المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الأول: في ذكر اسم الله الأعظم وأسمائه الحسنى - التحبير لإيضاح معاني التيسير - جـ ٤

[الصنعاني]

فهرس الكتاب

- ‌حرف الدال

- ‌كتاب: الدعاء

- ‌[الباب الأول: في آدابه:

- ‌الفصل الأول: في فضله ووقته

- ‌الفصل الثاني: في هيئة الداعي

- ‌الفصل الثالث: في كيفية الدعاء

- ‌الفصل الرابع: في أحاديث متفرقة

- ‌الباب الثاني: في أقسام الدعاء

- ‌[القسم الأول: في الأدعية المؤقتة المضافة إلى أسبابها، وفيه عشرون فصلاً]

- ‌الفصل الأول: في ذكر اسم الله الأعظم وأسمائه الحسنى

- ‌(فائدة: ذكر شرح أسماء الله الحسنى)

- ‌الفصل الثاني: في أدعية الصلاة مفصلاً - الاستفتاح

- ‌الركوع والسجود

- ‌بعد التشهد

- ‌بعد السلام

- ‌الفصل الثالث: في الدعاء عند التهجد

- ‌الفصل الرابع: في الدعاء عند الصباح والمساء

- ‌الفصل الخامس: في أدعية النوم والانتباه

- ‌الفصل السادس: في أدعية الخروج من البيت والدخول إليه

- ‌الفصل السابع: في أدعية المجلس والقيام منه

- ‌الفصل الثامن: في أدعية السفر

- ‌الفصل التاسع: في أدعية الكرب والهم

- ‌الفصل العاشر: في أدعية الحفظ

- ‌الفصل الحادي عشر: في دعاء اللباس والطعام

- ‌الفصل الثاني عشر: في دعاء قضاء الحاجة

- ‌الفصل الثالث عشر: في دعاء الخروج من المسجد والدخول إليه

- ‌الباب الرابع عشر: في دعاء رؤية الهلال

- ‌الفصل الخامس عشر: في دعاء الرعد والريح والسحاب

- ‌الفصل السادس عشر: في دعاء يوم عرفة وليلة القدر

- ‌الفصل السابع عشر: في دعاء العطاس

- ‌الفصل الثامن عشر: في دعاء داود عليه السلام

- ‌الفصل التاسع عشر: في دعاء قوم يونس عليه السلام

- ‌الفصل العشرون: في الدعاء عند رؤية المبتلى

- ‌القسم الثاني من الباب الثاني: في أدعية غير مؤقتة ولا مضافة

- ‌الباب الثالث: فيما يجري في مجرى الدعاء

- ‌الفصل الأول: في الاستعاذة

- ‌الفصل الثاني: في الاستغفار والتسبيح والتهليل والتكبير والتحميد والحوقلة

- ‌الفصل الثالث: في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌كتاب: الديات

- ‌الفصل الأول: في دية النفس

- ‌الفصل الثاني: في دية الأعضاء والجراح العين

- ‌الأضراس

- ‌الأصابع

- ‌الجراح

- ‌الفصل الثالث: فيما جاء من الأحاديث مشتركاً بين النفس والأعضاء

- ‌الفصل الرابع: في دية الجنين

- ‌الفصل الخامس: في قيمة الدية

- ‌الفصل السادس: في أحكام تتعلق بالديات

- ‌كتاب: الدين وآداب الوفاء

- ‌حرف الذال

- ‌كتاب: الذكر

- ‌كتاب: الذبائح

- ‌الفصل الأول: في آداب الذبح ومنهياته

- ‌الفصل الثاني: في هيئة الذبح وموضعه

- ‌الفصل الثالث: في آلة الذبح

- ‌كتاب: ذم الدنيا وأماكن من الأرض

- ‌الفصل الأول: [في ذم الدنيا

- ‌الفصل الثاني: في ذم أماكن من الأرض

- ‌حرف الراء

- ‌كتاب: الرحمة

- ‌الفصل الأول: في الحث عليها

- ‌الفصل الثاني: في ذكر رحمة الله تعالى

- ‌الفصل الثالث: فيما جاء من رحمة الحيوان

- ‌كتاب: الرفق

- ‌كتاب: الرهن

- ‌كتاب: الرياء

- ‌حرف الزاي

- ‌كتاب: الزكاة

- ‌الباب الأول: في وجوبها وإثم تاركها

- ‌الباب الثاني: في أحكام الزكاة المالية

- ‌الفصل الأول: فيما اشتركن فيه من الأحاديث

- ‌الفصل الثاني: في زكاة النعم

- ‌الفصل الثالث: في زكاة الحلي

- ‌الفصل الرابع: في زكاة الثمار والخضروات

- ‌الفصل الخامس: في زكاة المعدن والركاز

- ‌الفصل السادس: في زكاة الخيل والرقيق

- ‌الفصل السابع: في زكاة العسل

- ‌الفصل الثامن: في زكاة مال اليتيم

- ‌الفصل التاسع: في تعجيل الزكاة

- ‌الفصل العاشر: في أحكام متفرقة للزكاة

- ‌الباب الثالث: في زكاة الفطر

- ‌الباب الرابع: في عامل الزكاة وما يجب له عليه

- ‌الباب الخامس: فيمن تحل له الصدقة ومن لا تحل

- ‌الفصل الأول: فيمن لا تحل له

- ‌الفصل الثاني: فيمن تحل له الصدقة

- ‌كتاب: الزهد والفقر

- ‌الفصل الأول: في مدحهما والحث عليهما

- ‌الفصل الثاني: فيما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عليه من الفقر

- ‌كتاب: الزينة

- ‌الباب الأول: في الحليّ

- ‌الباب الثاني: في الخضاب

- ‌الباب الثالث: في الخلوق

- ‌الباب الرابع: في الشعور شعر الرأس - الترجيل

- ‌الحلق

- ‌الوصل

- ‌السدل والفرق

- ‌نتف الشيب

- ‌قص الشارب

- ‌الباب الخامس: في الطيب والدهن

- ‌الباب السادس: في أمور من الزينة متعددة

- ‌الباب السابع: في النقوش والصور والستورذم المصورين

- ‌كراهة الصور والستور

- ‌حرف السين

- ‌كتاب: السخاء والكرم

- ‌كتاب: السفر وآدابه

- ‌النوع الأول: في يوم الخروج

- ‌النوع الثاني: في الرفقة

- ‌النوع الثالث: في السير والنزول

- ‌النوع الرابع: في إعانة الرفيق

- ‌النوع الخامس: في سفر المرأة

- ‌النوع السادس: فيما يذم استصحابه في السفر

- ‌النوع السابع: في القفول من السفر

- ‌النوع الثامن: في سفر البحر

- ‌النوع التاسع: في تلقي المسافر

- ‌النوع العاشر: في ركعتي القدوم

- ‌كتاب: السبق والرمي

- ‌الفصل الأول: في أحكامهما

- ‌الفصل الثاني: فيما جاء من صفات الخيل

- ‌كتاب: السؤال

- ‌كتاب: السحر والكهانة

- ‌حرف الشين

- ‌كتاب: الشراب

- ‌الباب الأول: في آدابه

- ‌الفصل الأول: في الشرب قائمًا: جوازه

- ‌الفصل الثاني: في الشرب من أفواه الأسقية جوازه

- ‌الفصل الثالث: في التنفس عند الشرب

- ‌الفصل الرابع: في ترتيب الشاربين

- ‌الفصل الخامس: في تغطية الإناء

- ‌الفصل السادس: في أحاديث متفرقة

- ‌الباب الثاني: في الخمور والأنبذة

- ‌الفصل الأول: في تحريم كل مسكر

- ‌الفصل الثاني: في تحريم المسكر وذم شاربه

- ‌الفصل الثالث: في تحريمها ومن أي شيء هي

- ‌الفصل الرابع: فيما يحل من الأنبذة وما يحرم

- ‌الفصل الخامس: في الظروف وما يحل منها وما يحرم

- ‌الفصل السادس: في لواحق الباب

- ‌كتاب: الشركة

- ‌كتاب: الشعر

الفصل: ‌الفصل الأول: في ذكر اسم الله الأعظم وأسمائه الحسنى

‌الباب الثاني: في أقسام الدعاء

وفيه قسمان قد أتى بهما وفصلهما، فالأول: ما أضيف إلى وقت؛ كأدعية يوم عرفة، أو عند وقت النوم، والدعاء وقت هبوب الريح والرعد والسحاب، وغير ذلك مما يأتي، كليلة القدر وأدعية الصلاة.

[القسم الأول: في الأدعية المؤقتة المضافة إلى أسبابها، وفيه عشرون فصلاً]

(1)

‌الفصل الأول: في ذكر اسم الله الأعظم وأسمائه الحسنى

قوله: "الفصل الأول: في ذكر اسم الله الأعظم وأسمائه الحسنى" من عطف الأعم على الأخص، فإن اسمه الأعظم من أسمائه الحسنى، وهكذا ترجم ابن الأثير (2) الباب من أوله إلى هنا، إلا أنه لا يخفى أن ذكر هذا الفصل الأول ليس [408 ب] المذكور فيه من الأدعية المؤقتة المضافة إلى أسبابها.

واسمه تعالى الأعظم قد وصفه صلى الله عليه وسلم بوصف كاشف عن حقيقته بقوله: "الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى" كما يأتي.

واعلم أن المراد من أسمائه الحسنى هي صفاته (3) تعالى.

(1) زيادة من (ب).

(2)

في "جامع الأصول"(4/ 169).

(3)

وإليك معنى الاسم والصفة والفرق بينهما:

الاسم: "هو ما دل على معنى في نفسه"، "وأسماء الأشياء هي الألفاظ الدالة عليها"، "وقيل: الاسم ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل".

الصفة: "هي الاسم الدال على بعض أحوال الذات"، "وهي ما وقع الوصف مشتقاً منها، وهو دال عليها، وذلك مثل العلم والقدرة ونحوه". =

ص: 50

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وقال ابن فارس: "الصفة: الأمارة اللازمة للشيء"، وقال:"النعت: وصفك الشيء بما فيه من حسن".

انظر: "التعريفات" للجرجاني (ص 24، 133)، "الكليات"(ص 83، 546)، "مقاييس اللغة"(5/ 448)، "مجموع فتاوى"(6/ 195).

فأسماء الله كل ما دل على ذات الله مع صفات الكمال القائمة به؛ مثل: القادر، العليم، الحكيم، السميع البصير؛ فإن هذه الأسماء دلت على ذات الله، وعلى ما قام بها من العلم والحكمة والسمع والبصر، أما الصفات؛ فهي نعوت الكمال القائمة بالذات؛ كالعلم والحكمة والسمع والبصر؛ فالاسم دل على أمرين، والصفة دلت على أمر واحد، ويقال: الاسم متضمن للصفة، والصفة مستلزمة للاسم

".

ولمعرفة ما يميز الاسم عن الصفة والصفة عن الاسم أمور؛ منها:

أولاً: أن الأسماء يشتق منها صفات، أما الصفات؛ فلا يشتق منها أسماء، فنشتق من أسماء الله الرحيم والقادر والعظيم صفات الرحمة والقدرة والعظمة، لكن لا نشتق من صفات الإرادة والمجيء والمكر اسم المريد والجائي والمكر.

فأسماؤه سبحانه وتعالى أوصاف؛ كما قال ابن القيم في "النونية":

أَسماؤُهُ أَوْصافُ مَدْحٍ كُلَّها

مُشْتَقَّةٌ قَدْ حُمِّلَتْ لِمَعانِ

ثانياً: أن الاسم لا يشتق من أفعال الله؛ فلا نشتق من كونه يحب ويكره ويغضب اسم المحب والكاره والغاضب، أما صفاته؛ فتشتق من أفعاله، فنثبت له صفة المحبة والكره والغضب ونحوها من تلك الأفعال، لذلك قيل:"باب الصفات أوسع من باب الأسماء".

ثالثاً: أن أسماء الله عز وجل وصفاته تشترك في الاستعاذة بها والحلف بها، لكن تختلف في التعبد والدعاء، فيتعبد الله بأسمائه، فنقول: عبد الكريم، وعبد الرحمن، وعبد العزيز، لكن لا يتعبد بصفاته؛ فلا نقول: عبد الكرم، وعبد الرحمة، وعبد العزة، كما أنه يدعى الله بأسمائه، فنقول: يا رحيم! ارحمنا، ويا كريم! أكرمنا، ويا لطيف! الطف بنا، لكن لا ندعو صفاته فنقول: يا رحمة الله! ارحمينا، أو: يا كرم الله! أو يا لطف الله! ذلك أن الصفة ليست هي الموصوف؛ فالرحمة ليست هي الله، بل هي صفة لله، وكذلك العزة وغيرها؛ فهذه صفات لله، ولذلك يجب التفريق بين دعاء الصفة وبين دعاء الله بصفة من صفاته، فلا بأس أن تقول: اللهم ارحمنا برحمتك .. =

ص: 51

كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (1).

وفي كتب التفسير (2): الحسنى التي هي أحسن الأسماء؛ لأنها تدل على معانٍ حسان من تمجيد وتقديس "فسموه بها" سموه بتلك الأسماء، وقيل: الأوصاف الحسنى وهي الوصف بالعدل والخير والإحسان ونحو ذلك، والحسنى تأنيث الأحسن.

1 -

عن بريدة رضي الله عنه قال: سَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً يَقُولُ: اللهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ: أَنْتَ الله لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ، فَقَالَ:"والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَقَد سَأل الله بِاسْمِهِ الأَعْظَمِ، الَّذِي إِذا دُعِيَ بِهِ أَجابَ وَإِذا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى". أخرجه أبو داود (3) والترمذي (4). [صحيح]

قوله: "في حديث بريدة: سمع رجلاً" هو أبو عياش (5) الزرقي الأنصاري، واسمه زيد ابن الصامت، ويقال عبد الرحمن، ويقال عبيد بن الصامت، ذكره القسطلاني.

= وليست هي الله، ولا يجوز التعبد إلا لله، ولا يجوز دعاء إلا الله؛ لقوله تعالى:{يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور: 55]، وقوله:{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]

وغيرها من الآيات.

انظر: "مدارج السالكين"(3/ 415)، "مجموع فتاوى"(6/ 198 - 205)، "العقيدة التدمرية"(ص 58)، "بدائع الفوائد"(1/ 162).

(1)

سورة الأعراف: 180.

(2)

انظر: "جامع البيان"(10/ 180 - 181)، "تفسير ابن كثير"(6/ 180)، "مفردات ألفاظ القرآن"(ص 235 - 236).

(3)

في "السنن" رقم (1493).

(4)

في "السنن" رقم (3475)، وأخرجه ابن ماجه رقم (3875)، وهو حديث صحيح.

(5)

انظر: "تهذيب التهذيب"(4/ 568 - 569).

ص: 52

قوله: "اللهم إني أسألك بأني أشهد" أي: بسبب أني أشهد، أو مستعيناً، أو نحو ذلك، ويأتي تفسير ما فيه من الألفاظ، وقد حذف المسئول الذي يسأله؛ لأن الأهم ما ذكر من التنصيص على اسم الله الأعظم، والكلام يحتمل أن كل ما ذكر هو الاسم، ويحتمل أنه أحد الألفاظ من بعد قوله:"أشهد أنك"، ولكن من أراد الدعاء بالاسم الأعظم أتى بهذه الألفاظ؛ كلها لأنه غير معين فيها.

قوله: "هذه رواية الترمذي".

قلت: وقال (1): حسن غريب.

2 -

وعن محجن بن الأدرع رضي الله عنه قال: سَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً يَقُولُ: اللهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بالله الأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، فَقَالَ:"قَدْ غُفِرَ لَهُ، قَدْ غُفِرَ لَهُ، قَدْ غُفِرَ لَهُ". أخرجه أبو داود (2) والنسائي (3).

قوله: "وعن محجن" بكسر الميم وسكون الحاء المهملة وفتح الجيم وبالنون.

"ابن الأدرع"[409 ب] بفتح الهمزة وسكون الدال المهملة وفتح الراء وبالعين المهملة وهو الأسلمي من بني أسلم بن أفصي بالفاء والصاد المهملة، كان محجن قديم الإسلام عداده في البصريين. قاله ابن الأثير (4).

ويقال: إنه ليس له في الكتب الستة إلا هذا الحديث.

قوله: "قد غفر له، قد غفر له، قد غفر له" فيه دليل على إجابة الداعي بهذه الأسماء الحسنى، إما لأنها اشتملت على الاسم الأعظم، أو لأمر آخر.

(1) في "السنن"(5/ 516).

(2)

في "السنن" رقم (985).

(3)

في "السنن" رقم (1301)، وهو حديث صحيح.

(4)

في "أسد الغابة"(5/ 64 رقم 4684)، وانظر:"الإصابة" رقم (7754).

ص: 53

3 -

وعن أنس رضي الله عنه قال: دَعَا رَجُلٌ فَقَالَ: اللهمَّ إِنِّي أسأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الحَمْدَ، لَا إِلَهَ إِلَاّ أَنْتَ المَنَّانُ، بَدِيعُ السَّمَواتِ والأَرْضِ ذُو الجَلَالِ والإِكْرامِ. يا حَيُّ يا قَيُّومُ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"أَتَدْرُونَ بِما دَعا؟ ". قَالُوا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:"والَّذِي نَفْسِي بِيَده، لَقَدْ دَعَا الله بِاسْمِهِ الأَعْظَمِ، الّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وَإِذا سُئِلَ بِهِ أً عْطَى". أخرجه أصحاب السنن (1). [صحيح]

قوله: "في حديث أنس: لقد دعا الله باسمه الأعظم" هذا لا ينافي ما سبق من حديث بريدة؛ لأنه يحتمل تعدد اسمه الأعظم، وكذلك ما يأتي من حديث أسماء بنت يزيد أنه في الآيتين آية البقرة وآية آل عمران.

واعلم أن هذه الأحاديث أثبتت بأن لله تعالى أسماء أعظم، وقد أنكر ذلك قوم كأبي جعفر الطبري وأبي الحسن الأشعري وجماعة، فقالوا: لا يجوز تفضيل بعض الأسماء على بعض، قالوا: لأن ذلك يؤذن باعتقاد نقصان المفضول عن الأفضل [410 ب] ، وحملوا ما ورد في ذلك على أن المراد بالأعظم. العظيم وأسماء الله كلها عظيمة.

قال ابن حبان (2): الأعظمية الواردة في الأخبار إنما يراد بها مزيد الثواب الداعي بذلك، وقيل: المراد بالاسم الأعظم كل اسم من أسماء الله دعا العبد به ربه مستغرقاً بحيث لا يكون في فكره حالتئذ غير الله، فإن من تأتَّى له ذلك استجيب له.

(1) أخرجه أبو داود رقم (1495)، والترمذي رقم (3544) ، وابن ماجه رقم (3858)، والنسائي رقم (1300).

وأخرجه أحمد (5/ 349، 360) ، وابن حبان في صحيحه رقم (890)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 504). وهو حديث صحيح، والله أعلم.

(2)

ذكره الحافظ في "الفتح"(11/ 224).

ص: 54

قلت: بعد ثبوت الأدلة على إثبات الاسم الأعظم في السنة لا وجه لمخالفة ذلك. وقال آخرون ممن أثبته: إنه استأثر الله بعلم الاسم الأعظم ولم يطلع عليه أحداً من خلقه، وأثبته آخرون معيناً، واضطربوا في ذلك.

قال الحافظ ابن حجر (1): إن جملة ما وقف عليه من ذلك أربعة عشر قولاً:

الأول: "هو" قال: نقله الفخر الرازي (2) عن معظم أهل الكشف، واحتج له بأن من أراد أن يعبر عن كلام معظم [] (3) لم يقل له: أنت قلت كذا، وإنما يقول: هو يقول، تأدباً معه. انتهى. وأقره ابن حجر.

وأقول لفظ: "هو" لم يعده أحد في أسمائه ولا صفاته ولا هو اسم علم له، وإنما هو ضمير غائب (4) موضوع لغة لذلك.

وقولهم ما هو لحي لم يرد به كلام عربي، ثم هذا ينقض قول الفخر نفسه أنه لا يجوز أن يطلق على الله لفظ إلا ما ورد به الكتاب أو السنة، وهذا معنى كونها توقيفية (5)، فيقال: لفظ "هو" لا يطلق عليه تعالى؛ لأنه لم يرد بإطلاقه اسماً له أو صفة كتاب ولا سنة.

"هو" ضمير من الضمائر التي تعود إلى متقدم لفظاً وحكماً والضمائر [411 ب] ليس في الأسماء الحسنى شيء منها؛ فهو غير صحيح لإطلاقه عليه لغة وشرعاً.

(1) في "فتح الباري"(11/ 224).

(2)

في تفسيره (1/ 146 - 150).

(3)

في (ب): زيادة "له".

(4)

انظر: "تفسير ابن كثير"(13/ 502)، "جامع البيان"(22/ 551).

(5)

في تفسيره (1/ 152).

ص: 55

وأما دليله؛ ففي غاية المخالفة لدعواه، فإن الدعوى أنه اسم لله، ثم قال: وإنما يقول هو يقول كذا، بلفظ (هو) ضمير اتفاقاً عائد إلى قائل القول المقدم لفظاً أو حكماً، كما أن (أنت) الذي عدل عنه ضميراً اتفاقاً للمخاطب وقال: إنه يقال ذلك تأدباً فأين هو مما ادعاه؟

فالعجب إقرار الحافظ لكلامه وتقديمه على كل الأقوال، فهذا قول دون النظر إلى من قال لا إلى ما قال والمأمور به عكس هذا.

وأما قول الفخر: أنه قول معظم أهل الكشف؛ فالمحققون من العلماء لا يقولون بأن الكشف - إن كانوا قالوه - عن كشف ليس بدليل ولا حجة ولا يصح الحكم به، وحقيقته الاطلاع على ما وراء الحجاب من المعاني الغيبية، والأمور الخفية الحقيقة وجوداً وشهوداً، كما قاله المناوي في "التعريفات"(1)، والله لا يطلع (2) على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول، وكلامنا في غير رسل الله.

ثم قال (3): الثاني (الله) لأنه اسم لم يطلق على غيره، ولأنه الأصل في الأسماء الحسنى، ولهذا أضيفت إليه.

ثم ذكر الثالث شبه ضعيف، فلا حاجة إلى ذكره.

وذكر الرابع وهو ما في حديث أسماء بنت يزيد (4) وضعفه؛ لأن فيه شهر بن حوشب.

(1)(ص 604).

وانظر: "التعريفات" للجرجاني (ص 193).

(2)

يشير إلى قوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: 26 - 27].

(3)

أي ابن حجر في "فتح الباري"(11/ 224).

(4)

سيأتي نصه وتخريجه، وهو حديث ضعيف.

ص: 56

وذكر الخامس أنه (الحي القيوم) وذكر أنه قواه الرازي (1)، واحتج بأنهما يدلان على صفات العظمة والربوبية، ولا يدل على ذلك غيرهما كدلالتهما.

السابع (2): "الحنان المنان بديع السماوات والأرض ذو الجلال والإكرام الحي القيوم"[412 ب] ورد ذلك مجموعاً في حديث أنس عند أحمد (3) والحاكم (4)، وأصله عند أبي داود (5) والنسائي (6) وصححه ابن حبان (7).

ثم قال: الثامن (8)"ذو الجلال والإكرام" أخرجه الترمذي (9) من حديث معاذ بن جبل قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يقول: "يا ذا الجلال والإكرام، فقال: قد استجيب لك فسل"

(1) في "تفسيره"(1/ 115 - 116).

(2)

وهو في "فتح الباري" السادس.

(3)

في "المسند"(3/ 120، 158، 245، 265).

(4)

في "المستدرك"(1/ 503 - 504).

(5)

في "السنن" رقم (1495).

(6)

في "السنن"(3/ 52).

(7)

في صحيحه رقم (893)، وهو حديث صحيح.

(8)

ولم يذكر الشارح (السابع) وهو بديع السماوات والأرض ذو الجلال والإكرام، أخرجه أبو يعلى من طريق السري بن يحيى عن رجل من طي وأثنى عليه قال:"كنت أسأل الله أن يريني الاسم الأعظم، فأريته مكتوباً في الكواكب في السماء". "فتح الباري"(11/ 224).

(9)

في "السنن" رقم (3527).

وأخرجه أحمد (5/ 231)، والطبراني في "الكبير"(ج 20 رقم 97، 98)، وفي "الدعاء" رقم (2020)، والبخاري في "الأدب المفرد" رقم (725)، والبيهقي في "الأسماء والصفات"(197)، وهو حديث ضعيف، والله أعلم.

ص: 57

واحتج له الفخر الرازي (1) بأنه شمل جميع الصفات المعتبرة من الإلهية لأن في "الجلال" الإشارة إلى جميع السلوب و"الإكرام" إلى جميع صفات الإثبات.

التاسع (2): "الله لا إله إلا هو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد" أخرجه أبو داود (3) والترمذي (4) وابن ماجه (5) والحاكم (6) وابن حبان (7)، وهو الذي تقدم في التيسير من حديث بريدة.

قال الحافظ (8): إنه أرجح من حيث السند من جميع ما تقدم. ثم ذكر بقية (9) الأقوال إلى أربعة عشر لم نجد عليها دليلاً ناهضاً فلم نذكرها. [413 ب].

4 -

وعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اسْمُ الله الأعْظَمُ فِي هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)} (10)، وَفَاتِحَةُ سُورَةِ آلِ

(1) في "تفسيره"(1/ 147).

(2)

انظر "فتح الباري"(11/ 225).

(3)

في "السنن" رقم (1495).

(4)

في "السنن" رقم (3544).

(5)

في "السنن" رقم (3858).

(6)

في "المستدرك"(1/ 504).

(7)

في صحيحه رقم (890)، وهو حديث صحيح، والله أعلم.

(8)

في "فتح الباري"(11/ 225).

(9)

انظرها في "فتح الباري"(11/ 225).

(10)

سورة البقرة: 163.

ص: 58

عِمْرَانَ: {الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (1) ". أخرجه أبو داود (2) والترمذي (3) وصححه.

قوله: "وعن أسماء بنت يزيد" هي أسماء بنت يزيد الأنصارية من بني عبد الأشهل وافدة النساء، روى عنها مسلم بن عبيد وليست بنت يزيد بن السكن.

وقد جعل ابن عبد البر وافدة النساء بنت يزيد بن السكن، ولم يذكر هذه الأخرى في كتابه "الاستيعاب"(4)، قاله ابن الأثير (5).

قلت: وقدمنا في الجزء الأول ذكر وفاتها وكلامها لرسول الله صلى الله عليه وسلم (6)[410 ب].

5 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ لله تِسْعَةً وتِسْعِينَ اسْمًا، مَنْ حَفِظَهَا دَخَلَ الجَنَّةَ إِنَّ الله وِتْرٌ يُحِبُّ الوِتْرَ".

وفي رواية: "مَنْ أَحْصَاها" أخرجه البخاري (7) بهذا اللفظ، ومسلم (8) بدون ذكر الوتر، والترمذي (9).

(1) سورة آل عمران: 1 - 2.

(2)

في "السنن" رقم (1496).

(3)

في "السنن" رقم (3476)، وأخرجه ابن ماجه رقم (3855)، وهو حديث ضعيف.

(4)

رقم (3207) الأعلام.

(5)

في "أسد الغابة"(7/ 350 رقم 6717).

(6)

قد نسي الناسخ نسخ جزء من شرح الحديث السابق - حديث أنس - فقام باستدراك ما نسيه، وأكمل شرحه في جزء كبير من الصفحات (411 - 412 - 413) بالإضافة إلى شرح ما بعده من أحاديث في نفس الصفحات المذكورة ولذا تكرر ذكر الصفحات مرتين.

(7)

في صحيحه رقم (6410).

(8)

في صحيحه رقم (2677).

(9)

في "السنن" رقم (3507).

ص: 59

وزاد فعدها: "هُوَ الله الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحمَنُ الرَّحِيمُ، المَلِكُ، القُدُّوسُ، السَّلَامُ، المُؤْمِنُ، المُهَيْمِنُ، العَزِيزُ، الجَبَّارُ، المتكَبِّرُ، الخالِقُ، البارِئُ، المُصَوِّرُ، الغَفّارُ، القَهَّارُ، الوَهَّابُ، الرَّزَّاقُ، الفَتَّاحُ، العَلِيمُ، القَابِضُ، البَاسِطُ، الخافِضُ، الرَّافِعُ، المُعِزُّ، المُذِلُّ، السَّمِيعُ، البَصِيرُ، الحَكَمُ، العَدْلُ، اللَّطِيفُ، الخَبِيرُ، الحَلِيمُ، العَظِيمُ، الغَفُورُ، الشَّكُورُ، العَليُّ، الكَبِيرُ، الحَفِيظُ، المُقِيتُ، الحَسِيبُ، الجَلِيلُ، الكَرِيمُ، الرَّقِيبُ، المُجِيبُ، الوَاسِعُ، الحَكِيمُ، الوَدُودُ، المَجِيدُ، البَاعِثُ، الشَّهِيدُ، الحَقُّ، الوَكِيلُ، القَوِيُّ، المَتِينُ، الوَلِيُّ، الحَمِيدُ، المُحْصِي، المُبْدِئ، المُعِيدُ، المُحْيِي، المُمِيتُ، الحَيُّ، القَيُّومُ، الوَاجِدُ، المَاجِدُ، الوَاحِدُ، الأحَدُ، الصَّمَدُ، القادِرُ، المُقْتَدِرُ، المُقَدِّمُ، المُؤَخِّرُ، الأَوَّلُ، الآخِرُ، الظّاهِرُ، البَاطِنُ، الوَالِي، المُتَعَالِي، الَبرُّ، التَّوَّابُ، المُنتَقِمُ، العَفُوُّ، الرَّءُوفُ، مالِكُ المُلْكِ، ذُو الجَلَالِ والإِكْرامِ، المُقْسِطُ الجامِعُ، الغَنيُّ، المُغْني، المَانِعُ، الضَّارُّ، النَّافِعُ، النُّورُ، الهادِي، البَدِيعُ البَاقِي، الوَارِثُ، الرَّشِيدُ، الصَّبُورُ". ولم يفصل الأسماء غير الترمذي (1).

(1) في "السنن" رقم (3507).

وأخرجه ابن حبان رقم (808)، وأحمد (2/ 258)، والبغوي رقم (1257)، والحاكم (1/ 16)، والطبراني في "الدعاء" رقم (111)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(1/ 114 - 115 رقم 102)، وفي "السنن الكبرى"(10/ 27)، وفي "الأسماء والصفات"(ص 5)، وفي "الاعتقاد"(ص 18 - 19) كلهم من طريق صفوان بن صالح عن الوليد بن مسلم به. وهو حديث صحيح دون سرد الأسماء، أما بها ضعيف.

وقال الحاكم: "هذا حديث قد خرجاه في الصحيحين بأسانيد صحيحة دون ذكر الأسامي فيه. والعلة فيه عندهما أن الوليد بن مسلم تفرد بسياقته بطوله وذكر الأسامي فيه ولم يذكرها غيره. وليس هذا بعلة؛ فإني لا أعلم اختلافاً بين أئمة الحديث أن الوليد بن مسلم أوثق وأحفظ وأعلم وأجل من أبي اليمان، وبشر بن شعيب، وعلي بن عياش، وأقرانهم من أصحاب شعيب". اهـ

وقال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"(22/ 482): "إن التسعة والتسعين اسماً لم يرد في تعيينها حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأشهر ما عند الناس فيها حديث الترمذي الذي رواه الوليد بن مسلم عن شعيب عن أبي =

ص: 60

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= حمزة، وحفاظ أهل الحديث يقولون: هذه الزيادة مما جمعه الوليد بن مسلم عن شيوخه من أهل الحديث، وفيها حديث ثان أضعف من هذا، رواه ابن ماجه. وقد روي في عددها غير هذين النوعين من جمع بعض السلف". اهـ

وقال ابن حجر في "فتح الباري"(11/ 217): "وقد استضعف الحديث أيضاً جماعة، فقال الداودي: لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم عين الأسماء المذكورة.

وقال ابن العربي: يحتمل أن تكون الأسماء تكملة الحديث المرفوع، ويحتمل أن تكون من جمع بعض الرواة، وهو الأظهري عندي

" اهـ

وأخرج ابن أبي الدنيا كما في "الدر المنثور"(3/ 148)، والطبراني في "الدعاء" رقم (112)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 17)، وقال الحاكم: هذا حديث محفوظ من حديث أيوب وهشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة مختصراً دون ذكر الأسامي الزائدة فيها وكلها في القرآن.

وأبو نعيم في جزء فيه طرق حديث: "إن لله تسعة وتسعين اسماً" رقم (52)، والبيهقي في "الاعتقاد"(ص 19) كلهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وعلة الحديث عبد العزيز بن الحصين، وقد تفرد بهذه الرواية.

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

قال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"(6/ 379 - 380): "روى الأسماء الحسنى في "جامعه" - أي الترمذي - من حديث الوليد بن مسلم، عن شعيب عن أبي الزناد، عن الأعرج عن أبي هريرة.

ورواها ابن ماجه في "سننه" من طريق مخلد بن زياد القطواني، عن هشام بن حسان، عن محمَّد بن سيرين، عن أبي هريرة.

وقد اتفق أهل المعرفة بالحديث على أن هاتين الروايتين ليستا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كل منهما من كلام بعض السلف.

فالوليد ذكرها عن بعض شيوخه الشاميين كما جاء مفسراً في بعض طرق حديثه.

ولهذا اختلفت أعيانهما، فروى عنه في إحدى الروايات من الأسماء بدل ما يذكر في الرواية الأخرى؛ لأن الذين جمعوها قد كانوا يذكرون هذا تارة وهذا تارة؛ واعتقدوا - وهم غيرهم - أن الأسماء الحسنى التي من أحصاها دخل الجنة ليست شيئاً معيناً، بل من أحصى تسعة وتسعين اسماً من أسماء الله دخل الجنة، أو أنها وإن كانت معينة فالاسمان اللذان يتفق معناهما يقوم أحدهما مقام صاحبه، كالأحد والواحد، فإن في رواية هشام =

ص: 61

قوله: "في حديث أبي هريرة: إن لله تسعة وتسعين اسماً" لا دليل فيه على الحصر، وأنه ليس له تعالى إلا هذه الأسماء، بل هذه اختصت بأن من حفظها أو أحصاها [411 ب] دخل الجنة، وإلا فحديث:"أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به عندك" أخرجه أحمد (1) وصححه ابن حبان (2)، فإنه

= ابن عمار عن الوليد بن مسلم عنه، رواهما عثمان بن سعيد "الأحد" بدل "الواحد" و"المعطي" بدل "المغني" وهما متقاربان.

وعدّ الوليد هذه الأسماء بعد أن روى الحديث عن خليد بن دعلج عن قتادة عن ابن سيرين عن أبي هريرة. ثم قال هشام: وحدثنا الوليد، حدثنا سعيد بن عبد العزيز، مثل ذلك، وقال: كلها في القرآن: "هو الله الذي لا إله إلا هو

" مثل ما ساقها الترمذي، لكن الترمذي رواها عن طريق صفوان بن صالح، عن الوليد، عن شعيب، وقد رواها ابن أبي عاصم، وبين ما ذكره هو والترمذي خلاف في بعض المواضع، وهذا كله مما يبين لك أنها من الموصول المدرج في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الطرق، وليست من كلامه". اهـ

وقال ابن كثير في تفسيره (2/ 280): "والذي عول عليه جماعة من الحفاظ أن سرد الأسماء في هذا الحديث مدرج فيه، وإنما ذلك كما رواه الوليد بن مسلم وعبد الملك بن محمَّد الصنعاني، عن زهير بن محمَّد أنه بلغه عن غير واحد من أهل العلم أنهم قالوا ذلك، أي: أنهم جمعوها من القرآن، كما روي عن جعفر بن محمَّد وسفيان بن عيينة وأبي زيد اللغوي، والله أعلم". اهـ

(1)

في "المسند"(1/ 391).

(2)

في صحيحه رقم (972).

وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (10/ 253)، وأبو يعلى في مسنده رقم (5297)، والطبراني في "الكبير" رقم (10352)، وفي "الدعاء" رقم (1035)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 509 - 510)، والبزار في مسنده (3122)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم (342) كلهم من حديث عبد الله بن مسعود، وهو حديث حسن بشواهده.

ص: 62

يدل على تعدد أسمائه تعالى، وأن منها ما لا يعلمه أحد، وإلى هذا ذهب الجمهور، ونقل النووي (1)[412 ب] اتفاق العلماء عليه.

وقال (2): ليس في الحديث حصر أسماء الله تعالى، وليس معناه أنه ليس له اسم غير هذه التسعة والتسعين.

ونقل في "الفتح"(3) عن ابن حزم (4) أنه ذهب إلى حصر أسماء الله تعالى في التسعة والتسعين، واستدل بأنه صلى الله عليه وسلم قال:"مائة اسم إلا واحد" قال: لأنه لو جاز أن يكون له اسم واحد زائد على العدد المذكور لزم أن يكون مائة اسم، فبطل قوله: مائة إلا واحد.

قال في "الفتح"(5): وهذا الذي قاله ليس بحجة؛ لأن الحصر المذكور عندهم باعتبار الوعد الحاصل [413 ب] لمن أحصاها، فمن [267/ أ] ادعى أن الوعد وقع لمن أحصى زائداً على ذلك أخطأ، ولا يلزم من ذلك أن لا يكون هناك اسم زائد، هذا وأما الحكمة في الاقتصار على العدد المذكور؛ فذكر الرازي (6) عن الأكثر أنه تعبد لا يعقل معناه كما قيل في أعداد الصلوات وغيرها، وتكلف أقوام لاستخراج وجه الحكمة فأتوا بما لا دليل عليه.

(1) في شرحه لصحيح مسلم (17/ 5).

(2)

أي النووي في شرحه لصحيح مسلم (17/ 5).

(3)

في "فتح الباري"(11/ 221).

(4)

في "المحلى"(1/ 30).

(5)

في "فتح الباري"(11/ 221).

(6)

في تفسيره (1/ 154).

ص: 63

قال القرطبي (1): أسماء الله وإن تعددت فلا تعدد في ذاته ولا تركيب، [لا محسوساً كالجسميات](2) ولا عقلياً كالمحدودات، إنما تعددت الأسماء بحسب الاعتبارات الزائدة على الذات، ثم من جهة دلالتها على أربعة أضرب؛ الأول: ما يدل على الذات مجردة كالجلالة؛ فإنه يدل عليه دلالة مطلقة غير مقيدة، وبه تعرف جميع أسمائه، فيقال مثلاً: الرحمن من أسماء الله، ولا يقال: الله من أسماء الرحمن، ولهذا كان الأصح أنه اسم علم غير مشتق وليس بصفة. الثاني: ما يدل على الصفات الثابتة للذات كالعليم والقدير والسميع والبصير.

والثالث: ما يدل على إضافة أمر إليه؛ كالخالق والرازق.

الرابع: ما يدل على سلب شيء عنه، كالعلي والقدوس.

وهذه الأقسام الأربعة منحصرة في النفي والإثبات.

وقال الفخر الرازي (3): الألفاظ [414 ب] الدالة على الصفات ثلاثة ثابتة في حق الله قطعاً وممتنعة قطعاً وثابتة، لكن مقرونة بكيفية.

فالقسم الأول: منه ما يجوز ذكره مفرداً لا مضافاً، وهو كثير جداً؛ كالقادر والقاهر.

ومنه: ما يجوز مفرداً ويجوز مضافاً إلا [بشرط](4)، ويجوز مفرداً؛ كالخالق، ويجوز: خالق كل شيء مثلاً، ولا يجوز: خالق القدرة، ومنه عكسه يجوز مضافاً ولا يجوز مفرداً كالمنشئ، فيجوز: منشئ الخلق، ولا يجوز: منشئ فقط.

والقسم الثاني: إن ورد السمع بشيء فيه أطلق وحمل على ما يليق به.

(1) في "المفهم"(7/ 15 - 16).

(2)

كذا في (أ، ب)، والذي في "المفهم": ولا محسوساً كترتيب الجسمانيات.

(3)

في تفسيره (1/ 139 - 141).

(4)

في (ب): "لشرط".

ص: 64

والقسم الثالث: إن ورد السمع بشيء منه أطلق ما ورد منه، ولا يقاس عليه، ولا يتصرف منه بالاشتقاق، نحو قوله:"ومكر الله"، "ويستهزئ"، فلا يجوز: ماكر ومستهزئ. انتهى. [268/ أ].

قوله: "في حديث أبي هريرة أخرجه البخاري (1) [وهذا اللفظ لمسلم] (2) "(3).

قال الحافظ ابن حجر (4) أنه قال ابن عطية في [تفسيره](5): أنه متواتر عن أبي هريرة، كذا قال. ولم يتواتر الحديث من أصله وإن خرج في الصحيح، بل غاية أمره أن يكون مشهوراً.

قوله: "وزاد" أي: الترمذي: "فعدها".

اعلم (6) أنه اختلف العلماء في سرد الأسماء: هل هو مرفوع أو مدرج في الخبر من بعض الرواة؟ فمشى كثير منهم على الأول، وذهب آخرون إلى أنه مدرج، قالوا: لخلوّ أكثر الروايات عنه.

قال الداودي (7): لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم عَيَّن الأسماء المذكورة.

(1) في صحيحه رقم (6410).

(2)

في صحيحه رقم (2677).

(3)

كذا في الشرط، والذي في متن الحديث: أنه لفظ البخاري.

(4)

في "فتح الباري"(11/ 215).

(5)

في (أ، ب): "تفسير"، وما أثبتناه من "فتح الباري".

(6)

قاله الحافظ في "الفتح"(11/ 215).

(7)

ذكره الحافظ في "فتح الباري"(11/ 217).

ص: 65

وقال ابن العربي (1): يحتمل أن الأسماء من الحديث المرفوع، ويحتمل أن تكون من جمع بعض الرواة، وهو الأظهر عندي.

قال الحافظ ابن حجر (2) - بعد نقل أقوال واسعة -: وإذا تقدر رجحان أن سرد الأسماء ليس مرفوعاً؛ فقد [415 ب] اعتنى جماعة بتتبعها من القرآن من غير تقييد بعدد، منهم: جعفر بن محمَّد الصادق، ومنهم: أبو عبد الله محمَّد بن إبراهيم الزاهد، ومنهم: أبو محمَّد بن حزم (3)، وآخرهم فيما علمناه الإمام الكبير: محمَّد بن إبراهيم الوزير؛ فإنه قال في "إيثار الحق على الخلق"(4): أنه عد ما وجده منصوصاً منها في كتاب الله باليقين من غير تقليد، قال: والذي عرفت منها إلى الآن بالنص الصريح دون الاشتقاق في القرآن مائة وخمسة وخمسين ثم سردها، وقال: إنها أصح الأسماء وأحبها إلى الله، حيث اختارها في أفضل كتبه لأفضل أنبيائه.

قوله: "وتر"(5) يجوز فتح الواو وكسرها، والوتر: الفرد، ومعناه في حق الله: أنه الواحد الذي لا نظير له في ذاته ولا اتصافه.

(1) في "عارضة الأحوذي"(13/ 34).

(2)

في "فتح الباري"(11/ 217).

(3)

في "المحلى"(1/ 30 - 31).

(4)

(ص 159).

(5)

يوصف الله عز وجل بأنه وتر، وهذا ثابت بالأحاديث الصحيحة. والوتر اسم من أسمائه.

منها: حديث أبي هريرة المتقدم. البخاري رقم (6410)، ومسلم رقم (2677).

ومنه: ما أخرجه أبو داود رقم (1416)، والترمذي رقم (453) عن علي رضي الله عنه:"إن الله وتر يحب الوتر، فأوتروا يا أهل القرآن"، وهو حديث حسن.

قال الخطابي في "شأن الدعاء"(ص 29 - 30): الوتر: الفرد، ومعنى الوتر في صفة الله جل وعلا: الواحد الذي لا شريك له، ولا نظير له، المتفرد عن خلقه، البائن عنهم بصفاته، فهو سبحانه وتر، وجميع خلقه شفع، خلقوا أزواجاً. =

ص: 66

قوله: "يحب الوتر" قال عياض (1): معناه: أن الوتر في اللغة بضد الشفع في أسمائه؛ لأنه دال على الوحدانية في صفاته، وقيل: لأنه أمر بالوتر في كل شيء كالصلوات الخمس والطواف وأعداد الطهارة، وفي المخلوقات؛ كالسماوات السبع والأرض.

قوله: "وفي رواية: من أحصاها دخل الجنة".

قلت: لفظ: "حفظها" و"أحصاها" كلاهما للشيخين، فالآخر لمسلم.

قال الخطابي (2) - ما معناه -: الإحصاء في مثل هذا يحتمل وجوهاً، أحدها: أن يعدها حتى يستوفيها، يريد أن لا يقتصر على بعضها، بل يدعو الله بها كلها ويثني عليه بجميعها، فيستوجب الموعود عليها من الثواب.

ثانيها: المراد بالإحصاء الإطاقة، كقوله:{عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} (3)، ومنه حديث:"استقيموا ولن تحصوا"(4)، أي: تبلغوا [416 ب] كنه الاستقامة.

والمعنى: من أطاق القيام بحق هذه الأسماء والعمل بمقتضاها، وهو أن يعتبر معانيها فيلزم نفسه اعتقادها، فإذا قال: الرزاق؛ وثق بالرزق، وكذلك سائر الأسماء.

ثالثها: المراد بالإحصاء: الإحاطة بمعانيها، من قول العرب: فلان ذو حصاةٍ، أي: ذو عقل ومعرفة.

= وانظر: "الاعتقاد" للبيهقي (ص 68).

(1)

في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(8/ 177) بتصرف من الشارح.

(2)

ذكره الحافظ في "فتح الباري"(11/ 225).

(3)

سورة المزمل: 20.

(4)

أخرجه أحمد (5/ 276 - 277)، وابن ماجه رقم (277) من حديث ثوبان قال النبي صلى الله عليه وسلم:"استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن". وهو حديث صحيح.

ص: 67