المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الأول: في مدحهما والحث عليهما - التحبير لإيضاح معاني التيسير - جـ ٤

[الصنعاني]

فهرس الكتاب

- ‌حرف الدال

- ‌كتاب: الدعاء

- ‌[الباب الأول: في آدابه:

- ‌الفصل الأول: في فضله ووقته

- ‌الفصل الثاني: في هيئة الداعي

- ‌الفصل الثالث: في كيفية الدعاء

- ‌الفصل الرابع: في أحاديث متفرقة

- ‌الباب الثاني: في أقسام الدعاء

- ‌[القسم الأول: في الأدعية المؤقتة المضافة إلى أسبابها، وفيه عشرون فصلاً]

- ‌الفصل الأول: في ذكر اسم الله الأعظم وأسمائه الحسنى

- ‌(فائدة: ذكر شرح أسماء الله الحسنى)

- ‌الفصل الثاني: في أدعية الصلاة مفصلاً - الاستفتاح

- ‌الركوع والسجود

- ‌بعد التشهد

- ‌بعد السلام

- ‌الفصل الثالث: في الدعاء عند التهجد

- ‌الفصل الرابع: في الدعاء عند الصباح والمساء

- ‌الفصل الخامس: في أدعية النوم والانتباه

- ‌الفصل السادس: في أدعية الخروج من البيت والدخول إليه

- ‌الفصل السابع: في أدعية المجلس والقيام منه

- ‌الفصل الثامن: في أدعية السفر

- ‌الفصل التاسع: في أدعية الكرب والهم

- ‌الفصل العاشر: في أدعية الحفظ

- ‌الفصل الحادي عشر: في دعاء اللباس والطعام

- ‌الفصل الثاني عشر: في دعاء قضاء الحاجة

- ‌الفصل الثالث عشر: في دعاء الخروج من المسجد والدخول إليه

- ‌الباب الرابع عشر: في دعاء رؤية الهلال

- ‌الفصل الخامس عشر: في دعاء الرعد والريح والسحاب

- ‌الفصل السادس عشر: في دعاء يوم عرفة وليلة القدر

- ‌الفصل السابع عشر: في دعاء العطاس

- ‌الفصل الثامن عشر: في دعاء داود عليه السلام

- ‌الفصل التاسع عشر: في دعاء قوم يونس عليه السلام

- ‌الفصل العشرون: في الدعاء عند رؤية المبتلى

- ‌القسم الثاني من الباب الثاني: في أدعية غير مؤقتة ولا مضافة

- ‌الباب الثالث: فيما يجري في مجرى الدعاء

- ‌الفصل الأول: في الاستعاذة

- ‌الفصل الثاني: في الاستغفار والتسبيح والتهليل والتكبير والتحميد والحوقلة

- ‌الفصل الثالث: في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌كتاب: الديات

- ‌الفصل الأول: في دية النفس

- ‌الفصل الثاني: في دية الأعضاء والجراح العين

- ‌الأضراس

- ‌الأصابع

- ‌الجراح

- ‌الفصل الثالث: فيما جاء من الأحاديث مشتركاً بين النفس والأعضاء

- ‌الفصل الرابع: في دية الجنين

- ‌الفصل الخامس: في قيمة الدية

- ‌الفصل السادس: في أحكام تتعلق بالديات

- ‌كتاب: الدين وآداب الوفاء

- ‌حرف الذال

- ‌كتاب: الذكر

- ‌كتاب: الذبائح

- ‌الفصل الأول: في آداب الذبح ومنهياته

- ‌الفصل الثاني: في هيئة الذبح وموضعه

- ‌الفصل الثالث: في آلة الذبح

- ‌كتاب: ذم الدنيا وأماكن من الأرض

- ‌الفصل الأول: [في ذم الدنيا

- ‌الفصل الثاني: في ذم أماكن من الأرض

- ‌حرف الراء

- ‌كتاب: الرحمة

- ‌الفصل الأول: في الحث عليها

- ‌الفصل الثاني: في ذكر رحمة الله تعالى

- ‌الفصل الثالث: فيما جاء من رحمة الحيوان

- ‌كتاب: الرفق

- ‌كتاب: الرهن

- ‌كتاب: الرياء

- ‌حرف الزاي

- ‌كتاب: الزكاة

- ‌الباب الأول: في وجوبها وإثم تاركها

- ‌الباب الثاني: في أحكام الزكاة المالية

- ‌الفصل الأول: فيما اشتركن فيه من الأحاديث

- ‌الفصل الثاني: في زكاة النعم

- ‌الفصل الثالث: في زكاة الحلي

- ‌الفصل الرابع: في زكاة الثمار والخضروات

- ‌الفصل الخامس: في زكاة المعدن والركاز

- ‌الفصل السادس: في زكاة الخيل والرقيق

- ‌الفصل السابع: في زكاة العسل

- ‌الفصل الثامن: في زكاة مال اليتيم

- ‌الفصل التاسع: في تعجيل الزكاة

- ‌الفصل العاشر: في أحكام متفرقة للزكاة

- ‌الباب الثالث: في زكاة الفطر

- ‌الباب الرابع: في عامل الزكاة وما يجب له عليه

- ‌الباب الخامس: فيمن تحل له الصدقة ومن لا تحل

- ‌الفصل الأول: فيمن لا تحل له

- ‌الفصل الثاني: فيمن تحل له الصدقة

- ‌كتاب: الزهد والفقر

- ‌الفصل الأول: في مدحهما والحث عليهما

- ‌الفصل الثاني: فيما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عليه من الفقر

- ‌كتاب: الزينة

- ‌الباب الأول: في الحليّ

- ‌الباب الثاني: في الخضاب

- ‌الباب الثالث: في الخلوق

- ‌الباب الرابع: في الشعور شعر الرأس - الترجيل

- ‌الحلق

- ‌الوصل

- ‌السدل والفرق

- ‌نتف الشيب

- ‌قص الشارب

- ‌الباب الخامس: في الطيب والدهن

- ‌الباب السادس: في أمور من الزينة متعددة

- ‌الباب السابع: في النقوش والصور والستورذم المصورين

- ‌كراهة الصور والستور

- ‌حرف السين

- ‌كتاب: السخاء والكرم

- ‌كتاب: السفر وآدابه

- ‌النوع الأول: في يوم الخروج

- ‌النوع الثاني: في الرفقة

- ‌النوع الثالث: في السير والنزول

- ‌النوع الرابع: في إعانة الرفيق

- ‌النوع الخامس: في سفر المرأة

- ‌النوع السادس: فيما يذم استصحابه في السفر

- ‌النوع السابع: في القفول من السفر

- ‌النوع الثامن: في سفر البحر

- ‌النوع التاسع: في تلقي المسافر

- ‌النوع العاشر: في ركعتي القدوم

- ‌كتاب: السبق والرمي

- ‌الفصل الأول: في أحكامهما

- ‌الفصل الثاني: فيما جاء من صفات الخيل

- ‌كتاب: السؤال

- ‌كتاب: السحر والكهانة

- ‌حرف الشين

- ‌كتاب: الشراب

- ‌الباب الأول: في آدابه

- ‌الفصل الأول: في الشرب قائمًا: جوازه

- ‌الفصل الثاني: في الشرب من أفواه الأسقية جوازه

- ‌الفصل الثالث: في التنفس عند الشرب

- ‌الفصل الرابع: في ترتيب الشاربين

- ‌الفصل الخامس: في تغطية الإناء

- ‌الفصل السادس: في أحاديث متفرقة

- ‌الباب الثاني: في الخمور والأنبذة

- ‌الفصل الأول: في تحريم كل مسكر

- ‌الفصل الثاني: في تحريم المسكر وذم شاربه

- ‌الفصل الثالث: في تحريمها ومن أي شيء هي

- ‌الفصل الرابع: فيما يحل من الأنبذة وما يحرم

- ‌الفصل الخامس: في الظروف وما يحل منها وما يحرم

- ‌الفصل السادس: في لواحق الباب

- ‌كتاب: الشركة

- ‌كتاب: الشعر

الفصل: ‌الفصل الأول: في مدحهما والحث عليهما

قوله: "أخرجه أبو داود" قلت: بل هو في البخاري (1) في كتاب القسامة، وهو حديث طويل.

قوله: "عن أبي لاس" أقول: آخره مهملة واسمه زياد. وقيل: عبد الله بن عتمة (2) بفتحتين، صحابي له حديثان.

قوله: "قلت: وهو في "صحيح البخاري معلق" (3) أقول: هو كذلك ذكره في الزكاة. [192 ب].

‌كتاب: الزهد والفقر

وفيه فصلان

‌الفصل الأول: في مدحهما والحث عليهما

1 -

عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ: "مَا رَأيُكَ فِي هَذَا؟ "، فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ، هَذَا وَالله حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ. فَسَكَتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"مَا رأيُكَ فِي هَذَا؟ " فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ المُسْلِمِينَ، هَذَا وَالله حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا

(1) في صحيحه رقم (6898).

(2)

ذكره الحافظ في "الفتح"(3/ 332).

(3)

(3/ 331 الباب رقم 49 - مع الفتح).

قال الحافظ في "الفتح"(3/ 332): وقد وصله أحمد وابن خزيمة والحاكم وغيرهم من طريقه، ولفظ أحمد:"على إبل من إبل الصدقة ضعاف للحج، فقلنا: يا رسول الله! ما نرى أن نحمل هذه؟ فقال: إنما يحمل الله" الحديث، ورجاله ثقات، إلا أن فيه عنعنة ابن إسحاق، ولهذا توقف ابن المنذر في ثبوته.

ص: 553

يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ لَا يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ لَا يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ. فَقَالَ النِّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا". أخرجه الشيخان (1). [صحيح]

قوله: (الكتاب الثاني من حرف الزاي في الزهد).

أقول: في "التعريفات"(2) الزهد في الشيء قلَّة الرَّغبة فيه، وإنْ شئت قلت: الرَّغبةُ عنه. وفي اصطلاح أهل الحقيقة: بغض الدُّنيا والإعراض عنها.

وقيل: ترك راحة الدنيا لراحة الآخرة.

وقيل: أنْ يخلو قلبك مما خلت منه يدك.

وقيل: بذل ما تملك ولا تؤثر ما تدرك.

وقيل: ترك الأسف على معدوم ونفي الفرج بمعلوم.

وقال ابن القيم في "شرح منازل السائرين"(3): وقد أكثر الناس الكلام في "الزهد" وكل أشار إلى ذوقه ونطق عن حاله وشاهده، ثم نقل أقوالاً في ذلك:

فقال سفيان الثوري (4): الزهد في الدنيا قصر الأمل، ليس بأكل الغليظ، ولا لبس [العباء](5).

(1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (5091)، وطرفه رقم (6447)، ولم يخرجه مسلم.

(2)

(ص 290)، وانظر:"الكليات"(2/ 411)، "معجم مصطلحات الصوفية"(121).

(3)

في "مدارج السالكين"(2/ 13 - 15).

(4)

أخرجه البيهقي في "الزهد"(466)، وأبو نعيم كتاب "الحلية"(6/ 386)، والذهبي في "السير"(7/ 243)، وذكره القشيري في رسالته (ص 115).

(5)

في (أ. ب): "العباءة"، وما أثبتناه من "مدارج السالكين".

ص: 554

وقيل (1): الزهد في قوله تعالى: {لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} (2) وذكر عبارات واسعة.

وأما الورع (3) وإنْ لم يذكر في الترجمة فقد جمعه صلى الله عليه وسلم في كلمة واحدة وهي قوله: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"(4) فهو يعم ترك كل ما لا يعني من الأقوال والأفعال.

[قال (5): والذي أجمع عليه العارفون: أن الزهد سفر القلب في وطن الدنيا إلى منازل الآخرة، وعلى هذا صنف المتقدمون كتب الزهد (6).

قال: واختلف (7) في متعلق (الزهد)، فقالت طائفة: الزهد إنما هو في الحلال؛ لأن ترك الحرام فريضة.

وقالت طائفة: بل الزهد لا يكون في الحرام، وأما الحلال [193 ب] فنعمة من الله على عباده، والله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، فشكره على نعمه، والاستعانة بها على طاعته، واتخاذها طريقاً إلى جنته أفضل من الزهد فيها، والتخلي عنها، ومجانبة أسبابها.

(1) ذكره القشيري في رسالته (116).

(2)

سورة الحديد: 23.

(3)

قال ابن تيمية: الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة. والورع: ترك ما تخاف ضرره في الآخرة.

(4)

أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (2317) وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه.

وهو حديث حسن.

(5)

أي ابن القيم في "مدارج السالكين"(2/ 17).

(6)

ثم قال: كالزهد لعبد الله بن المبارك، وللإمام أحمد، ولوكيع، ولهناد السري.

(7)

قال ابن القيم: وقد اختلف الناس في الزهد، هل هو ممكن في هذه الأزمنة أم لا؟

ص: 555

والتحقيق (1): أنها إن شغلته عن الله فالزهد فيها أفضل، وإن لم تشغله عن الله، بل كان شاكراً لله فيها فحاله أفضل، والزهد فيها تجريد القلب عن التعلق بها، والطمأنينة إليها، وكلام الناس في الزهد واسع] (2).

قوله: "والفقر" أقول: قالوا: الفقر عام وخاص، فالعام الحاجة إلى الله تعالى، وهذا وصف كل مخلوق من مؤمن وكافر، وهو معنى قوله:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ} (3) والخاص: وصف أولياء الله وأحبائه، وهو خلو اليد من الدنيا، وخلو القلب من التعلق بها، اشتغالاً بالله وشوقاً إليه، وأُنساً بالفراغ والخلوة مع الله.

قوله في حديث سهل بن سعد: "مرَّ رجل" قال الحافظ (4): لم أقف على اسمه.

قوله: "حريٌّ" بفتح المهملة وكسر الراء وتشديد آخره، أي: جدير، وحقيق وزناً ومعنى (5).

وقوله: "وأنْ يشفع" بتشديد الفاء، أي: تقبل شفاعته.

قوله: "ثم مرَّ آخر" في رواية ابن حبان (6): "مسكين من أهل الصفة"، وفي "مسند الروياني" (7):"من فتوح مصر" عن أبي ذر أنه معقل بن سراقة.

(1) قاله ابن القيم في "مدارج السالكين"(2/ 19).

(2)

ما بين الحاصرتين سقط من (أ).

(3)

سورة فاطر: 15.

(4)

في "الفتح"(11/ 277).

(5)

قاله الحافظ في "الفتح"(11/ 277)، وانظر:"النهاية في غريب الحديث"(1/ 367).

(6)

في صحيحه رقم (681).

(7)

ذكره الحافظ في "الفتح"(11/ 277).

ص: 556

قوله: "من ملء" بكسر الميم وسكون اللام مهموز. "الأرض" أقول: في الحديث دليل على أن السيادة بمجرد الدنيا لا أثر لها، وإنما الاعتبار في ذلك بالآخرة؛ لأن في رواية أحمد (1) وابن حبان (2):"عند الله يوم القيامة".

والبخاري (3) ترجم للحديث بقوله: باب فضل الفقر.

قال في "الفتح"(4): وفي الحديث فضيلة [194 ب] للفقر، لكن لا حجة فيه لتفضيل الفقير على الغني.

وقال ابن بطال (5): طال نزاع الناس في ذلك، أي: في تفضيل الفقير على الغني أو عكسه.

قال (6): فمنهم من فضل الفقر، واحتج بأحاديث الباب وغيرها من الصحيح والواهي، وذكر حجة من فضل الغنى بمثل حديث: "إنك إنْ تذر ذريتك أغنياء خير من أنْ تذرهم

" (7) وحديث كعب بن مالك وقوله صلى الله عليه وسلم له: "أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك" (8) وغير ذلك من الأدلة.

(1) في "المسند"(5/ 157، 170).

(2)

في صحيحه رقم (681).

(3)

في صحيحه (11/ 273 الباب رقم 16 مع الفتح).

(4)

(11/ 274).

(5)

في شرحه لصحيح البخاري (10/ 167 - 168).

(6)

أي ابن بطال في "شرح صحيح البخاري"(10/ 167).

(7)

أخرجه أحمد (1/ 171)، والبخاري رقم (2744)، ومسلم رقم (8/ 1628)، وأبو داود رقم (2864)، والترمذي رقم (2116)، والنسائي رقم (3626)، وابن ماجه رقم (2708)، وهو حديث صحيح.

(8)

أخرجه أحمد (3/ 454)، والبخاري رقم (6690)، ومسلم رقم (53/ 2769).

ص: 557

ثم قال: وأحسن ما رأيت في هذا قول أحمد بن نصر الداودي (1): الفقر والغنى محنتان من الله يختبر بهما عبادة في الصبر والشكر، كما قال تعالى:{إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7)} (2)، وقوله:{ونَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} (3)، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ (4) من شر فتنة الفقر ومن شر فتنة الغنى.

قلت: قد بسط المسألة - أي مسألة تفضيل الفقير الصابر على الغني الشاكر أو العكس - الإمام ابن القيم في كتابه في "الصبر والشكر"(5) الذي لخصته في مكة المشرفة في كتاب "السيف الباتر في يمين الصابر والشاكر"(6) وبسطنا الأدلة في ذلك، فمن أحب ذلك راجعه.

2 -

وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَتْ الزَّهَادَةُ فِي الدُّنْيَا بِتَحْرِيمِ الحَلَالِ وَلَا إِضَاعَةِ المَالِ، وَلكِنَّ الزَّهَادَةَ أَنْ تَكُونَ بِمَا فِي يَدِ الله تَعَالى أَوْثَقَ مِنْكَ بِمَا في يَدِكَ وَأَنْ

(1) ذكره ابن بطال في "شرح صحيح البخاري"(10/ 168).

(2)

سورة الكهف: 7.

(3)

سورة الأنبياء: 35.

(4)

منها: ما أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (22/ 572)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم (69)، وأحمد (5/ 42)، والحاكم (1/ 35، 252 - 253)، وفيه قوله:"اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر". وهو حديث صحيح.

(5)

"عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين"(285 وما بعدها).

(6)

وهي الرسالة رقم (164) من "عون القدير من فتاوى ورسائل ابن الأمير" بتحقيقي، ط: ابن كثير، دمشق.

وهي بعنوانه "السيف الباتر في يمين الصابر والشاكر".

ص: 558

تَكُونَ فِي ثَوَابِ المُصِيبَةِ إِذَا أُصِبْتَ بِهَا أَرْغَبَ مِنْكَ فِيهَا لَوْ أَنَّهَا أُبْقِيَتْ لَكَ". أخرجه الترمذي (1). [ضعيف جداً]

وزاد رزين: لِأنَّ الله تَعَالى يَقُولُ: {لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} (2).

قوله في حديث أبي ذر: "أخرجه الترمذي" قلت: وقال (3): هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وأبو إدريس الخولاني اسمه عائذ الله بن عبد الله، وعمرو بن واقد منكر الحديث. انتهى.

وعمرو بن واقد أحد رواته.

3 -

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنْ سَرَّكِ اللُّحُوقُ بِي فَلْيَكْفِكِ مِنَ الدُّنْيَا كَزَادِ الرَّاكِب، وإيَّاكِ وَمُجَالَسَةَ الأَغْنِيَاءِ، وَلَا ثَسْتَخْلِقِي ثَوْبًا حَتَّى تُرقِّعِيهِ". أخرجه الترمذي (4). [ضعيف جداً]

وزاد رزين. قال عُرْوَة: فَمَا كَانَتْ عَائِشَةُ تَسْتَجِدُّ ثَوْباً حَتَّى تُرَقِّعَ ثَوْبَهَا وَتُنكَّسَهُ، وَلَقَدْ جَاءَهَا يَوْماً مِنْ عِنْدِ مُعَاوِيَةَ ثَمَانُونَ أَلْفاً، فَمَا أَمْسَى عِنْدَهَا دِرْهَمٌ. فَقَالَتْ جَارِيَتُهَا: فَهَلَاّ اشْتَرَيْتِ لَنَا مِنْهُ بِدِرْهَمٍ لَحْماً؟ فقَالَتْ: لَوْ ذَكَّرْتِينِي لَفَعَلْتُ.

(1) في "السنن" رقم (2340).

وأخرجه ابن ماجه رقم (4100)، والبيهقي في "الشعب" رقم (10774)، و (10775)، وهو حديث ضعيف جداً.

(2)

سورة الحديد: 23.

(3)

في "السنن" رقم (4/ 571).

(4)

في "السنن" رقم (1780)، وهو حديث ضعيف جداً.

ص: 559

قوله في حديث عائشة [349/ أ]: "إياك ومجالسة الأغنياء" أقول: هو نحو حديث أبي هريرة أنّه صلى الله عليه وسلم قال: "من رأى من فُضِلَ عليه في الخلق والرزق فلينظر إلى من هو أسفل منه، فإنّه أجدر [195 ب] أنْ لا يزدري نعمة الله عليه"(1).

ويروى عن عون بن عبد الله قال: صحبت الأغنياء فلم أرى أحداً أكبرُ هماً مني، أرى دابة خيراً من دابتي، وثوباً خيراً من ثوبي، وصحبت الفقراء فاسترحت.

قوله: "ولا تستخلقي ثوباً حتى ترقعيه" أقول: الاستخلاق عدّ الثوب خلقاً، أي: بالياً.

وقوله: "ولقد جاءها من عند معاوية" أخرج الطبري في "السمط الثمين" عن ابن المنكدر نظير ما هنا قال: عن أم ذر وكانت تغشي عائشة قالت: بعث ابن الزبير مال في غرارتين، قالت: أراه ثمانين ومائة ألف، فدعت بطبق وهي يومئذٍ صائمةٌ، فجلست تقسمه بين الناس، فأمست وما عندها منه درهمٌ، فلما أمست قالت: يا جاريتي، هلمي فطوري، فجاءت بخبز وزيت.

فقالت لها أم ذر: ما استطعت [مما](2) قسمت اليوم أنْ تشتري لنا بدرهم لحماً نفطر عليه.

قالت: لا تعنفيني فلو ذكرتيني لفعلت. وخرجه في "الصفوة".

4 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "اللهمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا". وفي أخرى: "كفَافًا". أخرجه الشيخان (3) والترمذي (4). [صحيح]

(1) ذكره الترمذي في السنن عقب الحديث رقم (1780).

(2)

في (أ) فيما.

(3)

البخاري في "صحيحه" رقم (6460)، ومسلم رقم (1055).

(4)

في "السنن" رقم (2361).

وهو حديث صحيح.

ص: 560

"الكَفَافُ" الذي لا يفضل عن الحاجة.

قوله في حديث أبي هريرة: "اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً" أقول: القوت ما يقوم بالإنسان من الطعام والكفاف الذي لا يفضل على الشيء قاله ابن الأثير (1).

واستدل بالحديث من فضل الكفاف وهو القرطبي (2) قال: جمع الله لنبيه الحالات الثلاث: الفقر والغنى والكفاف، وكان الأول أول حالاته، فقام بواجبه من مجاهدة النفس، ثم فتحت عليه الفتوح، فصار بذلك في حد الأغنياء، ثمَّ قام بواجب ذلك من بذله لمستحقه والمواساة به، والإيثار مع اقتصاره على ما سد ضرورة عياله، وهي صورة الكفاية التي مات عليها.

قال (3): وهي حالة سليمة من الغنى المطغي والفقر المؤلم، وأيضاً فصاحبها معدود في الفقراء؛ لأنَّه لا يترفه في طيبات الدنيا، بل يجاهد نفسه على الصبر على القدر الزائد على الكفاف، فلم يغنه [196 ب] من حال الفقراء إلاّ السلامة من قهر الحاجة وذلِّ المسألة. انتهى.

قال الحافظ في "الفتح"(4): ويؤيده ما تقدم من الترغيب في غنى النفس وما أخرجه الترمذي (5) عن أبي هريرة رفعه: "وارض بما قسم لك تكن أغنى الناس"، وأصح ما ورد في

(1) في "غريب الجامع"(4/ 671 - 672).

(2)

في "المفهم"(7/ 130 - 131).

(3)

القرطبي في "المفهم"(7/ 130).

(4)

في "فتح الباري"(11/ 275).

(5)

في "السنن" رقم (2305)، وهو حديث حسن.

ص: 561

ذلك ما أخرجه مسلم (1) عن عبد الله بن عمرو رفعه: "قد أفلح من هدي إلى الإسلام ورزق الكفاف وقنع".

قال النووي (2): فيه فضيلة هذه الأصناف والكفاف الكفاية بلا زيادة ولا نقصان.

وقال القرطبي (3): هو ما يكف عن الحاجات ويدفع الضرورات، ولا يلحق بأهل الترفهات، ومعنى الحديث: أنّ من اتصف بتلك الصفات حصل على مطلوبه، وظفر بمرغوبه في الدنيا والآخرة، ولذا قال صلى الله عليه وسلم:"اللهم [اجعل] (4) رزق آل محمد قوتاً"(5) أي: اكفهم من القوت ما لا يرهقهم إلى ذل المسألة، ولا يكون فيه فضول يبعث على الترفه والتبسط في الدنيا.

وفيه حجة لمن فضَّل الكفاف؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لا يدعو لنفسه ولآله إلا بأفضل الأحوال، وقد قال:"خير الأمور أوساطها"(6).

قال في "الفتح"(7) بعد سياقه وزيادة عليه حذفناها قلت: وهذا كله صحيح، لكن لا يدفع أصل السؤال في أيهما أفضل الغنى أو الفقر؟

لأنَّ النزاع فيمن اتصف بأحد الوصفين أيهما في حقه أفضل عند الله.

(1) في "صحيحه" رقم (125/ 1054).

(2)

في شرحه لـ "صحيح مسلم".

(3)

في المفهم (7/ 131).

(4)

سقطت من (ب).

(5)

تقدم مراراً.

(6)

أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 273).

وانظر: "كشف الخفاء"(1/ 469 رقم 1247).

(7)

(11/ 275).

ص: 562

قال ابن تيمية (1): إذا استويا في التقوى فهما في الفضل سواء.

قوله: "أخرجه الترمذي" قلت: وقال (2): حسن صحيح.

5 -

وعن أنس رضي الله عنه قال: كانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "اللهمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا، وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا، وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ المَسَاكينِ يَوْمَ القِيَامَةِ". [حسن بشواهده]

قَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: "لأَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ قَبْلَ الأَغْنِيَاءِ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا. يَا عَائِشَةُ لَا تَرُدِّي المِسْكِينَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، يَا عَائِشَةُ أَحِبِّي المَسَاكينِ وَقَرِّبِيهِمْ، فَإِنَّ الله يُقَرِّبُكِ يَوْمَ القِيَامَةِ". أخرجه الترمذي (3). [ضعيف]

والمراد: "بِالخَرِيفِ" السَّنَةُ (4).

وفي حديث آخر. خَمْسِمائَةِ عَامٍ، والجمع بينهما أن المراد بالأربعين تَقَدُّمُ الفقير الحريص على الغني الحريص، وبالخمسمائة تقدم الفقير الزاهد على الغني الراغب، فكان الفقير الحريص على درجتين من خمس وعشرين درجة من الفقير الزاهد، وهذا نسبة الأربعين إلى خمسمائة، وهذا التقدير وأمثاله لا يجري على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم جُزافاً ولا اتفاقاً بل لسرٍّ أدركه، ونسبة أحاط بها عمله، فإنه لا ينْطِقُ عن الهوى (5).

قوله في حديث أنس: "اللهم أحيني مسكيناً" في "النهاية" المسكين الذي لا شيء له وقيل: هو الذي له بعض الشيء، وقد تقع المسكنة على التضعف.

(1) انظر: "مدارج السالكين"(2/ 552).

(2)

أي الترمذي في "السنن"(4/ 580).

(3)

في "السنن" رقم (2352)، الشطر الأول حسن بشواهده. والشطر الثاني ضعيف.

(4)

قال ابن الأثير في "غريب الجامع"(4/ 672): الخريف: الزمان المعروف، بين الصيف والشتاء، وأراد به: كنايةً عن الستة جميعها؛ لأنه متى أتى عليه عشرون خريفاً فقد أتى عليه عشرون سنة.

(5)

قاله ابن الأثير في "غريب الجامع"(4/ 672 - 673).

ص: 563

قال: وقوله: "اللهم اجعلني مسكيناً" أراد به التواضع والإخبات، وألا يكون من الجبارين المتكبرين.

قلت: فهذا تأويل يخرج الحديث عما ترجم للباب.

قوله: "أخرجه الترمذي"[197 ب] قلت: وقال (1): غريب، وصرح ابن حجر بضعفه.

قوله: "السنة" قال في "النهاية"(2): لأنّ الخريف لا يكون إلاّ في السنة مرة، فإذا انقضى أربعون خريفاً فقد مضت أربعون سنة.

قوله: "وجمع بينهما" أقول: هذا الجمع ذكره الأثير في "غريب الجامع"(3) وزاد بعد قوله (4): فإنّه ما ينطق عن الهوى، فإنْ فطن أحدٌ من العلماء إلى شيء من هذه المناسبات، وإلاّ فليس طَعْنًا في صحتها.

6 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَدْخُلُ الفقَرَاءُ الجَنَّةَ قَبْلَ الأَغْنيِاءِ بِخَمْسْمِائَةِ عَامٍ نِصْفِ يَوْمٍ". أخرجه الترمذي (5). [صحيح]

قوله في حديث أبي هريرة: "نصف يوم" أقول: [أي:](6) من اليوم الذي قدره الله بألف سنة في قوله: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5)} (7).

(1) في "السنن"(4/ 578).

(2)

"النهاية في غريب الحديث"(1/ 484).

وانظر: "غريب الحديث" للهروي (4/ 499).

(3)

(4/ 672).

(4)

في "غريب الجامع"(4/ 673).

(5)

في "السنن" رقم (2353)، وهو حديث صحيح.

(6)

زيادة من (أ).

(7)

سورة السجدة الآية (5).

ص: 564

أخرج ابن جرير (1) وابن المنذر (2) عن ابن عباس في قوله: "يدبر الأمر" الآية.

[قال: هذا في الدنيا "تعرج الملائكة في يوم مقداره ألف سنة"](3).

وأخرج ابن جرير عنه: "من أيامكم هذه ومسيرة ما بين السماء والأرض خمسمائة عام".

وأخرج ابن جرير (4) عن قتادة في الآية يقول: مقدار مسيرة في ذلك اليوم ألف سنة مما تعدون من أيامكم من أيام الدنيا خمسمائة نزول وخمسمائة صعود.

وأخرج ابن جرير (5) عن مجاهد "في يوم كان مقداره ألف سنة" يعني بذلك: نزول الأمر من السماء إلى الأرض، ومن الأرض إلى السماء في يوم واحد، وذلك مقدار ألف سنة؛ لأنّ ما بين السماء والأرض خمسمائة عام [350/ أ].

قوله: "أخرجه الترمذي" قلت: وقال (6): حسن صحيح.

7 -

وعن أبي عبد الرحمن الحُبِلي قال: سَأَلَ رَجُلٌ عَبْدَ الله بْنَ عَمْرو بْن العَاصِ فَقَالَ: أَلَسْنَا مِنْ فُقَرَاءِ المُهَاجِرِينَ؟ فَقَالَ لَه: أَلكَ زَوْجَةٌ تَأْوِي إِلَيْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَلَكَ مَسْكَنٌ تَسْكُنُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَنْتَ مِنَ الأَغْنِيَاءِ، قَالَ: فَإِنَّ لِي خَادِمًا؟ قَالَ: فَأَنْتَ مِنَ المُلُوكِ. أخرجه مسلم (7). [صحيح]

(1) في جامع البيان (18/ 594 - 595).

(2)

عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(6/ 300).

(3)

كذا في (أ. ب)، والذي في جامع البيان: قال: هذا في الدنيا، تعرجُ الملائكة إليه في يوم كان مقداره ألف سنة.

(4)

في جامع البيان (18/ 593).

(5)

في "جامع البيان"(18/ 592).

(6)

في "السنن"(4/ 578).

(7)

في "صحيحه" رقم (2979).

ص: 565

قوله: وعن أبي عبد الرحمن الحبلي أقول: اسمه عبد الله بن يزيد المعافري الحبلي بضم الحاء المهملة وبالموحدة ثقة من الثالثة قاله في "التقريب"(1).

وتمام الحديث في "الجامع"(2): قال عبد الرحمن: وجاء ثلاثة نفر إلى عبد الله بن عمرو وأنا عنده، فقال: ما شئتم؟ إنْ شئتم رجعتم إلينا فأعطيناكم ما يسر الله [198 ب] لكم، وإن شئتم ذكرنا أمركم للسلطان، وإنْ شئتم صبرتم، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إنّ فقراء [المهاجرين] (3) يسبقون الأغنياء يوم القيامة بأربعين خريفاً، قالوا: نصبر لا نسأل شيئاً".

8 -

وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: جَلَسْتُ فِي عِصَابَةٍ مِنْ ضُعَفَاءِ المُهَاجِرِينَ، وَإِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَسْتَتِرُ بِبَعْضٍ مِنَ العُرْىِ، وَقَارِئٌ يَقْرَأُ عَلَيْنَا إِذْ جَاءَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَامَ عَلَيْنَا، فَسَكَتَ القَارِئُ. فقَالَ:"مَا كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ؟ ". قُلْنَا: كَانَ قَارِئٌ يَقْرَأُ عَلَيْنَا نَسْتَمِعُ كِتَابِ رَبِّنَا. فَقَالَ: "الحَمْدُ لله الَّذِي جَعَلَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ أُمِرْتُ [أَنْ] (4) أُصَبِّرَ نَفْسِي مَعَهُمْ، وَجَلَسَ وَسَطَنَا لِيَعْدِلَ نَفْسِهِ بِنَا". ثُمَّ قَالَ بِيدهِ هَكَذَا: فتَحَلَّقُوا وَبَرَزَتْ وُجُوهُهُمْ. قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَرَفَ مِنْهُمْ أَحَدًا غَيْرِي. ثمَّ قَالَ: "أَبْشِرُوا يَا صَعَالِيكِ المُهَاجِرِينَ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ القِيَامَةِ". [ضعيف]

"تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَاءِ النَّاسِ بِنِصْفِ يَوْمٍ، وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةِ سَنةٍ". أخرجه أبو داود (5) والترمذي (6). [صحيح بشواهده]

(1)(1/ 462 رقم 749).

(2)

(4/ 673 - 674).

(3)

في (أ): المهاجرون.

(4)

سقطت من المخطوط (أ. ب).

(5)

في "السنن" رقم (3666) ضعيف دون قوله: "تدخلون الجنة

" إلخ. فصحيح بشواهده.

(6)

في "السنن" رقم (2351). وأخرجه ابن ماجه رقم (4122).

ص: 566

"العِصَابةُ" الجماعة من الناس (1).

"تَحَلّقُوا" أي: صاروا حلقة مستديرة (2).

قوله في حديث أبي سعيد: "في عصابة" أقول في "النهاية"(3): العصابة من الناس من العشرة إلى الأربعين لا واحد لها من لفظها زاد في "غريب الجامع"(4): وكذلك من الخيل والطير.

قوله: "من أمرت أنْ أصبر نفسي معهم"، أقول: يريد صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} (5) الآية.

وقوله: "صعاليك" في "القاموس"(6): الصعلوك: كعصفور الفقير.

9 -

وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "قُمْتُ عَلَى بَابِ الجَنَّةِ فَكَانَ عَامَّةَ مَنْ دَخَلَهَا المَسَاكِينُ، وَأَصْحَابُ الجَدِّ مَحْبُوسُونَ، غَيْرَ أَنَّ أَصْحَابَ النَّارِ قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ، وَقُمْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ، فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ". أخرجه الشيخان (7). [صحيح]

"الجَدُّ" الحظُّ والسَّعادة (8).

(1) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع"(4/ 675).

(2)

قاله ابن الأثير في "غريب الجامع"(4/ 675).

(3)

(2/ 212)، وانظر: الفائق للزمخشري (1/ 81).

(4)

(4/ 675).

(5)

سورة الكهف الآية (28).

(6)

القاموس المحيط (ص 1221).

(7)

أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (5196، 6547)، ومسلم رقم (2736).

(8)

قاله ابن الأثير في "غريب الجامع"(4/ 676).

ص: 567

قوله في حديث أسامة: "وأصحاب الجد" فسره المصنف بالحظ والسعادة (محبوسون) مؤخرون عن دخول الجنة للحساب الذي لهم وعليهم، وفي قوله:"غير أنّ أهل النار قد أمر بهم إلى النار"، دليل على أنّ المراد بأهل الجد من أهل الإيمان؛ لأن أهل النار عند الإطلاق ينصرف إلى الكفار.

قوله: "النساء" أقول: قد وردت بيان أكثرية النساء في النار لما سئل (1) صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: لكفرانهن العشير، أي: الزوج.

10 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ابْغُونِي ضُعَفَاءَكُمْ، فَإِنَّمَا تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُوَن بِضُعَفَائِكُمْ". أخرجه أصحاب السنن (2). [صحيح]

ومعنى: "أَبْغُونِي" اطلبوا لي.

قوله: "اطلبوا لي" قال ابن الأثير (3): أبغني كذا، أي: أعطني وأوجدني، وأصله من الابتغاء: الطلب، يقال: بَغَى فلانٌ كذا إذا طلبه، وأبغيتُه كذا إذا أزلت ابتغاءه مثل: أشكيتُه إذا أزلت شكواه ببلوغ غرضه، وتقول [199 ب].

أبْغني بهمزة موصولة - أي: اطلُب لي، وأبغني بهمزة مقطوعة - أي: أعنِّ على الطلب. انتهى.

11 -

وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا بَعَثَ الله نَبيًّا إلَّا رَعَى الغَنَمَ" قالُوا: وَأَنْتَ يَا رسولَ الله؟ قَالَ: "نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ".

(1) تقدم نصه وتخريجه وهو حديث صحيح.

(2)

أخرجه أبو داود رقم (2594)، والترمذي رقم (1702)، والنسائي رقم (3179).

وهو حديث صحيح.

(3)

قاله ابن الأثير في "غريب الجامع"(4/ 676).

ص: 568

أخرجه البخاري (1) ومالك (2) ولم يذكر القراريط. [صحيح]

قوله: في حديث أبي هريرة: "ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم" أقول: قيل: الحكمة في رعاية الأنبياء الغنم أنْ يأخذوا أنفسهم بالتواضع، ويعتادوا الخلوة ويترقوا من سياستها إلى سياسة الأمم، والإشارة إلى أنّ الله لم يضع النبوة في أبناء الدنيا والمترفين، وخصوا برعي الغنم بذلك؛ لكونها أضعف من غيرها؛ ولأنّ تفرقها أكثر من تفرق الإبل، والبقر؛ لأنَّه يمكن حفظهما بالربط دونها في العادة.

وفي ذكره صلى الله عليه وسلم بعد علمه أنّه أكرم الخلق على الله، من عظيم التواضع لربه، والتصريح بعظيم مننه وإحسانه إليه، وإلى إخوانه من الأنبياء.

قوله: "على قراريط" أقول: قيل: "على" بمعنى الباء وهي للسببية والمعاوضة، وقيل: أنّها للظرفية كما في رواية ابن ماجه (3): "بالقراريط"(4) وأنّه أسم موضع بمكة لا قيراط الفضة إذ لم تكن العرب تعرف ذلك وفي الحديث (5): "ستفتحون أرضاً يذكر فيها القراريط".

12 -

وعن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! إِنِّي لأُحِبُّكَ. فَقَالَ: "انْظُرْ مَا تَقُولُ". قَالَ: وَالله إِنِّي لأُحِبُّكَ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ: "إِنْ كُنْتَ تُحِبُّنِي فَأعِدَّ

(1) البخاري في "صحيحه" رقم (2262).

(2)

في "الموطأ"(2/ 971).

(3)

في "السنن" رقم (2149)، وهو حديث صحيح.

(4)

انظر: "النهاية في غريب الحديث"(2/ 438)، "المجموع المغيث"(2/ 687).

(5)

أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (227/ 2543)، وأحمد في المسند (5/ 174)، عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنكم ستفتحون مصر، وهي أرضٌ يُسمَّى فيها القيراط، فإذا فتحتموها، فأحسنوا إلى أهلها

".

ص: 569

لِلْفَقْرِ تِجْفَافًا، فَإِنَّ الفَقْرَ أَسْرَعُ إِلَى مَنْ يُحِبُّني مِنَ السَّيْلِ إِلَى مُنْتَهَاهُ". أخرجه الترمذي (1)[ضعيف]

قوله في حديث عبد الله بن مغفل "تجفافاً" في "النهاية"(2): التجفاف ما جلل (3) به الفرس من سلاح وآلة تقيه الجراح.

قلت: وكان هذا أغلبي فإنّه قد كان في الصحابة الذين لا يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدٌ كحبهم، أغنياء كعثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم ومن بعدهم كذلك محبون له أغنياء.

قال القعنبي: على قوله: "تجفافاً" معناه: أنْ يرفض الدنيا، ويزهد فيها، ويصبر على الفقر، والتقلل، وكنى بالتجفاف والجلباب عن الصبر؛ لأنَّه يستر الفقر كما يستر الجلباب البدن.

وقال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب "غريب الحديث"(4) قد تأوله على أنّه صلى الله عليه وسلم أراد من أحبني افتقر في الدنيا.

قال: وليس لهذا وجه؛ لأنّا قد نرى من يحبه فيهم ما في الناس من الغنى [200 ب] والفقر، ولكنه عندي إنّما أراد فقر يوم القيامة يقول: ليعد ليوم فقره، وما فيه عملاً صالحاً ينتفع به يوم القيامة، وإنّما هذا منه على وجه القصد والنصيحة، كقولك: من أحب أنْ

(1) في "السنن" رقم (2350). وهو حديث ضعيف.

(2)

"النهاية في غريب الحديث"(1/ 273) حيث قال: وهو شيء من سلاح، يترك على الفرس، يقيه الأذى، وقد يلبسه الإنسان أيضاً، وجمعه تجافيف.

(3)

هذا المعنى في "القاموس المحيط"(ص 1030)، وليس في "النهاية".

(4)

لم أجده في "غريب الحديث".

ص: 570

يصحبني ويكون معي، فعليه بتقوى الله واجتناب [351/ أ] المعاصي، فإنّه لا يكون لي صاحب إلاّ من هذه [حاله](1) ليس للحديث وجه غير هذا انتهى.

وقد جعله نظير قوله صلى الله عليه وسلم: اسأل الله أنْ أكون معك في الجنة، فقال:"أعني على نفسك بكثرة السجود" ولكنه لا يخفى بُعد ما ذهب إليه والأقرب أنَّه حكم أغلبي، والله أعلم.

قوله: "أخرجه الترمذي".

[قلت: وقال (2): حسن غريب](3).

13 -

وعن علي رضي الله عنه قال: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ رضي الله عنه مَا عَلَيْهِ إِلَاّ بُرْدَةٌ لامُرَقَّعَةٌ بِفَرْوٍ، فَلَمَّا رَآه النّبيُّ صلى الله عليه وسلم بَكَى لِلَّذِي كَانَ فِيهِ مِنَ النِّعْمَةِ، ثُمَّ قَالَ:"كَيْفَ بِكُمْ إِذَا غَدَا أَحَدُكُمْ فِي حُلَّةِ، وَرَاحَ فِي أُخْرَى، وَوُضِعَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ صَحْفَةٌ، وَرُفِعَتْ أُخْرَى، وَسَتَرْتُمْ بُيُوتَكُمْ كَمَا تُسْتَرُ الكَعْبَةُ". قَالُوا: يَا رَسُولَ الله! نَحْنُ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مِنَّا اليَوْمَ، نُكْفَي المُؤْنَةَ، وَنَتَفَرَّغُ لِلْعِبَادةِ، فقال:"بَلْ أنْتُمُ اليَوْمَ خَيْرٌ مِنْكُمْ يَوْمَئِذٍ". أخرجه الترمذي (4). [ضعيف]

قوله في حديث علي: "للَّذي كان فيه من النعمة، أي: إذا كان مشركاً فإنَّه كان أرفه فتى في قريش، فلما أسلم وهاجر، ترك ما كان فيه". وفي رواية أبي يعلى: "أنّه صلى الله عليه وسلم لما رآه ذكر ما كان فيه من".

(1) سقط من (ب).

(2)

في "السنن"(4/ 577).

(3)

سقط من (ب).

(4)

في "السنن" رقم (2476) وهو حديث ضعيف.

ص: 571

وفي رواية للبيهقي (1) عن عمر أنّه صلى الله عليه وسلم لمّا رأى [أي](2) مصعب بن عمير مقبلاً عليه إهاب كبش قد تمنطق به فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "انظروا إلى هذا الذي نوَّر الله قلبه، لقد رأيته بين أبوين يغذونه بأطيب الطعام والشراب، لقد رأيت عليه حلة شروها أو شريت له بمائتي درهم، فدعاه حب الله وحب رسوله إلى ما ترون".

وقوله: "إذا غدا في حلة وراح في أخرى" أي: لبس وقت الغداة ثياباً، وبدلها في يوم وقت الرواح بثياب أخرى سعة في ثيابه وترفهاً في ملبوسه، كما يتوسع في مأكوله فتأتيه صحفة بعد أخرى.

وقوله: "وسترتم بيوتكم" ليس فيه دليل على حل تستير الجدارات فقد نهى عنه إنما هو إخبار بما سيكونون فيه، وهذا من أعلام النبوة، فكل ذلك قد وقع لأغلب الأمة.

قوله: "بل أنتم اليوم خير منكيم يومئذٍ"؛ لأنه لا يأتي من التوسع في الغالب إلا محبة الدنيا، وزيادة التوسع على ما لا بد منه، وقلة شكر النعم. [201 ب]، والاشتغال عمَّا خلقوا له من العبادة، وهو من أدلة فضل الفقر على الغنى كما مَرَّ فيه الكلام.

قوله: "أخرجه الترمذي" قلت: وقال (3): حسن غريب. وقال المنذري: فيه راوٍ لم يسم.

14 -

وعن أبي أُمامة بن ثعلبة الأنصاري رضي الله عنه قال: ذَكَرُوا عِنْدَ النّبيِّ صلى الله عليه وسلم: الدُّنْيَا فقَالَ: "أَلَا تَسْمَعُونَ، أَلَا تَسْمَعُونَ إِنَّ البَذَاذَةَ مِنَ الإِيمَانِ، إِنَّ البَذَاذَةَ مِنَ الإِيَمانِ". أخرجه أبو داود (4)[حسن]

(1) انظر: "دلائل النبوة"(3/ 299 - 300).

(2)

زيادة من (أ).

(3)

في "السنن"(4/ 647).

(4)

في "السنن" رقم (4161)، وهو حديث حسن.

وأخرجه ابن ماجه رقم (4118).

ص: 572

"البَذَاذَةُ" بذالين معجمتين بينهما ألف: رثاثة الهيئة وترك الزينة، والمراد به التواضع في اللباس، وترك التبجُّح به (1).

15 -

وعن جابر رضي الله عنه قال: ذُكِرَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: بِعِبَادَةٍ، وَذُكِرَ آخَرُ بِوَرَعٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"لَا يُعْدَلْ الوَرَعُ بِشيْءٍ". أخرجه الترمذي (2). [ضعيف]

قوله في حديث جابر: "لا يعدل الورع بشيء" أقول: قد جمع صلى الله عليه وسلم الورع كله في كلمة واحدة فقال: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"(3): فهذا يعم الترك لما لا يعني من الكلام، والنظر والاستماع، والبطش والمشي، والفكر وسائر الحركات الباطنة والظاهرة، فهذه الكلمة شافية في الورع.

قال إبراهيم بن أدهم (4): الورع ترك كل شبهة، وترك كل ما لا يعنيك وهو ترك الفضلات.

وفي الترمذي (5) مرفوعاً: "يا أبا هريرة، كان ورعاً تكن أعبد الناس".

(1) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع"(4/ 680).

(2)

في "السنن" رقم (2519)، وفيه: "

وذُكرَ آخرُ برِعةٍ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"لا يُعْدَلُ بالرِّعَةِ". وهو حديث ضعيف.

(3)

تقدم تخريجه وهو حديث صحيح.

(4)

ذكره القشيري في رسالته (ص 110).

(5)

في "السنن" رقم (2305).

وأخرجه أحمد (2/ 300)، وابن أبي الدنيا في "الورع" رقم (2، 3)، وابن ماجه رقم (4217)، وهو حديث حسن.

ص: 573

وقيل (1): الورع في المنطق أشد منه في الذهب والفضة، والزهد في الرياسة، أشد منه في الذهب والفضة؛ لأنهما يبذلان في طلب الرياسة.

وقال سفيان الثوري (2): ما رأيت أسهل من الورع، ما حاك في نفسك تركته.

وسأل الحسن (3) غلاماً فقال: ما ملاك الدين؟ قال: الورع. قال: فما آفته؟ قال: الطمع. فعجب الحسن.

وقال الحسن: مثقال ذرة من ورع خير من ألف مثقال من صوم وصلاة.

وقال ابن القيم (4): والخوف يثمر الورع والاستقامة وقصر الأمل، وقوة الإيمان باللقاء تثمر الزهد، ثمَّ قال (5): وملاك ذلك كله أمر أن أحدهما: أنْ تنقل قلبك من وطن الدنيا فتسكنه في وطن الآخرة، ثم تقبل به كله على معاني القرآن واستجلائها وتدبرها، وفهم ما يراد منه، وما نزل لأجله، وأخذ نصيبك وحظك من كل آية من آياته، وتنزيلها على داء قلبك، فهذه [202 ب] طريقة مختصرة سهلة قريبة، موصلة إلى الرفيق الأعلى. انتهى.

وقال ابن تيمية (6): الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة، والورع ترك ما يخاف ضره في الآخرة.

قال ابن القيم (7): وهذه العبارة من أحسن ما قيل في الزهد والورع وأجمعها.

(1) أخرجه البيهقي في "الزهد" رقم (851) عن إسحاق بن خلف، وذكره القشيري في رسالته (ص 110).

(2)

ذكره القشيري في رسالته (ص 111).

(3)

ذكره القشيري في رسالته (ص 112).

(4)

في "مدارج السالكين"(2/ 35).

(5)

أي: ابن القيم في "مدارج السالكين"(2/ 35).

(6)

ذكره ابن القيم في "مدارج السالكين"(2/ 14).

(7)

ذكره ابن القيم في "مدارج السالكين"(2/ 14).

ص: 574