المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثاني: في الاستغفار والتسبيح والتهليل والتكبير والتحميد والحوقلة - التحبير لإيضاح معاني التيسير - جـ ٤

[الصنعاني]

فهرس الكتاب

- ‌حرف الدال

- ‌كتاب: الدعاء

- ‌[الباب الأول: في آدابه:

- ‌الفصل الأول: في فضله ووقته

- ‌الفصل الثاني: في هيئة الداعي

- ‌الفصل الثالث: في كيفية الدعاء

- ‌الفصل الرابع: في أحاديث متفرقة

- ‌الباب الثاني: في أقسام الدعاء

- ‌[القسم الأول: في الأدعية المؤقتة المضافة إلى أسبابها، وفيه عشرون فصلاً]

- ‌الفصل الأول: في ذكر اسم الله الأعظم وأسمائه الحسنى

- ‌(فائدة: ذكر شرح أسماء الله الحسنى)

- ‌الفصل الثاني: في أدعية الصلاة مفصلاً - الاستفتاح

- ‌الركوع والسجود

- ‌بعد التشهد

- ‌بعد السلام

- ‌الفصل الثالث: في الدعاء عند التهجد

- ‌الفصل الرابع: في الدعاء عند الصباح والمساء

- ‌الفصل الخامس: في أدعية النوم والانتباه

- ‌الفصل السادس: في أدعية الخروج من البيت والدخول إليه

- ‌الفصل السابع: في أدعية المجلس والقيام منه

- ‌الفصل الثامن: في أدعية السفر

- ‌الفصل التاسع: في أدعية الكرب والهم

- ‌الفصل العاشر: في أدعية الحفظ

- ‌الفصل الحادي عشر: في دعاء اللباس والطعام

- ‌الفصل الثاني عشر: في دعاء قضاء الحاجة

- ‌الفصل الثالث عشر: في دعاء الخروج من المسجد والدخول إليه

- ‌الباب الرابع عشر: في دعاء رؤية الهلال

- ‌الفصل الخامس عشر: في دعاء الرعد والريح والسحاب

- ‌الفصل السادس عشر: في دعاء يوم عرفة وليلة القدر

- ‌الفصل السابع عشر: في دعاء العطاس

- ‌الفصل الثامن عشر: في دعاء داود عليه السلام

- ‌الفصل التاسع عشر: في دعاء قوم يونس عليه السلام

- ‌الفصل العشرون: في الدعاء عند رؤية المبتلى

- ‌القسم الثاني من الباب الثاني: في أدعية غير مؤقتة ولا مضافة

- ‌الباب الثالث: فيما يجري في مجرى الدعاء

- ‌الفصل الأول: في الاستعاذة

- ‌الفصل الثاني: في الاستغفار والتسبيح والتهليل والتكبير والتحميد والحوقلة

- ‌الفصل الثالث: في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌كتاب: الديات

- ‌الفصل الأول: في دية النفس

- ‌الفصل الثاني: في دية الأعضاء والجراح العين

- ‌الأضراس

- ‌الأصابع

- ‌الجراح

- ‌الفصل الثالث: فيما جاء من الأحاديث مشتركاً بين النفس والأعضاء

- ‌الفصل الرابع: في دية الجنين

- ‌الفصل الخامس: في قيمة الدية

- ‌الفصل السادس: في أحكام تتعلق بالديات

- ‌كتاب: الدين وآداب الوفاء

- ‌حرف الذال

- ‌كتاب: الذكر

- ‌كتاب: الذبائح

- ‌الفصل الأول: في آداب الذبح ومنهياته

- ‌الفصل الثاني: في هيئة الذبح وموضعه

- ‌الفصل الثالث: في آلة الذبح

- ‌كتاب: ذم الدنيا وأماكن من الأرض

- ‌الفصل الأول: [في ذم الدنيا

- ‌الفصل الثاني: في ذم أماكن من الأرض

- ‌حرف الراء

- ‌كتاب: الرحمة

- ‌الفصل الأول: في الحث عليها

- ‌الفصل الثاني: في ذكر رحمة الله تعالى

- ‌الفصل الثالث: فيما جاء من رحمة الحيوان

- ‌كتاب: الرفق

- ‌كتاب: الرهن

- ‌كتاب: الرياء

- ‌حرف الزاي

- ‌كتاب: الزكاة

- ‌الباب الأول: في وجوبها وإثم تاركها

- ‌الباب الثاني: في أحكام الزكاة المالية

- ‌الفصل الأول: فيما اشتركن فيه من الأحاديث

- ‌الفصل الثاني: في زكاة النعم

- ‌الفصل الثالث: في زكاة الحلي

- ‌الفصل الرابع: في زكاة الثمار والخضروات

- ‌الفصل الخامس: في زكاة المعدن والركاز

- ‌الفصل السادس: في زكاة الخيل والرقيق

- ‌الفصل السابع: في زكاة العسل

- ‌الفصل الثامن: في زكاة مال اليتيم

- ‌الفصل التاسع: في تعجيل الزكاة

- ‌الفصل العاشر: في أحكام متفرقة للزكاة

- ‌الباب الثالث: في زكاة الفطر

- ‌الباب الرابع: في عامل الزكاة وما يجب له عليه

- ‌الباب الخامس: فيمن تحل له الصدقة ومن لا تحل

- ‌الفصل الأول: فيمن لا تحل له

- ‌الفصل الثاني: فيمن تحل له الصدقة

- ‌كتاب: الزهد والفقر

- ‌الفصل الأول: في مدحهما والحث عليهما

- ‌الفصل الثاني: فيما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عليه من الفقر

- ‌كتاب: الزينة

- ‌الباب الأول: في الحليّ

- ‌الباب الثاني: في الخضاب

- ‌الباب الثالث: في الخلوق

- ‌الباب الرابع: في الشعور شعر الرأس - الترجيل

- ‌الحلق

- ‌الوصل

- ‌السدل والفرق

- ‌نتف الشيب

- ‌قص الشارب

- ‌الباب الخامس: في الطيب والدهن

- ‌الباب السادس: في أمور من الزينة متعددة

- ‌الباب السابع: في النقوش والصور والستورذم المصورين

- ‌كراهة الصور والستور

- ‌حرف السين

- ‌كتاب: السخاء والكرم

- ‌كتاب: السفر وآدابه

- ‌النوع الأول: في يوم الخروج

- ‌النوع الثاني: في الرفقة

- ‌النوع الثالث: في السير والنزول

- ‌النوع الرابع: في إعانة الرفيق

- ‌النوع الخامس: في سفر المرأة

- ‌النوع السادس: فيما يذم استصحابه في السفر

- ‌النوع السابع: في القفول من السفر

- ‌النوع الثامن: في سفر البحر

- ‌النوع التاسع: في تلقي المسافر

- ‌النوع العاشر: في ركعتي القدوم

- ‌كتاب: السبق والرمي

- ‌الفصل الأول: في أحكامهما

- ‌الفصل الثاني: فيما جاء من صفات الخيل

- ‌كتاب: السؤال

- ‌كتاب: السحر والكهانة

- ‌حرف الشين

- ‌كتاب: الشراب

- ‌الباب الأول: في آدابه

- ‌الفصل الأول: في الشرب قائمًا: جوازه

- ‌الفصل الثاني: في الشرب من أفواه الأسقية جوازه

- ‌الفصل الثالث: في التنفس عند الشرب

- ‌الفصل الرابع: في ترتيب الشاربين

- ‌الفصل الخامس: في تغطية الإناء

- ‌الفصل السادس: في أحاديث متفرقة

- ‌الباب الثاني: في الخمور والأنبذة

- ‌الفصل الأول: في تحريم كل مسكر

- ‌الفصل الثاني: في تحريم المسكر وذم شاربه

- ‌الفصل الثالث: في تحريمها ومن أي شيء هي

- ‌الفصل الرابع: فيما يحل من الأنبذة وما يحرم

- ‌الفصل الخامس: في الظروف وما يحل منها وما يحرم

- ‌الفصل السادس: في لواحق الباب

- ‌كتاب: الشركة

- ‌كتاب: الشعر

الفصل: ‌الفصل الثاني: في الاستغفار والتسبيح والتهليل والتكبير والتحميد والحوقلة

قوله: "بئس الضجيع" الضجيع (1) المضاجع، وهو من يصحب الإنسان في مضجعه، أي: محل اضطجاعه. شبه [54 ب] الجوع به لملازمته الإنسان كالضجيع، والاستعاذة من الجوع لمشقته، ولأنه قد يحمل الجائع على أكل ما حرم عليه.

وقوله: "الخيانة" هي خلاف الأمانة. و"البطانة"(2) ما يبطنه العبد من أموره، وأخبث ما يبطنه الخيانة؛ وذلك بأن يكون ظاهره الأمانة وباطنه خلافها.

6 -

وعنه رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عِفْرِيتًا مِنَ الجِنِّ يَطْلُبُنِي بِشُعْلَةٍ مِنْ نَارٍ كُلَّمَا التَفَتُّ رَأَيْتُهُ، فَقَالَ لِي جبرِيلُ عليه السلام، أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ تَقُولهَا فَتُطفِئَ شُعْلَتُهُ وَيَخِرَّ لِفِيهِ؟ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بَلَى"، فَقَالَ جِبْرِيلُ: قُلْ: أَعُوذُ بِوَجْهِ الله الكَرِيمِ، وَبِكَلِمَاتِ الله التَّامَّاتِ اللَاّتِي لَا يجاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ مِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ، وَشَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا، وَشَرِّ مَا ذَرَأَ فِي الأَرْضِ، وَشَرِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَمِنْ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَمِنْ طَوَارِقِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِلَاّ طَارِقًا يَطْرُقُ بِخيرٍ يَا رَحْمَنُ". أخرجه مالك (3). [حسن لغيره].

قوله: "في حديث أبي هريرة الثالث: أخرجه مالك".

قلت: لفظ "الجامع"(4) أرسله مالك، عني يحيى بن سعيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال .. وذكر الحديث.

‌الفصل الثاني: في الاستغفار والتسبيح والتهليل والتكبير والتحميد والحوقلة

1 -

عن ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خَصْلَتَانِ أوْ خَلَّتَانِ لَا يُحْصِيهِمَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلَاّ دَخَلَ الجَنَّةَ، وَهُمَا يَسِيرٌ، وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ، يُسَبِّحُ الله دُبُرِ كلِّ صَلَاةٍ

(1) انظر: "النهاية"(2/ 70).

(2)

"النهاية"(1/ 142).

(3)

في "الموطأ"(2/ 950 - 951) وهو حسن لغيره.

(4)

(4/ 367).

ص: 283

عَشْرًا، وَيَحْمَدُهُ عَشْرًا، وَيُكَبَّرُهُ عَشْرًا". فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَعْقِدُهَا بِيَدهِ، قَالَ: "فَتِلْكَ خَمْسُونَ وَمِائَةٌ بِاللِّسَانِ، وَأَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ فِي المِيزَانِ، وإذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ تُسَبِّحُهُ وَتُكَبِّرُهُ وَتَحْمَدُهُ مِائَة مَرَّةٍ، فَتِلْكَ مِائَةٌ بِاللِّسَانِ، وَأَلْفٌ فِي الميزَانِ، فأَيُّكُمْ يَعْمَلُ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَلْفَيْنِ وَخَمْسَمِائَةِ سَيِّئَةٍ؟ ". قَالُوا: كَيْفَ لَا نُحْصِيهمَا يَا رَسْولَ الله؟ قَالَ: "يَأْتِي أَحَدَكُمُ الشَّيْطَانُ، وَهُوَ فِي صَلَاتِهِ فَيَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا وَكَذَا، حَتَّى يَنْفَتِلَ فَلَعَلَّهُ أَنْ لَا يَفْعَلَ، وَيَأْتِيهِ وَفِي مَضْجَعِهِ، فَلَا يَزَالُ يُنَوَّمُهُ حَتَّى يَنَامَ". أخرجه أصحاب السنن (1). [حسن]

قوله: "الفصل [الثاني] (2) في الاستغفار إلى آخره".

قوله: "في حديث ابن العاص: فتلك خمسون ومائة باللسان" يريد في الصلوات الخمس، إذ دبر كل صلاة ثلاثون وألف وخمس مائة في الميزان، إذ كل حسنة بعشر أمثالها.

قوله: "كيف لا نحصيها يا رسول الله" هو جواب عن قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن يعمل بهما قليل" وأبان صلى الله عليه وسلم أنه يصرف الشيطان العبد عن الإيمان بذلك.

قوله: "فأيكم يعمل في اليوم ألفين [55 ب] وخمس مائة سيئة" يريد عليه صلى الله عليه وسلم أن هذه ألفان وخمس مائة حسنة، كل حسنة تكفر سيئة، فأي العباد يأتي يومه بعد ذلك من السيئات، يعني أنه بعيد إتيان العبد بها فالحسنات في يومه أكثر من السيئات، وأما قوله:"تسبحه وتحمده وتكبره مائة مرة" فهو موافق للحديث الذي علمه صلى الله عليه وسلم فاطمة الزهراء رضي الله عنها لما شكت عليه التعب من الطحن، وحمل الماء، وكنس البيت. وهو حديث صحيح (3).

وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام: إنه ما تركه مذ سمعه.

(1) أخرجه أبو داود رقم (5065)، والترمذي رقم (3410)، وابن ماجه رقم (926)، والنسائي رقم (1348)، وهو حديث حسن، والله أعلم.

(2)

في (أ): "الثالث".

(3)

وقد تقدم نصه وتخريجه.

ص: 284

قال له قائل: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين.

2 -

وعن ابن أبي أوفى رضي الله عنهما قال: جَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ مِنَ القُرْآنِ شَيْئًا فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِينِي، قَالَ:"قُلْ: سُبْحَانَ الله، وَالحَمْدُ لله، وَلَا إِلَهَ إِلَاّ الله، وَالله أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَاّ بِالله". قَالَ: يَا رَسُولَ الله، هَذَا لله فَمَا لِي؟ قَالَ:"قُلِ: اللهمَّ ارْحَمْنِي وَعَافِني وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي"، فَقَالَ هَكَذَا بِيَدهِ فَقَبَضَهُمَا، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"أَمَّا هَذَا فَقَدْ مَلأَ يَدَيْهِ مِنَ الخَيْرِ". أخرجه أبو داود (1) بتمامه، والنسائي (2) إلى قوله:"وَلَا قُوَّةَ إِلَاّ بِالله". [حسن]

قوله: "في حديث ابن أبي أوفى: قل سبحان الله"(3) هو تنزيه لله عن النقائص وصفات المحدثات كلها، وهو اسم منصوب على أنه واقع موقع المصدر، ونصبه بفعل محذوف تقديره: أسبح الله سبحاً وتسبيحاً.

قالوا: ولا يستعمل سبحان غالباً إلا مضاف كسبحان الله، وهو مضاف إلى المفعول به، أي: يسبح الله المسبح والمنزه.

قوله: "ولا حول ولا قوة إلا بالله".

قال الأزهري (4): قال إبراهيم: معناه: لا حركة [56 ب] ولا استطاعة إلا بمشيئة الله إلا بالله.

وقيل: معناه: لا حول في دفع شر، ولا قوة في تحصيل خير إلا بالله.

وقيل: لا حول عن معصية الله إلا بالعصمة، ولا قوة على طاعته إلا بمعونته، حكي هذا عن ابن مسعود، وكله متقارب المعنى.

(1) في "السنن" رقم (832).

(2)

في "السنن" رقم (924)، وهو حديث حسن، والله أعلم.

(3)

انظر: "غريب الحديث" للهروي (1/ 330)، "النهاية في غريب الحديث"(1/ 745).

(4)

في "تهذيب اللغة"(5/ 243).

ص: 285

قال أهل اللغة (1): يعبر عن هذه الكلمة "بالحوقلة" و"الحولقة"، وبالأول جزم الأزهري. فعلى الأول؛ الحاء من الحول، والقاف من القوة، واللام من اسم الله.

وعلى الثاني: الحاء واللام من الحول، والقاف من القوة. والأول هو الصحيح؛ لتضمنه جميع الألفاظ.

ويقال: لا حيل ولا قوة، لغة غريبة حكاها الأزهري (2).

قال ابن الأثير (3): والمعنى بهذا اللفظ: إظهار الفقر إلى الله بطلب المعونة منه على ما يزاوله العبد من الأمور، وهي حقيقة العبودية.

3 -

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولُ قَبْلَ مَوْتِهِ: "سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدهِ، أَسْتَغْفِرُ الله وأَتُوبُ إِلَيْهِ"، فَقُلْتُ لَهُ في ذلِكَ، فَقَالَ:"أَخْبَرَنِي رَبِّي أَنَّي سَأَرَى عَلَامَةً فِي أُمَّتِي، فَإِذَا رَأَيْتُهَا أكثَرْتُ مِنْ قَوْلِ: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ، أَسْتَغْفِرُ الله وأَتُوبُ إِلَيْهِ، فَقَدْ رَأَيْتُهَا: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)} (4) السورة". أخرجه الشيخان (5). [صحيح]

قوله: "في حديث عائشة: إذا جاء نصر الله والفتح" تقدم في الحديث في أدعية الركوع والسجود، وقوله (6):"يتأول القرآن".

(1) انظر: "لسان العرب"(11/ 161 - 162)، "القاموس المحيط"(ص 1274).

(2)

في "تهذيب اللغة"(5/ 248).

(3)

في "النهاية في غريب الحديث"(1/ 456)، وانظر:"الفائق" للزمخشري (2/ 223).

(4)

سورة النصر: 1.

(5)

البخاري رقم (4967)، ومسلم رقم (484).

(6)

البخاري رقم (794، 817، 4293، 4967، 4968)، ومسلم رقم (217/ 484).

ص: 286

4 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ الله، وَالحَمْدُ لله، وَلَا إِلَهَ إِلَاّ الله، وَالله أَكْبَرُ؛ أَحَبُّ إِليَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ". أخرجه مسلم (1) والترمذي (2). [صحيح]

قوله: "في حديث أبي هريرة: أحب إلي مما طلعت عليه الشمس" وهي تطلع على الدنيا، فهو يقول: أحب إليَّ من الدنيا؛ وذلك لما يترتب على قولها من الثواب.

وقال بعضهم: اسم التفضيل يريد أحب إنما تستعمل في استواء الشيئين في أصل المعنى، وزيادة أحدهما يريد ولا استواء هنا، وقد غاب عنه بأنه قد حبب (3) إليه صلى الله عليه وسلم من الدنيا الطيب والنساء، ويجاب: بأنه أفعل لا يخرج عن [303/ أ][57 ب] عن معناه، فلا يراد به المفاضلة. ومنه:{أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ} (4).

5 -

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَقِيتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي إِبْرَاهِيمَ عليه السلام، فَقَالَ لِي: يَا مُحَمَّدُ، أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلَامَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الجَنَّةَ طَيَّبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ المَاءِ، وَأَنَّهَا قِيعَانٌ، وَأَنَّ غِرَاسَهَا: سُبْحَانَ الله، وَالحَمْدُ لله، وَلَا إِلَهَ إِلَاّ الله، وَالله أَكْبَرُ". أخرجه الترمذي (5). [حسن]

قوله: "قيعان"(6) وقيعة جمع قاع، وهو المكان المستوي الواسع.

(1) في صحيحه رقم (2695).

(2)

في "السنن" رقم (3597)، وهو حديث صحيح.

(3)

أخرجه النسائي في "السنن" رقم (3939، 3940)، وأحمد (3/ 128، 199، 285)، والحاكم (2/ 160)، وهو حديث حسن.

(4)

سورة الفرقان: 15.

(5)

في "السنن" رقم (3362)، وهو حديث حسن.

(6)

قال ابن الأثير في "غريب الجامع"(4/ 380).

ص: 287

وقال ابن فارس (1): القاع: الأرض الملساء. ولا يخفى أنه إذا غرس العبد غرساً في أرض لا مالك استحق غرسه وملكه، فيفيد أن قائل ما ذكره لا يمنع عن دخول الجنة كما لا يمنع عن غرسه.

قوله: "أخرجه الترمذي" قلت: وقال (2): "حسن غريب".

6 -

وعن يسيرة مولاة لأبي بكر الصديق رضي الله عنها وكانت من المهاجرات الأول قالت: قَالَ لَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عَلَيْكُنَّ بِالتَّسْبِيحِ، وَالتَّهْلِيلِ، وَالتَّقْدِيسِ، وَالتَّكْبِيْر، وَاعْقِدْنَ بِالأنَامِلِ، فَإِنَّهُنَّ مَسْئُولَاتٌ مُسْتَنْطَقَاتٌ، وَلَا تَغْفُلْنَ فَتَنْسَيْنَ الرَّحْمَةَ". أخرجه أبو داود (3) والترمذي (4)، واللفظ له. [حسن]

قوله: "وعن يسيرة"(5) بضم المثناة التحتية فسين مهملة مفتوحة فمثناة تحتية ساكنة فراء فتاء التأنيث وهي بنت ياسر، أخت عمار بن ياسر، وليس لها في الكتب الستة غير هذا الحديث.

قوله: "مولاة لأبي بكر" هذا اللفظ غير موجود في "الجامع"(6)، بل فيه: وعن يسيرة.

وكانت من المهاجرات الأول، وفي رابع "الجامع" هي أم ياسر يسيرة.

(1) في "مقاييس اللغة"(ص 838).

(2)

في "السنن"(5/ 450).

(3)

في "السنن" رقم (1501).

(4)

في "السنن" رقم (3583)، وهو حديث حسن.

(5)

وفي "التقريب"(2/ 618 رقم 1): يُسَيْرة بالتصغير، ويقال: أسيرة بألف، أم ياسر، صحابية من الأنصار، ويقال من المهاجرات.

(6)

(4/ 385).

ص: 288

وقيل (1): أم حميصة يسيرة بنت ياسر، كانت من المهاجرات المبايعات، وهي جدة هاني بن عثمان، حديثها عند أهل الكوفة. انتهى.

فلم يذكر في الجزءين أنها مولاة لأبي بكر، كيف وهي بنت ياسر أخت عمار، وليسوا بموالي، فما أدري من أين جاءت هذه اللفظة للمصنف حتى ذكرها؟!!

قوله: "لأنهن" أي: الأنامل مسؤولات مستنطقات، أي: يسألنه ويطلب منهن النطق.

وفيه دليل أنه [58 ب] يسأل كل عضو من الإنسان نحو: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ} (2)

الآية.

[ونحو](3): {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ} (4) .... الآية.

قوله: "أخرجه الترمذي" قلت: وقال (5): لا نعرفه إلا من حديث هانئ.

7 -

وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا أَصَرَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ، وَلَوْ عَادَ فِي اليَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً". أخرجه أبو داود (6) والترمذي (7). [ضعيف]

قوله: "وعن أبي بكر الصديق" جعل ابن الأثير (8) للاستغفار فرعاً، وذكر هذا الحديث في أوله.

(1) انظر: "الاستيعاب" رقم (3482).

(2)

سورة يس: 65.

(3)

زيادة من (أ).

(4)

سورة النور: 24.

(5)

في "السنن"(5/ 571).

(6)

في "السنن" رقم (1514).

(7)

في "السنن" رقم (3559)، وهو حديث ضعيف.

(8)

في "الجامع"(4/ 385).

ص: 289

قوله: "ما أصرَّ" التَّعقُّد في الذَّنب، والتشدد فيه والامتناع عن الإقلاع عنه والدوام، والملازمة كما في "تعريفات المناوي"(1)، فمن استغفر فقد دل على إقلاعه عن الذنب وإن عاد فيه.

قوله: "سبعين مرة" في "فتح الباري"(2) ذكر السبعين للمبالغة، وإلا ففي حديث أبي هريرة مرفوعاً:"أن عبداً أذنب ذنباً فقال: رب! إني أذنبت ذنباً فاغفر لي؛ فغفر له" وفي آخره: "علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به، اعمل ما شئت فقد غفرت لك"(3) انتهى.

قوله: "أخرجه الترمذي"(4).

8 -

وعن أغرَّ مزينة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّهُ ليُغَانُ عَلَى قَلْبِي حَتَّى أَسْتَغْفِرُ الله فِي اليَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ". أخرجه مسلم (5) وأبو داود (6). [صحيح]

قوله: "وعن أغر مزينة" بفتح الهمزة وفتح الغين المعجمة فراء مشددة. ومزينة بميم مضمومة فزاي فمثناة تحتية فنون.

قال في "الجامع"(7): هو الأغر المزني، عداده في أهل الكوفة، وقيل: في أهل البصرة، روى عنه ابن عمر، ومعاوية بن قرة المزني.

(1)(ص 68).

(2)

(11/ 101).

(3)

أخرجه أحمد في "المسند"(2/ 405) بإسناد صحيح.

(4)

في "السنن" رقم (3559) وقال: هذا حديث غريب، إنما نعرفه من حديث أبي نضيرة، وليس إسناده بالقوي.

(5)

في صحيحه رقم (2702).

(6)

في "السنن" رقم (1515).

(7)

انظر: "تتمة جامع الأصول"(1/ 181 - 182 - قسم التراجم).

ص: 290

قوله: "ليغان (1) على قلبي" الغين والغيم بمعنى، وهو ما يتغشى القلب.

قال القاضي (2): قيل: المراد به الفترات والغفلات عن الذكر الذي يشابه الدوام عليه، فإذا فتر عنه أو غفل عن ذلك [ذنباً](3) واستغفر منه.

وقيل: هو همه بسبب أمته وما اطلع عليه من أحوالها بعده فيستغفر لهم.

وقيل: سببه اشتغاله [59 ب] بالنظر في أمر أمته، ومصالحهم، ومحاربة العدو، ومداراته وتأليف المؤلفة، فيشتغل بذلك عن عظيم مقامه فيراه ذنباً، بالنظر إلى عظيم منزلته، وإن كانت هذه الأمور من أعظم الطاعات وأفضل الأعمال، فهي نزول عن عالي درجته، ورفيع مقامه، من حضوره [بهمه كله](4) مع الله سبحانه ومرافقته، ومشاهدته [عنده](5) وفراغه عما سواه سبحانه، فيستغفر لذلك، ويحتمل أن الغين هو السكينة التي [تغشى](6) قلبه، لقوله تعالى:{فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} (7) فاستغفاره إظهار للعبودية. والافتقار وملازمة الخشوع وشكراً لما أولاه.

(1) قال ابن الأثير في "غريب الجامع"(4/ 387): ليغطى ويغشى، والمراد به: السهو؛ لأنه كان صلى الله عليه وسلم لا يزال في مزيد من الذكر والقربة ودوام المراقبة، فإذا سها عن شيء منها في بعض الأوقات أو نسي؛ عده ذنباً على نفسه، ففزع إلى الاستغفار.

(2)

في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(8/ 197).

(3)

كذا في المخطوط، وصوابه كما في "إكمال المعلم":"فرأى الغفلة عنه ذنباً".

(4)

سقطت من (أ، ب) وما أثبتناه من "إكمال المعلم".

(5)

سقطت من (أ، ب) وما أثبتناه من "إكمال المعلم".

(6)

في (ب): "يغني".

(7)

سورة التوبة: 40.

ص: 291

قال المحاسبي (1): خوف الأنبياء عليهم السلام والملائكة خوف إعظام، وإن كانوا آمنين من عذاب الله. انتهى.

قلت: وظاهر حديث الحشر واعتذار كل نبي بذنبه عن طلب الشفاعة يشعر بالخوف من عذاب الله. وقال في الملائكة: {وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28)} (2).

9 -

وفي رواية لمسلم (3): "تُوبُوا إِلَى رَبِّكُمْ، فَوَالله إِنِّي لأَتُوبُ إِلَى رَبِّي تبارك وتعالى في اليَوْم مِائَةَ مَرَّةٍ". [صحيح]

10 -

وللبخاري (4) والترمذي (5) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "وَالله إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ الله وأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً". [صحيح]

"لَيُغَانُ"(6) أي: يغطى ويغشى، والمراد به السهو.

قوله: "في حديث أبي هريرة: والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه" استشكل ذلك مع عصمته حتى من الصغائر، وأجيب (7): بأنه لا يلزم في الاستغفار صدور الذنب، بل فيه إظهار الحاجة إلى الله والتواضع وتعليم الأمة لتستن به.

11 -

وعن أسماء بن الحكم الفزاري رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ عَلِيًّا رضي الله عنه يَقُولُ: كُنْتُ إِذَا سَمِعْتُ حَدِيثًا مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم نَفَعَنِي الله تَعَالَى بِمَا شَاءَ أَنْ يَنْفَعَنِي مِنْهُ وَإِذَا حَدَّثَنِي رَجُلٌ عَنْهُ

(1) ذكره القاضي عياض في "إكمال المعلم"(8/ 197).

(2)

سورة الأنبياء: 28.

(3)

في صحيحه رقم (41/ 2702).

(4)

في صحيحه رقم (6307).

(5)

في "السنن" رقم (3259).

(6)

انظر: "غريب الحديث" للهروي (1/ 136) ، "النهاية في غريب الحديث"(2/ 335).

(7)

انظر: "فتح الباري"(11/ 101 - 102).

ص: 292

اسْتَحْلَفْتُهُ، فَإِذَا حَلَفَ لِي صَدَّقْتُهُ، وَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه، وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا مِنْ رَجُلٍ يُذْنِبُ ذنْبًا، ثُمَّ يَقُومُ فَيَتَطَهَّرُ وَيُصَلِّي رَكعَتَيْنِ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ الله تَعَالَى إِلَاّ غَفَرَ لَهُ". ثُمَّ قَرَأَ: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} (1) الآية. أخرجه أبو داود (2) والترمذي (3). [حسن]

قوله: "وعن أسماء بن الحكم الفزاري"(4) لفظ أسماء في الغالب من أسماء النساء [60 ب]، وهنا أتى في أسماء الرجال و (أسماء) المذكور تابعي، يعدُّ في الكوفيين، روى عن علي عليه السلام، [قال البخاري] (5): لم يرو عن أسماء بن الحكم إلا هذا الحديث الواحد، وحديث آخر لم يتابع عليه، وكان شعبة لا يضبط اسمه، فتارة يقول: أسماء بن الحكم، وتارة يقول: الحكم بن أسماء، وتارة يقول: أسماء بن أبي الحكم.

قوله: "فإن حلف لي صدقته" قيل: هذا مشكل؛ لأنه إن كان التهمة بالكذب في الحديث فكيف يصدقه في يمينه؟ فإنه يحتمل أنه فيها كاذب، وأجيب عنه بأنه ليس تحليفه لتهمته بأنه كاذب، بل لتأكيد خبره والأخذ به وقبوله. [304/ أ].

قوله: "وصدق أبو بكر" كأن علياً عليه السلام كان جازماً بالحديث فصدق أبو بكر، وكان عالماً بأنه لا يكذب ولا يتهم.

(1) سورة آل عمران: 135.

(2)

في "السنن" رقم (1521).

(3)

في "السنن" رقم (406، 3006).

وأخرجه ابن ماجه رقم (1395)، وهو حديث حسن.

(4)

"التقريب"(1/ 64 رقم 468)، "تهذيب التهذيب"(1/ 136).

(5)

زيادة من (أ).

ص: 293

12 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَاّ الله، وَحْدهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عِدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَاّ رَجُلٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَمَنْ قَالَ: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ، وإنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ". أخرجه الثلاثة (1) والترمذي (2). [صحيح]

قوله: "وعن أبي هريرة" أقول: هذا الحديث جعله ابن الأثير (3) من الفرع الثالث، وهو فرع عنده للتهليل. والمصنف جعل الجميع في فصل واحد وحذف أحاديث في الاستغفار كثيرة، كحديث سعد في الاستغفار وغيره.

قوله: "عمل أكثر منه" أقول: فيه دليل (4) على أن من أتى بالذكر المذكور أكثر من مائة مرة كان له الأجر على المائة، وأجر آخر على الزيادة، وأنه ليس هذا من الحدود والمقادير التي نهي عن زيادتها، فإن زيادتها لا فضل فيها أو تبطلها، كالزيادة في عدد الركعات، ويحتمل أن يراد بالزيادة من أعمال الخير، لا من التهليل، ويحتمل (5) أن المراد مطلق الزيادة من تهليل وغيره، وهذا الاحتمال أظهر. كذا قيل.

(1) أخرجه البخاري رقم (3293، 6403)، ومسلم رقم (2691)، ومالك في "الموطأ"(1/ 209).

(2)

في "السنن" رقم (3469).

(3)

في "الجامع"(4/ 391).

(4)

ذكره الحافظ في "الفتح"(11/ 205 - 206).

(5)

قاله النووي في شرحه لصحيح مسلم (17/ 17).

ص: 294

قلت: بل الأول أظهر؛ إذ هو المتبادر، ثم ظاهر (1) الحديث حصول الأجر لمن قال ذلك متفرقاً، أو متوالياً في مجلس أو مجالس، أول النهار أو آخره، لكن الأفضل أن يأتي بها متوالية أول النهار، لتكون حرزاً له في جميع نهاره.

13 -

وعن عمر رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ دَخَلَ السُّوقَ، فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَاّ الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكُ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، بِيَدهِ الَخْيرُ وَهُوَ عَلَى كلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ؛ كَتَبَ الله لَهُ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنةٍ، وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ، وَرَفَعَ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ دَرَجَةٍ"(2). [حسن]

وفي رواية: "عِوَضَ الثَّالِثَةِ، وَبَنَى لَهُ بَيْتاً في الجَنةِ". أخرجه الترمذي (3). [حسن]

قوله: "في حديث عمر: من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله

" الحديث في "جامع المسانيد" لابن الجوزي أنه يقول ذلك جهراً.

قلت: كأنه أخذه من قرينة عظم الأجر، وإنه سبب تنبيه الغافلين، وهو محتمل، والأظهر أنه يمتثل وينال الأجر سرّاً قاله أو جهراً.

14 -

وعن جويرية زوج النبي صلى الله عليه وسلم و رضي الله عنها: أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خرَج مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى وَهِيَ جَالِسَةٌ، فَقَالَ: "مَا زِلْتِ

(1) قاله النووي في شرحه لصحيح مسلم (17/ 17)، وانظر "فتح الباري"(11/ 206).

(2)

أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (3428).

وأخرجه البخاري في "الكنى"(ص 50)، والدارمي (2/ 355)، وابن عدي في "الكامل"(1/ 420)، والطبراني في "الكبير" رقم (13175)، والحاكم (1/ 538) من طرق، وهو حديث حسن.

(3)

في "السنن" رقم (3429).

وأخرجه ابن ماجه رقم (2235)، وأحمد (1/ 47)، والطيالسي رقم (1250)، والطبراني في "الدعاء" رقم (789 - 791)، وهو حديث حسن.

ص: 295

عَلَى الحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا؟ " قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: "لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ اليَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِه، وَرِضَا نَفْسِهِ، وزِنَةَ عَرْشِه، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ" (1). أخرجه الخمسة إلا البخاري. [صحيح]

وقوله: "زنَة عَرْشِه" أي: بوزن عرشه في عظم قدره (2).

و"مِدَادَ كَلِمَاتِهِ" أي: مثلها وعددها، وقيل: المداد مصدر كالمد (3).

قوله: "في حديث جويرية: ثلاث مرات" فسرتها رواية الترمذي والنسائي: أنه صلى الله عليه وسلم قال لها: "أعلمك كلمات تقوليهن: سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله عدد خلقه

" وذكر باقي الحديث كذلك.

قال الترمذي (4): "حسن صحيح"

قوله: "زنة عرشه" في "النهاية"(5): زنة عرشه في عظم قدره، وأصل الكلمة الواو، والهاء فيها عوض عن الواو المحذوفة من أولها، تقول: وزن، يزن، وزناً، وزنة، كوعد، عدة.

قوله: "مداد كلماته" فيها أي: مثل عددها، وقيل: قدر ما يوازنها في الكثرة، عيار ليل أو وزن أو عدد أو ما أشبهه [62 ب] من وجوه الحصر والتقدير. وهذا تمثيل يراد به التقريب؛ لأن الكلام لا يدخل في الكيل والوزن، وإنما يدخل في العدد. فالمداد: مصدر كالمدد، يقال: مددت الشيء مداً ومداداً، وهو ما يكثر به ويزاد. انتهى.

(1) أخرجه مسلم رقم (2140، 2726)، وأبو داود رقم (1503)، والترمذي رقم (3555)، والنسائي رقم (1352)، وهو حديث صحيح.

(2)

قاله ابن الأثير في "غريب الجامع"(4/ 396).

(3)

قاله ابن الأثير في "غريب الجامع"(4/ 396)

(4)

في "السنن"(5/ 556).

(5)

(1/ 734).

ص: 296

15 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ الله العَظِيمِ". أخرجه الشيخان (1) والترمذي (2). [صحيح]

16 -

وعنه رضي الله عنه قال: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَكْثِرُوا مِنْ قَوْلِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَاّ بِالله، فَإنَّهَا كَنْزٌ مِنْ كنُوزِ الجَنَّةِ".

قال مكحول: فَمَنْ قَالَهَا ثم قال: لَا مَنْجَا مِنَ الله إِلَاّ إِلَيْهِ؛ كَشَفَ عَنْهُ سَبْعِينَ بَابًا مِنَ الضُّرِّ أَدْنَاهَا الفَقْرُ". أخرجه الترمذي (3). [صحيح]

قوله: "في حديث أبي هريرة: كلمتان" هذا الحديث سيختم به المصنف كتابه هذا بسنده من شيخه إلى أبي هريرة، وكذلك ختم به البخاري (4) كتابه. فقوله:"كلمتان" خبر مقدم، و"حبيبتان إلى الرحمن" صفة لهما، كما أن ما قبلها صفة لهما.

وقوله: "سبحان الله"(5) إلى آخره، هو المبتدأ، وإن كان جملة فهي في معنى المفرد؛ لأن المراد من الأولى التسبيح، ومن الثانية التحميد، وباقي الكلام على ذلك في آخر الكتاب.

قوله: "وعنه" أي: أبي هريرة.

(1) البخاري في صحيحه (6406، 6682، 7563)، ومسلم رقم (2794).

(2)

في "السنن" رقم (3467)، وهو حديث صحيح.

(3)

في "السنن" رقم (3601) وهو حديث صحيح.

وقال الألباني: صحيح دون قول مكحول: "فمن قال

" فإنه مقطوع.

(4)

في صحيحه رقم (7563).

(5)

قال الحافظ في "الفتح"(11/ 206). وسبحان اسم منصوب على أنه واقع موقع المصدر لفعل محذوف تقديره: سبحت الله سبحاناً كسبحت الله تسبيحاً، ولا يستعمل غالباً إلا مضافاً، وهو مضاف إلى المفعول، أي: سبحت الله.

ص: 297

أقول: هذا الحديث أخرجه الترمذي (1)، وإسناده ليس بمتصل، وأحسن منه سنداً ما أخرجه الشيخان (2)، وأبو داود (3)، والترمذي (4) من حديث أبي موسى أنه قال له النبي صلى الله عليه وسلم:"يا عبد الله بن قيس! ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ " فقلت: بلى يا رسول الله. قال: "قل لا حول ولا قوة إلا بالله". ذكره ابن الأثير في "الجامع". فلو أتى به المصنف كان أولى، والمراد: ثوابها كنز، أي: شيء نفيس؛ لأنها كلمة استسلام لله وتفويض إليه، وتقدم الكلام قريباً في تحقيقها.

قوله: "قال مكحول"(5) هو أبو عبد الله مكحول بن عبد الله الشامي من سبي كابل. قال ابن عائشة (6): كان [63 ب] مولى لامرأة من قريش، وكان سنيد لا يفصح، وكان بالشام ولم يكن في زمانه أبصر بالفتيا منه، وكان لا يفتي حتى يقول لا حول ولا قوة إلا بالله، هذا رأي، والرأي يخطئ ويصيب، سمع أنس بن مالك وغيره. مات سنة ثمانية عشرة ومائة، وغير ذلك. وهذا الكلام منه يحتمل أنه سمع فيه حديثاً؛ فإنه لا مسرح [للرأي](7) والاجتهاد في ما قاله.

وعلى كل حال؛ فهو مرسل. أعني قوله: ثم قال: "لا منجا" إلى آخره.

(1) في "السنن" رقم (3601).

(2)

البخاري في صحيحه رقم (2992، 4205، 6384، 6409، 6610، 7386)، ومسلم رقم (2704).

(3)

في "السنن" رقم (1526، 1527، 1528)، والترمذي رقم (3461)، وابن ماجه رقم (3824) مختصراً.

(4)

انظر: "التقريب"(2/ 273 رقم 1354).

(5)

انظر: "التقريب"(2/ 273 رقم 1354).

(6)

انظر: "تهذيب التهذيب"(4/ 148 - 149)، "ميزان الاعتدال"(4/ 177 رقم 8749).

(7)

سقطت من (ب).

ص: 298