المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الوسيلة الجائزة والممنوعة] - جلاء العينين في محاكمة الأحمدين

[ابن الألوسي]

فهرس الكتاب

- ‌[سبب تأليف الكتاب]

- ‌[ابن حجر ينال من ابن تيمية]

- ‌[ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية]

- ‌[الحافظ الذهبي يتحدث عن ابن تيمية]

- ‌[الحافظ ابن كثير أيضاً]

- ‌[ما كتبه الزملكاني]

- ‌[كلام للسيوطي في ابن تيمية]

- ‌[رأى الحافظ ابن سيد الناس في ابن تيمية]

- ‌[رأى ابن الوردى]

- ‌[رأى الواسطى]

- ‌[رأى ابن دقيق العيد]

- ‌[رأى العلامة السبكي]

- ‌[رأى الحافظ ابن حجر العسقلاني]

- ‌[المؤمنون يفتنون]

- ‌فصل:في تبرئة الشيخ مما نسب إليه وثناء المحققين المتأخرين عليه

- ‌[شهادة الكورانى]

- ‌[شهادة السويدي البغدادي]

- ‌[شهادة الآلوسي والد المؤلف]

- ‌فصل: (في قول العلامة ابن حجر المتقدم سابقاً)

- ‌(ترجمة الإمام السبكي)

- ‌(في رد اليافعي على السبكي)

- ‌(مطلب كلام السبكي)

- ‌(الجواب من اليافعي)

- ‌(ترجمة القاضي تاج الدين السبكي)

- ‌(ترجمة العز بن جماعة)

- ‌(ترجمة الزملكاني)

- ‌(ترجمة أبي حيان)

- ‌(ترجمة ابن حجر الهيتمي)

- ‌(ترجمة ابن حجر العسقلاني)

- ‌فصل: يشتمل على مقصدين

- ‌المقصد الأول: في تراجم بعض آباء الشيخ ابن تيمية وأقربائه

- ‌(ترجمة المجد ابن تيمية)

- ‌(ترجمة عبد الحليم بن تيمية)

- ‌(ترجمة عبد الغني بن تيمية)

- ‌(ترجمة شرف الدين بن تيمية)

- ‌(ترجمة محمد بن تيمية)

- ‌(ترجمة زينب بنت تيمية)

- ‌المقصد الثاني: في ترجمة بعض تلامذته الكرام المشهورين وترجمة المثنين عليه من العلماء المتأخرين

- ‌(ترجمة الإمام ابن القيم)

- ‌(ترجمة الحافظ الذهبي)

- ‌(ترجمة شمس الدين ابن قداه)

- ‌(ترجمة ابن قاضي الجبل)

- ‌(ترجمة الطوفى الصرصري)

- ‌(ترجمة ابن الوردى)

- ‌(ترجمة زين الدين الحراني)

- ‌(ترجمة ابن مفلح)

- ‌(ترجمة شرف الدين ابن المنجا)

- ‌[ترجمة بعض تلامذة الإمام الذين تأثروا به ولم يعاصروه]

- ‌(ترجمة ابن ناصر)

- ‌(ترجمة الشيخ إبراهيم الكوراني)

- ‌(ترجمة منلا على القارئ)

- ‌(ترجمة العلامة السويدي البغدادي)

- ‌(ترجمة شهاب الدين مفتى الحنفية ببغداد الألوسي البغدادي)

- ‌(ترجمة مسند الوقت أحمد ولى الله الدهلوي)

- ‌(ترجمة العلامة الشوكاني)

- ‌(ترجمة الإمام الأجر أبي الطيب)

- ‌فصل: (في الجرح والتعديل)

- ‌(لا يؤخذ بقول العلماء في طعن بعضهم بعضاً)

- ‌(فيمن طعن في معاصروه)

- ‌[لغرض أو مرض هوجم ابن تيمية]

- ‌فصل: (في كلام العلامة ابن حجر فيما يتعلق بكتب الصوفية)

- ‌الفصل الأول: (في عقيدة الإمام ابن تيمية)

- ‌[إجلاله للصحابة]

- ‌[ابن تيمية والشاذلي]

- ‌(ترجمة أبي الحسن الشاذلي)

- ‌الفصل الثالث: [المعترضون على الصوفية كثيرون]

- ‌(ترجمة الإمام محي الدين بن العربي)

- ‌[الناس في ابن عربي أقسام ثلاثة]

- ‌(ترجمة ابن الفارض)

- ‌(ترجمة ابن سبعين)

- ‌(ترجمة الحلاج)

- ‌[رأى ابن حجر العسقلاني في الحلاج ومن على شاكلته]

- ‌[ابن تيمية يرد القول بولاية الحلاج من وجوه]

- ‌(مكتوب شيخ الإسلام ابن تيمية)

- ‌الفصل الرابع: في الكلام على ما نقله الشيخ ابن حجر من عبارة شيخ الإسلام

- ‌[ابن حجر لا يلتزم أدب المناظرة في النقل]

- ‌[الصوفى المثالى]

- ‌[الصوفى المنحرف]

- ‌[ابن تيمية كان يتشدد في سد ذرائع البدع]

- ‌[رأى ابن تيمية في الولاية والأولياء]

- ‌[لم يكن ابن تيمية وحده هو الذي حارب الفلاسفة]

- ‌[الغزالي يرمى الفلاسفة بالكفر]

- ‌فصل: [في أصنافهم وشمول سمة الكفر كافتهم]

- ‌[رأى لابن تيمية في الفلاسفة]

- ‌[هل يعلم الولى بلغيب

- ‌(ترجمة ابن سينا)

- ‌(ترجمة الإمام أبي حامد الغزالي)

- ‌[مما أخذ عن الغزالي]

- ‌[ليس ابن تيمية أول من انتقد الغزالي]

- ‌[فرق الشيعة وعقائدهم]

- ‌(ترجمة الفضيل بن عياض)

- ‌(ترجمة القشيرى)

- ‌[عقيدة المعتزلة وفرقهم]

- ‌[عقيدة الجهمية]

- ‌[مناظرة شعرية بين أهل السنة والمعتزلة حول رؤية الله]

- ‌[علم الكلام بين مادحيه وقادحيه]

- ‌[رأى ابن تيمية في المتكلمين]

- ‌[التعريف برسائل إخوان الصفا]

- ‌[ترجمة أبي حيان التوحيدى]

- ‌[ابن سينا يرى أن علم الغيب بالنسبة للبشر جار على السنن الطبيعي]

- ‌[بحث في الرؤيا]

- ‌ الروح

- ‌[في الإنسان]

- ‌[الروح حادثة أم هي قديمة

- ‌[مستقر الأرواح في البرزخ]

- ‌[هل تموت الروح

- ‌[قصيدة ابن سينا في الروح ومعارضه الدهلوى لها]

- ‌(ترجمة الإمام أبي بكر بن العربي)

- ‌[الدس في بعض الكتب]

- ‌(ترجمة الإمام المازرى)

- ‌(ترجمة الإمام الطرطوشي)

- ‌(ترجمة الإمام ابن الجوزي)

- ‌(ترجمة ابن عقيل)

- ‌فصل: وأما قول الشيخ ابن حجر:

- ‌[أكاذيب تدفعها حقائق]

- ‌[تعريفه وشروطه]

- ‌[هل يتجزأ الاجتهاد

- ‌[هل يجوز أن يخلو الزمان عن مجتهد

- ‌[فتوى للإمام ابن تيميه عن التقليد]

- ‌[فتوى للإمام ابن تيمية حول جواز تقليد غير الأربعة]

- ‌[هل يجوز الانتقال من مذهب إلى مذهب

- ‌[التقليد في أصول الدين]

- ‌(ترجمة الإمام أحمد بن حنبل)

- ‌[كتاب للإمام أحمد عن السنة]

- ‌[محنة القول بخلق القرآن]

- ‌[نقلة فقه الإمام أحمد]

- ‌((وما ضرنا أنا قليل وجارنا عزيز وجار الأكثرين ذليل))

- ‌[ترجمة الإمام أبو الحسن الأشعري]

- ‌[من أتباع الأشعري]

- ‌[عقيدة الأشعري]

- ‌[ترجمة الإمام البيهقي]

- ‌فصلوقد آن الشروع في أجوبة ما عزاه الشيخ ابن حجر عليه الرحمة إلى الشيخ ابن تيمية

- ‌[رأى ابن تيمية في يمين الطلاق]

- ‌[الطلاق المخالف للسنة]

- ‌[تارك الصلاة عمداً هل يقضى]

- ‌[هل يباح للحائض الطواف بدون كفارة]

- ‌[هل يرد الطلاق الثلاث إلى واحدة]

- ‌[حكم المكوس وهل تقوم مقام الزكاة

- ‌فصل: [في المظالم المشتركة]

- ‌[هل تنجس المائعات بموت حيوان]

- ‌[هل للجنب أن يصلى التطوع ليلاً قبل أن يغتسل

- ‌[شرط الواقف هل يعتبر أو لا

- ‌[اختيارات أخرى ذهب إليها ابن تيميه]

- ‌[رأى ابن تيميه في الحسن والقبح]

- ‌[أفعال العباد]

- ‌[حكم مخالف الإجماع]

- ‌[عقيدة ابن تيميه في كلام الله]

- ‌[فتوى لابن تيميه عن كلام الله]

- ‌[كلام نفيس لابن القيم في الموضوع]

- ‌فصل: [عقيدة ابن القيم وشيخه في القرآن]

- ‌[مقتطفات من نونية ابن القيم]

- ‌فصل: في مذهب الاقترانية

- ‌فصل: في مذهب القائلين بأنه متعلق بالمشيئة والإرادة

- ‌فصل: في مذهب الكرامية

- ‌فصل: في ذكر مذهب أهل الحديث

- ‌فصلوأتى ابن حزم بعد ذاك

- ‌فصلونعتقد أن القرآن كلام الله عز وجل

- ‌فصلونعتقد أن القرآن حروف مفهومة

- ‌فصل: [حروف المعجم أمخلوقة هي أو قديمة

- ‌فصل[البيهقي يستدل لكون القرآن غير مخلوق]

- ‌[القول والكلام يتواردان على معنى واحد]

- ‌[ما جاء في إثباته صفة التكليم والتكلم والقول سوى ما مضى]

- ‌[كيف يكلم الله البشر

- ‌[إسماع الرب ملائكته]

- ‌[الفرق بين التلاوة والمتلو]

- ‌[هل كان ابن تيمية دهرياً يقول بقدم العالم

- ‌[وهل كان يقول بالحسمية والجهة والانتقال]

- ‌[تبرئة ابن تيمية مما نسبه إليه ابن حجر من التجسيم]

- ‌[فوقية الخالق سبحانه]

- ‌[قول الله عز وجل: {أأمنتم من في السماء} [الملك 16]]

- ‌[قول الله عز وجل لعيسى ابن مريم]

- ‌[مجئ الله]

- ‌[مذهب السلف. تنزيه. وتفويض. وتصديق]

- ‌[ليس الاستواء بمعنى الاستيلاء]

- ‌[أنتصار الرازى لتأويلات الخلف]

- ‌[الصفات بين المفوضين والمعطلين]

- ‌[رأى المؤلف في الصفات]

- ‌[مذهب ابن تيمية في الصفات]

- ‌[كلام ابن تيمية في العرش وإحاطة الله بمخلوقاته]

- ‌[أسماء الله وصفاته توقيفية دون زيادة ولا نقصان]

- ‌[ما روى في الحجر الأسود أنه يمين الله وتأويله]

- ‌[عقيدة الشيخ عبد القادر الكيلاني]

- ‌[عقيدة الأشعري]

- ‌[ابن تيمية لم يكن بدعاً من الأئمة حينما رأى ما رأى]

- ‌[لازم المذهب ليس بمذهب]

- ‌[الأقوال في آيات الصفات وأحاديثها]

- ‌[القول في فناء النار]

- ‌[هل الجنة والنار موجودتان؟ وأين؟ وهل هما ابديتان

- ‌[أدلة القائلين بعدم فناء النار]

- ‌[صاحب الكبيرة]

- ‌[عصمة الأنبياء]

- ‌[كلام في التوسل والوسيلة والاستغاثة]

- ‌[أدلة المجوزين للتوسل والإستغاثة]

- ‌[أدلة المانعين للتوصل]

- ‌[حقيقة الشفاعة]

- ‌[سقوط الاستدلال بحديث الأعمى]

- ‌[توسل عمر بالعباس]

- ‌[حديث آدم]

- ‌[حديث الأعرابي]

- ‌[حديث مالك]

- ‌[التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌[قيمة المنامات والحكايات في الاستدلال]

- ‌[الحياة البرزخية]

- ‌[مذهب ابن تيمية في التوسل]

- ‌[لا يعبد الله إلا بما شرع]

- ‌[نوعا الشفاعة]

- ‌[هل تنعقد اليمين بغير الله]

- ‌[الوسيلة الجائزة والممنوعة]

- ‌[الاستغاثة بالمشايخ والموتى]

- ‌[إسراف بغيض]

- ‌[هل يشد الرحال لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌[باب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌[فتوى لابن تيمية في زيارة قبره صلى الله عليه وسلم

- ‌[حكم زيارة القبور بلا شد الرحال]

- ‌[السنن والبدع في زيارة القبور]

- ‌[كيف بدلت التوراة والإنجيل]

- ‌[ابن حجر لا يعدل في القضية]

- ‌[ارتفاع الحدث بماء الورد]

- ‌[حكم المسح على النعلين وما جرى مجراهما]

- ‌[هل يتوقت المسح على الخفين

- ‌[التيمم لخشية فوات الوقت]

- ‌[اختيار لابن تيمية في التيمم]

- ‌[مدة الحيض]

- ‌[مسافة القصر]

- ‌[هل تستبرأ البكر

- ‌[هل يقضى من أكل في وقت الصوم يظنه بليل]

- ‌[المسابقة]

- ‌استبراء المختلعة

- ‌[وطء الوثنيات بملك اليمين]

- ‌[بيع الأصل بالعصير]

- ‌[بيع الفضل بالمصنوع متفاضلاً]

- ‌[تفصيل مسائل الربا]

- ‌[ابن القيم يرى أن ربا الفضل حرم سداً للذرائع]

- ‌[هل يجوز إهداء ثواب القراءة للنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌[هل للإنسان أن يجعل ثواب عمله لغيره]

- ‌[مطلب في إرسال العذبة]

- ‌[حكم بيع المسجد إذا خرب]

- ‌كلمة المطبعة

الفصل: ‌[الوسيلة الجائزة والممنوعة]

دعائنا فكنا متوسلين بغير وسيلة. ولهذا لم يكن هذا منقولاً عن النبي صلى الله عليه وسلم نقلاً صحيحاً ولا مشهوراً عن السلف.

وقد نقل في منسك المرزوى عن الإمام أحمد دعاء فيه السؤال بالنبي صلى الله عليه وسلم، وقد يخرج على إحدى الروايتين عنه في جواز القسم به.

وأكثر العلماء على النهي.

وأما أن لهم الجاه فهو لا ريب فيه، إذ لهم الجاه العظيم عند الله تعالى وكذا لهم الشفاعة. وأما الإقسام على الله تعالى بالمخلوقين فلا يجوز، ولا يجوز أن يقسم بمخلوق أصلاً.

[الوسيلة الجائزة والممنوعة]

وأما التوسل إليه سبحانه بشفاعة الشفعاء المأذون لهم في الشفاعة فجائز. والأعمى كان قد طلب من النبي عليه الصلاة والسلام أن يدعو له كما طلب الصحابة منه الاستسقاء. وقوله: ((أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة)) أى بدعائه وشفاعته لي عليه الصلاة والسلام.

ولهذا في تمام الحديث: ((اللهم فشفعه في)) فالذى في الحديث متفق على جوازه، وليس هو مما نحن فيه، وقد قال الله تعالى:{واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام} فعلى قراءة الجمهور إنما يتساءلون به وحده لا بالرحم، وتساؤلهم بالله عز شأنه، هو كما قال المفسرون يتضمن تعاهدهم بالله تعالى وتعاقدهم به سبحانه.

وليس كل سائل بالله مقسماً، فإنه لو أقسم شخص بالله ليفعلن كذا ولم يفعله لزم الحالف كفارة، ولو سأله بالله فلم يعطه لم تجب على السائل كفارة.

ص: 547

وأما على قراءة الخفض فقد قال طائفة من السلف هو قولهم: أسألك بالله وبالرحم. وهذا إخبار عن سؤالها بالرحم. وقد يقال إنه ليس بدليل على جوازه، فإن كان دليلاً على جوازه فمعنى قولك: أسأل بالرحم، ليس إقساماً بالرحم، والقسم هنا لا يسوغ لكن بسبب الرحم، أى أن الرحم توجب لأصحابها بعضهم على بعض حقوقاً، فيكون سؤاله بالرحم كسؤال الثلاثة لله تعالى بأعمالهم الصالحة، وكسؤالنا بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعته.

ومن هذا الباب ما روى عن على بن ابي طالب كرم الله تعالى وجهه ان أبن أخيه عبد الله بن جعفر كان إذا ساله بحق جعفر أعطاه. وليس هذا من باب الإقسام فإن الإقسام بغيرجعفر أعظم، بل ههنا باء السبب، فحقه من باب حق الرحم، لأن حق عبد الله إنما وجب بسبب أبيه جعفر وحقه على علي رضي الله عنه.

ومن هذا الباب الحديث الذى رواه أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى، وابن ماجه مرفوعاً في دعاء الحارج إلى الصلاة: ((اللهم إنى أسألك بحق السائلين عليك

... .)) الحديث. وهذا الحديث في إسناده العوفى وفيه ضعف. فإن كان كلام النبي صلى الله عليه وسلم فهو من هذا الباب لوجهين:

أحدهما - لأن فيه السؤال بحق السائلين، وبحق الماشين في طاعته. وحق السائلين أن يجيبهم، وحق الماشين أن يثبتهم. وهذا حق أوجبه هو سبحانه على نفسه، وليس للمخلوق أن يوجب على الخالق سبحانه شيئاً، ومنه قوله تعالى:{كتب ربكم على نفسه الرحمة} ، {وكان حقاً علينا نصر المؤمنين} ، {وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن} وفي الصحيح:((حق الله تعالى على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله تعالى إذا فعلوا ذلك ألا يعذبهم)) .

ص: 548

وفي الصحيح: ((يا عبادى إنى حرمت الظلم على نفسي)) . وإذا كان حق السائلين له هو الإجابة والإثابة فذلك سؤال له بأفعاله، كالاستعاذة بنحو ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم:((اللهم أنى أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك)) فالاستعاذة بمعافاته التى هي فعله كالسؤال بإثباته التى هي فعله.

الوجه الثاني - أمن الدعاء له سبحانه والعمل له سبب لحصول مقصود العبد، فهو كالتوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم والصالحين من امته. وقد تقدم أن الدعاء بالنبي والصالح إما أن يكون إقساماً به، وإما أن يكون تسبباً. فإن كان قوله ((بحق السائلين عليك)) إقساماً فلا يقسم على الله تعالى إلا به، كما صرحت به الحنفية وغيرهم. وإن كان تسبباً فهو تسبب وليس في شئ من ذلك دعاء له بمخلوق من غير دعاء منه.

وإذا قال القائل: أسألك بحق الملائكة، أو بحق الأنبياء، أو الصالحين، فإن كان يقسم بذلك فهو لا يجوز أن يقوله، ولا بقول لغيره ـ أقسمت عليك بحق هؤلاء، فإذا لم يجز له أن يحلف به، ولا يقسم على مخلوق به، فكيف يقسم على الخالق به، وإن كان لا يقسم به، وإنما كان لا يقسم به وإنما تسبب به، فليس بمجرد ذوات هؤلاء سبب يوجب تحصيل مقصوده، بل لابد من سبب منه كالإيمان بالملائكة والأنبياء عليهم السلام أو منهم كدعائهم، ولكن كثيراً من الناس تعووا ذلك كما تعودوا الحلف بهم، حتى يقو أحدهم: وحقك على الله وحق هذه الشيبة على الله.

وغذا قال القائل مرادهم بقولهم: أسألك بحق فلان أو بجاهة، أو أسالك به، أى أسالك بإيماني به ومحبتى له له وهذا من أعظم الوسائل. قيل: من قصد هذا المعنى فهو معنى صحيح، لكن ليس هذا مقصود عام هؤلاء.

ص: 549

فمن قال: أسألك بإيماني بك وبرسولك صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك فقد أحسن في ذلك، كما قال تعالى في دعاء المؤمنين:{ربنا إننا سمعنا منادياً ينادى للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا فأغفر لنا ذنوبنا} الآيات. وقال تعالى: {الذين يقولون ربنا إننا آمنا فأغفر لنا ذنوبنا} الآية. وكان ابن مسعود يقول: اللهم أمرتنى فأطعتك، ودعوتنى فأجبتك، وهذا سحر فأغفر لي.

ومن هذا الباب حديث الثلاثة الذين اصابهم المطر فأووا إلى الغار، وأنطبقت عليهم الصخرة، ثم دعوا الله بأعمالهم الصالحة، فأنكشفت عنهم، وهو ثابت في الصحيحين.

وروى في كتاب الحلية لأبي نعيم: أن داود عليه السلام قال: يارب، بحق أبائى عليك، إبراهيم وإسحق ويعقوب، فأوحى الله عز وجل إليه: يا داود وأى حق لآبائك علي؟ وهذا وإن لم يكن من الأدلة الشرعية فالإسرائيليات يعتقد عليها.

وقد مضت السنة أن الحي يطلب منه سائر ما يقدر عليه، وأما المخلوق الغائب والميت فلا يطلب منه شئ.

يحقق هذا الأمر: أن التوسل به والتوجه به لفظ إجمال واشتراك بحسب الإصطلاح، فمعناه في لغة الصحابة أن يطلب منه الدعاء والشفاعة فيكونون متوسلين بدعائه وشفاعته.

ودعاؤه وشفاعته صلى الله عليه وسلم من أعظم الوسائل عند الله عز وجل. وأما في لغة كثير من الناس فمعناه أن يسأل الله تعالى بذلك ويقسم عليه سبحانه بذلك، والله تعالى لا يقسم عليه بشئ من المخلوقات، بل لا يقسم بها بحال. فلا يقال: أقسمت عليك يارب بملائكتك ولا بكعبتك، كما لا يجوز أن يقسم الإنسان بهذه الأشياء، بل إنما يقسم بالله تعالى وبأسمائه وصفاته.

ص: 550

ولهذا جاءت السنة أن يسأل الله تعالى باسمائه وصفاته، فيقال: أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان. إلى آخره.

وكذلك قوله: ((اللهم إنى أسألك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك، بأسمك الأعظم، وجدك الأعلى، وكلماتك التامة)) . مع أن هذا الدعاء الأخير في جواز الدعاء به قولان: فقد قال الشيخ أبو الحسن القدورى في كتابه بشرح الكرخي المعروف به والمشهود عنه في باب الكراهية:

فصل

قال بشر بن الوليد: سمعت أبا يوسف يقول: قال أبو حنيفة رضي الله عنه: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله تعالى إلا به، وأكره أن يقول: بمعاقد العز من عرشك، أو بحق خلقك. وأبو يوسف لم يكره الأول. وقال: أكره بحق فلان أو بحق أنبيائك ورسلك، وبحق البيت والمشعر الحرام.

قال القدورى: المسألة بخلقه لا تجوز، لأنه لا حق للمخلوق على الخالق.

وقال البلدجى في شرح المختار: وبكره أن يدعو الله تعالى إلا به، فلا يقول: أسألك بفلان أو بملائكتك أو بأنبيائك ونحو ذلك، لأنه لا حق للمخلوق على الخالق: وهذا من أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى وغيرهما، ويقتضى المنع أن يسأل الله تعالى بغيره ولا يقال: إن الرب سبحانه اقسم بمخلوقاته فلم لا يجوز أن نقسم بمخلوقاته، لأن قسمة سبحانه من باب مدحه وذكر آياته، بخلافنا ولو أقسمنا بغيره لأن الشارع منع من ذلك.

وأما القسم على الله تعالى مثل أن يقول: أقسمت عليك يارب لتفعلن كذا فهو جائز، كما كان يفعل البراء بن مالك وغيره من السلف. فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((رب أشعث أغبر ذى

ص: 551

طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره)) وفي حديث الربيع: ((عن من عباد الله تعالى من لو أقسم على الله لابره)) وهذا من باب الحلف بالله سبحانه ليفعلن هذا الآمر. فهذا إقسام عليه تعالى به ليس إقساماً عليه بمخلوق.

وقوله: إن الاستغاثة به بعد موته صلى الله عليه وسلم ثابتة ثبوتها في حياته، لأنه عند الله تعالى في مزيد دائم لا ينقص جاهه، وهذا لفظ صحيح لو كان معنى الإستغاثة الإقسام والتوسل بذاته، فإن ذاته المطهرة صلى الله عليه وسلم بعد الموت لم تنقص، بل هي في مزيد دائم - بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام لكن هذه المقدمة غير صحيحة كما عرفت.

وأما إذا كان معنى الاستغاثة هو الطلب منه، فما الدليل على أن الطلب منه ميتاً كالطلب منه حياً، وعلو درجته عليه الصلاة والسلام بعد الموت لا تقتضى أن يسأل كما لا يقتضى أن يستفتى. ولا يمكن أحداً أن يذكر دليلاً شرعياً على أن سؤال الموتى من الأنبياء والصالحين مشروع، بل الأدلة الدالة على تحريم ذلك كثيرة. وهو قد أحتج بحديث الأعمى، وهو لاحجة فيه، لأن الحديث ليس فيه استغاثة بل قد توجه بدعائه وشفاعته. فإنه طلب من النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء فتوسل بشفاعته لا بذاته، كما كان الصحابة رضي الله عنهم يتوسلون بدعائه عليه الصلاة والسلام في الاستسقاء، وكما توسلوا بدعاء العباس بعد وفاته صلى الله عليه وسلم: وأما اشتكاء البعير إليه فهذا كاشتكاء الآدمى، وما زال الناس يستغيثون به في حياته عليه أفضل الصلاة وأكمل السلام، كما يستغيثون به يوم القيامة.

وقد قلنا إنه إذا طلب منه ما يليق بمنصبه فهذا لا نزاع فيه. والطلب منه في حياته والاستغاثة به في حياته فيما يقدر عليه لم ينازع فيها أحد، ولكن لا يمكن أحداً أن يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته أن

ص: 552

يستغيثوا بميت لا نبي ولا غيره، لا في جلب منفعة ولا دفع مضرة، لا بهذا اللفظ ولا معناه، بل لم يشرع لهم أن يدعوا ميتاً ولا يسألوه، ولا يدعوا إليه ولا أن يستجيروا به ولا يقول أحد لميت: أنا في حسبك، وأنا في جوارك، ولا أن يخطو إلى قبر الميت خطوات، لا ان يتوجه إلى قبر ويسأله، ولا شرع لأحد أن يقول للميت: سل الله تعالى لى، ولا أدع الله تعالى لى، ولا شرع لهم أن يشكوا إلى ميت فيقول أحدهم مشتكياً إليه: على دين، أو آذاني فلان، ونحو ذلك، سواء كان عند القبر أو بعيداً عنه، وسواء كان الميت نبياً أو غيره.

ولا شرع لأمته إذا كان لأحدهم حاجة أن يقصد قبر نبي أو صالح فيدعو لنفسه ظاناً أن الدعاء عند قبره يجاب. بل ولا شرع لأمته صلى الله عليه وسلم أن يقسموا على مخلوق، ولا شرع لأمته أن يتوسلوا إلى الله تعالى بذات ميت أصلاً، بل بذات حي، إلا أن بكون التوسل بما أمر الله تعالى عز وجل به من الإيمان به وطاعته، أو بدعاء المتوسل به وشفاعته. فإذا كان النبي عليه السلام والصالح له عند الله تعالى الجاه العظيم والقدر - لم ينتفع المتوسل به إلا بأحد أمرين: إما أن يتوسل بما أمر الله تعالى به من الإيمان به ومحبته وطاعته ونحو ذلك، فهذه هي والوسيلة التى أمر الله تعالى بها في قوله عز من قائل:{اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة} .

فالوسيلة تجمعها طاعة الرسول عليه الصلاة والسلام.

والأمر الثاني: أن يدعو له الرسول. فهذه أيضاً وسيلة إلى الله تعالى فإن دعاءه وشفاعته عند الله تعالى من أعظم الوسائل.

واما التوسل بالذات مع قطع النظر عما تقدم، فلم يرد عن الصحابة والتابعين. والصحابة كانوا يتوسلون بدعائه عليه الصلاة والسلام وشفاعته،

ص: 553

ولهذا يتوسلون بعده بالعباس رضي الله عنه، ولو كان المتوسل بذاته المقدسة ممكناً بعد الموت لم يعدلوا إلى العباس.

والأعمى إنما توجه بدعائه، وكذلك الصحابة في الأستسقاء، وكذلك الناس يوم القيامة، كما ورد في حديث الشفاعة. وأما مجرد الذات بعد الممات فلا دليل عليه، ولا قاله أحد من السلف، بل المنقول عنهم يناقض ذلك. ونص غير واحد من العلماء أن هذا لا يجوز، وإن نقل عن بعضهم جوازه، فقد قال الله تعالى:{فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول} الآية - إلى أن قال: ونحن نعلم بالضرورة أن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام لم يشرع لأمته أن يدعوا أحداً من الأموات لا الأنبياء ولا الصالحين ولا غيرهم ولا بلفظ الاستغاثة ولا بغيرها.

كما أنه لم يشرع لأمته السجود لميت ولا إلى ميت ونحو ذلك، ونعلم أنه نهى عن كل هذه الأمور، وأن ذلك من الشرك الذى حرمه الله تعالى ورسوله. لكن لغلبة الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين، لم يمكن تكفيرهم بذلك حتى يتبين لهم ما جاء به الرسول مما يخالفه.

ولهذا ما بينت هذه المسألة قط لمن يعرف أصل الإسلام إلا تفطن بها وقال: هذا أصل دين الإسلام.

وكان بعض أكابر الشيوخ من اصحابنا يقول: هذه أعظم ما بينته لنا لعلمه بأن هذا أصل دين الإسلام، وكان هذا وأمثاله يدعون الأموات ويسألونهم، ويستجيرون بهم ويتضرعون إليهم، وربما كان ما يفعلونه أعظم لأنهم إنما يقصدون الميت في ضرورة نزلت بهم، فيدعون دعاء المضطر راجين قضاء حاجاتهم بدعائه أو الدعاء به أو الدعاء عند قبره. بخلاف عبادتهم لله تعالى، فإنهم يفعلونها في كثير من الأوقات على وجه العادة والتكلف.

ص: 554

حتى إن العدو الخارج عن شريعة الإسلام لما قدم دمشق الشام خرجوا يستغيثون بالموتى عند القبور، يرجون عندها كشف الضر.

وقال بعض الشعراء:

يا خائفين من التتر لو دوا بقبر أبي عمر

أو قال:

عوذوا بقبر أبي عمر ينجيكم من الضرر (1)

فقلت لهم: هؤلاء الذين تستغيثون بهم لو كانوا معكم في القتال لا نهزموا، كما أنهزم من المسلمين يوم أحد لما أراد الله سبحانه ذلك.

ولهذا كان أهل المعرفة بالدين والمكاشفة لم يقاتلوا في تلك المرة لعدم القتال الشرعي الذى أمر الله تعالى به ورسوله صلى الله عليه وسلم. وما يحصل بذلك من الشر والفساد وانتفاء النصرة المطلوبة من القتال، فلا يكون فيه ثواب الدنيا ولا ثواب الأخرة لمن عرف هذا.

وإن كان كثير من المقاتلين الذين اعتقدوا هذا قتالاً شرعياً أخرجوا على نياتهم، فلما كان بعد ذلك جعلنا نأمر الناس بإخلاص الدين لله تعالى والاستغاثة به، وأنهم لا يستغيثون إلا به، ولا يستغيثون بملك مقرب، ولا نبي مرسل. فلما اصلح الناس أمورهم، وصدقا في الاستغاثة بربهم عز وجل نصرهم على عدوهم نصراً عزيزاً لم يتقدم نظيره، ولا انهزم التتار مثل هذه الهزيمة قبل ذلك، لما صح من توحيد الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، ما لم يكن قبل ذلك. فإن الله ينصر رسله والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويقوم الأشهاد. انتهى باقتصار.

(1) هكذا ورد هذا الشطر. وصحه إنشاده: ينجيكم من ذا الضرر. بزيادة لفظ ((ذا))

ص: 555

وقال من جملة كلام طويل في فتاويه ما نصه: الثاني - أن يقال الميت أو للغائب من الأنبياء عليهم السلام والصالحين: أدع الله تعالى لي أو نحوه، فهذا مما لا يستريب عالم أنه غير جائز، وأنه من البدع التى لم يفعلها أحد من سلف الأمة وائمتها، وإن كان السلام على أهل القبور جائزاً، ومخاطبتهم جائزة، كما كان صلى الله عليه وسلم يعلم اصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا ((السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون)) وقال ابن عبد البر: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما من رجل يمر بقبر رجل كان يعرفه فيسلم عليه إلا رد الله عز وجل عليه روحه حتى يرد عليه السلام) .

وفي سنن أبي داود عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما من مسلم يسلم علي إلا رد الله تعالى علي روحي حتى ارد السلام)) لكن ليس من المشروع أن يطلب منهم شيئاً.

وفي موطأ الإمام مالك: ((أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما كان يقول: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبت، ثم ينصرف)) وكذلك أنس بن مالك وغيره من الصحابة رضي الله عنه نقل عنهم السلام على النبي صلى الله عليه وسلم. فإذا أرادوا الدعاء استقبلوا القبلة يدعون الله تعالى. لا يدعون وهم مستقبلو القبر المكرم، وإن كان قد وقع في ذلك بعض طوائف من الفقهاء والمتصوفة ومن العامة ومن لا اعتبار بهم. فإنه لم يذهب إلى ذلك إمام متبع في قوله، لا من له في الأمة لسان صدق، بل قد تنازع العلماء في السلام على النبي عليه افضل الصلاة والسلام، فقال أبو حنيفة: يستقبل القبلة، ويستدبر القبر الشريف.

وقال مالك والشافعي: بل يستقبل القبر، وعند الدعاء يستقبل القبلة، ويجعل القبر المكرم عن يساره أو عن يمينه، وهو الصحيح إذ لا محذور في ذلك.

ص: 556

انتهى باقتصار. وإن أردت كمال الوقوف على أدلته وتفصيل مراميه فارجع إلى تصنيفاته، والله الهادي لصوب الصواب، وبه الاستعانة وإليه المآب.

وقول الولي الواصل والعارف الكامل، سيدى الشيخ عند القادر الكيلاني قدس سره النوراني في كتابه (الغنيمة) ما نصه:

وأقل ما في الرضا أن يقطع عما سوى الله عز وجل، وقد ذم الله تعالى الطمع في غيره عز وجل، فروى عن يحيى بن كثير أنه قال: قرأت التوراة فرأيت فيها ان الله سبحانه وتعالى يقول: ملعون من كان ثقته بمخلوق مثله.

وروى في بعض الأخبار: ((أن الله عز وجل يقول: وعزتى وجلالي وجودى ومجدى، لأقطعن أمل كل مؤمل أمل غيرى باليأس، ولألبسه ثوب المذلة بين الناس، ولأبعدنه من قربي، ولأقطعنه من وصلى. أيؤمل في الشدائد غيرى؟ ويطرق بالفكر أبواب غيرى؟ وهي مغلقة ومفاتحها بيدى)) .

وروى في خبر آخر: أن الله عز وجل يقول: ((ما من عبد يعتصم دون خلقى أعلم ذلك من قلبه ونيته فتكيده السماوات والأرض ومن فيهن إلا جعلت له من ذلك مخرجاً. وما من عبد يعتصم بمخلوق دونى غلا قطعت أسباب السماء من فوقه، وأسخت الأرض من تحت قدميه، ثم أهلكه في الدنيا وأتعبه فيها)) .

وروى عن بعض الصحابة، رضوان الله تعالى اجمعين أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من تعزز بالناس ذل)) ، وقيل:((من اتكل على مخلوق مثله ذل)) ، فكفاه الطمع بما يناله من إطلاع قلبه، وتشتت همه وذله ومسكنته، فقد اجتمع عليه أمران: ذل في الدنيا، وبعد من الله عز وجل بلا إزدياد في رزقه ذرة واحدة.

وقال بعضهم: لآ أعرف شيئاً أضر على المريدين والطالبين من الطمع، ولا أخرب لقلوبهم، ولا أذل لهم، ولا اظلم لقلوبهم، ولا ابعد لهم، ولا أشد

ص: 557

تشبيتاً لهممهم، إنما كان كذلك لأنه شرك أينما كانوا، لأن الرجل منهم أشرك بالله عز وجل؟ حيث طمع في مخلوق مثله، لا يملك ضراً ولا نفعاً، ولا عطاء ولا منعاً، فجعل ملك الملوك لمملوكه، فأنى يكون له ورع، فلا يتحقق ورعه حتى ينسب الأشياء إلى مالكها عز وجل، ولا يطلبها من غيره.

وقيل: الطمع له اصل وفرع، فاصله الغفلة، وفرعه الرياء والسمعة والتزين والتصنع، وحب إقامة الجاه عند الناس، وعن بعضهم: طمعت يوماً مرة في شئ من أمر الدنيا، فهتف بي هاتف وهو يقول: يا هذا، إنه لا يحمد بالحر المريد إذا كان يجد عند الله تعالى كل ما يريد أن يركن بقلبه إلى العبيد، وأعلم أنه لا يخطر على قلب مريد شئ من الطمع ويساكنه غلا لأجل كمال البعد عن الله عز وجل، حيث طمع في مخلوق مثله، وهو يرى أن مولاه مطلع عليه ثم لم يحجزه من ذلك. أهـ.

ونقل الوالد عليه الرحمة، قدس سره، أنه قال في ((فتوح الغيب)) ما نصه: من اراد السلامة في الدنيا والأخرة، فيعلمه بالصبر والرضا، وترك الشكوى إلى خلقه، وإنزال حوائجه بربه عز وجل، ولزوم طاعته،وانتظار الفرج منه سبحانه، والانقطاع إليه. فحرمانه عطاء، وعقوبته نعماء، وبلاؤه دواء، ووعده حال، وقوله فعل، وكل أفعاله حسنة، وحكمه ومصلحة، غير أنه طوى عز وجل علم المصالح عن عباده، وتفرد به، فليس إلا الاشتغال بالعبودية، وأداء الأوامر واجتناب النواهي، والتسليم في القدر، وترك الاشتغال بالربوبية، والسكون عن لم وكيف ومتى. وتسند هذه الجملة إلى حديث ابن عباس قال: بينما انا رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: ((يا غلام، أحفظ الله يحفظك، وأحفظ الله تجده أمامك، وإذا سالت فأسأل الله، وإذا أستعنت فاستعن بالله، وجف القلم بما هو كائن، ولو جهد

ص: 558

العباد ان ينفعوك بشئ لم يقضه الله تعالى لم يقدروا عليه. فإن استطعت ان تعمل لله تعالى بالصدق في اليقين فأعمل، فإن لم تستطع فإن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً. وأعلم ان النصر مع الصبر، وان الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً)) .

فينبغي لكل مؤمن أن يجعل هذا الحديث مرآة قلبه، وشعاره ودثاره وحديثه، فيعمل به من جهة حركاته وسكناته، حتى يسلم في الدنيا والآخرة، ويجد العزة برحمة الله تعالى عز وجل. انتهى بحروفه.

وقال الوالد أيضاً في تفسير قوله تعالى: {وإذا ذكر الله وحده اشمازت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون} ما منه: وقد راينا كثيراً من الناس على نحو هذه الصفة التى وصف الله تعالى بها المشركين: يهشون لذكر أموات يستغيثون بهم ويطلبون منهم، ويطربون من سماع حكايات كاذبة عنهم، توافق هواهم واعتقادهم فيهم، ويعظمون من يحكى لهم ذلك، وينقبضون من ذكر الله تعالى وحده، ونسبة الاستقلال بالتصرف إليه عز وجل، وسرد ما يدل على مزيد عظمته وجلاله، وينفرون ممن فعل ذلك كل النفرة، وينسبونه إلى ما يكره.

وقد قلت يوماً لرجل يستغيث في شدة ببعض الأموات وينادى: يا فلان أغثنى، فقلت له: قل يا الله، فقد قال سبحانه:{وإذا سالك عبادى عني فإنى قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} فغضب، وبلغني أنه قال: فلان منكر على الأولياء.

وسمعت عن بعضهم أنه قال: الولى اسرع إجابة من الله عز وجل. وهذا من الكفر بمكان. نسأل الله تعالى أن يعصمنا من الزيغ والطغيان. انتهى.

ص: 559

وقال أيضاً في باب الإشارات على قوله تعالى: {إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً} [الحج 73] الآية، وإشارة إلى ذم الغالين في اولياء الله تعالى، حيث يستغيثون بهم في الشدة، غافلين عن الله تعالى، وينذرون لهم النذر. والعقلاء منهم يقولون: إنهم وسائلنا إلى الله تعالى، وإنما ننذر لله عز وجل، ونجعل ثوابه للولى - ولا يخفى أنهم في دعواهم الولى أشبه الناس بعبدة الأصنام القائلين: إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى. ودعواهم الثانية لا باس لها لو لم يطلبوا منهم بذلك شفاء مريضهم، أو رد غائبهم، او نحو ذلك، والظاهر من حالهم الطلب. ويرشدك إلى ذلك أنه لو قيل: أنذروا لله تعالى، واجعلوا ثوابه لوالديكم فإنه احوج من اولئك الأولياء لم يفعلوا، ورايت كثيراً منهم يسجد على أعتاب حجر قبور الأولياء، ومنهم من يثبت التصرف لهم جميعاً في قبورهم، لكنهم متفاوتون فيه حسب تفاوت مراتبهم.

والعلماء منهم يحصرون التصرف في القبور في أربعة أو خمسة، وإذا طولبوا بالدليل قالوا: ثبت ذلك بالكشف - قاتلهم الله تعالى ما أجهلهم، وأكثر افتراءهم! منهم من يزعم انهم يخرجون من القبور، يتشكلون باشكال مختلفة. وعلماؤهم يقولون: إنما تظهر أرواحهم مشكلة، وتطوف حيث شاءت، وربما تشكلت بصورة اسد، او غزال أو نحوه - وكل ذلك باطل لا اصل له في الكتاب والسنة، وكلام سلف الأمة. وقد افسد هؤلاء على الناس دينهم، وصاروا ضحكة لأهل الأديان المنسوخة من اليهود والنصارى، وكذا لأهل النحل والدهرية - نسال الله تعالى العفو والعافية. أنتهى.

وقال الشيخ ابن عربي (في الباب الثاني والستين بعد المائتين من الفتوحات ما نصه) : أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام: ((يا موسى، لا تجعل غيرى موضع حاجتك، وسلنى حتى الملح تلقيه في عجينك)) . هذا تعليم

ص: 560

من الله لنبيه موسى عليه السلام. ولقد رايته سبحانه وتعالى في النوم فقال لي: وكلنى في أمورك؟ فوكلته، فما رأيت إلا عصمة محضة، لله الحمد على ذلك، جعلنا الله تعالى من الفقراء إليه به. فإن الفقر إليه تعالى به هو عين الغني، لأنه الغنى وأنت به فقير، فأنت الغني به عن العالمين، فأعلم ذاك. والله تعالى الموفق. أنتهى.

وقال أيضاً (في الباب الثامن والسبعين بعد المائة) : فما ابتلى الله تعالى عباده إلا ليلجأوا في رفع ذلك إليه، ولا يلجأوا في رفعه إلى غيره، فإن فعلوا ذلك كانوا من الصابرين.

وفي روح المعاني للوالد نور الله تعالى ضريحه: روى أنس رضي الله عنه قال: أوحى الله تعالى إلى يوسف عليه السلام: ((من استنقذك من القتل حين هم إخوتك ان يقتلوك؟ قال: أنت يا رب. قال: فمن استنقذك من الجب إذ ألقوك فيه؟ قال: أنت يا رب. قال: فمن أستنقذك من المرآة التى همت بك؟ قال: أنت يا رب. قال: فما بالك نسيتنى، وذكرت آدمياً؟ قال: يارب، كلمة، تكلم بها لسانى! قال: وعزتى لأخدنك في السجن بضع سنين)) أنتهى.

وقال في باب الإشارات عل قوله تعالى: {واجنبني وبني أن نعبد الأصنام} - قال الحنيذ قدس سره: أمنعنى وبنى ان نرى لأنفسنا وسيلة إليك غير الافتقار. وقيل: كل ما وقف العارف عليه غير الحق سبحانه فهو صنمه. وجاء: النفس هي الصنم الأكبر. أنتهى.

وقال الإمام ابو حامد الغزالي في شرحه للأسماء الحسنى ما نصه: الكريم هو الذى إذا قدر عفا، وإذا وعد وفى، وإذا أعطى زاد على منتهى الرجاء، ولا يبالى كم أعطى، ولا لمن اعطى، وإن رفعت حاجة إلى غيره لا يرضى، وإذا جفا عاتب وما أستقصى، ولا يضيه من لاذ به والتجأ، ويغنيه

ص: 561

عن الوسائل والشفعاء، فمن اجتمع له جميع ذلك لا بالتكلف فهو الكريم المطلق، وذلك الله تعالى فقط. انتهى.

وقال أيضاً في كتابه الإحياء: قال جعفر الصادق رضي الله عنه: الصدق هو المجاهدة وألا تختر على الله غيره، كما لم يختر عليك غيرك، فقال تعالى:{هو اجتباكم} وقيل: أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام: ((إنى إذا أحببت عبداً ابلتيته بلايا لا تقوم لها الجبال، لأنظر كيف صدقه، فإن وجدته صابراً اتخذته ولياً وحبيباً، وإن وجدته جزعاص يشكونى إلى خلقى خذلته ولا أبالى)) . فإذا من علامات الصدق كتمان المصائب والطاعات جميعاً، وكراهة إطلاع الخلق عليها.

وقال في باب التوكل: قال الله عز وجل: {ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم} [الأنفال 49] أى عزيز من أستجار به، لا يضيع من لاذ بجانبه، وألتجأ إلى ذمامه وحماه لا يقصر عن تدبير من توكل على تدبيره.

وقال تعالى: {إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم} [الأعراف 194] بين ان كل ما سوى الله عز وجل عبد مسخر، حاجته مثل حاجتكم فكيف يتوكل عليه؟ وقال تعالى:{إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقاً فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه} [العنكبوت 17] . وقال سبحانه وتعالى: {ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون} [المنافقون 7] . وقال تعالى: {يدبر الآمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه} [يونس 3] وكل ما في القرآن من التوحيد فهو تنبيه على قطع الملاحظة عن الأغيار، والتوكل على الواحد القهار.

وروى أنه لما قال جبريل لإبراهيم عليه السلام وقد رمى إلى النار

ص: 562

بالمنجنيق ((ألك حاجة؟ قال: أما إليك فلا)) وفاء بقوله {حسبى الله ونعم الوكيل} إذ قال ذلك حين أخذ ليرمى، فإنزل الله تعالى:{وإبراهيم الذى وفى} . وأوحى الله عز وجل إلى داود عليه السلام: ((يا داود، ما من عبد يعتصم بي دون خلقى فتكيده السماوات والأرض إلا جعلت له مخرجاً)) . وقرأ الخواص قوله تعالى: {وتوكل على الحي الذى لا يموت} الآية. فقال: ما ينبغي بعد هذه الآية للعبد أن يلجأ إلى أحد غير الله تعالى. أنتهى.

وقال من كلام طويل: الثانية أن يكون حاله مع الله تعالى كحال الطفل في حق أمه، فإنه لا يعرف غيرها، ولا يفرغ إلى أحد سواها، ولا يعتمد إلا إياها، فإن رآها تعلق في كل حال بذيلها ولم يخلعها، وإن نابه أمر في غيبتها كان أول سابق إلى لسانه: يا أماه، وأول خاطر يخطر على قلبه أمه، فإنها مفرغة. فإنه قد وثق بكفايتها، وكفالتها وشققتها. أنتهى باقتصار.

(قلت) : وقال جدنا الأكرم، وسيدنا الأعظم، زين العابدين وابن سيد الساجدين، على جده وعليه افضل الصلاة والسلام في دعائه: اللهم إنى أخلصت بانقطاعي إليك، وأقبلت بكلى عليك، وصرفت وجهي عمن يحتاج إلى رفدك، وقليت مسألتى ممن لم يستغن عن فضلك، ورأيت أن أطلب المحتاج إلى المحتاج سفه في رأيه وضلة من عقله. فكم قد رأيت يا إلهي من إناس طلبوا العز بغيرك فذلوا، وراموا الثروة من سواك فافتقروا، وحاولوا الانقطاع فاتضعوا.

فانت يا مولاى دون كل مسئول موضع مسالتى، ودونكل مطلوب إليه وبه حاجتى، أنت المخصوص قبل كل مدعو بدعوتى، ولا يشركك أحد

ص: 563

في رجائى،ولا يتفق أحد معك في دعائي ولا ينظمه، وإياك ندائى لك - إلى آخر ما قال.

وقال أيضاً من بعض دعاء طويل: ويا من لا ينقطع عنه سؤال السائلين، ويا من حوائج المحتاجين عنده، ويا من لا يعيبه دعاء الداعين، تمدحت بالغنى عن خلقك، وأنت اهل الغنى عنهم، ونسبتهم إلى الفقر وهم أهل الفقر إليك، فمن حاول سد خلته، ورام صرف الفقر عن نفسه بك، فقد طلب حاجته في مظانها، وأتى طلبته من وجهها، ومن توجه إلى أحد من خلقك، أو جعله سبباً لنجحها دونك؟ فقد تعرض، واستحق من عندك فوت الإحسان.

اللهم ولى إليك حاجة قد قصر عنها جهدى، وتقطعت دونها حيلتى وسولت لي نفسى رفعها إلى من يرفع حوائجه إليك، ولا يستغنى في طلباته عنك، وهي زلة من زلل الخاطئين، وعثرة من عثرات المذنبين.

ثم انتهيت بتذكيرك لي في غفلتى ونهضت بتوفيقك من زلتى، ورجعت بتسديدك من عثرتى، وقلت: سبحان الله! كيف يسأل محتاج محتاجاً! وأنى يرغب معدم إلى معدم، وإلى آخر ما قال، عليه رضوان الملك المتعال.

الخاتمة

[في التوسط بين القولين، وهو عند المنصف قرة عين الفريقين] .

فقد قال الوالد عليه الرحمة في تفسير قوله تعالى {يايها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة} [المائدة 35] ما نصه:

واستدل بعض الناس بهذه الآية على مشروعية الاستغاثة بالصالحين،

ص: 564

وجعلهم وسيلة بين الله تعالى، وبين العباد، والقسم على الله بهم بأن يقال: اللهم إنا نقسم عليك بفلان أن تعطينا كذا

ومنهم من يقول للغائب أو الميت من عباد الله تعالى الصالحين: فلان أدع الله تعالى ليرزقنى كذا، ويزعمون ان ذلك من باب ابتغاء الوسيلة.

ويروون عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا أعيتكم الأمور، فعليكم باهل القبور، أو فاستغيثوا بأهل القبور)) . وكل ذلك بعيد عن الحق بمراحل.

وتحقيق الكلام في هذا المقام: أن الاستغاثة بمخلوق، وجعله وسيلة بمعنى طلب الدعاء منه، ولا شك في جوازه إن كان المطلوب منه حياً، ولا يتوقف على أفضليته من الطالب، بل قد يطلب الفاضل من المفضول، فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضي الله عنه لما استأذنه في العمرة:((لا تنسنا يا أخى من دعائك)) وأمره أيضاً أن يطلب من اويس القرني رحمه الله تعالى عليه ان يستغفر له. وأمر أمته صلى الله عليه وسلم بطلب الوسيلة له، وبأن يصلوا عليه.

وأما إذا كان المطلوب منه ميتاً، أو غائباً فلا يسترتب عالم أنه غير جائز، وانه من البدع التى لم يفعلها أحد من السلف.

نعم، السلام على أهل القبور مشروع، ومخاطبتهم جائزة، فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا:((السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين، وإنا إن شاء الله تعالى بكم لا حقون، يرحم الله تعالى المستقدمين منكم، والمستأخرين، نسال الله تعالى لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا اجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم)) .

ولم يرو عن أحد من الصحابة رضي الله عنه وهم احرص الخلق

ص: 565

على كل خير - انه طلب من ميت شيئاً، بل قد صح عن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان يقول، إذا دخل الحجرة النبوية زائراً: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا ابا بكر، السلام عليك يا أبت، ثم ينصرف ولا يزيد على ذلك.

ولا يطلب من سيد العالمين صلى الله عليه وسلم، أو من ضجيعيه المكرمين رضي الله عنه شيئاً، وهم أكرم من ضمته البسيطة، وأرفع قدراً من سائر من احاطت به الفلاك المحيطة. نعم الدعاء في هاتيك الحضرة المكرمة، والروضة المعظمة، أمر مشروع، فقد كانت الصحابة رضي الله عنه تدعو الله هناك، مستقبلين القبلة، ولم يرد عنهم أستقبال القبر الشريف عند الدعاء مع أنه أفضل من العرش.

واختلف الأئمة في استقباله عند السلام، ففي مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه لا يستقبل، بل يستدبر، ويستقبل القبلة وقال بعضهم: يستقبل وقت السلام، ويستقبل القبلة، ويستدبر وقت الدعاء، والصحيح المعول عليه: أنه يستقبل وقت السلام، وعند الدعاء يستقبل القبلة، ويجعل القبر عن اليمين أو اليسار.

فإذا كان هذا المشروع في زيارة سيد الخليقة، وعلة الإيجاد على الحقيقة صلى الله عليه وسلم، فماذا تبلغ زيارة غيره بالنسبة إلى زيارته عليه الصلاة والسلام ليزاد، أو يطلب من المزور بها ما ليس من وظيفة العباد.

واما القسم على الله تعالى باحد من خلقه مثل أن يقال: اللهم إنى أقسم عليك، أو أسألك إلا ما قضيت لى حاجتى - فعن العز بن عبد السلام جواز ذلك في النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه سيد ولد آدم، ولا يجوز

ص: 566

أن يقسم على الله تعالى بغيره من الأنبياء، والملائكة، والأولياء، لأنهم ليسوا في درجته.

وقد نقل ذلك عنه المناوى في شرحه الكبير للجامع الصغير. ودليله في ذلك ما رواه الترمذى وقال: حديث حسن صحيح عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه: أن ردلاً ضرير البصر اتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أدع الله تعالى ان يعافيني.

فقال: ((إن شئت دعوت وغن شئت صبرت فهو خير لك)) قال: فأدعه. فامر عليه الصلاة والسلام أن يتوضأ فيحسن الوضوء، ويدعو بهذا الدعاء: اللهم أنى أسألك وأتوجه بنبيك نبي الرحمة، يا رسول الله، إنى توجهت بك إلى ربي في حاجتى لتقضى لى، اللهم فشفعه في. ونقل عن أحمد مثل ذلك.

ومن الناس من منع التوسل بالذات والقسم على الله تعالى بأحد من خلقه مطلقاً، وهو الذى يرشح به كلام التقى ابن تيميه، ونقله عن الإمام أبي حنيفة وأبي يوسف وغيرهما من العلماء الأعلام.

وأجاب عن الحديث بأنه على حذف مضاد، أى بدعاء، أو شفاعة نبيك صلى الله عليه وسلم، ففيه جعل الدعاء وسيلة، وهو جائز بل مندوب.

والدليل على هذا التقدير قوله في أخر الحديث: ((اللهم فشفعه في)) بل في أوله أيضاً ما يدل على ذلك. وقد شفع السبكى كما هو عادته على التقى فقال: ويحسن التوسل والاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه، ولم ينكر ذلك أحد من السلف والخلف حتى جاء ابن تيميه فأنكر ذلك، وعدل عن الصراط المستقيم، وابتدع ما لم يقله عالم، وصار بين الأنام مثل. أنتهى.

ص: 567

وأنت تعلم أن الأدعية المأثورة عن اهل البيت الطاهرين وغيرهم من الأئمة ليس فيها التوسل بالذات المكرمة صلى الله عليه وسلم. ولو فرضنا وجود ما ظاهره ذلك فمؤول بتقدير مضاف كما سمعت أو نحو ذلك، كما ستسمع إن شاء الله تعالى، ومن ادعى النص فعليه البيان.

وما رواه أبو داود في سننه وغيره من ان رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا نستشفع بك إلى الله تعالى، ونستشفع بالله تعالى عليك، فسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رؤى ذلك في وجوه أصحابه، فقال صلى الله عليه وسلم:((ويحك! أتدرى ما الله تعالى؟ إن الله تعالى لا يشفع به على أحد من خلقه، شأن الله تعالى أعظم من ذلك)) لا يصلح دليلاً على ما نحن فيه، حيث أنكر عليه قوله:((نستشفع بك على الله)) لأن معنى الاستشفاع به صلى الله عليه وسلم طلب الدعاء منه، وليس معناه الإقسام به على الله تعالى.

ولو كان الإقسام معنى للاستشفاع فلم أنكر النبي صلى الله عليه وسلم مضمون الجملة الثانية دون الأولى؟ وعلى هذا لا يصلح الخبر ولا ما قبله دليلاً لمن أدعى جواز الإقسام بذاته صلى الله عليه وسلم حياً وميتاً.

وكذا بذات غيره من الأرواح المقدسة مطلقاً، قياساً عليه، عليه الصلاة والسلام بجامع الكرامة، وإن تفاوتت قوة وضعفاً. وذلك لأن ما في الخبر الثاني أستشفاع لا إقسام، وما في الخبر الول ليس نصاً في محل النزاع. وعلى تقدير التسليم ليس فيه إلا الإقسام بالجي والتوسل به، وتساوى حالتى حياته ووفاته صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن يحتاج إلى نص، ولعل النص على خلافه.

ص: 568

ففي صحيح البخارى عن أنس: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا اقحطوا استسقى بالعباس رضي الله عنه، قال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبيك صلى الله عليه وسلم فتسقيا، وإنا نتوسل إليك بعم نبيك فاسقنا، فيسقون. فإنه لو كان التوسل به علينا الصلاة والسلام بعد انتقاله من هذه الدار جائزاً لما دعوا إلى غيره، بل كانوا يقولون: اللهم إنا نتوسل إليك نبينا فاسقنا، وحاشاهم أن يعدلوا عن التوسل بسيد الناس، إلى التوسل بعمه العباس، وهم يجدون ادنى مساغ لذلك.

فعدلهم هذا مع أنهم السابقون الأولون، وهم أعلم منا بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ،بحقوق الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام، وما يشرع من الدعاء، وما لا يشرع، وهم في وقت ضرورة ومخمصة يطلبون تفريج الكربات، وتيسير العسير، وإنزال الغيث بكل طريق - دليل واضح على أن المشروع ما سلكوه دون غيره، وما ذكر من قياس غيره من الأرواح المقدسة عليه صلى الله عليه وسلم مع التفاوت في الكرامة، الذى لا ينكره إلا منافق مما لا يكاد يسلم.

على أنك قد علمت إن الإقسام به صلى الله عليه وسلم على ربه عز شانه حياً وميتاً مما لم يقم النص عليه. لا يقال إن في خبر البخارى دلالة على صحة الإقسام به عليه الصلاة والسلام حياً، وكذا بغيره كذلك.

أما الأول فلقول عمر رضي الله عنه: كنا نتوسل بنبيك صلى الله عليه وسلم. وأما الثاني فلقوله: إنا نتوسل بعم نبيك - لما قيل: إن هذا التوسل ليس من باب الإقسام، بل هو من جنس الاستشفاع، وهو أن يطلب من الشخص الدعاء والشفاعة، ويطلب من الله تعالى أن يقبل دعاؤه وشفاعته.

ويؤيد ذلك أن العباس كان يدعو وهم يؤمنون لدعائه حتى سقوا. وقد

ص: 569

ذكر التقي: ان لفظ التوسل بالشخص والتوجه إليه وبه، فيه إجمال واشتراك بحسب الاصطلاح. فمعناه في لغة الصحابة رضي الله عنه: أن يطلب منه الدعاء والشفاعة فيكون التوسل والتوجه في الحقيقة بدعائه وشفاعته وذلك مما لا محذور فيه.

واما في لغة كثير من الناس فمعناه: أن يسأل الله تعالى بذلك ويقسم به عليه، وهذا هو محل النزاع، وقد علمت الكلام فيه. وجعل من الإقسام الغير المشروع قول القائل: اللهم أسألك بجاه فلان، فإنه لم يرد عن احد من السلف أنه دعا كذلك. وقال: إنما يقسم به تعالى وباسمائه وصفاته، فيقال: ((أسالك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت يا ألله المنان، بديع السماوات والارض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، وأسألك بأنك أنت الله الأحد الصمد، الذى لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، وأسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك.

... ..)) الحديث. ونحو ذلك من الأدعية المأثورة.

وما يذكره به بعض العامة من قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا كانت لكم إلى الله تعالى حاجة فاسألوا الله تعالى فإن جاهي عند الله عظيم)) لم يروه أحد من أهل العلم، وهو شئ في كتب الحديث. وما رواه القشيرى عن معروف الكرخي قدس سره أنه قال لتلامذته: إن كانت لكم إلى الله تعالى حاجة فاقسموا عليه بي، فإني الواسطة بينكم وبينه جل جلاله الآن. لا يوجد له سند يعول عليه عند المحدثين. واما مارواه ابن ماجة عن أبي سعيد الخدرى عن النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء الخارج إلى الصلاة:((اللهم إنى أسألك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاى هذا، فإنى لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا رياء ولا سمعه، ولكن خرجت إتقاء سخطك، وابتغاء مرضاتك، ان تنقذني من النار، وان تدخلني الجنة)) ففي سنده العوفي

ص: 570

وفيه ضعف. وعلى تقدير ان يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم يقال فيه: إن حق السائلين عليه تعالى أن يجيبهم، وحق الماشين في طاعته أن يثبتهم، والحق بمعنى الوعد الثابت المتحقق الوقوع، فضلا لا وجوباً، كما في قوله تعالى:{وكان حقاً علينا نصر المؤمنين} .

وفي الصحيح من حديث معاذ ((حق الله تعالى على عباده أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئاً، وحقهم عليه إن فعلوا ذلك أن لا يعذبهم)) .

فالسؤال حينئذ بالإثابة والإجابة، وهما من صفات الله تعالى الفعلية، والسؤال بها مما لا نزاع فيه، فيكون هذا السؤال كالاستعاذة في قوله صلى الله عليه وسلم:((اعوذ برضاك من، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك)) ، فمتى صحت الاستعاذة بمعافاته صح السؤال بإثباته وإجابته، وعلى نحو ذلك يخرج سؤال الثلاثة لله عز وجل بأعمالهم، على ان التوسل بالأعمال معناه التسبب بها لحصول المقصود. ولا شك ان الأعمال الصالحة سبب لثواب الله تعالى لنا، ولا كذلك ذوات الأشخاص أنفسها.

والناس قد افرطوا اليوم في الإقسام على الله تعالى، فأقسموا عليه عز شانه بمن ليس في العير ولا في النفير، وليس عنده من الجاه قدر قطمير.

واعظم من ذلك أنهم يطلبون من اصحاب القبور نحو شفاء المريض، وإغناء الفقير، ورد الضالة، وتيسير كل عسير. وتوحي إليهم شياطينهم خبر: إذا أعيتكم الأمور. إلخ. وهو حديث مفترى على رسول الله صلى الله عليه وسلم بإجماع العارفين بحديثه، بم يروه أحد من العلماء، ولا يوجد في شئ من كتب الحديث المعتمدة، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم: عن اتخاذ القبور مساجد، ولعن على ذلك، فكيف يتصور منه عليه الصلاة والسلام الأمر بالاستغاثة، والطلب من اصحابها! سبحانك هذا بهتان عظيم.

وعن أبي يزيد البسطامي قدس سره، أنه قال: استغاثة المخلوق بالمخلوق،

ص: 571

كاستغاثة المسجون بالمسجون. ومن كلام السجاد رضي الله عنه: أن طلب المحتاج من المحتاج سفه في رايه، وضلة في عقله. ومن دعاء موسى عليه السلام:((وبك المستغاث)) وقال صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنه: ((إذا أستعنت فاستعن بالله

)) الخبر. وقال تعالى: {إياك نعبد وإياك نستعين} . وبعد هذا كله، أن لا أرى باساً في التوسل إلى الله تعالى بجاه النبي صلى الله عليه وسلم عند الله حياً وميتاً.

ويراد من الجاه معنى يرجع إلى صفة من صفاته تعالى، مثل أن يراد به المحبة التامة المستدعية عدم رده وقبول شفاعته. فيكون معنى قول القائل: إلهى أتوسل بجاه نبيك صلى الله عليه وسلم، أن تقضى لى حاجتى - إلهى أجعل محبتك له وسيلة في قضاء حاجتى. ولا فرق بين هذا وقولك: إلهى أتوسل برحمتك أن تفعل كذا، إذ معناه أيضاً إلهى اجعل رحمتك وسيلة في فعل كذا.

بل لا أرى باساً أيضاً بالإقسام على الله بجاهه صلى الله عليه وسلم بهذه المعنى. والكلام في الحرمة كالكلام في الجاه، ولا يجرى ذلك في التوسل، والإقسام بالذات البحت. نعم، لم يعهد التوسل بالجاه والحرمة عن احد من الصحابة رضي الله عنه، ولعل ذلك كان تحاشياً منهم عما يخشى أن يتعلق به في اذهان الناس إذ ذاك، وهم قريبو عهد التوسل بالأصنام - شئ ثم اقتدى بهم من خلفهم من الأئمة الطاهرين.

وقد ترك لرسول الله صلى الله عليه وسلم هدم الكعبة وتاسيسها على قواعد إبراهيم، لكون القوم حديثى عهد بكفر، كما ثبت ذلك في الصحيح. وهذا الذى ذكرته إنما هو لدفع الحرج عن الناس، والفرار من دعوى تضليلهم، كما يزعمه البعض في التوسل بجاه عريض الجاه صلى الله عليه وسلم، لا للميل إلى أن الدعاء كذلك أفضل من أستعمال الأدعية المأثورة

ص: 572

التى جاء بها الكتاب ومدحت بها ألسنة السنة، فإنه لا يستريب منصف في ان ما علمه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ودرج عليه الصحابة الكرام رضي الله عنه، وتلقاه من بعدهم بالقبول - أفضل واجمع وانفع واسلم * فقد قيل ما قيل إن حقاً وإن كذباً *.

بقى ههنا امران: الأول - أن التوسل بجاه غير النبي صلى الله عليه وسلم لا بأس به ايضاً، وإن كان المتوسل بجاهه ممن علم أن له جاهاً عند الله تعالى، كالمقطوع بصلاحه، وولا يته.

واما من لا قطع في حقه بذلك فلا يتوسل بجاهه، لما فيه من الحكم الضمنى على الله تعالى بما لم يعلم تحققه منه - عز شانه - وفي ذلك جرأة عظيمة على الله تعالى.

الثاني - ان الناس قد أكثروا من دعاء غير الله تعالى من الأولياء الأحياء منهم والأموات وغيرهم، مثل: يا سيدى فلان أغثني، وذلك ليس من التوسل المباح في شئ.

واللائق بحال المؤمن عدم التفوه بذلك، وألا يحوم حول حماه، وقد عدة أناس من العلماء شركاء، وإن لا يكنه فهو قريب منه. ولا أرى احداً ممن يقول بذلك إلا وهو يعتقد أن الحي الغائب، أو الميت المغيب يعلم الغيب، أو يسمع النداء، ويقدر بالذات، أو بالغير على جلب الخير ودفع الذى، وإلا لما دعاه، ولا فتح فاه، وفي ذلك بلاء من ربكم عظيم، فالحزم التجنب عن ذلك وعدم الطلب إلا من الله تعالى القوى الغني، الفعال لما يريد.

ومن وقف على سر ما رواه الطبراني في معجمه من انه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم منافق يؤذى المؤمنين، فقال الصديق رضي الله عنه: قوموا بنا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق، فجاءوا إليه فقال:((إنه لا يستغاث بي، إنه يستغاث بالله تعالى)) ،

ص: 573

لم يشك في ان الاستغاثة باصحاب القبور الذين هم بين سعيد شغله نعيمه، وتقلبه في الجنان عن الالتفات إلى ما في هذا العالم، وبين شقى ألهاه عذابه، وحبسه في النيران عن إجابة مناديه، والاصاخة إلى أهل ناديه - امر يجب اجتنابه ولا يليق بارباب العقول ارتكابه.

ولا يغرنك ان المستغيث بمخلوق قد تقضى حاجته، وتنجح طلبته - فإن ذلك ابتلاء وفتنة منه عز وجل.

وقد يتمثل الشيطان للمستغيث في صورة الذى استغاث به فيظن أن ذلك كرامة لمن استغاث به هيهات! هيهات! إنما هو شيطان اضله واغواه، وزين له هواه، وذلك كما يتكلم الشيطان في الأصنام، ليضل عبدتها الطغام.

وبعض الجهلة يقول: إن ذلك من تطور روح المستغاث به، أو من ظهور ملك بصورته كرامة له. ولقد ساء ما يحكمون، لأن التطور والظهور، وإن كانا ممكنين، لكن لا في مثل هذه الصورة، وعند ارتكاب هذه الجريرة، نسال الله تعالى باسمائه ان يعصمنا من ذلك، نتوسل بلطفه أن يسلك بنا وبكم حسن المسالك. انتهى.

وهو توسط عند ذوى العقول مقبول، موافق للمنقول والمعقول، ولا اظنك تجده في كتاب فهو اللباب لذوى الألباب.

وقال الوالد عليه الرحمة ايضاً في باب الإشارة من تفسيره ما نصه: قال تعالى: {وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ترف في وجوه الذين كفروا المنكر

.} الآية [الحج 71]- فيه إشارة إلى ذم المتصوفة الذين إذا سمعوا الايات الرادة عليهم ظهر عليهم التجهم والمبسور، وهم في زماننا كثيرون، فإنا لله وإنا غليه راجعون.

وفي قوله تعالى: {إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً

... ..}

ص: 574