الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونفى النفاد عن كلامه كما نفى الهلاك عن نفسه، سبحانه، فقال تعالى:{كل شئ هالك إلا وجهه} [القصص 88] وقال: {قل لو كان البحر مداداً} [الكهف 109] الآية.
فكلام اله تعالى غير بائن عن الله، ليس هو دونه ولا غيره، ولا هو هو. بل ربنا عالماً، ولا يزال عالماً، ولم يزل متكلماً، ولا يزال متكلماً، فهو الموصوف بالصفات العلا، لم يزل بجميع صفاته التى هي صفاته واحداً، ولا يزال وهو اللطيف الخبير، أنتهى باختصار، وحذف أسانيده الغزار، وهو خلاصة ما ذكره في بحث الكلام فتدبره، وما قبله، فقلما تجده في كتب الأعلام.
ثم إني قد وقفت بعد تحرير هذا المقام على كتاب ((الجوائز والصلات في جمع الأسامي والصفات)) للسيد البدر أبى الخير الطيب الحسيني فوجدته مسك الختام، في بيان مسائل الصفات له سبحانه وتعالى، فمن شاء الإحاطة بهذا فعليه بذلك.
[هل كان ابن تيمية دهرياً يقول بقدم العالم
؟]
قوله: (وإن العالم قديم النوع، ولم يزل مع الله تعالى مخلوقاً دائماً فجعله موجباً بالذات لا فاعلاً بالاختيار) - أقول: قد نصب بعض العلماء هذا القول للشيخ محيى الدين ابن عربي عليه الرحمة، وذب عنه الشيخ الشعراني في ((الأجوبة المرضية عن الفقهاء والصوفية)) بما نصه: ومن ذلك دعوى المنكر أن الشيخ رضي الله عنه يقول بقدم العالم، وأنه دهرى الاعتقاد، وأن الأفلاك قديمة. وذلك من جملة ما افتراه على الشيخ فقد ذكر في عقيدته أول الفتوحات ما يكذب المفترى.
وقد بسط الشيخ الكلام على نفى قدم العالم وحدوثه، وقدم الصفات في الباب ((الثامن والخمسين وخمسمائة)) من الفتوحات فراجعه إن شئت.
وحاصله: أن العالم قديم في العلم الإلهي، من حيث كونه معلوم علم الله الذي لا افتتاح له، وأنه حادث في الظهور لعالم الشهادة. أنتهى باقتصار.
ونسبه الملا جلال الدواني للشيخ ابن تيميه في العرش وحاشاه من القول بذلك، بل هو قول مفترى، عامل الله تعالى من أفتراه بعدله. وكيف يتخيل عاقل، أو يظن جاهل فضلاً عن فاضل، وأن الشيخ ابن تيميه يقول ذلك ويسلك أخوف المسالك: وهذه ترجمته قد سطرتها المؤرخون، وسيره حررتها العلماء العاملون، وأعظم شاهداً تآليفه وعقائده المنشورات في الأنام، وتأييده للكتاب وسنة خير الأنام عليه افضل الصلاة والسلام. وله في العقائد كتب مبسوطة، وفي رد الفلاسفة والدهرية والمبتدعة تصنيفات مقبولة مغبوطة.
ولعمرى إن الشيخ ابن حجر هذا من غير تثبت واحتياط، ولا يقدر أن يصحح ما رواه عنه حتى يلج الجمل في سم الخياط.
وقد رأيت في كتاب ملخص من بعض كتبه ما نصه: قوله عليه الصلاة والسلام: ((كان الله ولا شئ معه، وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شئ)) نفى وجود المخلوقات من السماوات والأرض وما فيهما لا ينفى وجود العرش.
ولهذا ذهب كثير من السلف إلى أن العرش متقدم على اللوح والقلم مستدلين بهذا الحديث، وحملوا قوله صلى الله عليه وسلم:((أول ما خلق الله تعالى القلم)) على هذا المذكور من الخلق في قوله {وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء} [هود 7] .
وهذا نظير حديث ابي رزين: ((أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه قال
كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء، ثم خلق عرشه على الماء)) فالخلق المذكور في هذا الحديث لم يدخل فيه العلماء. وذكر بعضهم أن هذا هو السحاب المذكور في قوله تعالي:{هل ينظرون إلى أن يأتيهم الله في ظل الغمام} [البقرة 210] وفيه آثار معروفة. أنتهى.
وكتب الوالد عليه الرحمة على قول الداونى رحمه الله تعالى: وقد رأيت في بعض تصانيف ابن تيمية القول به في العرش إلى آخره ما نصه: حاشا لله تعالى أن يكون ذلك من تصانيفه! بل نسبته إليه كنسبة الرسالة التى فيها القول بإيمان فرعون ونجاته يوم القيامة إلى الشارح - يعنى الملأ جلال الدواني - فاحفظ ذلك. أنتهى.
وكتب أيضاً على هذه العبارة العلامة الشيخ إبراهيم الكوراني في حاشيته المسماه: ((مجلى المعاني)) على الشرح المذكور ما نصه: لم أقف على هذا التصنيف للشيخ ابن تيميه، ولكن الحافظ ابن حجر في فتح الباى قال في حديث البخارى الذى أسنده في باب ((وكان عرشه على الماء كان الله ولم يكن شئ قبله)) تقدم في بدء الخلق بلفظ ((ولك يكن شئ غيره)) وفي رواية الإسماعيلي في صحيحه ((كان الله قبل كل شئ)) وهو بمعنى كان الله ولا شئ معه. وهي أصرح في الرد على حوادث لا أول لها في رواية الباب، وهي من مستشنع المسائل المنسوبة لابن تيمية
ووقفت في كلام له على هذا الحديث يرجح الرواية التى في بدء الخلق لا العكس، والجمع يقدم على الترجيح بالاتفاق. أنتهى كلام الكورانى. ثم بعد هذا برأه مما نسب إليه كما قدمناه في التراجم فعض بالنواخذ عليه.
(قلت) : ومن جملة ما يبرأ به الشيخ ابن تيميه عن القول بقدم العالم سواء كان القدم بالذات أم النوع - أنه قد صرح بكفر ابن سينا وأضرابه لقولهم بقدم العالم. وقال تلميذه المحقق في نونيته ما نصه: [كامل]
والله سابق كل شئ غيره
…
ما ربنا والخلق مقترنان
والله كان وليس شئ غيره
…
سبحانه جل العظيم الشأن
لسنا نقول كما يقول الملحد الزند
…
يق صاحب منطق اليونان
بدوام هذا العالم المشهود وا
…
لأرواح في أزل وليس بفانى
وقد قال غير واحد من العلماء: إن العالم محدث بإجماع أهل الملل، ولم يخالف فيه إلا الفلاسفة.
قال ابن ابي زرعه: ومنهم الفارابى وابن سينا قالوا: إنه قديم بمادته وصورته، وقيل قديم المادة محدث الصورة. وضللهم المسلمون في ذلك وكفروهم، واستدلوا على ذلك بأدلة عقلية ونقلية، ومنها ما في صحيح البخاري عن عمران بن حصين. داء نفر من اليمن فقالوا: يا رسول الله، جئناك نتفقه في الدين ونسالك عن أول هذا الآمر؟ فقال عليه الصلاة والسلام:((كان الله ولم يكن شئ قبله، وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شئ، وخلق السماوات والأرض)) وفي لفظ ((ثم خلق السماوات والأرض)) أنتهى.
وقال الشيخ السفاريني عند شرح قوله: [الرجز]
وسائر الأشياء غير الذات
…
وغير ما الأسماء والصفات
مخلوقة لربنا من العدم
…
وضل من أثنى عليها بالقدم
وربنا يخلق باختيار
…
من غير حاجة ولا أضطرار
ما ملخصه: وقد اخبر سبحانه بأنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء)) قال شيخ
الإسلام ابن تيميه في الأجوبة الاسكندرية: قد أخبرت الكتب الإلهية أن الله عز وجل خلق السماوات والأرض في ستة أيام، فتلك الأيام ليست مقدرة بحركة الشمس والقمر، فإنه فيها خلق الشمس والقمر والأفلاك وسواء كانت بقدر هذه الأيام، أو كان كل يوم بقدر ألف سنة، وليس بين أهل الملل خلاف في أن الملائكة جميعهم مخلوقون.
وقال في شرح الأصفهانية. أول من عرف منه القول بقدم العالم أرسطو وكان ضالاً مشركاً يعبد الأصنام - يعني المصورات في هياكلهم على صور الكواكب السيارة - وله في الهيئات كلام كله خطأ قد تعقبه في الرد عليه طوائف من المسلمين حتى الجهمية والمعتزلة، وفلاسفة الإسلام أنكروه عليه قال: وأما الأساطين قبله فلم يكونوا يقولون بقدم صور الفلك، وإن كان لهم في المادة أقوال أخر، وليس لأرسطو ولغيره حجة واحدة تدل على قدم شئ من العالم أصلاً.
والحاصل - أن الله تعالى خالق لكل ما سواه، فليس معه شئ قديم بقدمه لا نفس ولا عقل ولا غيرهما. أنتهى.
وقد مر لك شئ مما يتعلق بأقوالهم فتذكر، وإن أردت تكميل بحث الاختيار فعليك بشرح السفاريني، وكتب العقائد الكبار. وإذا أحطت خبراً بما تقدم تبينت لك براءة الشيخ ابن تيمية من هذا العزو الشنيع، غير أن تبرئته الشيخ الأكبر منه فيها نوع ما من الصعوبة وإن ذب عنه الشعراني، كما تقدم آنفاً، لما ذكره عبد الكريم الجبلى في الباب الثالث في الإرادة من كتاب الإنسان الكامل، ونقله عنه الوالد عليه الرحمة في المجمعة الوسطى: أن الشيخ الأكبر قدس سره قال في الفتوحات، وقد تكلم في سر الإرادة: إنه لا يجوز أن يسمى الله تعالى مختاراً، فإنه لا بفعل شيئاً بالاختيار، بل يفعله على حسب