الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل: [حروف المعجم أمخلوقة هي أو قديمة
؟]
وكذلك حروف المعجم غير مخلوقة، سواء كان ذلك في كلام الله تعالى أو في كلام الآدميين، وقد أدعى قوم من أهل السنة انها قديمة في القرآن الشريف محدثة في غيره. وهذا خطأ منهم، بل القول السديد هو الأول من مذهب أهل السن بلا فرق، لقوله تعالى:{إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون} [يس 72] وهي حرفان، فلو كانت ((كن)) مخلوقة لا حتاجت إلى ((كن)) أخرى تحلق بها إلى ما لا نهاية له، وقد تقدمت أدلة كثيرة من الآيات فلا نعيدها.
وأما من السنة فما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعثمان بن عفان لما سئل عن اب ت ث إلى آخر الحروف فقال: ((الألف من اسم الله الباعث (1) والوارث)) حتى أتى إلى آخرها فذكر أنها كلمة من اسماء الله تعالى وصفاته، وأسماؤه عز وجل غير مخلوقة. وقال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث على كرم الله وجهه لما سأله عن معنى أبجد هوز حصى إلى آخرها: ((يا على، ألا تعرف تفسير أبي جاد؟ الألف من اسم الله عز وجل الذى هو الله، والباء من اسم الله الذى هو البارى، والجيم من أسم الله الذى هو الجليل
…
..)) إلى آخرها. فذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنها من أسماء الله تعالى وهي في كلام الآدميين.
وقد نص احمد بن حنبل رحمه الله تعالى على قدوم حروف الهجاء، فقال في رسالته إلى أهل نيسابور وجرجان: ومن قال إن حروف التهجى محدثة فهو
(1) وجد على هامش الأصل ما نصه: قوله والتاء من اسم الله الخ لعله سقط بعده الذى هو التواب والثاء من اسم الله الخ اهـ.
كافر باله عز وجل، ومتى حكم ذلك مخلوق فقد جعل القرآن مخلوقاً، ولما قيل له رحمه الله تعالى: إن فلاناً (1) يقول: إن الله تعالى لما خلق الحروف أنضجعت اللام وانتصبت الألف: لا أسجد حتى أؤمر، فقال أحمد: هذا كفر من قائله.
وقال الشافعي رحمه الله تعالى: لا نقول بحدوث الحروف، فإن اليهود ما هلكت بهذا، ومن قال بحدوث حرف من الحروف فقد قال بحدوث القرآن، ولأنه لا يخلو إما أن يقال: هي قديمة في القرآن فوجب أن تكون قديمة في غيره، لأنه لا يجوز أن يكون الشيء الواحد قديماً وهو بعينه محدث. فإن ذلك في القرآن فكذلك في غيره. فإن قالوا: فهذا يفضى إلى جميع الكلام أن يكون قديماً قيل يلزم القرآن لما لم يقل ذلك فيه كذلك في حروف الهجاء (2) أهـ بحروفه.
وقال الشيخ محمد صفى الدين البخارى نزيل نابلس المتوفى سنة ألف ومائة وتسع وتسعين في كتابه ما نصه: ذكر ما جاء عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه في مسألألة الحروف والصوت - حدث أبو طالب قال: جاءنى في كتاب من طرطوس أن سريا السقطي قال: لما خلق الله تعالى الحروف سجدت إلا الألف فإنها قالت: لا أسجد حتى أؤمر، فقال: هذا كفر. قلت: هذا إسناد صحيح. وقال صالح ابن الإمام أحمد، سمعت أبي يقول: من زعم أن أسماء الله تعالى مخلوقة فقد كفر. وقال عبد الله بن أحمد في كتاب الرد على الجهمية تأليفه: سالت أبي عن قوم يقولون: لما كلم الله تعالى موسى لم يتكلم بصوت؟ فقال أبي: بلى، تكلم جل ثناؤه بصوت، هذه الأحاديث نرويها
(1) قوله: ((أن فلاناً يعنى السرى)) اهـ من هامش الأصل.
(2)
كذا في الأصل وهو غير واضح.
كما جاءت. وقال أبي: حديث ابن مسعود: ((إذا تكلم الله تعالى سمع له صوت كمر السلسلة على الصفوان)) قال: وهذه الجهمية تنكره، وهؤلاء كفار يريدون أن يموهوا على الناس. ثم قال: حدثنا المحاربى عن الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عبد الله قال: ((إذا تكلم الله تبارك وتعالى بالوحي سمع صوته أهل السمع فيخرون سجداً)) . قلت: قوله هذه الأحاديث نرويها كما جاءت، أى لا نتصرف فيها بتأويل ولا تشبيه، ونؤمن بأن الصوت صفة من صفات ذاته لا تشبه صفات المخلوقين. أهـ.
وقال العلامة عبد الرحمن بن الجوزى في كتابه ((تلبيس إبليس)) ما نصه: الطريق السليم من تلبيس إبليس ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وتابعوه بإحسان من إثبات الخالق سبحانه وصفاته على ما وردت به الآيات والأخبار من غير تفسير ولا بحث عما ليس في قوة البشر إدراكه، وأن القرآن كلام الله غير مخلوق. قال على كرم الله وجهه: ما حكمت مخلوقاً إنما حكمت القرآن وإنه للمسموع، لقوله تعالى:{حتى يسمع كلام الله} [التوبة 6] وأنه في المصاحف لقوله عز وجل: {في رق منشور} [الطور 3] ولا نتعدى مضمون الآيات ولا نتكلم في ذلك برأينا.
وقد كان الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى ينهى أن يقول الرجل: لفظى بالقرآن مخلوق، لئلا يخرج عن الأتباع للسلف إلى حدث. وعن عمرو بن دينار قال: أدركت تسعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (1) : من قال: القرآن مخلوق فهو كافر: وقال عمر بن عبد العزيز: عليك بدين الصبى في الكتاب والأعرابي، واله عما سواهما أهـ. باختصار.
(1) كذا في الأصل. ولعله: ((كل يقول)) بزيادة لفظ ((كل)) .
وقال أبو محمد على بن حزم الظاهرى المتوفى سنة 456 رداً على الأشعرية في كتابه ((الملل والنحل)) ما نصه: وقالوا كلهم: إن شاء الله تعالى له إلا كلام واحد، وليس كلمات متكثرة. قال أبو محمد: وهذا كفر مجرد لتكذيبهم الله عز وجل في قوله: {قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفذ البحر قبل أن تنفذ كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً} [الكهف 109] وفي قوله تعالى: {ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعد سبعة أبحر ما نفذت كلمات الله} [لقمان 27] ومع هذا، فقولهم: ليس لله عز وجل إلا كلام واحد أسخف قول سمع، لأنه لا يعقل، ولا يفهم، ولا جاء به نص ولا قام به دليل، ولا يتشكل في هاجس! وإنما هو هذيان محض.
ويقال لهم: لا يخلو القرآن عندكم من انه كلام الله عز وجل، أو ليس هو كلام الله تعالى؟ ! فإن قالوا: ليس هو كلام الله عز وجل كفروا من قرب، وكفوا الناس مئونتهم. وإن قالوا: بل هو كلام الله قلنا لهم: فالقرآن بلا شك مائة سورة وأربع عشرة سورة، فيها ستة آلاف آية ونيف، كل سورة منها اهل الإسلام غير الأخرى، وكل آية غير الأخرى، فكيف يقول هؤلاء النوكى: إنه ليس لله تعالى إلا كلام واحد؟ ما هذا إلا من الكفر البارد، والقحة السمجة. ونعوذ بالله تعالى من الضلال! وقالوا كلهم: إن القرآن لم ينزل به جبريل على قلب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما نزل بشئ آخر وهو العبارة عن القرآن، والقرآن ليس هو ألبته عندنا إلا على المجاز، وإن الذى نرى في المصاحف، ونسمع من القراء، ونقرأ في الصلاة، ويحفظ في الصدور ليس هو القرآن، ولا هو كلام الله عز وجل، بل هو شئ آخر، وإن كلام الله عز وجل لم يفارق ذات الله تعالى.
قال أبو محمد: وهذا من أعظم الكفر، لأنه تكذيب لله عز وجل في قوله سبحانه:{نزل الروح الأمين. على قلبك} [الشعراء 194] وقال تعالى: {فأجره حتى يسمع كلام الله} [التوبة 6] وقال تعالى: {بل هو آيات بينات في صدور اللذين أتوا العلم} [العنكبوت 49] وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((أقرءوا القرآن)) وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنى أحب أن أسمعه من غيري)) يعنى القرآن. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((الذي يقرأ القرآن مع السفرة)) ونهى صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض الحرب. مع إجماع عامة المسلمين وخاصتهم وجاهلهم وعالمهم على القول: حفظ فلان القرآن إلى آخر قل أعوذ برب الناس.
وقال السمنانى نصاً: إن الباقلانى وشيوخه قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أطلق القول بأن ما أنزل الله تعالى عليه هو القرآن وهو كلام الله عز وجل، إنما هو معنى أنه عبارة عن كلام الله تعالى، وأنه بفهم به أمره تعالى ونهيه فقط. وقال أبو محمد: ونقول لهم: أخبرنا عن قولكم: إن الذي في المصحف والقراءة المسموعة في المحاريب، كل ذلك إنما هو عبارة عن القرآن ماذا تعنون بذلك؟ وهل هو منكم إلا تمويه ضعيف؟ وهل كل ما في المصحف عبارة إلا عن معانيه التى ارادها الله عز وجل في شرع دينه من الإيمان، والصلاة والصيام، وغير ذلك، وأخبار الأمم السالفة، وصفة الجنة والنار والبعث وغيرها، مما لا يختلف من أهل الإسلام أحد في أن المعبر عن بذلك الكلام ليس هو كلام الله تعالى! ، لأن ذات الجنة وذات النار وحركات المصلى، وعمل الحاج، وعمل الصائم، أجساد عاد، وأشخاص ثمود ليس شئ من ذلك كلام الله عز وجل ولا قرآنا! فثبت أن ليس
القرآن ولا كلام الله تعالى إلا العبارة المسموعة، والخط المكتوب في المصحف بلا شك، إذ لم يبق غير ذلك، أو الكفر، أو تكذيب الله تعالى وتكذيب رسوله صلى الله عليه وسلم في أن القرآن أنزل علينا وإلينا، وأنا نسمع كلام الله تعالى، فأوهمتم أهل الضعف أن الذى هو عند جميع أهل الإسلام كلام الله تعالى، القرآن ليس هو القرآن ولا كلام الله تعالى، ثم أوهمتموهم باستخفافكم أن حركات المصلى وذات النار والجنة هي كلام الله تعالى وهي القرآن! فهل في الضلال والسخرية بضعفة المسلمين، والهزء بآيات الله تعالى أكثر من هذا! ولقد أخبرني على بن حمزة المرادى لصقلي الصوفي: أنه رأى بعض الأشعرية ينطح (1) المصحف برجله قال: فأكبرت ذلك، وقلت له. ويحك؟ تفعل هذا الفعل بالمصحف، وفيه كلام الله عز وجل! فقال لي: ويلك! والله ما فيه إلا السخام والسواد، وأما كلام الله تعالى فلا. أو كلاما هذا معناه.
قال أبو محمد: وكتب لي أبو المرجا على بن زوار المصرى رحمه الله تعالى: أن بعض ثقات إخوانه من طلاب السنن أخبره أن رجلاً من الأشعرية قال له مشافهة على من يقول إن الله تعالى قال {قل هو الله أحد. الله الصمد} - ألف لعنة. قال أبو محمد: بل على من ينكر أن الله تعالى قالها - ألف ألف لعنة، وعلى من ينكر أنه سمع كلام الله عز وجل ويقرأ كلام الله عز وجل ألف ألف لعنة تترى عليه من عند الله عز وجل، ثم من ملائكته وأنبيائه وجميع الصالحين من الإنس والجن.
فإن قول هذه الفرقة في هذه المسألة نهاية الكفر بالله عز وجل، ومخالفة القرآن وتكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومضادة جميع أهل الإسلام قبل حدوث هذه الطائفة الملعونة! .
(1) كذا في الأصل.