الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا الحديث قد اشتمل على الأمر بأداء الفرائض، واجتناب المحارم، والوقف عند الحدود، وترك البحث عما سكت الله ورسوله عنه. فقد استوفى أمور الدين؛ لان شرائعه لا تخرج عن هذه الأنواع المذكورة في الحديث.
أما الفرائض: فهي الواجبات، وأما المحرمات: فهي المنهيات، وأما الحدود: فهي الأمور التي حدها الله لعباده وأمر بالمحافظة عليها، فقال:{وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ} (1) وذم من تعداها فقال: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)} (2)، وأما ما سكت عنه فهو من المباحات.
والحديث لم يخرجه أحد من الستة، وبيض له ابن الأثير (3). والمصنف قال: أخرجه رزين كل منهما على قاعدته، وقاعدة ابن الأثير أثر عند التحقيق. [371/ أ].
كتاب: السحر والكهانة
1 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ عَقَدَ عُقْدَةً ثُمَّ نَفَثَ فِيهَا فَقَدْ سَحَرَ، وَمَنْ سَحَرَ فَقَدْ أَشْرَكَ، وَمَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِّلَ إِلَيْهِ". أخرجه النسائي (4). [ضعيف]
2 -
وعن صفِيَّةَ بنت أبي عبيد عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ فَصَدَّقَهُ لم تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمَاً". أخرجه مسلم (5). [صحيح]
(1) سورة التوبة: 112.
(2)
سورة البقرة: 229
(3)
في "الجامع"(5/ 59 رقم 3070).
(4)
في "السنن" رقم (4079)، وهو حديث ضعيف.
(5)
في صحيحه رقم (125/ 2230).
وأخرجه أحمد (4/ 68) ، وهو حديث صحيح.
(كتاب السحر)
أقول: قال الرازي: السحر (1) في عرف الشرع يختص بكل أمر يخفى سببه، ويتخيل على غير حقيقته ويجري مجرى التمويه والخداع، وإذا أطلق ذم فاعله، وقد يستعمل مقيداً فيما يمدح ويحمد نحو خبر:"إن من البيان لسحراً"(2)، أو "إن بعض البيان سحراً" لأن بعضه يوضح المشكل، ويكشف عن حقيقة المجمل بحسن بيانه، فيستميل القلوب كما تستمال بالسحر (3).
قوله: "والكهانة"(4) أقول: بفتح الكاف ويجوز كسرها: ادعاء علم الغيب.
قال القاضي (5): كانت الكهانة في العرب على ثلاثة أضرب:
أحدها أن يكون للإنسان ولي من الجن من يخبره بما [265 ب] يسترقه من السماء. وهذا القسم بطل من حين مبعث نبينا صلى الله عليه وسلم.
الثاني: أن يخبره بما يطرأ ويكون في أقطار الأرض، وما خفي [عليه](6) مما قرب أو بعد. وهذا لا يبعد وقوعه، [ومنعت](7) المعتزلة وبعض المتكلمين هذين الضربين وأحالوهما، ولا
(1) انظر: "الكليات"(3/ 5)، "مفردات ألفاظ القرآن"(331)، "التعريفات"(ص 399).
(2)
أخرجه البخاري رقم (5767)، ومسلم رقم (2006).
(3)
انظر: "النهاية"(1/ 759)
(4)
قال ابن الأثير في "النهاية"(2/ 573): الكاهن: الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان، ويدعي معرفة الأسرار.
وانظر: "المجموع المغيث"(3/ 94).
(5)
في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(7/ 154).
(6)
كذا في (أ. ب)، والذي في "الإكمال":"عنه".
(7)
كذا في (أ. ب)، والذي في "الإكمال":"ونفت".
استحالة في ذلك، ولا بعد في وجوده، ولكنهم يصدقون ويكذبون، والنهي عن تصديقهم [وإتيانهم](1) عام.
[و](2) الثالث: المنجمون، وهذا الضرب يخلق الله فيه لبعض الناس قوة ما، لكن الكذب فيه أغلب، ومن هذا الفن العرافة وصاحبها عرَّاف. وهو الذي يستدل على الأمور بأسباب [وعلامات](3) يدعي معرفتها بها. وهذه الأضرب كلها تسمى كهانة وقد أكذبهم ونهى عن إتيانهم وتصديقهم.
قوله في حديث أبي هريرة: "من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر" أي: [قد](4) فَعَلَ فِعْلَ السحرة، وهو من قوله تعالى:{النَّفَّاثَاتِ (5) فِي الْعُقَدِ (4)} (6) أي: النساء السواحر اللواتي ينفثن في العقد يتكلمن بشيء من الكلمات المخالفة للشريعة التي هن كلمات كفرية ثم ينفثن، والنفث دون النفخ، ثم يعقدن ما نفثن فيه فيكون بإذن الله سحراً.
3 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سُحِرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى إِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَ الشَّيْءَ وَمَا فَعَلَهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ وَهْوَ عِنْدِي دَعَا الله ثُمَّ دَعَاهُ، ثُمَّ قَالَ:"أَشَعَرْتِ يَا عَائِشَةُ أَنَّ الله قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا استَفْتَيْتُهُ فِيهِ؟ " قُلْتُ: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: "جَاءَنِي رَجُلَانِ، فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ.
(1) كذا في (أ. ب)، والذي في "الإكمال":"والسماع منهم".
(2)
زيادة من (ب).
(3)
كذا في (أ. ب)، والذي في "الإكمال":"ومقدمات".
(4)
زيادة من (أ).
(5)
قال ابن جرير في "جامع البيان"(24/ 749): وقوله: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4)} [الفلق: 4] يقول: ومن شر السواحر اللاتي ينفثن في عقد الخيط، حين يرقين عليها.
(6)
سورة الفلق: 4.
قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ اليَهُودِيُّ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ. قَالَ: فِيمَاذَا؟ قَالَ: فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ، وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ. قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ". فَذَهَب صلى الله عليه وسلم فِي أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى البِئْرِ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَعَلَيْهَا نَخْلٌ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عَائِشَةَ فَقَالَ: "وَالله لَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ، وَلَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! أَفَأَخْرَجْتَهُ؟ قَالَ: "لَا، أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَافَانِي الله تَعَالى وَشَفَانِي، وَخَشِيتُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ مِنْهُ شَرًّا". وَأَمَرَ بِهَا فَدُفِنَتْ. أخرجه الشيخان (1).
"المَطْبُوبُ" المسحور.
"وَالمُشَاطَةُ" ما يخرج من الشعر إذا مُشِطَ.
"وَالجُفُّ" وِعَاء الطّلْعِ، وغشاؤه الذي يَكِنُّهُ (2).
"وَذَرْوَانُ" بئر في بني زريق.
قوله في حديث عائشة: "سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم" أقول: مغير الصيغة، وقد ورد بيان فاعله، ففي البخاري (3):"سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني زريق" بالزاي قبل الراء مصغراً، يقال له: لبيد بفتح اللام فموحدة مكسورة، بعدها تحتية مثناة، ثم دال مهملة ابن الأعصم بمهملتين. وفي رواية (4): أنه يهودي [266 ب]، وفي أخرى (5): أنه حليف لليهود، وكان منافقاً. وبنو زريق بطن من الأنصار، فمن قال إنه يهودي أطلقه عليه لأنه كان حليفاً لهم.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (3268)، ومسلم رقم (43/ 2189)، وأخرجه أحمد (6/ 57).
(2)
سيأتي شرح الكلمات الغريبة.
(3)
في صحيحه رقم (3268) و (5763).
(4)
أخرجها البخاري رقم (5766).
(5)
أخرجها البخاري في صحيحه رقم (5765).
وقد بين الواقدي السنة (1) التي سحر فيها صلى الله عليه وسلم أنه في المحرم سنة سبع بعد رجوعه صلى الله عليه وسلم من الحديبية، وأن رؤساء اليهود أتوا لبيد بن الأعصم وجعلوا له جعلاً على أن يسحر النبي صلى الله عليه وسلم ففعل.
قال السهيلي (2): أما قدر مدة لبثه صلى الله عليه وسلم مسحوراً فلم أقف في الأحاديث المشهورة على قدرها حتى ظفرت في "جامع معمر" عن الزهري أنه لبث سنة. قال الحافظ ابن حجر (3): وقد وجدناه موصولاً بسند صحيح فهو المعتمد.
قوله: "حتى إنه ليخيل أنه فعل الشيء وما فعله" أقول: قال المازري (4): أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث، وزعموا أنه يحط منصب النبوة ويشكك فيها، وكل ما أدى إلى ذلك فهو باطل، وزعموا أن تجويز هذا يهدم الشرائع التي شرعها، إذ يحتمل على هذا أنه يخيل إليه أنه رأى جبريل وليس هو، وأنه يوحى إليه شيء ولم يوح إليه بشيء.
قال المازري (5): وهذا كله مردود؛ لأن الدليل قد قام على صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن الله، وعلى عصمته في التبليغ، والمعجزات قائمة بتصديقه فتجويز ما قام الدليل على خلافه باطل، وأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث [372/ أ] لأجلها ولا كانت الرسالة من أجلها، فهو في ذلك عرضة لما يعرض للبشر، كالأمراض فغير بعيد أن يخيل إليه في أمر من أمور ما لا حقيقة له مع عصمته عن مثل ذلك في أمور الدين [267 ب]. زاد في رواية في البخاري بعد هذا:"حتى يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن".
(1) ذكره الحافظ في "الفتح"(10/ 226).
(2)
ذكره الحافظ في "الفتح"(3/ 227).
(3)
في "فتح الباري"(10/ 226).
(4)
في "المعلم بفوائد مسلم"(3/ 93).
(5)
في "المعلم بفوائد مسلم"(3/ 93).
قال سفيان: وهذا أشد ما يكون من السحر. قال الداودي (1): يُرى بضم أوله: يظن.
وقال ابن التين: بفتح أوله. قال ابن حجر (2): وهذا من الرأي لا من الرؤية، فيرجع إلى معنى الظن.
قال القاضي عياض (3): يحتمل أن يكون المراد بالتخييل المذكور أنه يظهر له من نشاطه ما ألفه من سابق عادته من الاقتدار على الوطء، فإذا دنا من المرأة فتر كما هو شأن المعقود.
وقال المهلب (4): صونه صلى الله عليه وسلم من الشياطين لا يمنع إرادتهم كيده، فقد مضى في الصحيح:"أن شيطاناً أراد [أن] (5) يفسد عليه صلاته فأمكنه الله منه" فكذلك السحر ما ناله من ضرره ما لا يدخل نقصاً على ما يتعلق بالتبليغ، بل هو من جنس ما كان يناله من ضرر سائر الأمراض من ضعف عن الكلام، أو عجز عن بعض [الفعل](6) أو حدوث تخيل لا يظهر، بل يزول ويبطل الله كيد الشياطين.
قوله: "حتى إذا كان ذات يوم" بالنصب، ويجوز الرفع، [ثم قيل: إنها مقحمة] (7) وقيل: من إضافة الشيء إلى نفسه عند من يجيزه. وهو عندي دعا الله ثم دعاه، في رواية عند مسلم (8):"فدعا ثم دعا ثم دعا" وهذا هو المعهود منه أنه كان يكرر الدعاء ثلاثاً.
(1) ذكره الحافظ في "الفتح"(10/ 227).
(2)
في "فتح الباري"(10/ 227).
(3)
في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(7/ 154 - 155).
(4)
ذكره الحافظ في "الفتح"(10/ 227).
(5)
سقطت من (ب).
(6)
في (ب): "الفحل".
(7)
في (أ. ب) قيله التاء معجمة، وما أثبتناه من "الفتح".
(8)
في صحيحه رقم (43/ 2189).
قال النووي (1): فيه استحباب الدعاء عند حضور الأمور المكروهات وتكريره والالتجاء إلى الله.
قوله: "ثم قال: أشعرت يا عائشة! أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه؟ " أقول: أي: أجابني فيما دعوته، فأطلق على الدعاء استفتاء؛ لأن الداعي طالب، والمجيب مستفتي (2)، والمراد: أجابني عما سألته عنه.
قوله: "قلت: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: جاءني رجلان" أقول: في رواية عند أحمد (3): "أتاني ملكان" وسماهما ابن سعد (4) في رواية منقطعة: "جبريل وميكائيل". [268 ب].
قوله: "فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي" أقول: قال الحافظ (5): لم يقع لي أيهما قعد عند رأسه، لكني أظنه جبريل (6) والسائل هو ميكائيل.
قوله: "فقال أحدهما للآخر: ما وجع الرجل؟ " أقول: لعله فيه إشارة إلى أنهما أتياه في المنام، إذ لو كان في اليقظة لخاطباه وسألاه. وفي بعض الأحاديث دلالة على أنه كان صلى الله عليه وسلم نائماً.
قوله: "مطبوب"(7) أقول: أي: مسحور. يقال: طب الرجل بالضم إذا سحر، يقال: كنوا بالطب عن السحر تفاؤلاً.
(1) في شرحه لصحيح مسلم (14/ 176 - 177).
(2)
كذا في (أ. ب)، والذي في "الفتح":"مفتٍ".
(3)
في "المسند"(6/ 57).
(4)
ذكره الحافظ في "الفتح"(10/ 228).
(5)
في "فتح الباري"(10/ 228).
(6)
قال الحافظ: لخصوصيته به عليهما السلام، ثم وجدت في السيرة للدمياطي: الجزم بأنه جبريل، قال: لأنه أفضل.
(7)
انظر: "النهاية في غريب الحديث"(2/ 100)، "الفائق" للزمخشري (3/ 179).
وقال ابن الأنباري (1): الطب من الأضداد، يقال لعلاج الداء طب، والسحر من الداء يقال له: طب.
قال القرطبي (2): إنما قيل للسحر طب؛ لأن أصل الطب الحذق بالشيء والتفطن له، فلما كان كل من علاج المرض والسحر لا يكون إلا عن فطنة وحذق؛ أطلق على كل منهما هذا الاسم.
قوله: "قال: من طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي من بني زريق" أقول: تقدم ضبطه وبيان أنه ليس من اليهود أنفسهم، بل حليف لهم من بني زريق بطن من الأنصار.
قوله: "في مشط ومشاطة" المشط بضم الميم وسكون الشين المعجمة فيهما، وقد يضم ثانيه مع ضم أوله، وهو الآلة المعروفة التي يسرح بها الشعر، ووقع في رواية عمرة عن عائشة:"فإذا فيها مشط رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن مشاطة رأسه" وفي حديث ابن عباس (3): "ومن شعر رأسه".
قوله: "وجف طلعة" بضم الجيم ففاء وهو وعاء الطلع وغشاوة الذي يكنه، وفي رواية:"جب" بالموحدة. قال القرطبي (4): روايتنا في مسلم (5) بالفاء. وقال النووي (6): في أكثر نسخ بلادنا بالباء، يعني في مسلم، وفي بعضها بالفاء، وهما بمعنى واحد.
(1) ذكره الحافظ في "الفتح"(10/ 228).
(2)
في "المفهم"(5/ 571).
(3)
ذكره الحافظ في "الفتح"(10/ 229).
(4)
في "المفهم"(5/ 572).
(5)
في صحيحه رقم (2189).
(6)
في شرحه لصحيح مسلم (14/ 177).
قوله: "قال: فأين هو؟ قال: في بئر ذروان" أقول: بفتح الذال [269 ب] المعجمة فراء مفتوحة فواو ساكنة.
قوله: "فذهب النبي صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه إلى البئر، فنظر إليها وعليها نخل" أقول: في رواية عمرة عن عائشة: "فنزل رجل فاستخرجه وإنه وجد في الطلعة تمثالاً من شمع، تمثال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا فيه إبر مغروزة، وإذا [373/ أ] وتر فيه إحدى عشرة عقدة، فنزل جبريل بالمعوذتين، فكان كلما قرأ آية انحلت عقدة وكلما نزع إبرة وجد لها ألماً ثم يجد بعدها راحة".
قوله: "ثم رجع إلى عائشة فقال: يا عائشة" وفيه: "لكان ماؤها نقاعة الحناء" أقول: بضم النون وتخفيف القاف. والحناء معروف، وهو بالمد، أي: لون ماء العين، لون الماء الذي ينقع فيه الحناء. قال ابن التين (1): يعني أحمر. وقال الداودي (2): المراد الماء الذي يكون من غسالة الإناء الذي يعجن فيه الحناء.
قوله: "وكأن نخلها رؤوس الشياطين" أقول: قد [وقع](3) تشبيه شجرة الزقوم برؤوس الشياطين؛ لأنها موصوفة بالقبح. وقد تقرر في اللسان أن من قال: فلان شيطان؛ أراد به خبيث أو قبيح (4).
قوله: "فقلت: يا رسول الله! أفأخرجته؟ قال: أما أنا فقد عافاني الله وشافاني، وخشيت أن أثير على الناس منه شر، وأمر بها فدفنت" أقول: قال النووي (5): خشي صلى الله عليه وسلم من إخراجه
(1) ذكره الحافظ في "الفتح"(10/ 230).
(2)
ذكره الحافظ في "الفتح"(10/ 230).
(3)
زيادة من (أ).
(4)
انظر: "فتح الباري"(10/ 230).
(5)
في شرحه لصحيح مسلم (14/ 178).
وإشاعته ضرر على المسلمين ممن تذكر السحر وتعلمه ونحو ذلك. وهو من باب ترك المصلحة خوف المفسدة.
4 -
وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: "سُحِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَاشْتَكَى لِذَلِكَ أَيَّامًا، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنَّ رَجُلاً مِنَ اليَهُودِ سَحَرَكَ، عَقَدَ لَكَ عُقَدًا فِي بِئْرِ كَذَا وَكَذَا. فَأَرْسَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلِيّاً فَاسْتَخْرَجَهَا فَحَلَّهَا. فَقَام صلى الله عليه وسلم كَأنَّمَا نَشِطَ مِنْ عِقَالٍ. فَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ لِذَلِكَ اليَهُودِيِّ وَلَا رَآه فِي وَجْهِهِ قَطُّ". أخرجه النسائي (1). [إسناده صحيح]
قوله: "وعن زيد بن أرقم قال: سحر النبي صلى الله عليه وسلم" أقول: تقدم بيان من سحره، ويأتي في الحديث نفسه.
وقوله: "فاشتكى لذلك أياماً" تقدم أنه ستة (2).
وقوله: "أتاه جبريل فقال: إن رجلاً من اليهود سحرك، عقد لك عقداً" تقدم [270 ب] أنها إحدى (3) عشرة.
"في بئر كذا وكذا" تقدم أنها بئر ذروان.
(1) في "السنن" رقم (4080) بإسناد صحيح.
(2)
قال الحافظ في "الفتح"(10/ 226): ووقع في رواية أبي هريرة عند الإسماعيلي: "فأقام أربعين ليلة" وفي رواية وهيب عن هشام عند أحمد: "ستة أشهر"، ويمكن الجمع بأن تكون الستة أشهر من ابتداء تغير مزاجه، والأربعين يوماً من استحكامه. وقال السهيلي: لم أقف في شيء من الأحاديث المشهورة على قدر المدة التي مكث النبي صلى الله عليه وسلم فيها في السحر حتى ظفرت به في "جامع معمر" عن الزهري: أنه لبث ستة أشهر، كذا قال، وقد وجدناه موصولاً بإسناد الصحيح، فهو المعتمد.
(3)
انظر: "فتح الباري"(10/ 230).
"فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً فاستخرجها فحلها" أي: حل العقد، وتقدم أنه تلا آيات المعوذات، وحلَّ بكل آية عقدة، ولم يذكر هنا أنه صلى الله عليه وسلم أتى (1) البئر، فيكون قد اختصر ذلك من هذه الرواية.
قوله: "فقام صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال، فما ذكر لذلك اليهودي، ولا رآه في وجهه قط".
أقول: وقع في حديث عمرة عن عائشة: فقيل: يا رسول الله! لو قتلته؟ قال: " [ما] (2) وراءه من عذاب الله أشد"، وفي رواية لها:"فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف فعفا عنه".
وفي مرسل (3) عمر بن الحكم قال: "ما حملك على هذا؟ " قال: حب الدنانير. قلت: وذلك أن في رواية (4) مرسلة: أنه جاءت رؤساء اليهود إلى لبيد بن الأعصم، وكان حليفاً في بني زريق، وكان ساحراً، فقالوا له: يا أبا الأعصم! أنت أسحرنا، وقد سحرنا محمد فلم يصنع شيئاً، ونحن نجعل لك جعلاً على أن تسحره لنا بسحر [شكاة](5) فجعلوا له دنانير
…
الحديث.
قيل: وليس فيه دليل على أنه لا يقتل الساحر؛ لأن تركه صلى الله عليه وسلم قتله لئلا يثير بقتله فتنة، ولئلا ينفر الناس عن الأمور في الإسلام، وهو من جنس ما راعاه صلى الله عليه وسلم من منع قتل المنافقين
(1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (5765).
(2)
زيادة من (أ).
(3)
ذكره الحافظ في "الفتح"(10/ 231).
(4)
ذكرها الحافظ في "الفتح"(10/ 226).
(5)
كذا في المخطوط (أ. ب)، والذي في "الفتح":"ينكؤه".
حيث قال: "لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه"(1) وقد كان لبيد أظهر الإسلام، وكان صلى الله عليه وسلم يؤثر الإغضاء على من أظهر الإسلام.
(1) أخرجه أحمد (3/ 393)، والبخاري رقم (4905، 4907)، ومسلم رقم (2584)، والترمذي رقم (3315)، والطيالسي رقم (1708) كلهم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.