الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومع هذا فلعله اتبع في ذلك أقوال الفاروق، وباب مدينة العلم، وترجمان القرآن، وابن مسعود، وأبي هريرة القائل: أخذت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين
…
الحديث الشهير. فتدبر جميع ما حررناه لك من كلام العلماء الأخيار، وأسأله سبحانه أن ينجينا وإياك من النار، ويسكننا الجنة دار القرار. آمين.
[عصمة الأنبياء]
(قوله: وقال الأنبياء غير معصومين) أقول: قد أجمل العلامة، ابن حجر هذا التشنيع، لم يبين المراد من ذلك، هل عدم العصمة قبل النبوة أم بعدها؟ وهل ذلك من الكبائر أو التغائر؟ ومع هذا فانت تعلم أن مسألة العصمة أختلفت فيها علماء الأمة، وأن الشيخ ابن تيمية ذكر في كتبه ما ذكره غيره مما يتعلق في مسألة العصمة، فقد نقل الشيخ السفاريني في شرح منظومته، انه قال: الناس متقفون على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون فيما يبلغونه عن الله تعالى، فلا يستقر في ذلك خطأ باتفاق المسلمين، ولكن هل بصدر منهم ما يستدركه الله تعالى فينسخ ما يلقى الشيطان ويحكم الله ىياته؟ هذا فيه قولان. قال. والمأثور عن السلف يوافق القول بذلك. قال: وأما العصمة في غير ما يتعلق بتبليغ الرسالة فللناس فيه نزاع: هل هو ثابت بالعقل أو بالسمع ومتنازعون في العصمة من الكبائر والصغائر، أو من بعضها، أو هل العصمة إنما هي في الإقرار عليها لا في فعلها. وقيل: لا يجب القول في العصمة إلا بالتبليغ فقط. وهل تجب العصمة من الكفر والذنوب قبل البعث أم لا؟ قال: والذى عليه الجمهور الموافق للاثارة: إثبات العصمة من الإقرار على الذنوب مطلقاً.
قال: ووقوع الذنب إذا لم يقر عليه ما يحصل منه تنفير ولا نقص؟ فإن التوبة النصوح يرفع بها صاحبها أكثر مما كان أو لا. وكذلك التأسي بهم إنما هو فيما أقروا عليه بدليل النسخ ونحوه. أهـ.
وقال السعد التفتاراني في شرح النسفية: إن الأنبياء عليهم السلام معصومون عن الكذب، خصوصاً فيما يتعلق بأمر الشرائع وتبليع الأحكام / وإرشاد الأمة، أما عمداً فبالإجماع، وأما سهوا فعند الأكثرين. وفي عصمتهم عن سائر الذنوب تفصيل، وهو أنهم معصومون عن الكفر قبل الوحي وبعده بالإجماع، وكذا عن تعمد الكبائر عند الجمهور خلافاً للحشوية، وإنما الخلاف في أمتناعه بدليل السمع أو العقل، وأما سهواً فجوزه الأكثرون واما الصغائر فتجوز عمداً عند الجمهور خلافاً للجبائي واتباعه، وتجوز سهواً بالاتفاق، إلا بدليل على الخسة كسرقة لقمة، والتطفيف بحبة، لكن المحققين اشترطوا أن ينبهوا عليه فينتهوا عنه.
هذا كله بعد الوحي، وأما قبله فلا دليل على أن امتناع صدور الكبيرة. وذهبت المعتزلة إلى امتناعها، لأنها تودب النفرة المانعة عن اتباعهم فتفوت مصلحة البعثة.
والحق منع ما يوجب النفرة كعهر الأمهات والفجور، والصغائر الدالة على الخسة. ومنع الشيعة صدور الصغيرة والكبيرة قبل الوحي وبعده، لكنهم جوزوا إظهار الكفر تقيه.
إذا تقرر هذا. فما نقل عن الأنبياء مما يشعر بكذب أو معصية، فما كان منقولاً بطريق الآحاد فمردود، وما كان بطريق التواتر فمصروف عن الظاهر إن أمكن. وإلا فمحمول على ترك الأولى أو كونه قبل البعثة. وتفصيل ذلك في الكتب المبسوطة. أهـ.
وقال الوالد تغمده الله تعالى برحمته، وأسكنه فسيح جناته، في تفسير قوله تعالى:{وعصى آدم ربه فغوى} ما نصه: وعصى آدم ربه، بما ذكر من أكل الشجرة، وأوعن الرشد حيث اغتر بقول العدو. وقيل:
غوى أى فسد عليه عيشه، ومنه يقال: الغوى الرضاع. وقرئ ((فغوى)) بفتح الغين وكسر الواو وفتح الياء: أى فبشم من كثرة الأكل، من غوى الفصيل: إذا أنحم من اللبن، وبه فسرت القراءة الأخرى.
وتعقب ذلك الزمخشرى فقال: وهذا وإن صح على لغة من يقلب الياء المكسورة ما قبلها ألفاً فيقول في فنى وبقى: فنى وبقى بالألف، ،هم بنو طيئ تفسير خبيث. وظاهر الآية يدل على أن ما وقع من الكبائر 0 وهو المفهوم من كلام الإمام - فإن كان صدور بعد البعثة تعمداً من غير نسيان ولا تأويل أشكل على ما اتفق عليه المحققون، والأئمة المتفقون، من وجوب عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بعد البعثة عن صدور مثل ذلك منهم على ذلك الوجه.
ولا يكاد يقول بذلك إلا الأزارقة من الخوارج، فإنهم - عليهم ما يستحقون - جوزوا الكفر عليهم، وحاشاهم! فما دونه أولى بالتجويز، وإن كان صدوره قبل البعثة كما قال به جمع.
وقال الإمام: إنه مذهبنا، فإن كان تعمداً أشكل على قول أكثر المعتزلة والشيعة بعصمتهم عليهم السلام عن صدور مثل ذلك تعمداً قبل البعثة أيضاً.
نعم، لا إشكال فيه على ما قاله القاضي أبو بكر من أنه لا يمتنع عقلاً ولا سمعاً أن يصدر من النبي صلى الله عليه وسلم قبل نبوته معصية مطلقاً، بل لا يمتنع عقلاً إرسال من اسلم بعد كفره، ووافقه على ذلك - كما قال الآمدى في أبكار الأفكار - أكثر الأصحاب وكثير من المعتزلة. وإن كان سهواً كما يدل عليه قوله تعالى، {فنسى ولم نجد له عزماً} بناء على احد القولين فيه أشكل على ما نقل عن الشيعة من منع صدور الكبيرة سهواً قبل البعثة أيضاً، ولا إشكال فيه على ما سمعت عن القاضي أبي بكر، وإن كان بعد البعثة سهواً أشكل أيضاً عند بعض دون بعض، فقد عضد الملة في
المواقف: إن الأكثرين جوزوا صدور الكبيرة يعنى ما عدا الكفر والكذب فيما دلت المعجزة على صدقهم عليه السلام فيه سهوا على سبيل الخطأ منهم.
وقال العلامة الشريف المختار خلافه. وذهب كثير إلى أن ما وقع صغيرة والآمر عليه هين، فإن الصغائر الغير المشعرة بالخسة تجوز - على ما ذكره العلامة الثاني في شرح العقائد - صدورها منهم عليه السلام عمداً بعد البعثة عند الجمهور، خلافاً للجبائي وأتباعه. ويجوز صدورها سهواً بالاتفاق.
لكن المحققين اشترطوا على أن ينتهوا على ذلك فينتهوا عنه.
نعم، ذكر في شرح المقاصد عصمتهم عن صدور ذلك عمداً. والأحوط نظراً إلى مقام آدم عليه السلام أن يقال: إن صدور ما ذكر منه كان قبل النبوة، وكان سهواً أو عن تاويل، إلا أنه عظم المر عليه وعظم لديه، نظراً إلى علو شانه، ومزيد فضل الله تعالى عليه وإحسانه. وقد شاع:((حسنات الأبرار سيئات المقربين)) . ومما يدل على استعظام ذلك منه لعلو شأنه عليه السلام ما اخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن ابي عبد الله المغربي قال: تفكر إبراهيم في شأن آدم عليها السلام فقال: يارب، خلقته بيدك، ونفخت فيه من روحك، وأسجدت له ملائكتك، ثم بذنب واحد ملأت أفواه الناس من ذكر معصيته)) ؟ فأوحى الله تعالى إليه ((يا إبراهيم، أما علمت أن مخالفة الحبيب على الحبيب شديدة)) ؟ .
وذكر بعضهم أن في استعظام ذلك منه عليه السلام زجراً بليغاً لأولاده عن أمثاله. وعلى العلات لا ينبغي لأحد أن ينسب إليه العصيان اليوم، وأن يخبر بذلك، إلا أن يكون تألياً لما تضمن ذلك، أو راوياً له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. واما أن يكون مبتدئاً من قبل نفسه فلا. وقد صرح أبو بكر بن العربي بعدم جواز نسبة العصيان للآباء الأدنين إلينا المماثلين لنا، فكيف يجوز لأبينا الأقدم، والنبي المقدم الأكرم؟ وارتضى
ذلك القرطبي، وادعى أن ابتداء الإخبار بشئ من صفات الله تعالى المتشابهة كاليد والنزول أولى بالمنع وعدم الجواز.
ثم إن ما وقع كان في الحقيقة بمحض قضاء الله تعالى وقدره، وإلا فقد روى عن أبي أمامه الباهلى والحسن: أن عقله عليه السلام مثل عقل جميع ولده. وعداوة إبليس عليه اللعنة له عليه السلام في غاية الظهور. وفي ذلك دليل على أنه لا ينتفع عقل، ولا يغني شئ في جنب تقدير الله تعالى وقضائه - أهـ.
وأنت تعلم ما ورد في القرآن الكريم بما يخالف كقصة إبراهيم عليه السلام وغيرها، وقد أوله العلماء المفسرون، والأئمة المدققون، فإن أردت الإحاطة فعليك بكتب التفسير والعقائد، ففيهما، يرتوى كل ظمآن وارد.
(واقول) : قد رمى حجة الإسلام الغزالي أيضاً بأكبر مارمى به الشيخ ابن تيمية في هذه المسالة الأصولية، حتى نسب إليه بعضهم تنقيص النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم، ونسبوا ذلك الإمام إلى الكفر، وحاشاه في هذا المقام! فقد رأيت في فتوى الشيخ ابن تيمية أنه سئل عن رجلين تكلما في مسالة التكفير فقال أحدهما: إن من نقص الرسول صلى الله عليه وسلم، وتكلم بما يدل على النقص كفر، ولو كفرنا كل عالم بمثل ذلك لزم أن نكفر الإمام الغزالي، فإنه ذكر في بعض كتبه تخطئه الرسول صلى الله عليه وسلم في مسألة تأبير النخل، فهل يلزم من ذلك تنقيصه - أرواحنا له الفداء.
لم يلزم تعزيز من كفر العلماء؟ فأجاب بما ملخصه: إن كلام الغزالي المذكور ليس فيه تنقيص والعياذ بالله تعالى، لمقام سيد المرسلين، والنبي الأمين. ولا يجوز تكفير عالم من علماء المسلمين إذا اجتهد في مسألة واخطأ فيها، فإن تسليط الجهال على تكفير علماء الإسلام أعظم المنكرات.
وقد اتفق أهل السنة أن كل يؤخذ منه ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس كل من ترك كلامه لخطيئة يكفر أو يفسق، بل ولا يؤثم، وقال الله تعالى في دعاء المؤمنين:{ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا او أخطأنا} الآية.
واتفق علماء المسلمين على انه لا يكفر أحد من علماء المسلمين المنازعين في عصمة الأنبياء عليهم السلام. فالذين قالوا: إنه يجوز عليهم الصغائر والخطأ، ،لا يقرون على ذلك لم يكفر أحد منهم بذلك، بإتفاق المسلمين فغن هؤلاء يقولون: إنهم معصومون من الإقرار على ذلك، ولو كفر هؤلاء لزم تكفير كثير من ائمة المذاهب الأربعة والأشعرية واهل الحديث والتفسير والصوفية، وهم ليسوا كفاراً باتفاق المسلمين، والذى حكاه عن الشيخ أبي حامد الغزالي قد قاله أيضاً الشيخ أبو حامد الأسفرايني، الذى هو غمام المذهب بعد الشافعي وابن سريج، وذلك قوله: إن عندنا أن النبي صلى الله عليه وسلم يجوز عليه الخطا، كما يجوز علينا، لكن الفرق بيننا وبينه أن تقر عليه والنبي صلى الله عليه وسلم لا يقر عليه، وإنما يسهوا ليسن لنا، كما روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:((إنما أسهو لأسن لكم)) وهذه المسالة قد ذكرها في أصول الفقه جماعة من العلماء، منهم هذا الشيخ أبو حامد، وأبو الطبيب الطبرى، والشيخ أبو إسحاق الشيرازى، وغيرهم.
ومنهم من ادعى إجماع السلف على هذا القول، حق قال أبو الحسن الآمدى: إن أكثر الأشعرية والمعتزلة ليقولون بذلك، والمسالة عندهم من الظنيات، كما صرح بذلك الأستاذ أبو المعالى، فكيف يكفر علماء المسلمين مسائل الظنون، وذهابهم إلى عدم العصمة من الصغائر، وإلى الخطأ الذى لا يقرون عليه عليهم الصلاة والسلام، فمن نسب إلى هؤلاء الأئمة الكفر فعليه الإثم وشديد التعزير. أهـ.