الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
* * *
(مكتوب شيخ الإسلام ابن تيمية)
(وقال أيضاً) من جملة كتاب كتبه سنة أربع وستمائة للشيخ ((أبي الفتح نصر المنبجي)) المتوفى سنة 719 ما نصه: وقد بلغني أن بعض الناس ذكر عند خدمتكم الكلام في مذهب الاتحادية وكنت قد كتبت إلى خدمتكم كتاباً اقتضى الحال من غير قصد أن أشرت فيه إشارة لطيفة إلى حال هؤلاء ولم يكن القصد به والله أحداً بعينه وغنما الشيخ هو مجمع المؤمنين فعلينا أن نعنيه في الدين والدنيا بما هو اللائق به.
وأما هؤلاء الاتحادية فقد أرسل إلى الداعي من طلب كشف حقيقة أمرهم وقد كتبت في ذلك كتاباً ربما يرسل إلى الشيخ. وقد كتب سيدنا الشيخ ((عماد الدين)) في ذلك رسائل - والله تعالى يعلم وكفى به عليماً - لولا أنى أرى دفع ضرر هؤلاء عن أهل طريق الله تعالى السالكين إليه من أعظم الواجبات وهو شبيه بدفع من التتار عن المؤمنين ولم يكن للمؤمنين بالله تعالى ورسوله حاجة إلى أن يكشف أسرار الطريق وتهتك أستارها، ولكن الشيخ أحسن الله تعالى إليه يعلم أن مقصود الدعوة النبوية بل المقصود بخلق الخلق وإنزال الكتب وإرسال الرسل أن يكون الدين كله لله هو دعوة الخلائق إلى خالقهم بما قال تعالى:{إنا أرسلناك بالحق شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً} [الأحزاب 45، 46] وقال سبحانه: {قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني} [يوسف 108] وقال تعالى: {إنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السموات والأرض ألا إلى الله تصير الأمور} [الشورى 52، 53] .
وهؤلاء موهوا على السالكين التوحيد - الذي أنزل الله تعالى به
الكتب وبعث به الرسل - بالاتحاد الذي سموه توحيداً وحقيقته تعطيل الصانع وجحود الخالق.
وإنما كنت قديماً ممن يحسن الظن بابن عربي وتعظيمه لما رأيت في كتبه من الفوائد مثل كلامه في كثير من ((الفتوحات والكنه، والمحكم المربوطة والدرة الفاخرة ومطالع النجوم)) ونحو ذلك ولم يكن بعد اطلعنا على حقيقة مقصوده ولم نطالع (الفصوص) ونحوه وكنا نجتمع مع إخواننا في الله نطلب الحق ونتبعه ونكشف حقيقة الطريق فلما تبين الأمر عرفنا نحن ما يجب علينا فلما قدم من المشرق مشايخ معتبرون وسألوا عن حقيقة الطريقة الإسلامية والدين الإسلامي وحقيقة حال هؤلاء وجب البيان. وكذلك كتب إلينا من أطراف الشام رجال سالكون أهل صدق وكلب أن أذكر النكت الجامعة لحقيقة مقصودهم والشيخ - أيده الله تعالى بنور قلبه وذكاء نفسه وحق قصده - من نصحه للاسلام وأهله ولإخوانه السالكين يفعل في ذلك ما يرجو به رضوان اله سبحانه ومغفرته في الدنيا والآخرة. هؤلاء الذين تكلموا في هذا الأمر لم يعرف لهم خبر من حين ظهرت دولة التتار وإلا فكان الاتحاد القديم هو الاتحاد المعين وذلك أن القسمة رباعية فإن كل واحد من الاتحاد والحلول إما معين في شخص وإما مطلق أما الاتحاد والحلول المعين كقول النصارى والغالية في الأئمة من الرافضة وفي المشايخ من جهال الفقراء والصوفية فإنهم يقولون به في معنى إما بالإتحادية كاتحاد الماء واللبن وهو قول ((اليعقوبية)) وهم السودان ومن الحبشة والقبط وإما بالحلول وهو قول ((النسطورية)) وإما بالاتحاد من وجه دون وجه وهو قول ((الملكانية)) .
(وأما) الحلول المطلق: وهو أن الله تعالى بذاته حال في كل شيء فهذا تحكيه اهل السنة والسلف عن قدماء الجهمية وكانوا يكفرونهم بذلك.
وأما ما جاء به هؤلاء من الاتحاد العام: فما علمت أحداً سبقهم غليه إلا من أنكر وجود الصانع مثل فرعون والقرامطة وذلك أن حقيقة أمرهم أنهم يرون أن عين وجود الحق وأن وجود ذات الله خالق السموات والأرض هي نفس وجود المخلوقات فلا يتصور عندهم أن يكون الله تعالى خلق غيره ولا أنه رب العالمين ولا أن غنى وما سواه فقير ولكن تفرعوا على ثلاثة طرق وأكثر من ينظر في كلامهم لا يفهم حقيقة أمرهم لأنه أمر مبهم.
(الأول) أن يقولوا: عن الذوات بأسرها كانت ثابتة في العدم ذاتها أبدية أزلية حتى الحيوان والنبات والمعادن والحركات والسكنات وأن وجود الحق فاض على تلك الذوات فوجودها وجود الحق وذواتها ليست الحق ويفرقوا بين الوجود والثبوت فما كنت به في ثبوتك ظهرت به في وجودك.
ويقولون: إن الله سبحانه لم يعط أحداً شيئاً ولا أغنى أحداً ولا أسعده ولا أشقاه وإنما وجوده فاض على الذوات فلا تحمد إلا نفسك ولا تذم إلا نفسك.
ويقولون: إن هذا هو سر القدر وإن الله تعالى إنما علم الأشياء من جهة رؤيته لها ثابتة في العدم خارجاً عن نفسه المقدسة.
ويقولون: إن الله تعالى لا يقدر أن يغير ذرة من العالم وأنهم قد يعلمون الأشياء من حيث علمها الله سبحانه فيكون علمهم وعلم الله تعالى من معدن واحد وأنهم يكونوا أفضل من خاتم الرسل من بعض الوجوه لأنهم يأخذون من المعدن الذي أخذ منه الملك الذي يوحى به إلى الرسل.
ويقولون: إنهم لم يعبدوا غير الله ولا يتصور أن يعبدوا غير الله تعالى. وأن عباد الأصنام ما عبدوا إلا الله سبحانه. وأن قوله تعالى {وقضى ربك
ألا تعبدوا إلا إياه} [الإسراء 23] معنى حكم لا معنى أمر فما عبد غير الله في كل معبود فإن الله تعالى ما قضى بشيء إلا وقع.
ويقولون إن الدعوة إلى الله تعالى مكر بالمدعو فإنه ما عدم من البداية فيدعى إلى الغاية. وإن قوم نوح قالوا {لا تذرن آلهتيكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً} [نوح 23] لأنهم لو تركوهم لتركوا من الحق بقدر ما تركوا منهم لأن الحق في كل معبود وجهاً يعرفه من عرفه وينكره من أنكره. وأن الفريق والكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة وكالقوى المعنوية في الصورة الروحانية وأن العارف منهم يعرف من عبد وفي أي صورة ظهر حتى عبد فإن الجاهل يقول: هذا حجر وشجر والعارف يقول: هذا محل إلهي ينبغي تعظيمه فلا يقتصر فإن النصارى إنما كفروا لأنههم خصصوا أن عباد الأصنام ما أخطأوا إلا من حيث اقتصارهم على عبادة بعض المظاهر والعارف يعبد كل شئ والله أيضاً يعبد كل شئ لأن الأشياء غذاؤه بالأسماء والأحكام وهو غذاؤها بالوجود وهو فقير إليها وهي فقيرة غليه وهو حليل كل شئ بهذا المعنى ويجعلون أسماء الله الحسنى هي مجرد نسبة وإضافة بين الوجود والثبوت وليست أموراً عدمية.
ويقولون: من أسمائه الحسنى العلي. عن ماذا وما ثم إلا هو؟ وعلى ماذا وما ثم غيره؟ فالمسمى محدثات وهي العلية لذاتها وليست إلا هو.
وما نكح سوى نفسه وما ذبح سوى نفسه والمتكلم هو عين المستمع وإن ((موسى)) إنما عتب على ((هارون)) حيث نهاهم عن عبادة العجل لضيفه وعدم اتساعه وإن ((موسى)) كان أوسع في العلم فعلم أنهم لم يعبدوا إلا الله وأن أعلى ما عبد الهوى وأن كل من اتخذ إلهه هواه فما عبد إلا الله. ((فرعون)) كان عندهم من أعظم العارفين وقد صدقه السحرة في
قوله: {أنا ربكم الأعلى} [النازعات 24] وفي قوله {ما علمت لكم من إله غيري} [القصص 38] .
وكنت أخاطب بكشف أمرهم لبعض الفضلاء الضالين وأقول: إن حقيقة أمرهم هو حقيقة قول ((فرعون)) المنكر لوجود الخالق الصانع حتى حدثني بعض عن كثير من كبرائهم أنهم يعترفون ويقولون: نحن على قول فرعون وهذه المعاني كلها هي قول صاحب ((الفصوص)) والله تعالى أعلم بما مات الرجل عليه والله يغفر لجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. {ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم} [الحشر 10] .
والمقصود: أن حقيقة ما تضمنه كتاب ((الفصوص)) المضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه جاء به وهو ما إذا فهم المسلم بالاضطرار أن جميع الأنبياء والمرسلين وجميع الأولياء والصالحين بل جميع عوام أهل الملل من اليهود والنصارى والصابئين يبرءون إلى الله تعالى من بعض هذا القول فكيف منه كله؟ ونعلم أن المشركين عباد الأوثان والكفار أهل الكتاب يعترفون بوجود الصانع الخالق البارئ المصور الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ربهم ورب آبائهم الأولين رب المشرق والمغرب ولا يقول أحد منهم: إنه عين المخلوقات. ولا نفس المصنوعات كما يقوله هؤلاء حتى إنهم يقولون: لو زالت السموات والأرض زالت حقيقة الله.
وهذا مركب من أصلين:
(أحدهما) أن المعدوم شئ ثابت في العدم كما يقوله كثير من ((المعتزلة والرافضة)) وهو مذهب باطل بالعقل للكتاب والسنة والإجماع.
وكثير من متكلمة أهل الإثبات ((كالقاضي أبي بكر)) (1) كفر من يقول بهذا وإنما غلط هؤلاء من حيث لم يفرقوا بين علم الله بالأشياء قبل كونها وأنها مثبتة عنده في أم الكتاب في اللوح المحفوظ وبين ثبوتها في الخارج عن علم الله تعالى.
فإن مذهب المسلمين أهل السنة والجماعة أن اله سبحانه وتعالى كتب في اللوح المحفوظ مقادير الخلائق قبل أن يخلقها فيفرقون بين الوجود العلمي وبين الوجود العيني الخارجي ولهذا كان أول ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة {اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم} [العلق 1-5] فذكر المراتب الأربعة: وهي الوجود العيني الذي خلقه وذكر الوجود الرسمي المطابق للفظي الدال على العلمي وبين أن الله تعالى علمه ولهذا ذكر أن التعليم بالقلم مستلزم للمراتب الثلاثة.
وهذا القول - أعنى قول من يقول: إن المعدوم شئ ثابت في نفسه خارج عن علم الله تعالى - وإن كان باطلاً ودلالته واضحته لكنه قد ابتدع في الإسلام من نحو أربعمائة سنة وابن عربي وافق أصحابه وهو أحد أصلى مذهبه الذي في الفصوص.
(والأصل الثاني) : أن وجود المحدثات المخلوقات هو عين وجود الخالق ليس غيره ولا سواه وهذا هو الذي ابتدعه وانفرد به عن جميع من تقدمه من المشايخ والعلماء وهو قول بقية الاتحادية لكن ابن عربي أقربهم إلى الإسلام وأحسن كلاماً في مواضع كثيرة - فإنه يفرق بين المظاهر والظاهر فيقر الأمر والنهي والشرائع على ما هي عليه ويأمر بالسلوك
(1) هو أبو بكر الباقلاني صاحب التمهيد.
بكثير مما أمر به المشايخ من الأخلاق والعبادات ولهذا كثير من العباد يأخذون من كلامه سلوكهم فينتفعون بذلك وإن كانوا لا يفقهون حقائقه ومن فهمها منهم ووافقه فقد تبين قوله.
(وأما) صاحبه ((الصدر الرومي (1)) ) فإنه كان متفلسفاً فهو أبعد عن الشريعة والإسلام ولهذا كان الفاجر ((التلمساني)) ((الملقب بالعفيف)) (2) يقول: كان شيخي القديم متروحناً متفلسفاً والآخر فيلسوفاً متروحناً يعني الصدر الرومي فإنه كان قد أخذ عنه ولم يدرك ((ابن عربي)) في كتاب ((مفتاح غيب الجمع والوجود)) وغيره يقول: إن الله تعالى هو الوجود المطلق والمعين كما يفرق بين الحيوان والجسم المطلق والجسم المعين والمطلق لا يوجد إلا في الخارج مطلقاً ولا يوجد المطلق إلا في الأعيان الخارجة فحقيقة قوله: إنه ليس سبحانه وجود أصلاً ولا حقيقة ولا ثبوت إلا نفس الوجود القائم بالمخلوقات ولهذا يقول هو وشيخه: إن الله تعالى لا يرى أصلاً وأنه ليس في الحقيقة اسم ولا صفه ويصرحون بأن ذات الكلب والخنزير والبول والعذرة عين وجوده. تعالى الله عما يقولون!! .
وأما ((الفاجر التلمساني)) فهو أخبث القوم وأعمقهم في الكفر فإنه لا يفرق بين الوجود والثبوت - كما يفرق ((ابن عربي)) - ولا يفر بين المطلق والمعين والثبوت - كما يفرق ابن عربي - ولا يفرق بين المطلق والمعين - كما يفرق ((الرومى)) - ولكن عنده ما ثم غير ولا سوى بوجه من الوجوه. وأن العبد إنما يشهد السوى ما دام محجوباً فإذا انكشف حجابه رأى أنه ما ثم غير يبين له الأمر ولهذا كان يستحل جميع المحرمات حتى حكى عنه
(1) جلال الدين الرومي صاحب ((المنثوى)) توفي 672هـ.
(2)
الشاعر عفيف الدين سليمان بن علي، اشتغل بالتصوف وشرح بعض كتبه توفي سنة 690 هـ.
الثقات: أنه كان يقول البنت والأم والأجنبية شئ واحد ليس في ذلك حرام علينا وإنما هؤلاء المحجوبون قالوا: حرام فقلنا: حرام عليكم.
وكان يقول: القرآن كله شرك ليس فيه توحيد وإنما التوحيد في كلامنا.
وكان يقول: أنا ما أمسك شريعة واحدة وإذا أحسن القول يقول: القرآن يوصل إلى الجنة وكلامنا يوصل إلى الله تعالى وشرح الأسماء الحسنى على هذا الأصل الذي له. ولد ديوان شعر قد صنع فيه أشياء وشعره في صناعة الشعر جيد ولكنه كما قيل: ((لحم خنزير في طبق صيني)) وصنف ((للنصيرية)) عقيدة. وحقيقة أمرهم: أن الحق بمنزلة البحر وأجزاء الموجودات بمنزلة أمواجه.
وأما ((ابن سبعين)) فإنه في ((البدو والإحاطة)) يقول أيضاً بوحدة الوجود وأنه ما ثم غيره وكذلك ((ابن الفارض)) في آخر ((نظم السلوك)) لكن لم يصرح هل يقول بمثل قول التلمساني أو قول الرومي أو قول ابن عربي وهم إلى كلام التلمساني أقرب. ولكن ما رأيت فيهم من كفر هذا الكفر الذي ما كفره أحد قط مثل التلمساني. وآخر يقال له ((البلباني)) من مشايخ شيراز ومن شعره: [متقارب]
وفي كل شئ له آية
…
تدل على أنه عينه
وأيضاً: [طويل]
وما أنت غير الكون بل انت عينه
…
ويفهم هذا الشر من هو ذائقه
وأيضاً: [طويل]
وتلتذ إن مرت على جسدي يدي
…
لأني في التحقيق لست سواكم
وأيضاً: [كامل]
ما بال عيسك لا يقر قرارها
…
وإلام ظلك لا يني متنقلاً
فلسوف تعلم أن سيرك لم يكن
…
إلا إليك إذا بلغت المنزلا
وأيضاً: [سريع]
ما الأمر إلا نسق واحد
…
ما فيه من حمد ولا ذم
وإنما العادة قد خصصت
…
والطبع والشارع في الحكم
وأيضاً: [بسيط]
يا عاذلى أنت تنهاني وتأمرني
…
والوجد أصدق نهاء وأمار
فإن أطعك وأعص الوجد عدت عمي
…
عن العيان إلى أوهام أخبار
فعين ما أنت تدعوني إليه إذا
…
حققته تره المنهى يا جاري
وأيضاً: [طويل]
وما البحر إلا الموج لا شئ غيره
…
وإن فرقته كثرة المتعدد
إلى أمثال هذه الأشعار وفي النثر ما لا يحصى ويوهمون الجهال أنهم مشايخ الإسلام وأئمة الهدى الذين جعل الله تعالى لهم لسان صدق في الأمة مثل: ((سعيد بن المسيب والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز ومالك ابن أنس والأوزاعي وإبراهيم بن أدهم وسفيان الثوري والفضيل بن عياض ومعروف الكرخي والشافعي وأبي سليمان وأحمد بن حنبل وبشر الحافي وعبد الله بن المبارك وشقيق البلخي)) ومن لا يحصى كثرة - إلى مثل المتأخرين مثل: ((الجنيد بن محمد القواريري وسهل بن عبد الله التستري وعمر بن عثمان المكي)) ومن بعدهم إلى ((أبي طالب المكي)) - إلى مثل ((الشيخ عبد القادر الكيلاني والشيخ عدى والشيخ أبي البيان والشيخ أبي مدين والشيخ عقيل والشيخ أبي الوفاء والشيخ رسلان والشيخ عبد الرحيم والشيخ عبد الله اليونيني والشيخ القرشي)) وأمثال
هؤلاء المشايخ الذين كانوا بالحجاز والشام والعراق ومصر والمغرب وخراسان من الأولين والآخرين.
كل هؤلاء متفقون على تكفير هؤلاء ومن هو أرجح منهم وأن الله سبحانه ليس هو خلقه ولا جزء من خلقه ولا صفة لخلقه بل هو سبحانه وتعالى متميز بنفسه المقدسة بائن بذاته المعظمة عن مخلوقاته وبذلك جاءت الكتب الأربعة الإلهية من التوراة والإنجيل والزبور والقرآن عليه فطر الله تعالى عباده وعلى ذلك دلت العقول.
وكثيراً ما كنت أظن أن ظهور مثل هؤلاء أكبر أسباب ظهور التتار واندراس شريعة الإسلام وأن هؤلاء مقدمة الدجال الأعور الكذاب الذي يزعم أنه هو الله فإن هؤلاء عندهم كل شيء هو الله ولكن بعض الأشياء أكبر من بعض وأعظم.
أما على رأى صاحب ((الفصوص)) فإن بعض المظاهر والمستجليات يكون أعظم لعظم ذاته الثابتة في العدم وأما على رأى ((الرومي)) فإن بعض المتعينات يكون أكبر فإن بعض جزيئات الكلى أكبر من بعض وأما على البقية فالكل أجزاء منه وبعض جزيئات الكلى وبعض الجزء أكبر من بعض فالدجال عند هؤلاء مثل فرعون من كبار العارفين وأكبر من الرسل بعد نبينا ((محمد صلى الله عليه وسلم وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام) فموسى قاتل فرعون الذي يدعى الربوبية ويسلط الله تعالى مسيح الهدى الذي قيل فيه إنه الله تعالى وهو برئ من ذلك على مسيح الهدى والضلالة الذي قال إنه الله.. ولهذا كان بعض الناس يعجب من كون النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنه أعور)) وكونه قال: واعلموا أن أحداً منكم لن يرى ربه حتى يموت.
((وابن الخطيب)) أنكر أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قال
هذا لأن ظهور دلائل الحدوث والنقص على الدجال أبين من أن يستدل عليه بأنه أعور.
فلما رأينا حقيقة قول هؤلاء الاتحادية وتدبرنا ما وقعت فيه النصارى والحلولية ظهر سبب دلالة النبي صلى الله عليه وسلم لأمته بهذه العلامة فإنه بعث رحمة للعالمين.
فإذا كثير من الخلق يجوز ظهور الرب في البشر أو يقول إنه هو البشر كان الاستدلال على ذلك بالعور دليلا على انتفاء الإلهية عنه.
وقد خاطبني قديماً شخص من خيار أصحابنا كان يميل إلى الاتحاد ثم تاب منه وذكر هذا الحديث فبينت له وجهه وجاء إلينا شخص كان يقول: إنه خاتم الأنبياء الأولياء فزعم أن ((الحلاج)) لما قال: أنا الحق فكان الله تعالى هو المتكلم على لسانه كما يتكلم الجني على لسان المصروع وأن أصحابه لما سمعوا كلام الله تعالى من النبي صلى الله عليه وسلم كان من هذا الباب - فبينت له فساد هذا وأنه لو كان كذلك كان الصحابة بمنزلة ((موسى ابن عمران)) وكان من خاطبه هؤلاء أعظم من موسى لأن موسى سمع الكلام الإلهي من الشجرة وهؤلاء يسمعون من الجن الناطق وهذا يقوله قوم من الاتحادية لكن أكثرهم جهال لا يفرقون بين الاتحاد العام والمطلق الذي يذهب إليه الفاجر ((التلمساني)) وذووه وبين الاتحاد المعين الذي يذهب إليه النصارى والغالية.
(وقد) كان سلف الأمة وسادات الأئمة يرون كفر الجهمية أعظم من كفر اليهود كما قال عبد الله بن المبارك والبخاري وغيرهما وإنما كانوا يلوحون تلويحاً وقل أن كانوا يصرحون بأن ذاته في مكان.
وأما هؤلاء الاتحادية فهم أخبث وأكفر من أولئك الجهمية ولكن السلف والأئمة اعلم بالإسلام وبحقائقه فإن كثيراً من الناس قد لا يفهم
تغليظهم في ذم المقالة حتى يتدبرها ويرزق نور الهدى فلما اطلع السلف على سر القول نفروا منه وهذا كما قال بعض الناس متكلمة الجهمية لا يعبدون شيئاً ومتعبدة الجهمية يعبدون كل شيء وذلك لأن متكلمهم ليس في قلبه تأله ولا تعبد فهو يصف ربه بصفات العدم والموات وأما المتعبد ففي قلبه تأله وتعبد والقلب لا يقصد إلا موجوداً لا معدوماً فيحتاج أن يعبد المخلوقات إما الوجود المطلق وإما بعض المظاهر كالشمس والقمر والبشر والأوثان وغير ذلك فإن قول الاتحادية يجمع كل شرك في العالم وهم لا يوحدون الله سبحانه وتعالى وإنما يوحدون القدر المشترك بينه وبين المخلوقات فهم بربهم يعدلون ولهذا حدث الثقة أن ابن سبعين كان يريد الذهاب إلى الهند وقال: إن أرض الإسلام لا تسعه لأن الهند مشركون يعبدون كل شيء حتى النبات والحيوان وهذا حقيقة قول الاتحادية.
وأعرف ناساً لهم اشتغال بالفلسفة والكلام وقد تألهوا على طريق هؤلاء الاتحادية فإذا أخذوا يصفون الرب سبحانه بالكلام قالوا: ليس بكذا ليس بكذا وصفوه بأنه ليس هو المخلوقات كما يقوله المسلمون لكن يجحدون صفات الخالق التي جاءت بها الرسل عليهم السلام.
وإذا صار لأحدهم ذوق ووجد تأله وسلك طريق الاتحادية وقال: إنه هو الموجودات كلها.
فإذا قيل له: أين ذلك النفي من هذا الإثبات؟ قال: ذلك وجدى وهذا ذوقي.
فيقال لهذا الضال: كل ذوق ووجد لا يطابق الاعتقاد فأحدهما أو كلاهما باطل وإنما الأذواق والمواجيد نتائج المعارف والاعتقادات فإن علم القلب وحاله متلازمان فعلى قدر العلم والمعرفة يكون الوجد والمحبة والحال.
ولو سلك هؤلاء طريق الأنبياء والمرسلين عليهم السلام الذين أمروا
بعبادة الله تعالى وحده لا شريك له ووصفوه بما وصف به نفسه وبما وصفته به رسله واتبعوا طريق السابقين الأولين لسلكوا طريق الهدى ووجدوا برد اليقين وقرة العين فإن الأمر كما قال بعض الناس: إن الرسل جاءوا بإثبات مفصل ونفى مجمل والصابئة المعطلة جاءوا بنفي مفصل وإثبات مجمل. فالقرآن مملوء من قوله تعالى: {إن الله بكل شيء عليم - وعلى كل شيء قدير - وأنه سميع بصير وسع كل شيء رحمة وعلماً} وفي النفي {ليس كمثله شيء - ولم يكن له كفواً أحد - هل تعلم له سمياً - سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين} .
(وهذا) الكتاب مع أني قد أطلت فيه الكلام على الشيخ أيده الله تعالى بالإسلام ونفع المسلمين ببركة أنفاسه وحسن مقاصده ونور قلبه فإن ما فيه نكت مختصرة فلا يمكن شرح هذه الأشياء في كتاب ولكن ذكرت للشيخ أحسن الله تعالى غليه ما اقتضى الحال أن أذكره وحامل الكتاب مستوفز عجلان وأنا أسأل الله العظيم أن يصلح أمر المسلمين عامتهم وخاصتهم ويهديهم إلى ما يقربهم وأن يجعل الشيخ من دعاة الخير الذين قال الله سبحانه فيهم: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} [آل عمران 104] انتهى.
فاتضح لديك مما تلى عليك أن الشيخ ابن تيمية غير منفرد بالطعن فيمن ذكر ولم تحمله على ما قال نفسانية أو شحناء معاصرة حتى زبر ما زبر بل لما عنده من أنه أخذ بضبع القاصرين وأداء لواجب النصحية في الدين كما بين أيضاً غيره من العلماء العاملين.