الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقول: يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام فلو عرفت أن الكلام يبلغ بي إلى ما بلغ ما اشتغلت به وقال الفقيه أبو عبد الله الدسمى قال: حكى لنا الإمام أبو الفتح محمد بن علي الفقيه قال: دخلنا على الإمام أبي المعالى الجوينى نعوده في مرض موته فأقعد فقال لنا: أشهدوا أني قد رجعت عن كل مقالة قلتها أخالف فيها السلف الصالح وأني أموت على ما يموت عليه عجائز نيسابور - يعني أنهن مؤمنات بالله عز وجل على فطرة الإسلام لم يدرين ما علم الكلام قال الحافظ الذهبي: وقد كان شيخنا الفتح القشيرى رحمه الله تعالى يقول: [طويل]
تجاوزت حد الأكثرين إلى العلا
…
وسافرت واستسبقتهم في المفاوز
وخضت بحاراً ليس بدرك قعرها
…
وسيرت نفسي في قسيم المفاوز
ولججت في الأفكار ثم تراجع اختياري إلى استحسان دين العجائز اهـ
[رأى ابن تيمية في المتكلمين]
وقال الشيخ ابن تيمية في الحموية وغيرها من تصنيفاته ما ملخصه: وقد تدبرت كتب الاختلاف التي فيها المقالات مثل كتاب الأشعري المؤلف أولاً والشهرستاني والوراق أو مع انتصار لبعض الأقوال كسائر ما صنف أهل الكلام فرأيت عامة الاختلاف الذي فيها من الاختلاف المذموم وأما ما كان عليه السلف فلا يوجد فيها والحاذق منهم الذي غرضه الحق يصرح بالحيرة في آخر عمره إذا لم يجد في الاختلافات التي نظر فيها وناظر ما هو حق محض وكثير منهم ترك الجميع ورجع إلى دين العامة كما قال أبو المعالي: لقد خضت البحر الخضم وخليت الإسلام ودخلت في الذي نهوني عنه والآن إن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لابن الجوبني وهأنذا أموت على عقيدة أمي وكذلك الشهرستاني مع أنه أخبر من هؤلاء بالمقالات وصنف كتابه المعروف وقال فيه: [طويل]
لقد طفت في تلك المعاهد كلها
…
وسرحت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعاً كف حائراً
…
على ذقن أو قارعاً سن نادم
فأخبر أنه لم يجد إلا شاكاً مريباً أو من اعتقد ثم ندم لما تبين منه خطؤه الأول وكذلك الأموى الغالب عليه الحيرة وأما الرازي فهو في الكتاب الواحد بل في الموضع الواحد منه ينصر قولاً وفي موضع آخر منه أو من كتاب آخر ينصر نقيضه ولهذا استقر أمره على الحيرة وذكر أبياته: [طويل]
نهاية إقدام العقول عقال
…
وأكثر سعى العالمين ضلال
وأرواحنا وحشة في جسومنا
…
وغاية دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول دهرنا
…
سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
وقوله: (فما رأيتها تشفى عليلاً ولا تروى غليلاً) وهو صادق فيما أخبر به أنه لم يستفد من بحوثه في الطرق الكلامية والفلسفية سوى أنه جمع قيل وقالوا وأنه لم يجد فيها ما تشفى عليلاً ولا يروى غليلاً فإنه من تدبر كتبه كلها لم يجد فيها مسألة واحدة من مسائل أصول الدين موافقة لمذهب السلف الذي عليه المعقول والمنقول بل يذكر في المسألة عدة أقوال وقول السلف الذي هو الحق لا يعرفه ولا يذكره وكذا غيره من أهل الكلام مختلفون في آرائهم وكثير منهم من يجعل ما يوافق رأيه هو المحكم الذي يجب اتباعه وما يخالف رأيه هو المتشابه الذي يجب تأويله وتقويضه وإذا ذكرت النصوص التي يحتج بها عليه يتأولها تأويلاً لو فعله غيره لأقام القيامة عليه ويتأول الآيات بما يعلم بالاضطرار أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرده وبما لا يدل عليه اللفظ أصلاً وكثير ممن سمع ذم الكلام مجملاً وذم الطائفة الفلانية مجملاً ولا يعرف التفاصيل من الفقهاء وأهل الحديث ومن كان متوسطاً في الكلام لم يصل إلى الغايات التي منها تفرقوا تجده يذم القول وتأويله بعبارة ويقبله بعبارة ويقرأ
كتب التفسير والفقه وشروح الحديث وفيها المقالات التي يذمها فيقبلها من أشخاص أخر ذكروها بعبارة أخرى أو في ضمن تفسير آية أو حديث غير ذلك وهذا مما يوجد منه كثير والسالم من سلمه الله تعالى حتى إن هؤلاء يعظم أئمة ويذم أقوالاً وقد يلعن قائلها أو يكفره وقد قالها تلك الأئمة الذين يعظمهم ولو علم أنهم قالوه لما لعن القائل وكثير من الأقاويل التي لا يرتضيها إذا سمعها ولم يعرف قائلها ربما تكون من الأحاديث النبوية ولو ذكرت ما أعرفه من ذلك لذكرت خلقاً من أهل البدع الكبار كمعتزلى ونحوه ومن المنتسبين إلى السنة من كرامى وأشعرى ونحوهم وكذلك من صنف على طريقتهم من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم وهذا كله رأيته في كتبهم في مسائل الصفات والقرآن ومسائل القدر ومسائل أحكام الإيمان والإسلام ومسائل الوعد والوعيد وغير ذلك اهـ وأنت تعلم أن أمثال هذه العبارات لا يستلزم التفكير لمن قيلت في حقه بل مراد الشيخ التقريع على حشو كتبهم من التأويلات الكلامية المستوجبة لطعن علماء السلف فيها ولا يخفى على
من تتبع كتب من ذكرهم حال عباراتهم التي حرروها وتجنب السلف عنها وصانوا ألسنتهم عن وضرها وإن كان مقصد مصنفيها الرد على قائلها ونيتهم خالصة في قمح شبه أهل الأهواء ودفع فاسد الآراء لكن بقي أن الشيخ ابن تيمية عليه الرحمة قد شدد النكير على من خالف طرائق السلف في التقرير والتحرير وأغلظ الكلام في حق من زلت منه الميدان الأقدام وكل ذلك باجتهاد واجب حماية السنة وإمتثالاً لقوله تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه} وإن وخزته ممن عاصره أو غيره الأسنة وتجرع غصص المحنة وكل من المعترض والمعترض عليه لم ينل مرتبة العصمة وهذه عادة الله تعالى الجارية في هذه الأمة ونسأل الله تعالى