الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسلم - مستغاث، والغوث منه تسباً وكسباً، ومستغاث به، والباء للاستغاثة.
وصح عن ابن عباس أنه قال: أوحى الله تعالى إلى عيسى عليه الصلاة والسلام، يا عيسى، آمن بمحمد، ومر من ادركه من امتك أن يؤمنوا به، فكتبت عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله، فسكن، فكيف لا يتوسل بمن له هذا الجاه الوسيع، والقدر المنيع، عند سيده ومولاه، المنعم عليه بما أولاه، صلى الله تعالى وسلم، وكرم وعظم. وهذا آخر أدلة المجوزين مختصرة من كتب المحققين ولا سيما العقد الثمين، وهو سبحانه الموفق لذلك المعين.
[أدلة المانعين للتوصل]
الفصل الثاني
واما المانعون فقد اطالوا الكلام في هذا المقام، واللازم تبيين ملخص دعواهم، وتنقيح الأجوبة عن دلائل من جاراهم:
(فأقول) : قد قال العلامة السويدى في ((العقد الثمين)) : أن الحاصل من متفرقات أقوالهم - أنه يجب إفراد الله تعالى، بعبادته، توحيده في معاملته، لأن الله سبحانه أرسل نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم داعياً إلى عبادة الله ناهياً عن عبادة غيره، وأنزل عليه كتاباً بين فيه أحوال المشركين، وما كانوا عليه من الشرك، وكان شركهم أن نصبوا أصناماً اعتقدوها مقربة لهم عند الله سبحانه، إما لكونها على صور ملائكة، وإما لكونهم اعتقدوا أن الله تعالى قد شرفها بذواتها، كما شرف الكعبة. وإما لكونها صور أنبياء، كما هو معلوم عند السابرين لأحوال المشركين.
فإن منهم من عبد المسيح. ومنهم من عبد عزيراً، ومنهم من عبد أناساً صالحين، كما قالوا في اللات وهو صنم في الطائف لثقيف، أو لقريش بنخلة في قراءة من شدد التاء: إنه كان رجلاً صالحاً يلت السويق بالسمن، فيطعمه للحجيج بمكة، فمات فعكفوا على قبره، وقد كانت عندهم بقية من دين إبراهيم الخليل عليه السلام، فكانوا يحجون ويلبون ويستغفرون.
وكانوا ايضاً يفردون الله سبحانه وتعالى بالخلق والرزق وملك السماوات والأرض، ويملك السمع والأبصار، وأنه يجبر – اى يغيث – من يشاء، ولا يجار عليه – أى لا يمنع منه – إلى غير ذلك مما أخبر سبحانه عنهم بقوله:{ولئن سالتهم من خلق السماوات والأرض، وسخر الشمس والقمر ليقولن الله} [العنكبوت 61]، وقوله تعالى:{قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون؟ سيقولون لله} [المؤمنون 84]، وقوله تعالى:{قل من رب السماوات السبع، ورب العرش العظيم سيقولون لله} [المؤمنون 86]، وقوله عز وجل:{قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله واتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين} [الأنعام 40، 41]، وقوله تعالى:{أم من خلق السماوات والأرض وانزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم ان تنبتوا شجرها أإله مع الله، بل هم قوم يعدلون. أم من جعل الرض قراراً ودعل خلالها أنهاراً وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزاً أإله مع الله} [النمل 60، 61] أى فعل ذلك. وهذا استفهام إنكار، والمشركون مقرون بأنه لم يفعل هذا إله آخر مع الله سبحانه.
ومن قال من المفسرين: هل مع الله إله آخر فقد وهم، فإنهم كانوا يجعلون مع الله آلهة أخرى، كما دلت على ذلك آيات كثيرة، منها قوله تعالى
{أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد} [الأنعام 19] أى بما تشهدون، وقوله عز من قائل:{فما أغنت عنهم آلهتهم التى يدعون من دون الله من شئ} [هود 101] . وقال تعالى عنهم: {أجعل الآلهة إلاها واحداً إن هذا لشئ عجاب} [ص 5] ولما كان المشركون معترفون بأن الله تعالى هو الرب الواحد، خالق كل شئ، فاعل هذه الأمور الجسام، معد (1) للرغبات والرهبات، كما هو حديث حصين المشهور، وذلك بنقل الله تعالى عنهم معتقدهم في آيات كثيرة {ومن أصدق من الله قيلاً} وكانوا ايضاً يتخذون آلهتهم شفعاء لهم، تقربهم إلى الله زلفى، ويقولون عن الأصنام هؤلاء شفعاؤنا عند الله، كما قال سبحانه عن صاحب يس، وهو حبيب النجار المذكور في سورة يس، وكان ينحت الأصنام:{ومالى لا أعبد الذى فطرني وإليه ترجعون} الآية. فكان جل أحوال المشركين مع آلهتهم التوكل عليهم، والالتجاء إليهم بالشفاعة، ظناً منهم أنها نافعة عنده تعالى لهم فرد الله تعالى عليهم، وأبان معتقدهم المسئول لديهم، فأخبرنا سبحانه وتعالى في كتابه أن الشفاعة كلها بجميع انواعها له.
قال تعالى: {قل لله الشفاعة جميعاً} ، وأنها لا تمون إلا من بعد إذنه للشافع، ورضاه عن المشفوع له المشار إليه بما رواه البخارى: أن أبا هريرة رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: من اسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال: ((من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه)) ، فهؤلاء المخلصون هم الذين اخلصوا الدين كله لله، فجعلوا الشفاعة، التوكل والرجاء، والالتجاء، وغير ذلك من خواص الألوهية حقوقاً ثابتة له سبحانه، لم يعطوها لغيره فوجدوه بها، وأخلصوا الدعوة له، فهم المؤمنون الموحدو، وبكتابه الذى أنزل على نبيه مهتدون.
(1) هكذا وردت هذه الكلمة في الأصل.