الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: "أخرجه رزين" كما سلف له مراراً هذا الغلط.
وقوله: "قلت: وأخرجه البخاري بغير إسناد" عبارة متناقضة؛ لأنه إذا كان بغير إسناد فلا يسمى إخراجاً. وابن الأثير لم يذكر أنه ذكره رزين، فإنه لو ذكره رزين لبيض له ابن الأثير، بل ذكر أنه أخرجه البخاري في ترجمة فقط، ولا يخفى أنه يرد عليه ما أوردناه على المصنف في قوله: أخرجه.
الفصل الثاني: في ذم أماكن من الأرض
1 -
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لمَّا مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالحِجْرِ قَالَ: "لَا تَدْخُلُوا مَسَاكنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أنفُسَهُمْ إِلَاّ أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ"، ثُمَّ قَنَّعَ رَأْسَهُ وَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى أَجَازَ الوَادِيَ. أخرجه الشيخان (1). [صحيح]
2 -
وفي أخرى لهما (2) عنه قال: لمَا نَزَلَ النَّاسُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى الحِجْرِ أَرْضِ ثَمُودَ فَاسْتَقَوْا مِنْ آبَارِهَا وَعَجَنُوا بِهِ العَجِينَ فَأَمَرَهُمْ، رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنْ يُهَرِيقُوا مَا اسْتَقَوْا وَيَعْلِفُوا الإِبِلَ العَجِينَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنَ البِئْرِ الَّتِي كَانَتْ تَرِدُهَا النَّاقَةُ. [صحيح]
قوله: "الفصل الثاني: في ذم أماكن من الأرض".
وجه ذمها لما اتفق فيها من المعاصي وغضب الله على سكانها وإنزاله العقوبة.
قوله: "بالحجر" أقول: هو المذكور في القرآن، وبه سميت السورة، وهو أرض بين الحجاز والشام إلى وادي القرى، وهو منازل ثمود. وزعم بعضهم أنه قرية ولم [يبرز دليل](3).
ويرده التصريح في رواية ابن عمر: "أنه لما نزل الحجر أمرهم أن لا يشربوا".
(1) أخرجه البخاري رقم (433، 3377، 4420، 4702)، ومسلم رقم (2980).
(2)
البخاري رقم (3378، 3379)، ومسلم رقم (40/ 2981).
(3)
في (أ): "تزل قيل".
وقوله: "أن يصيبكم" بفتح الهمزة مفعول له، أي: كراهة الإصابة (1).
وقوله: "لا تدخلوا" خطاباً لأصحابه صلى الله عليه وسلم الذين كانوا معه.
وقوله: "ثم قنع رأسه وأسرع السير حتى أجاز الوادي" دليل أنه لم ينزل به ما في الحقيقة.
وفي هذا حث على المراقبة عند المرور بديار الظالمين، ومثله العذاب، والإسراع فيه. ومنه إسراعه صلى الله عليه وسلم في وادي محسر؛ لأن أصحاب الفيل هلكوا هنالك، فينبغي [127 ب] للمار بهذه المواضع ونحوها المراقبة، والخوف، والبكاء، والاعتبار بهم وبمصارعهم، والبكاء عند ذلك، والاستعاذة بالله من ذلك.
قوله: "في الرواية الأخرى: لما نزل" أقول: أي مَرَّ بها لا أنه أقام بها، لتصريح الأولى بأنه صلى الله عليه وسلم أجاز الوادي.
قوله: "فاستقوا من آبارها" لا ينافي أن يستقوا مع المرور ويعجنوا به عند محل الإقامة، والآبار مثل آجال.
قوله: "من البير التي كانت تردها الناقة" أقول: سئل البلقيني (2): من أين علمت تلك البئر؟ فقال [326/ أ]: بالتواتر، إذ لا يشترط فيه الإِسلام.
وقال الحافظ ابن حجر (3): والذي يظهر أنها علمت بالوحي.
(1) قال الحافظ في "فتح الباري"(1/ 531): "لا يصيبكم" بالرفع على أن (لا) نافية، والمعنى: لئلا يصيبكم، ويجوز الجزم على أنها ناهية، وهو أوجه، وهو نهي بمعنى الخبر.
ثم قال ابن حجر: وللمصنف في أحاديث الأنبياء: "أن يصيبكم" أي: خشية أن يصيبكم، ووجه هذه الخشية أن البكاء يبعثه على التفكر والاعتبار، فكأنه أمرهم بالتفكر في أحوال توجب البكاء
…
(2)
ذكره الحافظ في "الفتح"(6/ 380).
(3)
في "الفتح"(6/ 380) حيث قال: والذي يظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم علمها بالوحي.
وفيه: النهي عن استعمال آبار الحجر إلا بئر الناقة، وأنه لو عجن بمائها عجين لا يؤكل، بل تعلفه الدواب.
وفيه دليل على جواز علف الدابة طعاماً منع من أكله الآدمي.
وفيه: مجانبة ديار الظالمين، وأن لا تسكن ولا يقام بها (1).
3 -
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَا أَنَسُ! إِنَّ النَّاسَ يُمَصِّرُونَ أَمْصَارًا، وإنَّ مِصْرًا مِنْهَا تُسَمَّى البَصْرَةُ أَوِ البُصَيْرَةُ، فَإِنْ أنتَ مَرَرْتَ بِهَا وَدَخَلْتَهَا فَإِيَّاكَ وَسِبَاخَهَا وَكِلَاءَهَا وَسُوقَهَا وَأبوَابَ أُمَرَائِهَا، وَعَلَيْكَ بِضَوَاحِيهَا فَإِنَّهُ يَكُونُ بِهَا خَسْفٌ وَقَذْفٌ وَرَجْفٌ وَقَوْمٌ يَبِيتُونَ فَيُصْبِحُونَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ". أخرجه أبو داود (2) والنسائي (3). [صحيح]
"السِّبَاخ"(4) الأرض الملحة التي لا تكاد تُنْبِتُ نباتاً.
"والكلاء"(5) بالمد والهمزة: ساحل كل نهر، وهو الموضع الذي تجتمع فيه السفن، ومنه كلاء البصرة لموضع سفنها.
"وضَوَاحِي البَلَدِ"(6) ظَوَاهرُها الظاهرة للشمس.
قوله: "في حديث أنس: أن الناس يمصرون أمصاراً" أي: يصيرون فلوات من الأرض لا عمارة فيها، مصراً بعمارتهم إياه، والاجتماع فيه، والسكون به. وهذا الحديث من أعلام النبوة فإنه إخبار الغيب، وقد كان كما قاله صلى الله عليه وسلم فإنها مصرت البصرة أيام عمر بن الخطاب.
(1) انظر: "فتح الباري"(1/ 531).
(2)
في "السنن" رقم (4307)، وهو حديث صحيح.
(3)
لم أجده، ولم يعزه ابن الأثير في "الجامع" إلى النسائي.
(4)
"النهاية في غريب الحديث"(1/ 747).
(5)
"الفائق" للزمخشري (2/ 422).
(6)
"النهاية في غريب الحديث"(2/ 73).
وقوله: "أو البصيرة" شك من الراوي، أي: اللفظين حفظه.
قوله: "فإياك وسباخها" قال ابن الأثير (1): أرض سبخة؛ مالحة التربة، لا تكاد تنبت نباتاً [128 ب].
وقوله: "وكلأها" بضم الكاف والمد وتشديد اللام، يأتي أنه ساحل كل نهر؛ وهو الموضع الذي تجتمع فيه السفن. ومنه كلاء البصرة لموضع سفنها.
قوله: "وعليك بضواحيها" يأتي أن ضواحي البلدة ظواهرها، وهو ما يظهر منها للشمس.
قوله: "فإنه يكون بها" أي: البلد، وأسواقها، وكلائها، وأبواب أمرائها. فالفاء تعليل لبيان وجه النهي عن التحذير مما ذكر، وظاهرة سلامة الضواحي عن الخسف وهو معروف، والقذف: الرمي بالحجارة، والرجف الرجفة، والله أعلم.
لعل هذا قد وقع أو بعضه، وقد خربت البصرة الأولى، وعوضت بمدينة أخرى. وقبر أنس راوي الحديث في البصرة الأولى.
4 -
وعن مالك (2): أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه أَرَادَ الخُرُوجَ إِلَى العِرَاقِ، فَقَالَ لَهُ كَعْبُ الأَحْبَارِ: لَا تَخْرُجْ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، فَإِنَّ بِهَا تِسْعَةَ أَعْشَارِ السِّحْرِ أوِ الشَّرِّ، وَبِهَا فَسَقَةُ الجِنِّ، وَبِهَا الدَّاءُ العُضَالُ. يعني الهلاك في الدين. [موقوف ضعيف]
(1) في "غريب الجامع"(4/ 513).
(2)
في "الموطأ"(2/ 975 رقم 30)، وهو أثر موقوف صحيح.
"الدَّاءُ العُضَالُ"(1) ما أعجز الأطباء فلا دواء له.
قوله: "في حديث مالك: أراد الخروج إلى العراق فقال له كعب الأحبار: لا تخرج يا أمير المؤمنين" أي: لا تخرج لتنزل العراق، كما دل له قوله:"فإن بها تسعة أعشار السحر أو الشر"، شك من الراوي. "وبها فسقة الجن"، أي: المردة (2) منهم.
(1) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع"(4/ 514)، وانظر:"النهاية"(2/ 220).
(2)
"النهاية في غريب الحديث"(2/ 648).