الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حرف الراء
وفيه أربعة كتب
الرحمة - الرفق - الرهن - الرياء
كتاب: الرحمة
وفيه ثلاثة فصول
الفصل الأول: في الحث عليها
1 -
عن ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الله تَعَالَى، ارْحَمُوا مَنْ في الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ، الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ، فَمَنْ وَصلَهَا وَصَلَهُ الله، وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ الله". أخرجه أبو داود (1) إلى قوله: "من في السماء"، والترمذي (2) بتمامه. [صحيح]
"الشِّجْنَة"(3) بكسر الشين المعجمة وضمها بعدها جيم: القرابة المُشْتَبِكةُ كاشتباكَ العُروق.
قوله: "حرف الراء".
أي: الأحاديث التي أول حروفها الراء.
قوله: "كتاب الرحمة".
(1) في "السنن" رقم (4941).
(2)
في "السنن" رقم (1924).
(3)
انظر: "التوقيف على مهمات التعاريف"(ص 360)، "الكليات"(2/ 368).
أقول: الرحمة (1) هي الرقة المؤلمة تعتري من يرحم فيتحرك إلى قضاء حاجة المرحوم. هذا في حق العباد.
وأما رحمة الله؛ فهي إضافة الخير على المحتاجين وإرادته لهم عناية بهم، وفي الرحمة الحقيقية، ورحمة الله عامة تعم المستحق وغير المستحق، وتامة؛ وذلك أنه حيث أراد قضاء حاجات المحتاجين قضاها [129 ب].
قوله: "الفصل الأول في الحث عليها".
أي: في حث الرسول صلى الله عليه وسلم العباد على التراحم فيما بينهم، وأن يرحم بعضهم بعضاً.
قوله: "في حديث ابن عمرو: الراحمون يرحمهم الله" أقول: لفظه في "الجامع"(2): "يرحمهم الرحمن" وهو كذلك في "سنن أبي داود، والترمذي"، فما أدري لعله سبق قلم من المصنف.
قوله: "من في الأرض" أمر برحمة كل من في الأرض؛ من حيوان فتدخل البهائم، والطير، فضلاً عن بني آدم، وليس المراد مجرد الرحمة؛ بل وإزالة ما رحم الحيوان لأجله، فإن رحم الجائع أطعمه إن قدر؛ أو يسعى في ذلك. أو العاري؛ كساه، أو المريض؛ رقاه.
والحاصل: أن الرحمة بمجردها خير، ولكن ليست المرادة بمجردها، بل المراد منها مسببها، وهي كشف ما نزل بالمرحوم مما رحمه لأجله.
قوله: "يرحمكم من في السماء" أقول: هو مجزوم جواب الأمر، هو من باب:{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} (3) أي: من جزء الفعل بجنسه، ومن في السماء يعم الملائكة وحملة
(1) انظر: "مفردات ألفاظ القرآن"(ص 279)، "التوقيف على مهمات التعاريف"(ص 260 - 261).
(2)
(4/ 515 رقم 2615).
(3)
سورة الصف: 5.
العرش؛ وإنهم يرحمون من رحم من أهل الأرض فيدعون له، ويدلس له رواية:"ارحموا من في الأرض يرحمكم أهل السماء".
ويحتمل [327/ أ] أن يراد الرب تعالى، أي: من في السماء أمره، من باب قوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} (1).
قوله: "شجنة من الرحمن" أقول: بكسر المعجمة وبعدها نون. وجاء بضم أوله، وهي رواية ولغة، وأصل الشجنة: عروق الشجر المشتبكة. والشجن بالتحريك واحد الشجون، وهي طرق الأودية، ومنه قوله:"الحديث ذو شجون" أي: يدخل بعضه في بعض.
قوله: "من الرحمن" أي: أخذ اسمها من هذا الاسم، كما يدل له حديث عبد الرحمن بن عوف في السنن مرفوعاً:"أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت [130 ب] لها من اسمي"(2) والمعنى: أنها أثر من آثار الرحمة مشتبكة بها، فالقاطع لها منقطع من رحمة الله.
قال القرطبي (3): الرحم التي توصل عامة وخاصة. فالعامة رحم الدين يجب مواصلتها بالتواد والتناصح والعدل والإنصاف والقيام بالحقوق الواجبة والمستحبة.
وأما الرحم الخاصة؛ فيريد بالنفقة على القريب وتفقد أحوالهم، والتغافل عن زلاتهم، وتتفاوت مراتب استحقاقهم في ذلك كما جاء في الحديث الأول من كتاب الأدب:"الأقرب فالأقرب".
(1) سورة الزخرف: 84.
(2)
أخرجه أبو داود رقم (1694)، والترمذي رقم (1907)، وأحمد (1/ 191، 194)، وابن حبان في صحيحه رقم (443) من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه. وهو حديث صحيح لغيره.
(3)
في "المفهم"(6/ 526).
وقال ابن أبي جمرة (1): تكون صلة الرحم بالمال، والعون على الحاجة ودفع الضرر، وبطلاقة الوجه، وبالدعاء. والمعنى الجامع إيصال ما أمكن من الخير، أو دفع ما أمكن من الشر، بحسب الطاقة، وهذا إنما يستمر إذا كان أهل الرحم أهل استقامة.
فإن كانوا كفاراً أو فجاراً فمقاطعتهم في الله هي صلتهم؛ بشرط بذل الجهد في [وعظهم ثم](2) إعلامهم إن أصروا بأن ذلك سبب تخلفهم عن الحق، ولا يقطع مع ذلك صلتهم بالدعاء لهم بظهر الغيب أن يعودوا إلى الطريقة المثلى. انتهى.
قلت: والحديث تخصيص برحمة الرحم بصلتها بالقول والفعل، والمال، وإلا فقد دخلت:"ارحموا من في الأرض".
قوله: "أخرجه الترمذي" قلت: وقال (3): "حسن صحيح".
2 -
وعن جرير رضي الله عنه قال: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَرْحَمُ الله مَنْ لَا يَرْحَمُ النَاسَ". أخرجه الشيخان (4) والترمذي (5). [صحيح]
3 -
وفي أخرى لأبي داود (6) والترمذي (7) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلَاّ مِنْ شَقِيٍّ". [حسن]
(1) ذكره الحافظ في "الفتح"(10/ 418).
(2)
زيادة من "فتح الباري"(10/ 418).
(3)
في "السنن"(4/ 324).
(4)
البخاري في صحيحه رقم (6013، 7376)، ومسلم رقم (2319).
(5)
في "السنن" رقم (1922).
(6)
في "السنن" رقم (4942).
(7)
في "السنن" رقم (1923). وهو حديث حسن.
قوله: "في حديث جرير: لا تنزع الرحمة إلا من شقي" قال الترمذي (1): "هذا حديث حسن، وأبو عثمان الذي روى عن أبي هريرة لا يعرف اسمه. يقال: هو والد موسى بن أبي عثمان الذي روى عنه أبو الزناد. وقد روى أبو الزناد [131 ب] عن موسى بن أبي عثمان عن أبيه عن أبي هريرة غير حديث". انتهى.
4 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَبَّلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم الحَسَنَ بْنَ عَليٍّ وَعِنْدَهُ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، فَقَالَ الأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ:"مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ". أخرجه الخمسة (2) إلا النسائي.
وزاد رزين: "أَوَ أَمْلِكُ إِنْ كَانَ الله نَزَعَ مِنْكُمُ الرَّحْمَةَ".
قوله: "في حديث أبي هريرة: قبَّل حسناً" أقول: لفظه في "سنن أبي داود"(3): "أنه صلى الله عليه وسلم قبل حسيناً"، وفي "سنن الترمذي" (4):"وهو يقبل الحسن"، وقال ابن أبي عمر: الحسنَ والحسينَ.
وفي البخاري (5): "الحسن بن علي". وقال ابن بطال (6): يجوز تقبيل الولد الصغير في كل عضو منه، وكذا الكبير عند العلماء ما لم تكن عورة. انتهى.
(1) في "السنن"(4/ 323).
(2)
أخرجه البخاري رقم (5997)، ومسلم رقم (2318)، وأبو داود رقم (5218)، والترمذي رقم (1911).
(3)
في "السنن" رقم (5218) عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن الأقرع بن حابس أبصر النبي صلى الله عليه وسلم يقبِّل حسيناً
…
(4)
في "السنن" رقم (1981) وفيه: "وهو يقبِّل الحسن
…
".
(5)
في صحيحه رقم (5997).
(6)
في شرحه لصحيح البخاري (9/ 212).