفرض عليه خمسين صلاة، ذكر أنه رجع إلى موسى وقال له: ارجع إلى ربك فأسأله التخفيف لأمتك - وهذا الحديث في الصحاح، فمن وافق فرعون وخالف موسى ومحمداً عليهما الصلاة والسلام، فهو ضال، ومن مثل الله تعالى وشبهه بخلقه، فهو ضال.
قال نعيم بن حماد: من شبه الله تعالى بخلقه فقد كفر ومن جحد ما وصف الله تعالى ب نفسه فقد كفر، وليس ما وصف الله تعالى به نفسه، ولا رسوله صلى الله عليه وسلم تشبيهاً.
وقد قال تعالى: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} ، [فاطر 10] وقال لعيسى عليه السلام:{إنى متوفيك ورافعك إلى}
[آل عمران 55]، وقال:{بل رفعه الله إليه} [النساء 158]، وقال {الذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق} [الأنعام 114] وقال:{تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم} [الجاثية والأحقاف 2] وقال تعالى: {وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته [الأنبياء 20] ، فدل بذلك على ان الذين عنده هم قريبون إليه، وإن كانت المخلوقات تحت قدرته. فالقائل الذى قال: من لا يعتقد أن الله تعالى في السماء فهو ضال، إن أراد بذلك من لا يعتقد أن الله في جوف السماء بحيث تحصره وتحيط به فقد أخطأ.
وإن أراد بذلك من لم يعتقد ما جاء به من الكتاب والسنة واتفق عليه سلف الأمة وأئمتها من أن الله تعالى فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه فقد أصاب فإنه من لم يعتقد ذلك يكون مكذباً للرسول صلى الله عليه وسلم متبعاً غير سبيل المؤمنين بل يكون في الحقيقة معطلاً لربه نافياً له فلا يكون له في الحقيقة إله يعبده ولا رب يسأله ويقصده وهذا قول الجهمية ونحوهم من أتباع فرعون المعطل والله سبحانه فطر العباد عربهم وعجمهم على أنهم إذا ادعوا توجهت قلوبهم إلى العلو ولا يقصدونه تحت أرجلهم.
ولهذا قال بعض العارفين: ما قال عارف قط يا ألله إلا وجد في قلبه قبل أن يتحرك لسانه معنى يطلب العلو ولا يلتفت يمنة ولا يسرة.
وأما القائل الذي يقول: إن الله تعالى لا ينحصر في مكان إن أراد به أن الله تعالى لا ينحصر في جوف المخلوقات وأنه لا يحتاج إلى شيء منها فقد أصاب وإن أراد أن الله سبحانه وتعالى ليس فوق السماوات ولا هو مستو على العرش استواء لائقاً بذاته وليس هناك إله يعبد ومحمد صلى الله عليه وسلم لم يعرج به إلى الله تعالى فهذا جهمي فرعوني معطل.
ومنشأ الضلال أن يظن الظان أن صفات الرب سبحانه كصفات خلقه فيظن أن الله تعالى على عرشه كالملك المخلوق على سريره فهذا تمثيل وضلال.
وذلك أن الملك مفتقر إلى سريره ولو زال سريره لسقط والله عز وجل غنى عن العرش وعن كل شيء وكل ما سواه محتاج إليه وهو حامل العرش وحملة العرش وعلوه عليه لا يوجب افتقاره إليه فإن الله تعالى قد جعل المخلوقات عالياً وسافلاً وجعل العالي غنياً عن السافل كما جعل الهواء فوق الأرض وليس هو مفتقراً إليها وجعل السماء فوق الهواء وليست محتاجة إليه فالعلى الأعلى رب السموات والأرض وما بينهما أولى أن يكون غنياً عن العرش وسائر المخلوقات وإن كان عالياً عليها سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
والأصل في هذا الباب أن كل ما يثبت في كتاب الله تعالى أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وجب التصديق به مثل علو الرب واستوائه على عرشه ونحو ذلك.
وأما الألفاظ المبتدعة في النفى والإثبات، مثل قول القائل: هو في جهة أو ليس في جهة، وهو متحيز أو ليس بمتحيز، ونحو ذلك من الألفاظ التى تنازع فيها الناس، وليس مع أحدهم نص لا عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصحابة رضي الله عنه والتابعين لهم بإحسان، ولا أئمة المسلمين - هؤلاء لم يقل أحد منهم: إن الله تعالى في جهة، ولا قال ليس هو في جهة، ولا قال: هو متحيز، ولا قال: ليس بمتحيز، بل ولا قال: هو جسم أو جوهر، ولا قال: ليس بجسم، ولا جوهر - فهذه الألفاظ ليست منصوصة في الكتاب، ولا السنة، ولا الإجماع.
والناطقون بها قد يريدون معنى صحيحاً، فإن يريدوا معنى صحيحاً يوافق
الكتاب والسنة كان ذلك مقبولاً منهم. وإن أرادوا معنى فاسجاً يخالف الكتاب والسنة، كان ذلك المعنى مردوداً عليهم.
فإذا قال القائل: إن الله تعالى في جهة، قيل ما تريد بذلك؟ أتريد بذلك أنه سبحانه في جهة موجودة تحصره وتحيط به، مثل أن يكون في جوف السماوات، أم تريد بالجهة أمراً عدمياً وهو فوق العالم، فإنه ليس فوق العالم شئ من المخلوقات، فإن أردت الجهود الموجودة، وجعلت الله تعالى محصوراً في المخلوقات فهذا باطل. وإن أردت الجهة العدمية، وأردت الله تعالى وحده فوق المخلوقات بائن عنها، فهذا حق، وليس في ذلك أن شيئاً من المخلوقات حصره ولا أحاط به ولا علا عليه، بل هو العالى عليها المحيط بها، وقد قال تعالى:{وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه} الآية.
وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أن الله عز وجل يقبض الأرض يوم القيامة ويطوى السماوات بيمينه، ثم يهزهن فيقول: أنا الملك أين ملوك الأرض)) وقد قال ابن عباس رضي الله عنه: ((ما السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن في يد الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم)) وفي حديث آخر: ((أنه يرميها كما يرمى الصبيان للكرة فمن يكون جميع المخلوقات بالنسبة إلى قبضته تعالى؟)) إلى هذا الحقر والصغار كيف تحيط به وتحصره؟ .
ومن قال: إن الله تعالى ليس في جهة. قيل له: ما تريد بذلك؟ فإن أراد بذلك أنه ليس فوق السماوات رب يعبد، ولا على عرش إله، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم لم يعرج به إلى الله تعالى، والأيدى لا ترفع إلى الله تعالى في الدعاء، ولا تتوجه القلوب إليه، فهذا فرعوني معطل، جاحد لرب العالمين.
وإن كان يعتقد أنه مقر به فهو جاهل متناقض في كلامه. ومن هنا دخل أهل الحلول والاتحاد وقالوا: إن الله تعالى بذاته في كل مكان، وإن وجود المخلوقات هو وجود الخالق.
وإن قال: مرادى بقولى: ليس فى جهة، أنه لا تحيط به المخلوقات فقد أصاب في هذا المعنى. وكذلك من قال: إن الله تعالى متحيز، أو قال ليس بمتحيز، إن أراد بقوله متحيز أن المخلوقات تحوزه وتحيط به فقد أخطأ.
وإن اراد به منحاز عن المخلوقات بائن عنها عال فقد أصاب.
ومن قال ليس بمتحيز، إن أراد المخلوقات لا تحوزه فقد اصاب. وإن أراد ليس ببائن عنها بل هو لا داخل فيها ولا خارج عنها فقد أخطأ.
والناس في هذا الباب ثلاثة أصناف: أهل الحلول، والاتحاد، وأهل النفي والجحود، وأهل الإيمان والتوحيد والسنة.
فأهل الحلول يقولون: إنه بذاته في كل مكان، وقد يقولون بالاتحاد والواحدة فيقولون: وجود المخلوقات وجود الخالق، كما صرح به ابن عربي في الفصوص وابن سبعين ونحوهما.
وأما أهل النفى والجحود فيقولون: لا هو داخل العالم ولا خارج ولا مباين له ولا حال فيه، ولا فوق العالم ولا فيه، ولا ينزل منه شئ ولا يصعد إليه بشئ، ولا يتقرب إليه بشئ، ولا يدنو إليه بشئ، ولا يتجلى لشئ ولا يراه أحد، ونحو ذلك.
وهذا قول متكلمة الجهمية المعطلة، كما أن الأول قول عباد الجهمية، فمتكلمة الجهمية لا يعبدون كل شئ، وكلامهم يرجع إلى التعطيل والجحود الذى هو قول فرعون.
وقد علم أن الله تعالى كان قبل أن يخلق السماوات والأرض ثم خلقها فإما أن يكون دخل فيهما وهذا حلول باطل، وإما أن يكونا دخلاً فيه وهو
أبطل وأبطل، وإما أن يكون الله سبحانه بائناً عنهما لم يدخل فيهما ولم يدخلا فيه، وهذا قول أهل الحق والتوحيد والسنة.
ولأهل الجحود والتعطيل في هذا الباب شبهات يعارضون بها كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما أجمع عليه سلف الأمة وأئمتها، وما فطر الله تعالى عليه عباده، وما دلت عليه الدلائل العقلية الصحيحة.
فإن هذه الأدلة كلها متفقة على أن الله تعالى فوق مخلوقاته عال عليها، قد فطرهم على الإقرار بالخالق تعالى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:((كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء)) ثم قال أبو هريرة رضي الله عنه: أقرءوا إن شئتم {فطرة الله التى فرط الناس عليها لا تبديل لخلق الله} [الروم 30] وهذا معنى قول عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: عليك بدين الأعراب والصبيان في الكتاب، عليك بما فطرهم الله تعالى عليه، فإن الله سبحانه فطر عباده على الحق، والرسل بعثوا بتكميل الفطرة وتقريرها، لا بتحويل الفطرة وتغييرها.
وأما أعداء الرسل كالجهمية الفرعونية ونحوهم فيريدون أن يغيروا فطرة الله تعالى ودينه عز وجل، ويوردون على النفس شبهات بكلمات متشبهات لا يفهم كثير من الناس مقصودهم بها، ولا يحسن أن يجيبهم، وقد بسط الكلام عليهم في غير هذا الموضع.
وأصل ضلالهم تكلمهم بكلمات مجملة لا أصل لها في كتاب الله تعالى ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا قالها أحد من أئمة المسلمين، كلفظ المتحيز والجسم والجهة ونحو ذلك. فمن كان عارفاً بحال شبهاتهم بينها
ومن لم يكن عارفاً بذلك فليعرض عن كلامهم، ولا يقبل إلا ماجاء به الكتاب والسنة، كما قال تعالى:{وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره} [الأنعام 68] . ومن تكلم في الله تعالى وأسمائه وصفاته بما يخالف الكتاب والسنة فهو من الخائضين في آيات الله تعالى بالباطل. وكثير من هؤلاء ينسب إلى أئمة المسلمين ما لم يقولوه، فينسبون إلى الشافعي وأحمد بن حنبل ومالك وأبي حنيفة رحمهم الله تعالى من الاعتقادات الباطلة ما لم يقولوه، ويقولون لمن أتبعهم هذا الذى نقوله اعتقاد الإمام الفلاني، فإذا طولبوا بالنقل الصحيح عن الأئمة تبين كذبهم في ذلك، كما تبين كذبهم فيما ينقلونه عن النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من البدع والأقوال الباطلة.
ومنهم من إذا طولب بتحقيق نقله يقول: هذا القول قاله العقلاء والإمام الفلاني لا يخالف العقلاء، ويكون العقلاء طائفة من أهل الكلام الذين ذمهم الأئمة رحمهم الله تعالى.
فقد قال الشافعي: حكمى في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال ويطاف بهم في القبائل والعشائر، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام، فإن كان هذا حكمه فيمن أعرض عنهما فكيف حكمه فيمن يعارضهما بغيرهما.
وكذلك قال أبو يوسف القاضي رحمه الله تعالى: من طلب الدين بالكلام تزندق.
وكذلك قال أحمد بن حنبل: ما أرتدى أحد بالكلام فأفلح. وقال: علماء الكلام زنادقة، وكثير من هؤلاء قرءوا كتباً من كتب الكلام فيها شبهات أضلتهم ولم يهتدوا لجوابهم، فإنهم يجدون في تلك الكتب أنه لو كان
الله تعالى فوق الخلق للزم التجسيم والتحيز والجهة، وهم لا يعرفون حقائق هذه الألفاظ ولا ما أراد بها أصحابها.
فإن ذكر لفظ الجسم في أسماء الله تعالى وصفاته لم ينطق بها كتاب ولا سنة، ولا قالها أحد من سلف الأمة وأئمتها، ولم يقل أحد منهم إن الله تعالى جسم، ولا أن الله تعالى ليس بجسم، ولا أن الله تعالى جوهر، ولا أن الله تعالى ليس بجوهر. ولفظ الجسم لفظ مجمل، فمعناه في اللغة هو البدن. ومن قال: إن الله تعالى مثل بدن الإنسان فهو مفتر على الله عز وجل، بل من قال: إن الله تعالى يماثل شيئاً من مخلوقاته فهو مفتر على الله ضال. ومن قال: إن الله تعالى ليس بجسم وأراد بذلك أنه لا يماثل شيئاً من المخلوقات فالمعنى صحيح وإن كان اللفظ بدعة.
وأما من قال: إن الله تعالى ليس بجسم، وأراد بذلك أنه لا يرى في الآخرة، وأنه لم يتكلم بالقرآن العربي، بل القرآن العربي مخلوق، أو هو تصنيف جبريل عليه السلام أو نحو ذلك، فهو مفتر على الله فيما نفاه عنه وهذا أصل ضلال الجهمية من المعتزلة ومن وافقهم على مذهبهم.
فإنهم يظهرون للناس التنزيه وحقيقة كلامهم التعطيل، فيقولون: نجن لا نجسم بل نقول: الله ليس بجسم، ومرادهم بذلك نفي حقيقة أسمائه وصفاته فيقولون: ليس لله تعالى علم ولا قدرة. ولا حياة ولا كلام ولا سمع ولا بصر. ولا يرى في الآخرة، ولا عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولا تنزل منه شئ ولا يصعد إليه شئ، ولا يتجلى لشئ، ولا يقرب إلى شئ، ولا يقرب منه شئ، وأنه لم يتكلم بالقرآن بل القرآن مخلوق أو هو كلام جبريل عليه السلام، وأمثال ذلك من مقالات المعطلة الفرعونية الجهمية، والله تعالى يقول في كتابه:{لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار} [الأنعام 103] أى لا تحيط به.
فكما أنه يعلم ولايحاط به علماً، فكذلك هو سبحانهن يرى ولا يحاط به رؤية فهو سبحانه نفى الإدراك ولم ينف الرؤية، ونفى الإدراك يدل على عظمته تعالى، وأنه من عظمته لا يحاط به. واما نفى الرؤية فلا مدح فيه فإن المعدومات لا ترى، ولا مدح لشئ من المعدومات، بل المدح إنما يكون بالأمور الثبوتية لا بالأمور العدمية، وإنما يحصل المدح بالعدم إذا تضمن ثبوتاً، كقوله تعالى:{لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم} [البقرة 255] . فنزه سبحانه نفسه عن السنة والنوم، لأن ذلك يتضمن كمال حياته وقيوميته، كما قال تعالى:{وتوكل على الحي الذى لا يموت} [الفرقان 58] فهو سبحانه حي لا يموت، قيوم لا ينام، وكذلك قوله تعالى:{لقد خلقنا السماوات والأرض في ستة أيام وما مسنا من لغوب} [ق 38] فنزه نفسه المقدسة عن مس اللغوب وهو الإعياء والتعب، ليتبين كمال قدرته.
فهو سبحانه موصوف بصفات الكمال، منزه عن كل نقص وعيب، موصوف بالحياة والعلم والقدرة، والسمع والبصر والكلام. منزه عن الموت والجهل والعجز والصم والبكم.
وهو سبحانه لا مثل له في شئ من صفات الكمال. وهو منزه عن كل نقص وعيب، فإنه قدوس سلام، تمتنع عليه النقائص والعيوب بوجه من الوجوه. وهو سبحانه لا مثل له في شئ من صفات كماله، بل هو الأحد الصمد، الذى لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد.
وهذا كان مذهب سلف الأمة وأئمتها إنهم يصفون الله تعالى بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل، فيثبتون له ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات، وينزهونه عما نزه عن نفسه من مماثلة المخلوقات - إثبات بلا تمثيل، وتنزيه