الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما لفظ الجهة فقد يراد به ما هو موجود وقد يراد به ما هو معدوم، ومن المعلوم أنه لا موجود إلا الخالق والمخلوق، فإذا أريد بالجهة أمر موجود غير الله تعالى لا يحصره شئ ولا يحيط به شئ من المخلوقات، تعالى عن ذلك.
وإن أريد بالجهة أمر عدمى وهو فوق العالم فليس هناك إلا الله تعالى وحده، فإذا قيل إنه تعالى في جهة بهذا الاعتبار فهو صحيح عندهم، ومعني ذلك أنه فوق العالم حيث أنتهت المخلوقات. ونفاه لفظ الجهة الذين يريدون بذلك نفى العلو يذكرون من أدلتهم أن الجهات كلها مخلوقة، وانه سبحانه كان قبلى الجهات. وأنه من قال: إنه تعالى في جهة كلام حق، ولكن الجهة ليست أمراً وجودياً، بل هي امر اعتبارى، ولا محذور في ذلك.
[مذهب السلف. تنزيه. وتفويض. وتصديق]
وبالجملة، يجب تنزيه الله تعالى عن مشابهة المخلوقين، وتفويض علم ما جاء من المتشابهات إليه عز شأنه، والإيمان بها على الوجه الذى جاءت عليه. والتأويل القريب إلى الذهن الشائع نظيره في كلام العرب مما لا بأس به عندى، على أن بعض الآيات مما أجمع على تأويلها السلف والخلف. والله تعالى أعلم بمراده.
وقال أيضاً في تفسير سورة الحديد. وأنت تعلم أن الأسلم التأويل، فإنه قول على الله تعالى من غير علم، ولا نؤول إلا ما أوله السلف ونتبعهم فيما كانوا عليه، فغن أولوا أولنا، وإن فوضوا فوضنا، ولا نأخذ تأويلهم لشئ سلماً لتاويل غيره. اهـ باقتصار. ولعله يشير بهذا إلى ما قاله بعض الخلف أنه قد ورد عن الإمام أحمد أنه قال بالتأويل في ثلاثة أحاديث:
أحدها قوله عليه الصلاة والسلام: ((الحجر الأسود يمين الله في أرضه)) .
وثانيها: ((إنى لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن)) .
وثالثها: ((أنا جليس من ذكرنى)) .
وكذا إلى ما أوله من قوله صلى الله عليه وسلم: ((تأتى سورة البقرة وسورة كذا وكذا يوم القيامة كأنها غمامتان بثواب القارئ)) . وقوله عليه الصلاة والسلام: ((إن الرحم يتعلق بحقوى الرحمن فيقول سبحانه: أصل من وصلك)) فهذا أيضاً مما لا بد فيه من التأويل، فإذا أولوا البعض فليؤولوا البعض الآخر. والجواب ما سمعت آنفاً فلا تغفل. قلت: وكذا أولوا الحديث الإدلاء الذى رواه أبو هريرة وأبو ذر والترمذى وغيره من حديث الحسن: ((لو أدلى أحدكم بحبل لهبط على الله)) فهو إن صح على ما قاله الشيخ ابن تيمية في رسالة العرش الآتى بعضها: تقدير مفروض، أى لو وقع الإدلاء لوقع عليه، لأنه لا يمكن أن يدلى أحد على الله تعالى شيئاً، لأنه عال بالذات، وإذا اهبط شئ إلى جهة الأرض وقف في المركز. أو كما قيل: يؤول بالعلم، أى على علم الله، وهو تأويل غير مرضى له - وتمام البحث فيها.
وقال الوالد أيضاً في تفسير سورة الأعراف من كلام طويل ما بعضه: وأنت تعلم أن المشهور من مذهب السلف الصالح في مثل ذلك تفويض المراد منه إلى الله تعالى، فهم يقولون: استوى على العرش على الوجه الذى عناه سبحانه، منزها عن الاستقرار والتمكن، وأن تفسير الاستواء بالاستيلاء تفسير مرذول، إذ القائل به لا يسعه أن يقول كاستيلائنا، بل لابد أن يقول هو استيلاء لائق بذاته عز وجل. فليقل من أول الآمر: هو استواء لائق به جل وعلا. وقد أختار ذلك السادة الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم، وهو أعلم وأسلم وأحكم، خلافاً لبعضهم. ولعل لنا دعوة إلى هذا المبحث إن شاء الله تعالى أهـ.
وقال في تفسير سورة السجدة عند قوله تعالى: {يدبر الأمر من السماء
إلى الأرض ثم يعرج إليه} الآية من كلام طويل ما بعضه: ويظهر لى أن المراد بالسماء جهة العلو في قوله تعالى: {أأمنتم من في السماء} وبعروج الأمر إليه صعود خبره، كما سمعت عن الجماعة. وأقوال: إن الآية من المتشابهة، واعتقد أن الله تعالى يدبر أمور الدنيا وشئونها، ويدبرها متقنة، وهو سبحانه مستو على عرشه، وذلك هو التدبير من جهة العلو، ثم يصعد خبر ذلك مع الملك إليه عز وجل إظهاراً لمزيد عظمته جلت عظته، وعظيم سلطنته عظمت سلطنته، إلى حكم هو - جل وعلا - أعلم بها، وكل ذلك بمعنى لائق به تعالى مجامع للتنزيه، مباين للتشبيه حسبما يقوله السلف في أمثاله.
وقول بعضهم: العرش موضع التدبير وما دونه موضع التفضيل، وما دون السماوات موضع فيه رائحة مما ذكرناه. أهـ. ومن خطه نقلته.
وقال في تفسير قوله تعالى حكاية عن فرعون: {يا هامان ابن لى صرحاً} الآية ما نصه: ورأيت لبعض السلفيين أن اللعين ما قال ذلك إلا لأنه سمع من موسى عليه السلام أو من أحد من المؤمنين وصف الله تعالى بالعلو، أو بانه سبحانه بالسماء، فحمله على معنى مستحيل في حقه تعالى لم يرده موسى عليه السلام ولا أحد من المؤمنين، فقال ما قال تهكما وتمويهاً على قومه. وللإمام في هذا المقال كلام رد به على القائلين بأن الله تعالى في السماء، ورد احتجاجهم بما أشعرت به الآية على ذلك وسماهم المشبهة، والبحث في ذلك طويل المجال، والحق مع السلف عليهم رحمة الملك المتعال، وحاشاهم ثم حاشاهم من التشبيه. أهـ. باقتصاره.
وقال أيضاً العلامة الوالد رحمه الله تعالى في تفسيره روح المعانى عند قوله عز وجل: {الرحمن على العرش أستوى} من سورة طه ما نصه: والعرش
في اللغة. وفي الشرع، سرير ذو قوائم له حمله من الملائكة عليهم السلام فوق السماوات مثل القبة ويدل على أن له قوائم ما أخرجاه في الصحيحين عن أبي سعيد قال: جاء رجل من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم قد لطم وجهه فقال، يا محمد رجل من أصحابك قد لطم وجهى؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم، ((أدعوه، فقال، لم لطمت وجهه؟ فقال: يا رسول الله، إنى مررت بالسوق وهو يقول، والذى أصطفى موسى على البشر، فقلت يا خبيث! وعلى محمد صلى الله عليه وسلم! فأخذتنى غضبة فلطمته. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تخيروا بين الأنبياء، فإن الناس يصعقون وأكون أول من يفيق، فإذا انا بموسى عليه السلام آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدرى أفاق قبلى أم جوزى بصعقة الطور)) وعلى أن له حملة من الملائكة عليهم السلام قوله تعالى: {الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به} [غافر 7] وما رواه أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أذن لى أن أحدث عن ملك من ملائكة الله عز وجل من حملة العرش أن ما بين أذنيه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة سنة)) وعلى أنه فوق السماوات مثل القبة. ما رواه أبو داود أيضاً عن جبير بن محمد بن مطعم عن أبيه عن جده قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال: يا رسول الله، جهدت الأنفس ونهكت الأموال أو هلكت، فاستسق لنا، فإنا نستشفع بك إلى الله تعالى، ونستشفع بالله تعالى عليك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ويحك، أتدرى ما تقول! وسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فمازال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه - ثم قال - ويحك! إنه لا يستشفع بالله تعالى على أحد من خلقه، شأنه شأن الله تعالى أعظم من ذلك. ويحك، أتدرى ما الله! إن الله تعالى فوق عرشه، وعرشه فوق سماواته هكذا، وقال باصابعه
مثل القبة، وإنه ليثط به اطيط الرحل الجديد بالراكب)) ومن شعر أمية بن أبي الصلت:[خفيف] .
مجدوا الله فهو للمجد أهل
…
ربنا في السماء أمسى كبيراً
بالبناء العالى الذى بهر النا
…
س وسوى فوق السماء سريراً
شرجعاً لا يناله طرف العي
…
ن ترى حوله الملائك صوراً (1)
وذهب طائفة من أهل الكلام إلى أنه مستدير من جميع الجوانب محيط بالعالم من كل جهة، وهو محدد الجهات، وربما سموه الفلك الأطلس، والفلك التاسع.
وتعقبه بعض شرائح عقيدة الطحاوى بأنه ليس بصحيح، لما ثبت في الشرع من أن قوائم تحمله الملائكة عليهم السلام، وأيضاً أخرجاه في الصحيحين عن جابر أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((أهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ)) والفلك التاسع عندهم متحرك دائماً بحركة متشابهة.
ومن تأويل ذلك على أن المراد باهتزازه استشار حملة العرش وفرحهم فلا بد من دليل، على أن سياق الحديث ولفظه - كما نقل عن أبي الحسن الطبرى وغيره - بعيد عن ذلك الاحتمال.
وأيضاً جاء في صحيح مسلم من حديث جويرة بنت الحرث ما يدل على أن له زنة هي أثقل الأوزان. والفلك عندهم لا ثفيل ولا خفيف.
وأيضاً العرب لا تفهم منه الفلك، والقرآن إنما نزل بما يفهمون. وقصارى ما يدل عليه خبر أبي داود عن جبير بن مطعم التقبيب، وهو لا يستلزم الاستدارة من جميع الجوانب كما في الفلك، ولا بد لها من دليل منفصل، ثم
(1) الشرجع - كجعفر -: الطويل، والسرير. والصور: جمع أصور، وهو المائل العنق لنظره إلى العلو