الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يحرم عصير العنب النيء حتى يغلي ويقذف بالزبد، فإذا غلا وقذف بالزبد حرم، وأما المطبوخ حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه فلا يمتنع مطلقاً، ولو قذف بالزبد بعد الطبخ.
وقال مالك (1) والشافعي (2) والجمهور (3): يمتنع إذا صار مسكراً شرب كثيره وقليله سواء غلي أم لم يغل؛ لأنه يجوز أن يبلغ حد الإسكار بأن يغلي ثم يسكن غليانه بعد ذلك، وهو مراد من قال: حد منع شرابه إن تغير. انتهى.
الفصل الخامس: في الظروف وما يحل منها وما يحرم
1 -
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "نَهَىَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ نَبِيذِ الجَرِّ وَالدُّبَّاءِ وَالمزَفَّتِ". أخرجه الستة (4) إلا البخاري. [صحيح]
2 -
وفي رواية لمسلم (5): "نَهَى عَنِ الحَنْتَمِ وَهِيَ: الجَرَّةُ، وَعَنِ الدُّبَّاءِ وَهِيَ: القَرْعَةُ، وَعَنِ المُزَفَّتْ وَهُوَ: المُقَيِّرُ، وَعَنِ النَّقِيرِ، وَهِيَ: النَّخْلَةُ تُنْسَحُ نَسْحاً، وَتُنْقَرُ نَقْراً، وَأَمَرَ أَنْ يُنْبذَ فِي الأَسْقِيَةِ". [صحيح]
الفصل الخامس في الظروف وما يحل منها وما يحرم [384/ أ][298 ب]
(1)"التهذيب في اختصار المدونة"(4/ 500).
(2)
انظر: "البيان" للعمراني (12/ 521).
(3)
انظر: "فتح الباري"(10/ 65).
(4)
أخرجه مسلم رقم (46/ 1997)، وأبو داود رقم (3690)، والنسائي رقم (5643).
(5)
أخرجه مسلم رقم (57/ 1999).
وأخرجه أحمد (2/ 93)، والنسائي رقم (5654)، والترمذي رقم (1868)، وهو حديث صحيح.
قوله في حديث ابن عمر: "عن نبيذ الجر والدباء والمزفت" أقول: فسر الجر وما ذكر معه حديث مسلم الثاني: بأنها الجر الحنتم (1)، وهو بالحاء المهملة مفتوحة فنون ساكنة فمثناة فوقية. وفسره في رواية ابن عباس: أن الجر كل شيء يصنع من المدر (2). وفسر الدباء (3) وهو بضم الدال المهملة فموحدة مشددة بالقرعة بفتح القاف وسكون الراء. وفسر المزفت (4)، وهو بضم الميم وسكون الزاي ففاء فمثناة فوقية، المقير وهو بالقاف فمثناة تحتية مشدودة فراء.
قلت: وفي "فتح الباري"(5) المزفت: بالزاي والفاء ما طلي بالزفت، والمقير بالقاف والياء الأخير ما طلي بالقار. ثم زاد في رواية مسلم "النقير" بفتح النون فقاف مكسورة فراء وفسره بأنها النخلة تنسح (6) بسين وحاء مهملتين أي: تقشر ثم تنقر فيصير نقيراً. ومن رواه بالجيم صحف.
(1) قال ابن الأثير في "غريب الجامع"(5/ 146): الحنتم: جرٌّ كانوا يجلبون فيه الخمر إلى المدينة، قيل: إنه أخضر.
وقال في "النهاية"(1/ 440): ثم اتُسع فيها، فقيل: للخزف كله حنتم، واحدتها حنتمة.
(2)
انظر: "الفائق" للزمخشري (3/ 351)، "النهاية"(2/ 644).
(3)
انظر: "النهاية"(1/ 549).
(4)
اسم مفعول، وهو الإناء المطلي بالزفت، وهو نوع من القار.
"غريب الحديث" للهروي (2/ 182)، "النهاية"(1/ 725).
(5)
(10/ 61).
(6)
النسح بالحاء، معناه: أن يُنحى قشرها عنها، وتُملَّس وتُحفر.
انظر: تهذيب اللغة للأزهري (4/ 323)، "النهاية"(2/ 735).
واعلم أنه قد نسخ (1) النهي عن هذه الظروف بحديث بريدة (2) الآتي وفيه: "وكنت نهيتكم عن الظروف فاشربوا في كل وعاء غير أن لا تشربوا مسكراً"، وأحاديث النسخ ثابتة بروايات في "سنن النسائي" وفي بعض ألفاظ بريدة عنه صلى الله عليه وسلم:"نهيتكم عن الظروف، وإنَّ ظرفاً لا يحل شيئاً ولا يحرمه، وكل مسكر حرام".
(1) قال الخطابي في معالم "السنن"(4/ 93): ذهب الجمهور إلى أنّ النهي إنَّما كان أوّلاً ثم نسخ، وذهب جماعة إلى أن النهي عن الانتباذ في هذه الأوعية باقٍ منهم: ابن عمر، وابن عباس، وبه قال مالك وأحمد وإسحاق كذا أطلق، قال: والأول أصحُّ، والمعنى في النهي: أن العهد بإباحة الخمر كان قريباً، فلما اشتهر التحريم أبيح لهم الانتباذ في كل وعاء بشرط ترك شرب المسكر، وكأنَّ من ذهب إلى استمرار النهي لم يبلغه الناسخ.
وقال الحازمي في "الاعتبار"(ص 521): لمن نصر قول مالك أن يقول: ورد النهي عن الظروف كلِّها ثم نسخ منها ظروف الأدم، والجرار غير المزفتة، واستمرّ ما عداها على المنع.
ثم تعقب ذلك بما ورد من التصريح في حديث بريدة - تقدم تخريجه -.
قال الحازمي: وطريق الجمع أن يقال: لمَّا وقع النهي عامًّا شكوا إليه الحاجة، ترخص لهم في ظروف الأدم، ثم شكوا إليه أنَّ كلهم لا يجد ذلك، ترخص لهم في الظروف كلِّها.
وقال ابن بطال في شرحه لـ "صحيح البخاري"(6/ 56): النهي عن الأوعية إنّما كان قطعاً للذريعة، فلما قالوا: لا نجد بداً من الانتباذ في الأوعية قال: "انتبذوا وكلَّ مسكر حرام" وهكذا الحكم في كل شيء نهي عنه بمعنى النظر إلى غيره فإنّه يسقط للضرورة كالنهي عن الجلوس في الطرقات، فلما قالوا: لا بد لنا منها قال: "أعطوا الطريق حقها" -[البخاري رقم (2465) ومسلم رقم (144/ 2121)، وأحمد (3/ 36)]-.
انظر: المغني (12/ 514 - 515)، "مدونة الفقه المالكي وأدلته"(2/ 256)، "التمهيد"(14/ 131).
(2)
سيأتي تخريجه، وهو حديث صحيح.