المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الأول: في وجوبها وإثم تاركها - التحبير لإيضاح معاني التيسير - جـ ٤

[الصنعاني]

فهرس الكتاب

- ‌حرف الدال

- ‌كتاب: الدعاء

- ‌[الباب الأول: في آدابه:

- ‌الفصل الأول: في فضله ووقته

- ‌الفصل الثاني: في هيئة الداعي

- ‌الفصل الثالث: في كيفية الدعاء

- ‌الفصل الرابع: في أحاديث متفرقة

- ‌الباب الثاني: في أقسام الدعاء

- ‌[القسم الأول: في الأدعية المؤقتة المضافة إلى أسبابها، وفيه عشرون فصلاً]

- ‌الفصل الأول: في ذكر اسم الله الأعظم وأسمائه الحسنى

- ‌(فائدة: ذكر شرح أسماء الله الحسنى)

- ‌الفصل الثاني: في أدعية الصلاة مفصلاً - الاستفتاح

- ‌الركوع والسجود

- ‌بعد التشهد

- ‌بعد السلام

- ‌الفصل الثالث: في الدعاء عند التهجد

- ‌الفصل الرابع: في الدعاء عند الصباح والمساء

- ‌الفصل الخامس: في أدعية النوم والانتباه

- ‌الفصل السادس: في أدعية الخروج من البيت والدخول إليه

- ‌الفصل السابع: في أدعية المجلس والقيام منه

- ‌الفصل الثامن: في أدعية السفر

- ‌الفصل التاسع: في أدعية الكرب والهم

- ‌الفصل العاشر: في أدعية الحفظ

- ‌الفصل الحادي عشر: في دعاء اللباس والطعام

- ‌الفصل الثاني عشر: في دعاء قضاء الحاجة

- ‌الفصل الثالث عشر: في دعاء الخروج من المسجد والدخول إليه

- ‌الباب الرابع عشر: في دعاء رؤية الهلال

- ‌الفصل الخامس عشر: في دعاء الرعد والريح والسحاب

- ‌الفصل السادس عشر: في دعاء يوم عرفة وليلة القدر

- ‌الفصل السابع عشر: في دعاء العطاس

- ‌الفصل الثامن عشر: في دعاء داود عليه السلام

- ‌الفصل التاسع عشر: في دعاء قوم يونس عليه السلام

- ‌الفصل العشرون: في الدعاء عند رؤية المبتلى

- ‌القسم الثاني من الباب الثاني: في أدعية غير مؤقتة ولا مضافة

- ‌الباب الثالث: فيما يجري في مجرى الدعاء

- ‌الفصل الأول: في الاستعاذة

- ‌الفصل الثاني: في الاستغفار والتسبيح والتهليل والتكبير والتحميد والحوقلة

- ‌الفصل الثالث: في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌كتاب: الديات

- ‌الفصل الأول: في دية النفس

- ‌الفصل الثاني: في دية الأعضاء والجراح العين

- ‌الأضراس

- ‌الأصابع

- ‌الجراح

- ‌الفصل الثالث: فيما جاء من الأحاديث مشتركاً بين النفس والأعضاء

- ‌الفصل الرابع: في دية الجنين

- ‌الفصل الخامس: في قيمة الدية

- ‌الفصل السادس: في أحكام تتعلق بالديات

- ‌كتاب: الدين وآداب الوفاء

- ‌حرف الذال

- ‌كتاب: الذكر

- ‌كتاب: الذبائح

- ‌الفصل الأول: في آداب الذبح ومنهياته

- ‌الفصل الثاني: في هيئة الذبح وموضعه

- ‌الفصل الثالث: في آلة الذبح

- ‌كتاب: ذم الدنيا وأماكن من الأرض

- ‌الفصل الأول: [في ذم الدنيا

- ‌الفصل الثاني: في ذم أماكن من الأرض

- ‌حرف الراء

- ‌كتاب: الرحمة

- ‌الفصل الأول: في الحث عليها

- ‌الفصل الثاني: في ذكر رحمة الله تعالى

- ‌الفصل الثالث: فيما جاء من رحمة الحيوان

- ‌كتاب: الرفق

- ‌كتاب: الرهن

- ‌كتاب: الرياء

- ‌حرف الزاي

- ‌كتاب: الزكاة

- ‌الباب الأول: في وجوبها وإثم تاركها

- ‌الباب الثاني: في أحكام الزكاة المالية

- ‌الفصل الأول: فيما اشتركن فيه من الأحاديث

- ‌الفصل الثاني: في زكاة النعم

- ‌الفصل الثالث: في زكاة الحلي

- ‌الفصل الرابع: في زكاة الثمار والخضروات

- ‌الفصل الخامس: في زكاة المعدن والركاز

- ‌الفصل السادس: في زكاة الخيل والرقيق

- ‌الفصل السابع: في زكاة العسل

- ‌الفصل الثامن: في زكاة مال اليتيم

- ‌الفصل التاسع: في تعجيل الزكاة

- ‌الفصل العاشر: في أحكام متفرقة للزكاة

- ‌الباب الثالث: في زكاة الفطر

- ‌الباب الرابع: في عامل الزكاة وما يجب له عليه

- ‌الباب الخامس: فيمن تحل له الصدقة ومن لا تحل

- ‌الفصل الأول: فيمن لا تحل له

- ‌الفصل الثاني: فيمن تحل له الصدقة

- ‌كتاب: الزهد والفقر

- ‌الفصل الأول: في مدحهما والحث عليهما

- ‌الفصل الثاني: فيما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عليه من الفقر

- ‌كتاب: الزينة

- ‌الباب الأول: في الحليّ

- ‌الباب الثاني: في الخضاب

- ‌الباب الثالث: في الخلوق

- ‌الباب الرابع: في الشعور شعر الرأس - الترجيل

- ‌الحلق

- ‌الوصل

- ‌السدل والفرق

- ‌نتف الشيب

- ‌قص الشارب

- ‌الباب الخامس: في الطيب والدهن

- ‌الباب السادس: في أمور من الزينة متعددة

- ‌الباب السابع: في النقوش والصور والستورذم المصورين

- ‌كراهة الصور والستور

- ‌حرف السين

- ‌كتاب: السخاء والكرم

- ‌كتاب: السفر وآدابه

- ‌النوع الأول: في يوم الخروج

- ‌النوع الثاني: في الرفقة

- ‌النوع الثالث: في السير والنزول

- ‌النوع الرابع: في إعانة الرفيق

- ‌النوع الخامس: في سفر المرأة

- ‌النوع السادس: فيما يذم استصحابه في السفر

- ‌النوع السابع: في القفول من السفر

- ‌النوع الثامن: في سفر البحر

- ‌النوع التاسع: في تلقي المسافر

- ‌النوع العاشر: في ركعتي القدوم

- ‌كتاب: السبق والرمي

- ‌الفصل الأول: في أحكامهما

- ‌الفصل الثاني: فيما جاء من صفات الخيل

- ‌كتاب: السؤال

- ‌كتاب: السحر والكهانة

- ‌حرف الشين

- ‌كتاب: الشراب

- ‌الباب الأول: في آدابه

- ‌الفصل الأول: في الشرب قائمًا: جوازه

- ‌الفصل الثاني: في الشرب من أفواه الأسقية جوازه

- ‌الفصل الثالث: في التنفس عند الشرب

- ‌الفصل الرابع: في ترتيب الشاربين

- ‌الفصل الخامس: في تغطية الإناء

- ‌الفصل السادس: في أحاديث متفرقة

- ‌الباب الثاني: في الخمور والأنبذة

- ‌الفصل الأول: في تحريم كل مسكر

- ‌الفصل الثاني: في تحريم المسكر وذم شاربه

- ‌الفصل الثالث: في تحريمها ومن أي شيء هي

- ‌الفصل الرابع: فيما يحل من الأنبذة وما يحرم

- ‌الفصل الخامس: في الظروف وما يحل منها وما يحرم

- ‌الفصل السادس: في لواحق الباب

- ‌كتاب: الشركة

- ‌كتاب: الشعر

الفصل: ‌الباب الأول: في وجوبها وإثم تاركها

‌حرف الزاي

وفيه ثلاثة كتب

الزكاة - الزهد - الزينة

‌كتاب: الزكاة

وفيه خمسة أبواب

‌الباب الأول: في وجوبها وإثم تاركها

1 -

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بَعثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مُعَاذاً إِلَى اليَمَنِ فَقَالَ: "إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادةُ الله تَعَالى، فَإِذَا عَرَفُوا الله تَعَالى فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الله فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَهائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذلِكَ فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهاَ وَبَيْنَ الله حِجَابٌ". أخرجه الخمسة (1). [صحيح]

قوله: (حرف الزاي).

قوله في حديث ابن عباس: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذاً" أقول: اختلف هل بعثه والياً أو قاضياً، فجزم الغساني (2) بالأول، وابن عبد البر (3) بالثاني، وكان بعثه سنة عشر (4) ربيع

(1) أخرجه البخاري رقم (1395)، ومسلم رقم (29/ 19)، وأبو داود رقم (1584)، والترمذي رقم (625)، والنسائي رقم (2435)، وابن ماجه رقم (1783)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

(2)

ذكره الحافظ في "الفتح"(3/ 358).

(3)

في "التمهيد"(7/ 58 - 59).

(4)

ذكره البخاري في صحيحه (8/ 61 رقم الباب 60 - مع الفتح).

ص: 458

الآخر، وقيل في آخر سنة تسع (1) بعد تبوك، وقيل (2): سنة ثمان ولم يزل بها حتى قدم في عهد أبي بكر رضي الله عنه. [144 ب].

قال البرماوي في "شرح العمدة": أنه صلى الله عليه وسلم بعثه قاضياً إلى الجند يعلم الناس القرآن وشرائع الإسلام ويقضي بينهم، وجعل إليه قبض الصدقات من العمال الذين باليمن، وكان صلى الله عليه وسلم قسم اليمن على خمسة، كما قال ابن عبد البر: خالد بن سعيد على صنعاء، والمهاجر بن أبي أمية على كندة، وزياد بن لبيد على حضرموت، ومعاذ على الجند، وأبي موسى على زبيد، وزمعة بفتح الزاي وسكون الميم وبالعين المهملة من منازل حمير، وعلى عدن والساحل. وسبب إرساله معاذاً لما أدّان حتى أغلق ماله كله بالدين، وسئل صلى الله عليه وسلم الحجر وبيع أمواله فأقام معاذ بعد قضاء دينه بغير شيء، فخيره النبي صلى الله عليه وسلم بإرساله إلى اليمن.

قال الرازي: علم من الشرع أن الزكاة وجبت للمواساة، والمواساة لا تكون إلا في مال له بال، وهو النصاب، ثم جعلها تعالى في الأموال النامية وهي العين والزرع والماشية، فأجمعوا على وجوب الزكاة في هذه الأنواع، واختلفوا في غيرها كالعروض، فأوجب زكاتها الجمهور ومنعها داود تعلقاً منه بقوله [صلى الله عليه وسلم] (3):"ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقه"(4)، وحمله

(1) أخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(3/ 590) عن كعب بن مالك.

(2)

ذكره الحافظ في "الفتح"(7/ 61).

(3)

في (أ): "تعالى"، وهو خطأ.

(4)

وهو حديث صحيح.

أخرجه أحمد (2/ 242، 254، 477)، والبخاري رقم (1464)، ومسلم رقم (8/ 982)، وأبو داود رقم (1595)، والترمذي رقم (628)، والنسائي رقم (2467، 2468)، وابن ماجه رقم (1812) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس على المسلم صدقة في عبده ولا فرسه".

ص: 459

الجمهور (1) على ما كان للقيمة، وحدد الشرع نصاب (2) كل جنس بما يحتمل المواساة، فنصاب الفضة خمس أواق وهي مائتا درهم بنص الحديث والإجماع، وأما الذهب فعشرون مثقالاً، والمعول فيه على الإجماع، وأما الزروع والثمار والماشية فنصبها معلومة. ورتب الشارع مقدار الواجب بحسب المؤنة والتعب في المال، فأقلها تعباً الركاز ففيه الخمس لذلك، ويليه الزرع والثمار ففيها العشر إن سقيت بماء السماء وإلا فنصفه، ويليه الذهب والفضة والتجارة ففيها ربع العشر؛ لأنها يحتاج فيها جميع السنة، ويليه الماشية؛ لأنها يدخلها الأوقاص بخلاف الأنواع السابقة. انتهى.

قلت: الحاصل أن المفروض في الأموال الخمس، ونصفه، ونصف نصفه، وربعه.

فائدة: سئل شيخ الإسلام البلقيني: هل علمت السنة التي فرضت فيها الزكاة أم لا؟ [145 ب].

فأجاب: بأنه لم يتعرض الحفاظ وأصحاب السنن للسنة التي فرضت فيها الزكاة، وقال: ووقع في في ذلك حديثان ظهر منهما تقريب ذلك ولم أسبق إليه.

أحدهما في النسائي (3) خرج بإسنادين أحدهما صحيح على شرط الصحيح من حديث قيس بن سعد بن سعيد (4) قال:

(1) انظر: "فتح الباري"(3/ 327)، المحلى (5/ 209 - 211).

(2)

سيأتي مفصلاً.

(3)

في "السنن" رقم (2506) عن قيس بن سعد بن عبادة قال: كنا نصوم عاشوراء ونؤدي زكاة الفطر، فلما نزل رمضان ونزلت الزكاة لم نؤمر به ولم ننه عنه، وكنا نفعله. وهو حديث صحيح.

وأخرج النسائي في "السنن" رقم (2507) عن قيس بن سعد قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة، فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله"، وهو حديث صحيح.

(4)

انظر ما تقدم.

ص: 460

أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) بصدقة الفطر فرضت في الثانية، فدل تأخير فرض زكاة المال عن ذلك.

الثاني: أنه صح من حديث ضمام بن ثعلبة ذكر الزكاة، وقدوم ضمام كان في الخامسة (2) على ما قاله ابن حبيب وغيره، وقيل غير ذلك، والأول أرجح، وإذا كان كذلك علم أن فرض الزكاة كان بعد فرض الفطر وقبل قدوم ضمام. انتهى.

قتل: ولم يفد كلامه تعيين سنة فرضها.

وقال الدميري في "شرح المنهاج"(3): وفرضت - أي الزكاة - في السنة الثانية من الهجرة بعد زكاة الفطر، قاله الحافظ شرف الدين الدمياطي، واستدل بحديث قيس بن سعد المتقدم.

قلت: ولا يخفى أنه ليس فيه تعيين سنة فرضها.

وقيل (4): فرضت قبل الهجرة وبينت بعدها، وفي "تاريخ ابن جرير الطبري": أنها فرضت الزكاة في الرابعة.

قوله: "فدعوهم إلى عبادة الله" أقول: في رواية لمسلم (5) عن ابن عباس عن معاذ بن جبل قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إنك تأتي قوماً من أهل كتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله" وذكر الحديث بنحوه، فالمراد من عباده كلمة الشهادة ولوازمها.

قوله: "فإذا عرفوا الله" أقول: أي: أقروا بشهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن أهل الكتاب كانوا مقرين بالله، ولكنهم كفروا برسوله صلى الله عليه وسلم.

(1) تقدم نصه.

(2)

انظر: "فتح الباري"(3/ 266 - 267).

(3)

"النجم الوهاج في شرح المنهاج"(3/ 128).

(4)

ذكر الدميري في "شرح المنهاج"(3/ 128).

(5)

في صحيحه رقم (29/ 19).

ص: 461

قوله: "فأخبرهم أن الله فرض عليهم زكاة" أقول: في "الجامع"(1) وغيره: "فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا قبلوا فأخبرهم أن الله فرض عليهم زكاة

" إلى آخره، ونسخ التيسير بحذف هذه الجملة [746 ب] ولا أدري لماذا حذفها، وكأنه يقول: إنما الباب معقود لوجوب الزكاة فيحذف ذكر وجوب الصلاة، ولكن كان الأحسن له أن يتبع ابن الأثير فإنه ناقل عنه.

قوله: "زكاة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم" أقول: في لفظ رواية عند الجماعة (2) الذين نسب إخراج الحديث إليهم: "فأخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم" وهو لفظ رواية البخاري (3)، وهذا للإخبار لهم بالصلوات والزكوات كله [232/ أ] مجمل يأتي بيان الزكاة ومقاديرها في الفصل الأول من الباب الثاني، وأما بيان الصلاة فكأنه وقع بعد هذا بتعليم معاذ الناس لها.

وفيه دليل أن الصدقة ترد على فقراء البلاد التي تؤخذ منها، ودليل أن الفقير من ليس بغني، وأن الغني من تجب عليه الزكاة وهو من يملك النصاب.

قوله: "فخذ منهم" أي: الصدقة.

"وتوقَّ كرائم أموالهم"(4) أي: محاسنها ونفائسها وما تكرم على صاحبها.

قوله: "توقى واتقي" بمعنى على افتعل، فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها، وأُبدلت منها التاء وأدغمت، فلما أكثر استعمالها على لفظ الافتعال توهموا أن التاء من نفس الحرف

(1)(4/ 550 - 551 الحديث رقم 2655).

(2)

تقدم تخريجه.

(3)

في صحيحه رقم (1458).

(4)

قال ابن الأثير في "النهاية"(2/ 536): كرائم أموالهم؛ أي: نفائسها التي تتعلق بها نفس مالكها ويختصها بها، حيث هي جامعة للكمال الممكن في حقها، وواحدتها: كريمة.

ص: 462

فجعلوه: اتَّقى يتقي، بفتح التاء فيهما، ثم لم يجدوا له مثالاً في كلامهم يلحقونه به فقالوا: تَقيَ يَتْقي، مثل قضى يَقضي، قاله ابن الأثير في "غريب الجامع"(1).

ويأتي بيان ما تؤخذ منه الصدقة، وما لا تؤخذ منه في الفصل الثاني من الباب الثاني.

قوله: "ليس بينها وبين الله حجاب" أقول: ليس لها صارف يصرفها ولا مانع، ولأحمد (2) من حديث أبي هريرة:"دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجراً ففجوره على نفسه".

(1)(4/ 551 - 552).

(2)

في "المسند"(2/ 367) بسند ضعيف لضعف أبي معشر.

قلت: وأخرجه الطيالسي رقم (2330)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(10/ 275)، والطبراني في "الأوسط" رقم (1182)، وفي "الدعاء" رقم (1318)، والقضاعي في "مسند الشهاب" رقم (315)، وابن عدي في "الكامل"(7/ 2517)، والخطيب في "تاريخه"(2/ 271 - 272)، والدارقطني في "العلل"(10/ 396) من طريق أبي معشر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة به.

وله شاهد أخرجه أحمد (3/ 153)، والدولابي في "الكنى"(2/ 73)، والقضاعي في "مسند الشهاب" رقم (960) من حديث أنس بن مالك يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا دعوة المظلوم، وإن كان كافراً، فإنه ليس دونها حجاب"، وإسناده ضعيف لجهالة أبي عبد الله الأسدي.

والحديث حسنه الحافظ في "الفتح"(3/ 360) ولعله بمجموع الطريقين.

وفي دعوة المظلوم:

أخرج أحمد (2/ 258)، وابن أبي شيبة (10/ 429)، وأبو داود رقم (1536)، والترمذي رقم (1905)، و (3448)، والبخاري في "الأدب المفرد" رقم (32)، والطبراني في "الدعاء" رقم (1314)، وابن حبان رقم (2699)

قال الترمذي: هذا حديث حسن.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث دعوات مستجابات، لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده".

وهو حديث حسن، والله أعلم. =

ص: 463

فائدة: لم يقع في حديث معاذ هذا ذكر فرض الصوم وفرض الحج مع أن إرسال معاذ كان بعد فرضهما، قال ابن الصلاح (1): لعله تقصير من بعض الرواة.

قلت: إذا كان بعث معاذ بعد الفتح أو سنة سبع فلم يكن الحج قد فرض على الأصح، وأما الصوم فقد كان فرض قطعاً. [147 ب].

2 -

وعن أبي هريرة (2) وجابر رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ وَلَا بَقَرٍ وَلَا غنَمٍ لَا يُؤدِّي حَقَّ الله تَعَالى فِيهَا إِلَاّ جَاءَتْ يَوْمَ القِيَامَةِ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ وَأُقَعِدَ لهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ تَسْتَنُّ عَلَيْهِ بِقَوَائِمِهَا وَأَخْفَافِهَا وَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا، لَيْسَ فِيهَا جَمَّاءُ وَلَا مُنْكَسِرٌ قَرْنُهَا، كُلَّمَا مَرَّتْ عَلَيْهِ أُخْرَهَا عَادَتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا حَتَّى يُقْضَى بينَ الخَلْق، وَلَا صَاحِبِ كَنْزٍ لَا يَفْعَلُ فِيهِ حَقَّهُ إِلَاّ جَاءَ كنْزُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ يَتْبَعُهُ فَاتِحًا فَاهُ فَإِذَا أَتَاهُ فَرَّ مِنْهُ فَيُنَادِيهِ: خُذْ كَنْزَكَ الَّذِي خَبَأْتَهُ فَأنَا عَنْهُ غَنِيٌّ، فَإِذَا رَأَى أَنْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ سَلَكَ يَدَهُ فِي فِيهِ فَيَقْضَمُهَا قَضْمَ الفَحْلِ".

= وأخرج أحمد (2/ 305)، والطيالسي رقم (2584)، وابن حبان رقم (3428)، والطبراني في "الدعاء" رقم (1315)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 354)، (8/ 162)، (10/ 88) من طرق عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم تحمل على الغمام، وتفتح لها أبواب السماوات، ويقول الرب عز وجل: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين".

وهو حديث صحيح لغيره.

(1)

ذكره الحافظ في "الفتح"(3/ 360).

(2)

أخرجه البخاري رقم (1399، 1400، 7284، 7285)، ومسلم رقم (20، 22)، وأبو داود رقم (1556)، والترمذي رقم (2607)، والنسائي رقم (2442)، (3091 - 3593) كلهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 464

أخرجه الخمسة واللفظ لمسلم (1) والنسائي (2) عن جابر، وللباقين بنحوه عن أبي هريرة. [صحيح]

"القاعُ"(3) المستوي من الأرض الواسع. و"القَرْقَرُ"(4) الأمْلس.

و"الظِّلْفُ"(5) للشاة كالحافر للفرس. و"الشَّجَاعُ" الحَيّةَ.

و"الأقْرَعُ" صفة له بطول العمر؛ لأنه إذا طال عمره امَّرَقَ شعره، فهو أخبث وَأشَدُّ شراً (6).

قوله في حديث أبي هريرة وجابر: "ما من صاحب إبل" أقول: هذا الحديث في بيان إثم تاركها، والأول في وجوبها، وهما ركنا الترجمة.

[و](7) قوله: "لا يؤدي حق الله [فيها] (8) " هو مجمل بينه الحديث الذي ذكرناه الآتي قريباً.

قوله: "أكثر ما كانت" أقول: بها لفظ في مسلم (9): "أوفر ما كانت" أي: من السمن والعظم والكثرة لا يفقد فيها فصيلاً واحداً، لأنها تكون عنده على حالات مختلفة، فتأتي يوم

(1) في صحيحه رقم (988).

(2)

في "السنن" رقم (2454) كلاهما عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

(3)

انظر: "غريب الحديث" للهروي (2/ 238).

(4)

انظر: "الفائق" للزمخشري (3/ 172)، "غريب الحديث" للهروي (2/ 238).

(5)

انظر: "النهاية في غريب الحديث"(2/ 141).

(6)

انظر: "النهاية في غريب الحديث"(2/ 440).

(7)

زيادة من (أ).

(8)

في (ب): "بها".

(9)

في صحيحه رقم (26/ 987).

ص: 465

القيامة على أكثرها [وأضخمها وأكملها](1) لتكون أشد عليه وأعظم نكاية له.

قوله: "تستن" الاستنان (2): الجري.

قوله: "ولا كنز" أقول: كل مال لا يؤدى زكاته فهو كنز، وإن كان ظاهراً على وجه الأرض، وأما ما أخرجت زكاته فليس بكنز؛ لأنه عفي عنه بإخراج ما وجب فيه، وأما ما لا تجب فيه الزكاة فلا يسمى كنزاً؛ لأنه معفو عنه (3).

قوله: "شجاع" هي الحيات الذكر. وقيل: الذي يقوم على ذنبه ويواثب الفارس.

"والأقرع" الذي لا شعر في رأسه وتمعض جلده وابيض لكثرة سمه (4).

قوله: "يقضمها" القضم: الأخذ بطرف الأسنان. [333/ أ].

3 -

وعن معاذ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أعْطَى زَكاةَ مَالِهِ مُؤْتَجِرًا فَلَهُ أَجْرُهَا، وَمَنْ مَنَعَهَا فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشُطِّرَ مَالُهُ، عَزْمَةً مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا، لَيْسَ لآلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فِيهَا شَيْءٌ". أخرجه رزين.

"مُؤْتَجراً" أي: طالب أجر.

وقوله: "فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ مَالُهُ" قال الحربي (5): إنما هو وَشُطِّرَ ماله يعني: يجعل شَطْرَيْنِ فيتخير عليه المُصَدِّقُ ويأخذ الصدقة من خير الشطرين عقوبة لمنعه الزكاة، فأما ما لا يلزمه فلا.

(1) في (ب): "وأضخمها كلها".

(2)

قال ابن الأثير في "النهاية"(2/ 410): استن الفرس يستن استناناً، أي: عدا لمرحه ونشاطه شوطاً أو شوطين ولا راكب عليه.

(3)

انظر: "فتح الباري"(3/ 268).

(4)

قاله الحافظ في "الفتح"(3/ 270).

(5)

في "المجموع المغيث"(2/ 196). وانظر: "الفائق" للزمخشري (2/ 244).

ص: 466

"العَزْمَةُ" ضدَ الرخصة.

قوله: في حديث معاذ: "مؤتجراً" أقول: أي طالباً بإعطاء زكاته الأجر، بامتثال أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو نظير قوله:"وأعطاها طيبة بها نفسه" فلا يعطيها رياء ولا سمعة [148 ب] خوفاً من عمَّال السلطان.

قوله: "وشُطِّر ماله" أي: وآخذون شطر ماله، والشطر يطلق على النصف غالباً. وتمام الحديث في "الجامع" (1):"عزمة من عزمات ربنا، ليس لآل محمد منها شيء". انتهى.

قال ابن الأثير (2): عزمة مرفوع؛ لأنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: ذلك عزمة، والعزمة ضد الرخصة، وهي ما يجب فعله.

قوله: "أخرجه رزين" أقول: ذكره ابن الأثير في "الجامع" وبيض له على عادته، والمصنف نسب إخراجه إلي رزين على عادته.

قوله: "وقال الحربي" أقول: بالحاء المهملة مفتوحة فراء ساكنة فموحدة فياء النسبة وهو: أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم الحربي، أصله من مرو، كان إماماً في العلم، رأساً في الزهد، عارف بالفقه على مذهب أحمد بن حنبل، حافظاً للحديث قيماً بالأدب، ولد سنة [ثمان وتسعين ومائة](3)، ومات سنة خمس وثمانين ومائتين.

قوله: "إنما هو" أقول: لفظ الحديث: "وشطّر ماله" أي: بضم الشين المعجمة وكسر الطاء مغير الصيغة، وقد فسره المصنف.

(1)(4/ 573 رقم 2664).

(2)

في "غريب الجامع"(4/ 573).

(3)

سقطت من (ب).

ص: 467

ولفظ ابن الأثير (1): قال الحربي (2): غلط الراوي في لفظ الرواية، إنما هو:"وشطر ماله" يعني: أنه يجعل ماله شطرين عقوبة لمنعه الزكاة، فأما ما لا يلزمه فلا.

وذكر الفقهاء أن الشافعي قال في القديم (3): من منع زكاة ماله أخذت منه وأخذ شطر ماله عقوبة على منعه؛ لهذا الحديث.

وقال في الجديد (4): لا يؤخذ منه إلا الزكاة لا غير، وجعل هذا الحديث منسوخاً، وإن ذلك كان حين كانت العقوبة بالمال ثم نسخ، واستدل على قوله القديم بحديث بهز بن حكيم (5) عن أبيه عن جده.

قلت: يريد بحديث بهز؛ ما أخرجه أبو داود (6) والنسائي (7) عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عنه صلى الله عليه وسلم وفيه: "من أعطى الزكاة مؤتجراً" وفي رواية: "مؤتجراً بها فله أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله، عزمة من عزمات ربنا، ليس لآل محمد منها شيء". انتهى.

وقد ذكره ابن الأثير في الفصل الثاني من كتاب الزكاة.

(1) في "الجامع"(4/ 573).

(2)

في "المجموع المغيث"(2/ 196).

(3)

حكاه الشيرازي في "المهذب"(1/ 460، 461).

(4)

"المجموع شرح المهذب"(5/ 308)، "معرفة السنن والآثار"(6/ 58 رقم 7989).

(5)

وهو حديث حسن. وسيأتي تخريجه.

(6)

في "السنن" رقم (1575).

(7)

في "السنن"(5/ 25).

وأخرجه أحمد (5/ 4)، وابن خزيمة رقم (2266)، والحاكم (1/ 398)، وابن حزم في "المحلى"(6/ 57)، والبيهقي (4/ 116)، والخطيب في "تاريخه"(9/ 448)، وأبو عبيد في "الأموال" رقم (987)، وعبد الرزاق رقم (6824)، وابن أبي شيبة (3/ 122)، وهو حديث حسن.

ص: 468

قال ابن الأثير (1): وهذا القول من الشافعي يرد ما ذهب إليه الحربي [149 ب] من تغليط الراوي، فإن الشافعي جعل الحديث حجة لقوله القديم في أخذ شطر مال مانع الزكاة مع الزكاة. انتهى كلام ابن الأثير.

وفي "بلوغ المرام"(2) للحافظ ابن حجر ساق حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده وقال: أخرجه أحمد (3)، وأبو داود (4)، والنسائي (5)، وصححه الحاكم (6). وعلق عليه الشافعي القول على ثبوته، انتهى.

وذلك أنه قال الشافعي (7): إن هذا الحديث لا يثبته أهل العلم بالحديث، ولو ثبت لقلنا به. انتهى.

قال ابن حبان (8): كان - يعني بهزاً - يخطئ كثيراً، ولولا هذا الحديث لأدخلته في الثقات، وهو مما استخير الله فيه. انتهى.

قلت: وعلى صحته والقول به فهو دليل على عقوبة مانع الزكاة بما ذُكِرَ من أخذ من شطر ماله، ولا يدل على العقوبة المال في غيره، إذ لا مجال للقياس هنا، ولأن القياس كله ظني، وحرمة مال المسلم قطعية لا يجوز العمل على استباحتها بالظني؛ على أن حديث بهز

(1) في "الجامع"(4/ 574).

(2)

الحديث رقم (6/ 567 - مع السبل) بتحقيقي.

(3)

في "المسند"(5/ 4).

(4)

في "السنن" رقم (1575).

(5)

في "السنن" رقم (5/ 25).

(6)

في "المستدرك"(1/ 398).

(7)

"المجموع شرح المهذب"(5/ 304).

(8)

في "المجروحين"(1/ 194).

ص: 469

آحادي وهو ظني، فلا يقاوم قطعية حرمة مال المسلم. ولقد استرسل الملوك في هذه الأعصار في أخذ المال عقوبة استرسالاً ينكره الشرع والعقل، وصارت تناط الولايات بجهال لا يعرفون شيئاً من الشرعيات.

وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لآل محمد منها شيء" دليل على أن هذا الشطر المأخوذ حكمه حكم الزكاة في أنه لا يحل لغير مصارفها، ولذا حرمه على آل محمد كتحريم الزكاة عليهم، وإنا لله وإنا إليه راجعون من مصائب عمت الرعايا بولاية الجهال، ثم لا يخفى أن رواية شطر مغير الصيغة كما قاله الحربي (1) فيه عقوبة بالمال؛ لأنه يأخذ المصدق من أي الشطرين شيئاً، وإن كان فيه كرائم الأموال وما نهي عن أخذه، فهذه الزيادة على [150 ب] الواجب كما لا يخفى [334/ أ].

4 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لمَّا تُوُفِّيَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ العَرَبِ، قَالَ عُمَرُ لأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أُمِرْتُ أَنْ أقاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَاّ الله، فَمَنْ قَالهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَاّ بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى الله تعَالى". فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: وَالله لأُقاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ المَالِ، وَالله لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقاً كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا. قَالَ عُمَرُ: فَوَالله مَا هُوَ إِلَاّ أَنْ رَأَيْتُ الله شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ فَعَرَفْتُ أنَّهُ الحَقُّ. أخرجه الستة (2).

وفي رواية (3): "عِقَالاً كانُوا يُؤَدُّونه". [صحيح]

(1) في "المجموع المغيث"(2/ 196).

(2)

أخرجه البخاري رقم (1399)، ومسلم رقم (32/ 20)، وأبو داود رقم (1556)، والترمذي رقم (2607)، والنسائي رقم (2443).

(3)

أخرجها مسلم رقم (32/ 20)، والترمذي رقم (2607)، وأبو داود رقم (1556).

ص: 470

"العَنَاقُ"(1) هي الأنثى من ولد المعز.

"وَالعِقَالُ"(2) حبل معروف، وقيل: المراد به صدقة عام.

قوله في حديث أبي هريرة: "وكفر من كفر من العرب" أقول: في "النهاية"(3) كان أصحاب الردة صنفين:

الصنف الأول: ارتدوا وهم طائفتان، أحدهما أصحاب مسيلمة، والأسود الذين آمنوا بنبوتهما.

والأخرى: التي عادت إلى ما كانت عليه في الجاهلية، واتفق الصحابة على قتال هذا الصنف وسبيهم، ومنهم أم محمد بن الحنفية، ولم ينقرض عصر الصحابة حتى اتفقوا على أن المرتد لا يسبى.

والصنف الثاني: لم يرتدوا عن الإيمان، لكن أنكروا الزكاة، وزعموا أن الخطاب بقوله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} (4) خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك اشتبه على عمر قتالهم لإقرارهم بالتوحيد والصلاة، وثبت أبو بكر وتابعه الصحابة على قتالهم لمنعهم الزكاة؛ لأنهم قريبين عهد بزمان يقع فيه النسخ، ولم يقروا على ذلك، وهؤلاء بغاة، وأضيفوا إلى أهل الردة لما كانوا في زمانهم فانسحب عليهم اسمهم، فأما بعد ذلك فمن أنكر فرض أحد أركان الإسلام كان كافراً بالإجماع. انتهى.

قوله: "قال عمر لأبي بكر" أقول: في الكلام طي، أي: أراد أبو بكر قتال من منع الزكاة.

(1) انظر: ""القاموس" المحيط"(ص 1178)، "النهاية في غريب الحديث"(2/ 265).

(2)

انظر: "النهاية في غريب الحديث"(2/ 241)، "غريب الحديث" للخطابي (2/ 19).

(3)

بل هو في "معالم السنن" للخطابي (2/ 199 - مع السنن).

(4)

سورة التوبة: 103.

ص: 471

وقوله: "حتى يقولوا لا إله إلا الله" أي: وقد قالوا، والمراد كلمة الشهادتين للعلم بأنه لا يترك قتالهم إلا بعد قولهما، فكأن جملة (لا إله إلا الله) قد صارت كالعلم للشهادتين إذا أطلقت، ومنه حديث:"من كان آخر قوله لا إله إلا الله دخل الجنة"(1).

قوله: "فقد عصم مني ماله ونفسه" أقول: فإن الله أباح مال الكافر ودمه وأهله، فإذا قال كلمة التوحيد فقد منع ما أباح الله منه.

قوله: "إلا بحقه" أقول: أي: بحق القول وحقه القيام بالأركان الأربعة (2) ومنها الزكاة، فإنها من حق كلمة التوحيد، أي: من لازم الإقرار بها؛ لأنها تضمنت الإقرار برسالته صلى الله عليه وسلم والتصديق به بكل ما جاء به [151 ب]، ومما جاء به إيجاب الزكاة.

فقول أبي بكر: "لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة" كلام في غاية الصحة لدلالته على الاستدلال بأن من حق كلمة التوحيد ولازم الإقرار بها الإتيان بالصلاة والزكاة، ومنه يؤخذ قتال من ترك الصوم والحج (3).

وقوله: "فإن الزكاة حق المال" كأنه يقول: للكلمة المذكورة حقوق بدنية؛ كالصلاة والصوم، وحقوق مالية؛ كالزكاة.

قوله: "عناقاً"[أقول](4): بفتح المهملة آخره قاف. قال ابن الأثير: العناق الأنثى من ولد المعز.

(1) وهو حديث صحيح.

أخرجه أحمد في "المسند"(5/ 233)، والبزار في مسنده رقم (2625).

(2)

دون الشهادتين.

(3)

انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (1/ 208).

(4)

زيادة من (أ).

ص: 472

قال الخطابي (1): وفيه دلالة على وجوب الصدقة في السخال، والفصلان، والعجاجيل، وأن واحدة منها تجزي في الأربعين منها إذا كانت كلها صغاراً، ولا يكلف صاحبها مسنة.

وفيه دليل على أن حول النتاج حول الأمهات، ولو كان يستأنف لها لم يوجد السبيل إلى أخذ العناق.

وقال أبو حنيفة (2): لا شيء في السخال. وقال الشافعي (3): يؤخذ من أربعين سخلة واحدة منها.

قوله: "وفي رواية: عقالاً" أقول: أي: عوض قوله: "عناقاً".

قال ابن الأثير (4) نقلاً عن الخطابي (5): اختلف فيه، فقيل: العقال صدقة عام واحد.

قلت: قاله أبو عبيد (6)، واستبعد بأنه تعسف وذهاب عن طريق العرب؛ لأن الكلام خرج مخرج التضييق والتشديد والمبالغة، فيقتضي قلة ما علق به وحقارته لا صدقة عام، وقيل: هو الحبل الذي يعقل به البعير، وهو مأخوذ من الصدقة؛ لأن على صاحبها التسليم وإنما يقع القبض بالرباط.

وقيل: إذا أخذ المصدق أعيان الإبل قيل أخذ عقالاً، وإذا اخذ أثمانها قيل أخذ نقداً.

قال: وتأول بعضهم عقالاً على معنى وجوب الزكاة فيه إذا كان من عروض التجارة فبلغ مع غيره منها قيمة نصاب. انتهى. [152 ب].

(1) في "معالم السنن"(2/ 207 - مع السنن).

(2)

انظر: "البناية في شرح الهداية"(3/ 393).

(3)

"البيان" للعمراني (3/ 204 - 205).

(4)

في "النهاية في غريب الحديث"(2/ 240).

(5)

في "غريب الحديث" له (2/ 19).

(6)

في "الغريبين"(4/ 1312).

ص: 473