الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد أسند أبو يعلى (1) بسند رجاله ثقات، عن أبي هريرة: أنه دخل عيينة بن حصن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه يقبل الحسن والحسين؛ فقال: أتقبلهما يا رسول الله؟ الحديث.
قوله: "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لا يَرحم لا يُرحم" أقول: بالجزم والرفع في اللفظين، وهو عام يتناول رحمه الله الأطفال وغيرهم.
وفيه: أن تقبيل الأولاد من الرحمة.
قوله: "أو أملك" أقول: بهمزة الاستفهام (2) والواو للعطف على مقدر بعدها، كأنه يقول: وأن بفتح الهمزة مفعول أملك، أي: لا أقدر أن أضع الرحمة في قلبك.
الفصل الثاني: في ذكر رحمة الله تعالى
1 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لمَّا قَضَى الله الخَلْقَ. وعند مسلم: لمَّا خَلَقَ الله الخَلْقَ كَتَبَ في كِتَابٍ فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتي تَغْلِبُ غَضَبِي". أخرجه الشيخان (3) والترمذي (4). [صحيح]
وعند البخاري (5) في أخرى: "إنَّ رَحْمَتي غَلَبَتْ غَضَبِي". [صحيح]
وعند الشيخين (6) في أخرى: "سَبَقَتْ غَضَبِي". [صحيح]
قوله: "الفصل الثاني من فصول الراء".
(1) في مسنده رقم (5892، 5983، 6113) بسند صحيح.
(2)
قال الحافظ في "الفتح"(10/ 430): قوله: "أو أملك" هو بفتح الواو والهمزة الأولى للاستفهام الإنكاري، ومعناه النفي، أي: لا أملك، أي: لا أقدر أن أجعل الرحمة في قلبك بعد أن نزعها الله منه.
(3)
البخاري رقم (3194، 7422، 7453)، ومسلم رقم (14/ 2751).
(4)
في "السنن" رقم (3543).
(5)
في صحيحه رقم (3194).
(6)
البخاري رقم (7422)، ومسلم رقم (5/ 2751).
قوله: "في حديث أبي هريرة: كتب" أقول: قال الخطابي (1): المراد بالكتاب؛ إما القضاء الذي قضاه، كقوله:{كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} (2) أي: قضى ذلك، ويكون معنى قوله:"فوق العرش" أي: عنده علم ذلك، فهو لا ينساه ولا يبدله، كقوله:{فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52)} (3). وإما في اللوح المحفوظ الذي فيه [132 ب] أصناف الخلق، وبيان أمورهم، وآجالهم، وأرزاقهم، وأحوالهم، ويكون معنى:"فهو عنده فوق العرش"(4) أي: ذكره وعلمه، فكل ذلك جارٍ على أن العرش خلق مخلوق تحمله الملائكة. انتهى.
قلت: والعندية؛ من جملة ما يجب الإيمان به ويوكل إلى الله كسائر صفاته. والمراد من هذه الصفة عنايته تعالى بالكتاب؛ وهي عناية بما فيه من صفة سبق رحمته غضبه، والمراد من سبقها الغضب أنهن باعتبار التعليق، أي: تعلق الرحمة سابق غالب على تعلق الغصب؛ لأن الرحمة مقتضى ذاته المقدسة. والغضب (5) يتوقف على سابقة عمل من العبد.
(1) ذكره الحافظ في "الفتح"(13/ 413).
(2)
سورة المجادلة: 21.
(3)
سورة طه: 52.
(4)
واعلم أن أهل السنة والجماعة يعتقدون أن الله فوق جميع مخلوقاته، مستو على عرشه في سمائه، عالياً على خلقه، بائناً منهم، يعلم أعمالهم، ويسمع أقوالهم، ويرى حركاتهم وسكناتهم، لا تخفى عليه خافية. وقد تقدم تفصيله وأدلته.
انظر: "العلو" للذهبي، و"إثبات صفة العلو" لابن قدامة.
(5)
الغضب صفة فعلية خبرية ثابتة لله عز وجل بالكتاب والسنة.
الدليل من الكتاب:
منها: قوله تعالى: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} [طه: 81].
وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [الممتحنة: 13]. =
وقيل: معنى الغلبة (1) الكثرة والشمول.
قلت: قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} (2)، وقالت الملائكة:{رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} (3) أخرج عبد الرزاق (4)، وأحمد في "الزهد"(5) وغيرهما عن
= والدليل من السنة: حديث أبي هريرة الذي ذكر.
وما أخرجه البخاري رقم (3340)، ومسلم رقم (194) وفيه: "
…
إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله
…
".
وأهل السنة والجماعة يثبتون صفة الغضب لله عز وجل بوجه يليق بجلاله وعظمته، لا يكيفون ولا يشبهون ولا يؤولون، كمن يقول: الغضب إرادة العقاب، ولا يعطلون، بل يقولون: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. انظر: "شرح الطحاوية"(ص 463)، "الحجة في بيان المحجة"(2/ 457).
(1)
الغلبة صفة ذاتية ثابتة لله عز وجل بالكتاب والسنة، فالله غالب على أمره ولا غالب عليه.
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)} [يوسف: 21].
وقوله تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [المجادلة: 21].
الدليل من السنة:
ما أخرجه البخاري رقم (4114) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "لا إله إلا الله وحده، أعز جنده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده"، قال السعدي في تفسيره (2/ 420): قوله: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} [يوسف: 21] أي: أمره تعالى نافذ لا يبطله مبطل، ولا يغلبه مغالب.
(2)
سورة الأعراف: 156.
(3)
سورة غافر: 7.
(4)
عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(3/ 571).
(5)
لم يعزه السيوطي في "الدر المنثور"(3/ 571) إلى أحمد في "الزهد"، بل عزاه لعبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ.
الحسن وقتادة في قوله: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} (1) قالا: وسعت رحمته في الدنيا البر والفاجر، وهي يوم القيامة للذين اتقوا خاصة.
2 -
وعنه رضي الله عنه قال: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "جَعَلَ الله الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتسْعينَ، وَأَنْزَلَ فِي الأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا، فَمِنْ ذَلِكَ الجُزْءِ تَتَرَاحَمُ الخَلَائِقُ، حَتَّى تَرْفَعَ الفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيًةَ أَنْ تُصيبَهُ". أخرجه الشيخان (2) والترمذي (3). [صحيح]
قوله: "في حديث أبي هريرة الثاني: جعل الله الرحمة مائة جزء" أقول: قال ابن أبي جمرة (4) ما حاصله: كما حصله في "الفتح"(5): إن الرحمة رحمتان: رحمة من صفة الذات وهي التي لا تتعدد. ورحمة من صفة الفعل وهي إليها هنا.
قوله: "وأنزل في الأرض جزءاً واحداً" قال القرطبي (6): هذا نص في أن الرحمة [328/ أ] يراد بها متعلق الإرادة لا نفس الإرادة؛ وأنها راجعة إلى المنافع والنعم.
قوله: "الدابة" أقول: لفظ البخاري (7)[133 ب]: "حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها".
(1) سورة الأعراف: 156.
(2)
البخاري رقم (6000)، وطرفه رقم (6469)، ومسلم رقم (2752).
(3)
في "السنن" رقم (3541).
(4)
ذكره الحافظ في "فتح الباري"(10/ 432).
(5)
(10/ 432).
(6)
في "المفهم".
(7)
في صحيحه رقم (6000).
قال ابن أبي جمرة (1): خص الفرس بالذكر؛ لأنها أشد الحيوان المألوف الذي يشاهد المخاطبون حركته مع ولده ولما في الفرس من الخفة والسرعة في التنقل. ومع ذلك تتجنب أن يصل الضرر إلى ولدها.
قوله: "خشية أن تصيبه" أقول: قال ابن الأثير (2): هذه رواية البخاري ومسلم ولم يذكر معهما الترمذي، ثم ذكر رواية الترمذي بلفظ:"خلق الله مائة رحمة فوضع واحدة بين خلقه وعند الله تسعة وتسعون رحمة". قال: وللترمذي (3) في رواية أخرى: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في الجنة، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من الجنة أحد".
قال ابن الأثير (4): وللبخاري (5): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة، فأمسك عنده تسعة وتسعين رحمة، وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة، ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن [من] (6) النار".
3 -
وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ لله مِائَةَ رَحْمَةٍ، فَمِنْهَا رَحْمَةٌ يتراحَمُ بِهَا الخَلقُ بَيْنَهُمْ، وَتسْعَةٌ وتسْعُونَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ". أخرجه مسلم (7). [صحيح]
(1) ذكره الحافظ في "الفتح"(10/ 430).
(2)
في "الجامع"(4/ 519 رقم 2623).
(3)
في "السنن" رقم (3542).
(4)
في "الجامع"(4/ 520).
(5)
في صحيحه رقم (6469).
(6)
سقطت من (أ).
(7)
في صحيحه رقم (20/ 2753).
4 -
وله (1) في أخرى: "إِنَّ الله تَعَالى خَلَقَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِائَةَ رَحْمَةٍ، كُلُّ رَحْمَةٍ طِبَاقَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَجَعَلَ مِنْهَا في الأَرْضِ رَحْمَةً وَاحِدَة فِيْهَا تَعْطِفُ الوَالِدَةُ عَلَى وَلَدِهَا، وَالوَحْشُ وَالطَّيْرُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ أَكمَلَهَا الله تَعَالَى بِهَذِهِ الرَّحْمَةِ". [صحيح]
قال: ولمسلم: "إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام؛ فيها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها، وأخر تسعة وتسعين رحمة؛ يرحم الله بها عباده يوم القيامة".
قال: وله في أخرى: "خلق الله مائة رحمة فوضع واحدة بين خلقه؛ وخبأ عنده مائة [134 ب] إلا واحدة" انتهى كلام ابن الأثير (2).
قوله: "طباق الأرض" بكسر الطاء فموحدة آخره قاف؛ في "النهاية": أي: كغشائها.
5 -
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قُدِمَ عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسَبْيٍ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ تَسْعَى قَدْ تحَلَّبَ ثَدْيُهَا إِذْ وَجَدَتْ صَبِيًّا في السَّبْيِ فأَخَذَتْهُ فَألزَقَتْهُ بِبَطْنِهَا فَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"أترونَ هَذ المَرأَةَ طَارِحَةً وَلدهَا في النَّارِ؟ " قُلْنَا: لَا وَالله، وَهْيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ. قَالَ:"فَالله تَعَالى أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذ بِوَلَدِهَا". أخرجه الشيخان (3). [صحيح]
قوله: "في حديث عمر بن الخطاب: بسبي" أقول: هم سبي هوازن، كما قاله في "الفتح"(4)، وفيه:"أن تحلب ثديها" أنه بسكون المهملة من يحلب، وضم اللام. و"ثديها" بالنصب ورواية:"قد تحلّب" بفتح الحاء وتشديد اللام، أي: تهيأ لأن تحلب، وثديها بالرفع،
(1) أي لمسلم في صحيحه رقم (21/ 2753).
(2)
في "الجامع"(4/ 521).
(3)
البخاري في صحيحه رقم (5999)، ومسلم رقم (2754).
(4)
"فتح الباري"(10/ 430).
و"تسعى" من السعي وهو المشي بسرعة، وفي رواية لمسلم (1):"تبتغي" من الابتغاء وهو الطلب.
قوله: "فألزقته ببطنها" أقول: في "فتح الباري"(2) كذا للجميع، ولمسلم وحذف منه شيء بينته رواية الإسماعيلي ولفظه:"إذ وجدت صبياً فأرضعته" وقد صرحت الرواية أنه ابنها.
وقوله: "أترون" بضم المثناة الفوقية: أتظنون.
قوله: "قلنا: لا، وهي تقدر [على أن] (3) تطرحه" أو لا تطرحه أبداً.
وقوله: "لله" بفتح اللام [وفي رواية: "والله"](4).
وقوله: "بعباده" المراد من مات منهم على الإِسلام، كما يؤيده ما أخرجه أحمد (5) والحاكم (6) من حديث [أنس] (7) قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه وصبي على الطريق، فلما رأت أمه القوم خشيت على ولدها أن يوطأ، فأقبلت تسعى وتقول: ابني ابني، وسعت
(1) في صحيحه رقم (22/ 2754).
(2)
(10/ 430).
(3)
كذا في (أ. ب)، والذي في "الفتح":"على أن لا".
(4)
في (أ): وزاد: "والله والله".
قال الحافظ في "الفتح"(10/ 431): قوله: (لله) بفتح أوله لام تأكيد، وصرح بالقسم في رواية الإسماعيلي فقال: "والله لله أرحم
…
".
(5)
في "المسند"(3/ 104) بإسناد صحيح.
(6)
في "المستدرك"(1/ 58)، (4/ 177).
(7)
زيادة من (أ).