المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل السادس: في أحكام تتعلق بالديات - التحبير لإيضاح معاني التيسير - جـ ٤

[الصنعاني]

فهرس الكتاب

- ‌حرف الدال

- ‌كتاب: الدعاء

- ‌[الباب الأول: في آدابه:

- ‌الفصل الأول: في فضله ووقته

- ‌الفصل الثاني: في هيئة الداعي

- ‌الفصل الثالث: في كيفية الدعاء

- ‌الفصل الرابع: في أحاديث متفرقة

- ‌الباب الثاني: في أقسام الدعاء

- ‌[القسم الأول: في الأدعية المؤقتة المضافة إلى أسبابها، وفيه عشرون فصلاً]

- ‌الفصل الأول: في ذكر اسم الله الأعظم وأسمائه الحسنى

- ‌(فائدة: ذكر شرح أسماء الله الحسنى)

- ‌الفصل الثاني: في أدعية الصلاة مفصلاً - الاستفتاح

- ‌الركوع والسجود

- ‌بعد التشهد

- ‌بعد السلام

- ‌الفصل الثالث: في الدعاء عند التهجد

- ‌الفصل الرابع: في الدعاء عند الصباح والمساء

- ‌الفصل الخامس: في أدعية النوم والانتباه

- ‌الفصل السادس: في أدعية الخروج من البيت والدخول إليه

- ‌الفصل السابع: في أدعية المجلس والقيام منه

- ‌الفصل الثامن: في أدعية السفر

- ‌الفصل التاسع: في أدعية الكرب والهم

- ‌الفصل العاشر: في أدعية الحفظ

- ‌الفصل الحادي عشر: في دعاء اللباس والطعام

- ‌الفصل الثاني عشر: في دعاء قضاء الحاجة

- ‌الفصل الثالث عشر: في دعاء الخروج من المسجد والدخول إليه

- ‌الباب الرابع عشر: في دعاء رؤية الهلال

- ‌الفصل الخامس عشر: في دعاء الرعد والريح والسحاب

- ‌الفصل السادس عشر: في دعاء يوم عرفة وليلة القدر

- ‌الفصل السابع عشر: في دعاء العطاس

- ‌الفصل الثامن عشر: في دعاء داود عليه السلام

- ‌الفصل التاسع عشر: في دعاء قوم يونس عليه السلام

- ‌الفصل العشرون: في الدعاء عند رؤية المبتلى

- ‌القسم الثاني من الباب الثاني: في أدعية غير مؤقتة ولا مضافة

- ‌الباب الثالث: فيما يجري في مجرى الدعاء

- ‌الفصل الأول: في الاستعاذة

- ‌الفصل الثاني: في الاستغفار والتسبيح والتهليل والتكبير والتحميد والحوقلة

- ‌الفصل الثالث: في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌كتاب: الديات

- ‌الفصل الأول: في دية النفس

- ‌الفصل الثاني: في دية الأعضاء والجراح العين

- ‌الأضراس

- ‌الأصابع

- ‌الجراح

- ‌الفصل الثالث: فيما جاء من الأحاديث مشتركاً بين النفس والأعضاء

- ‌الفصل الرابع: في دية الجنين

- ‌الفصل الخامس: في قيمة الدية

- ‌الفصل السادس: في أحكام تتعلق بالديات

- ‌كتاب: الدين وآداب الوفاء

- ‌حرف الذال

- ‌كتاب: الذكر

- ‌كتاب: الذبائح

- ‌الفصل الأول: في آداب الذبح ومنهياته

- ‌الفصل الثاني: في هيئة الذبح وموضعه

- ‌الفصل الثالث: في آلة الذبح

- ‌كتاب: ذم الدنيا وأماكن من الأرض

- ‌الفصل الأول: [في ذم الدنيا

- ‌الفصل الثاني: في ذم أماكن من الأرض

- ‌حرف الراء

- ‌كتاب: الرحمة

- ‌الفصل الأول: في الحث عليها

- ‌الفصل الثاني: في ذكر رحمة الله تعالى

- ‌الفصل الثالث: فيما جاء من رحمة الحيوان

- ‌كتاب: الرفق

- ‌كتاب: الرهن

- ‌كتاب: الرياء

- ‌حرف الزاي

- ‌كتاب: الزكاة

- ‌الباب الأول: في وجوبها وإثم تاركها

- ‌الباب الثاني: في أحكام الزكاة المالية

- ‌الفصل الأول: فيما اشتركن فيه من الأحاديث

- ‌الفصل الثاني: في زكاة النعم

- ‌الفصل الثالث: في زكاة الحلي

- ‌الفصل الرابع: في زكاة الثمار والخضروات

- ‌الفصل الخامس: في زكاة المعدن والركاز

- ‌الفصل السادس: في زكاة الخيل والرقيق

- ‌الفصل السابع: في زكاة العسل

- ‌الفصل الثامن: في زكاة مال اليتيم

- ‌الفصل التاسع: في تعجيل الزكاة

- ‌الفصل العاشر: في أحكام متفرقة للزكاة

- ‌الباب الثالث: في زكاة الفطر

- ‌الباب الرابع: في عامل الزكاة وما يجب له عليه

- ‌الباب الخامس: فيمن تحل له الصدقة ومن لا تحل

- ‌الفصل الأول: فيمن لا تحل له

- ‌الفصل الثاني: فيمن تحل له الصدقة

- ‌كتاب: الزهد والفقر

- ‌الفصل الأول: في مدحهما والحث عليهما

- ‌الفصل الثاني: فيما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عليه من الفقر

- ‌كتاب: الزينة

- ‌الباب الأول: في الحليّ

- ‌الباب الثاني: في الخضاب

- ‌الباب الثالث: في الخلوق

- ‌الباب الرابع: في الشعور شعر الرأس - الترجيل

- ‌الحلق

- ‌الوصل

- ‌السدل والفرق

- ‌نتف الشيب

- ‌قص الشارب

- ‌الباب الخامس: في الطيب والدهن

- ‌الباب السادس: في أمور من الزينة متعددة

- ‌الباب السابع: في النقوش والصور والستورذم المصورين

- ‌كراهة الصور والستور

- ‌حرف السين

- ‌كتاب: السخاء والكرم

- ‌كتاب: السفر وآدابه

- ‌النوع الأول: في يوم الخروج

- ‌النوع الثاني: في الرفقة

- ‌النوع الثالث: في السير والنزول

- ‌النوع الرابع: في إعانة الرفيق

- ‌النوع الخامس: في سفر المرأة

- ‌النوع السادس: فيما يذم استصحابه في السفر

- ‌النوع السابع: في القفول من السفر

- ‌النوع الثامن: في سفر البحر

- ‌النوع التاسع: في تلقي المسافر

- ‌النوع العاشر: في ركعتي القدوم

- ‌كتاب: السبق والرمي

- ‌الفصل الأول: في أحكامهما

- ‌الفصل الثاني: فيما جاء من صفات الخيل

- ‌كتاب: السؤال

- ‌كتاب: السحر والكهانة

- ‌حرف الشين

- ‌كتاب: الشراب

- ‌الباب الأول: في آدابه

- ‌الفصل الأول: في الشرب قائمًا: جوازه

- ‌الفصل الثاني: في الشرب من أفواه الأسقية جوازه

- ‌الفصل الثالث: في التنفس عند الشرب

- ‌الفصل الرابع: في ترتيب الشاربين

- ‌الفصل الخامس: في تغطية الإناء

- ‌الفصل السادس: في أحاديث متفرقة

- ‌الباب الثاني: في الخمور والأنبذة

- ‌الفصل الأول: في تحريم كل مسكر

- ‌الفصل الثاني: في تحريم المسكر وذم شاربه

- ‌الفصل الثالث: في تحريمها ومن أي شيء هي

- ‌الفصل الرابع: فيما يحل من الأنبذة وما يحرم

- ‌الفصل الخامس: في الظروف وما يحل منها وما يحرم

- ‌الفصل السادس: في لواحق الباب

- ‌كتاب: الشركة

- ‌كتاب: الشعر

الفصل: ‌الفصل السادس: في أحكام تتعلق بالديات

فبلغت القيمة في زمانه من الذهب ثمانمائة دينار، ومن الورق ثمانية آلاف درهم، فجرى الأمر كذلك إلى أن كان عمر رضي الله عنه وعزَّت الإبل في زمانه، فبلغت قيمتها من الذهب ألف دينار، ومن الورق اثنا عشر ألفاً، وعلى هذا بنى أصله الشافعي (1) في دية العمد، فأوجب فيها الإبل، وأن لا يصار إلى التقود إلا عند عواز الإبل، فإذا أعوزت كان فيها قيمتها ما بلغت، ولم يعتبر قيمة عمر التي قومها في زمانه؛ لأنها كانت قيمة تعديل في ذلك الوقت، والقيم تختلف فتزيد وتنقص باختلاف الأزمنة، وهذا على قوله [313/ أ] [87 ب] الجديد. وقال في القديم: بقيمة عمر، وهو اثنا عشر ألفاً من الورق وبقيمتها من الذهب ألف دينار. وقد روي مثل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في الورق. قوله:"على أهل الذهب" أقول: قال مالك (2): أهل الذهب أهل الشام، وأهل مصر، وأهل الورق أهل العراق. ذكره في "الموطأ".

‌الفصل السادس: في أحكام تتعلق بالديات

1 -

عن زياد بن سعد بن ضميرة السلمي عن أبيه عن جده رضي الله عنه: وَكَانَا شَهِدَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم حُنَيْنًا: أَنَّ مُحَلِّمَ بْنَ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيَّ قَتَلَ رَجُلاً مِنْ أَشْجَعَ فِي الإِسْلَامِ، وَذَلِكَ أَوَّلُ غِيَرٍ قَضَى بِهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَتَكَلَّمَ عُيَيْنَةُ فِي قَتْلِ الأَشْجَعِيِّ لأَنَّهُ مِنْ غَطَفَانَ، وَتَكَلَّمَ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ دُونَ مُحَلِّمٍ لأَنَّهُ مِنْ خِنْدِفَ، فَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ، وَكَثُرَتِ الخُصُومَةُ وَاللَّغَطُ، فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يَا عُيَيْنَةُ! أَلَا تَقْبَلُ الغِيَرَ؟ ". فَقَالَ: لَا وَالله، حَتَّى أُدْخِلَ عَلَى نِسَائِهِ مِنَ الحَرْبِ وَالحَزَنِ مَا أَدْخَلَ عَلَى نِسَائِي، ثُمَّ ارْتَفَعَتِ الأَصوَاتُ، وَكَثُرَتِ الخُصُومَةُ وَاللَّغَطُ، فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يَا عُيَيْنَةُ! أَلَا تَقْبَلُ الغِيَرَ". فَقَالَ عُيَيْنَةُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ اسْمُهُ مُكَيْتِلٌ عَلَيْهِ شِكَّةٌ، وَفِي يَدِهِ دَرَقَةٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، إِنِّي لَمْ أَجِدْ لِمَا فَعَلَ هَذَا فِي غُرَّةِ الإِسْلَامِ

(1)"البيان" للعمراني (11/ 489 - 491)، "الأم"(7/ 258).

(2)

في "الموطأ"(2/ 850).

ص: 341

مَثَلاً إِلَاّ غَنَمًا وَرَدَتْ فَرُمِيَ أَوَّلُهَا فَنَفَرَ آخِرُهَا، أُسْنُنِ اليَوْمَ وَغَيِّرْ غَدًا، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"بَلْ نُعْطِيكُمْ خَمْسِينَ مِنَ الإِبلِ في فَوْرِنَا هذَا وَخَمْسِينَ إِذَا رَجَعْنَا إِلَى المَدِينَةِ"، وَذَلِكَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَمُحَلِّمٌ رَجُلٌ طَوِيلٌ آدَمُ وَهُوَ فِي طَرَفِ النَّاسِ، فَلَمْ يَزَالُوا حَتَّى تَخَلَّصَ فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَعَيْنَاهُ تَدْمَعَانِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، إِنِّي قَدْ فَعَلْتُ الَّذِي بَلَغَكَ، وَإِنِّي أَتُوبُ إِلَى الله، فَاسْتَغْفِرِ الله لِي، فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أَقتَلْتَهُ بِسِلَاحِكَ فِي غُرَّةِ الإِسْلَامِ؟ اللهمَّ لَا تَغْفِرْ لمُحَلِّمٍ"، بِصَوْتٍ عَالٍ، فَقَامَ وَإِنَّهُ لَيَتَلَقَّى دُمُوعَهُ بِطَرَفِ رِدَائِهِ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَزَعَمَ قَوْمُهُ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم اسْتَغْفَرَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ. أخرجه أبو داود (1). [ضعيف]

"الغِيَرُ"(2): الدية. و"الشِّكَّةَ": السلاح (3).

وقوله: "آدَمَ" أي: يضرب لونه إلى السواد من شدة سمرته (4). "وَغرَّةُ كُلِّ شَيْءٍ": أوله.

قوله: "الفصل السادس في أحكام تتعلق بالدية".

قوله: "عن زياد بن سعد بن ضميرة"(5) بالضاد المعجمة مصغر ضمرة، عن أبيه هو سعد بن ضميرة عن جده هو ضميرة.

قلت: لم أجد سعداً ولا أباه ضميرة في رابع "الجامع"، وقد قال هنا: إنهما صحابيان، وهو يستوفي في ذكر الصحابة، ثم رأيت في كتاب الكاشغري في الصحابة ضمرة غير مصغر ابن سعد السلمي، له ولأبيه صحبة، وشهدا حنيناً، قال: ويقال: صرمة. انتهى.

(1) في "السنن" رقم (4503)، وهو حديث ضعيف.

(2)

قال ابن الأثير في "غريب الجامع"(4/ 441): الغَيرة: الدية، وجمعها غِيرٌ، مثل كِسرةٌ وكِسرٌ، وقيل: الغير واحد، وجمعه أغيار، مثل ضلع وأضلاع.

(3)

انظر: "غريب الحديث للخطابي"(1/ 233)، "الفائق" للزمخشري (3/ 83).

(4)

قاله ابن الأثير في "غريب الجامع"(4/ 442).

(5)

انظر: "التقريب"(1/ 268 رقم 111).

ص: 342

وذكر في رابع "الجامع" زياداً فقال: زياد بن سعد بن ضميرة الضمري (1). ويقال: السلمي. وقيل: زياد بن ضميرة بن سعد، يعد في الحجازيين، روى عن عروة. انتهى. ولم يذكر أنه روى عن أبيه عن جده.

قوله: "أن مُحلِّم بن جَثّامة"(2) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وتشديد اللام المكسورة، وجثّامة: بفتح الجيم وتشديد المثلثة، وهو أخو الصعب بن جثامة.

قوله: "قتل رجلاً في الإسلام" قيل: هو عامر بن الأضبط (3). وقيل: مرداس بن نهيك (4).

قوله: "وذلك أول غير"(5) بكسر الغين المعجمة، وفتح المثناة التحتية، يأتي أنه اسم للدية.

قال أبو عبيدة (6): يقال: غارني يغورني ويغيرني إذا وداك من الدية، [88 ب] والاسم الغيرة بالكسر وجمعها غيرى، قال الشاعر:

لنجدعن بأيدينا أنوفكم

بني أمية إن لم تقبلوا الغيرى

فتكلم عيينة في قتل الأشجعي، كأن المراد بتكلمه طلبه القود من محلم كما يشعر به السياق، وينادي به قوله:"حتى أدخل على نسائه من الحرب والحزن ما أدخل على نسائي".

(1) انظر: "ميزان الاعتدال"(2/ 89 رقم 2940).

(2)

"الاستيعاب" رقم (2518).

(3)

"الاستيعاب" رقم (1847).

(4)

"الاستيعاب" رقم (2412).

(5)

تقدم شرحها.

(6)

في "الغريبين"(4/ 1397 - 1398).

ص: 343

وقوله: "لأنه كان من غطفان" أي: من قبيلة الأشجعي، والأقرع بن حابس هو ومحلم من خندق بكسر الخاء المعجمة، وسكون النون، وفتح الدال المهملة، ففاء.

تكلم بدافع عن القود واستيفائه من محلم وأن يدفع الدية.

قوله: "فقام مكيتل" أقول: هو مصغر، أهمله الكاشغري، وهو في "سنن أبي داود" (1) وفي "السيرة" (2) وفي "سنن ابن ماجه" (3): مكينل، بالنون. وضبط ابن الأثير (4) فقال: مكيتل: بضم الميم، وفتح الكاف، وبالياء تحتها نقطتان، وبالتاء المعجمة باثنتين من فوق، وهي مكسورة، وباللام وقال: إنه لا يعرف له نسب. انتهى.

قوله: "لم أجد لما فعل هذا في غُرَّة الإسلام" الحديث أقول: معناه أن فعل محلم بن جثامة وقتله الرجل، وطلبه أن لا يقتص منه [وتؤخذ](5) منه الدية، والوقت أول الإسلام وصدره؛ يعني: كمثل هذه الغنم النافرة، يعني: إن جرى الأمر مع أولياء القتيل على ما يريد محلم، ثبط الناس [89 ب] عن الدخول في الإسلام بمعرفتهم أن القود يُغيَّر بالدية. والعرب خصوصاً هم الحراص على طلب الأوتار، وفيهم الأنفة عن قبول الديات. ثم حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإقادة منه بقوله:"اسْنُنِ اليوم وغيِّر غداً" يريد إن لم تقتص منه غيّرت سنتك [و](6) لكنه

(1) في "السنن" رقم (4503).

(2)

في السيرة النبوية (4/ 364 - 366).

(3)

في "السنن" رقم (2825).

(4)

في "أسد الغابة"(5/ 248 رقم 5086) ط. العلمية، وفي "تتمة جامع الأصول"(2/ 861 قسم التراجم)، وانظر:"الإصابة" رقم (8217).

(5)

في (أ): "أتؤخذ".

(6)

زيادة من (أ).

ص: 344

أخرج الكلام على الوجه الذي يهيج المخاطب ويحثه على الإقدام والجرأة على المطلوب منه. أفاده في "النهاية"(1).

قوله: "اسنن اليوم وغير غداً" يقول: اعمل سُننَك التي سننتها في القصاص، ثم بعد ذلك إن شئت أن تغير فغير.

2 -

وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَا أُعْفِي مَنْ قَتَلَ بَعْدَ أَخْذِ الدِّيَةَ". أخرجه أبو داود (2). [ضعيف]

ومعنى "لَا أُعْفِي": لا أقيله، ولا أعفو عنه، بل أقتله (3).

قوله: "في حديث جابر: لا أعفي من قتل بعد أخذ الدية" أقول: بفتح الهمزة وعين مهملة ففاء. في "النهاية"(4): هذا دعاء عليه، أي: لا كثر ماله ولا استغنى. والمصنف ذكر معنى آخر كما ترى [314/ أ].

3 -

وعن عمرو بن شعيب: أَنَّ رَجُلاً مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ يُقَالُ لَهُ قَتَادَةُ، حَذَفَ ابْنَهُ بِسَيْفٍ، فَأَصَابَ سَاقَهُ فَنُزِيَ فِي جُرْحِهِ فَمَاتَ، فَقَدِمَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ عَلَى عُمَرَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ له عُمَرُ رضي الله عنه: اعْدُدْ لِي عَلَى مَاءِ قُدَيْدٍ عِشْرِينَ وَمِائَةَ بَعِيرٍ حَتَّى أَقْدِمَ عَلَيْكَ، فَلَمَّا قَدِمَ عُمَرُ رضي الله عنه أَخَذَ مِنْ تِلْكَ الإِبِلِ ثَلَاثِينَ حِقَّةً، وَثَلَاثِينَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعِينَ خَلِفَةً، ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ أَخُ المَقْتُولِ؟ قَالَ: هَا أَنَا ذَا، قَالَ: خُذْهَا، فَإِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَيْسَ لِقَاتِلٍ شَيْءٌ". أخرجه مالك (5). [ضعيف]

(1)(2/ 333).

(2)

في "السنن" رقم (4507)، وهو حديث ضعيف.

(3)

قاله ابن الأثير في "غريب الجامع"(4/ 443).

(4)

"النهاية في غريب الحديث"(2/ 229).

(5)

في "الموطأ"(2/ 867 رقم 10).

ص: 345

"نُزِي": أي جرى دمه فلم ينقطع.

4 -

وعن جابر رضي الله عنه: أَنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ قَتَلَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا زَوْجٌ وَوَلَدٌ، فَجَعَلَ صلى الله عليه وسلم دِيَةَ المَقْتُولَةِ عَلَى عَاقِلَةِ القَاتِلَةِ، وَبَرَّأَ زَوْجَهَا وَوَلَدَهَا، لأنَّهُمَا مَا كانَا مِنْ هُذَيْلٍ، فَقَالَ عَاقِلَةُ المَقْتُولَةِ: مِيرَاثُهَا لَنَا، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"لَا، مِيرَاثُهَا لِزَوْجِهَا وَوَلَدِهَا". أخرجه أبو داود (1). [صحيح]

5 -

وعن عائشة رضي الله عنها: أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أَبَا جَهْمِ بْنَ حُذَيْفَةَ مُصَدِّقًا فَلَاحَّهُ رَجُلٌ فِي صَدَقَتِهِ فَضَرَبَهُ أَبُو جَهْمٍ فَشَجَّهُ، فَأَتَوُا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: القَوَدَ يَا رَسُولَ الله، فَقَالَ:"لَكُمْ كَذَا وَكَذَا"، فَلَمْ يَرْضَوْا، فَقَالَ:"لَكُمْ كَذَا وَكَذَا"، [فَلَمْ يَرْضَوْا، فَقَالَ: "لَكُمْ كَذَا وَكَذَا"](2) فَرَضُوا، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"إِنِّي خَاطِبٌ العَشِيَّةَ عَلَى النَّاسِ وَمُخْبِرُهُمْ بِرِضَاكُمْ" فَقَالُوا: نَعَمْ. فَخَطَبَ فَقَالَ: "إِنَّ هَؤُلَاءِ اللَّيْثِيِّينَ أَتَوْنِي يُرِيدُونَ القَوَدَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِمْ كَذَا وَكَذَا فَرَضُوا، أَرَضِيتُمْ؟ " قَالُوا: لَا، فَهَمَّ بِهِمْ المُهَاجِرُونَ، فَأَمَرَهُمْ رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنْ يَكُفُّوا عَنْهُمْ، فَكَفُّوا عَنْهُمْ، ثُمَّ دَعَاهُمْ فَزَادَهُمْ، فَقَالَ:"أَرَضِيتُمْ؟ ". فَقَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: "إِنِّي خَاطِبٌ عَلَى النَّاسِ وَمُخْبِرُهُمْ بِرِضَاكُمْ"، قَالُوا: نَعَمْ. فَخَطَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "أَرَضِيتُمْ؟ "، قَالُوا: نَعَمْ. أخرجه أبو داود (3) والنسائي (4). [صحيح]

(1) في "السنن" رقم (4575)، وهو حديث صحيح.

(2)

ما بين الحاصرتين سقط من (أ. ب).

(3)

في "السنن" رقم (4534).

وأخرجه أحمد في "المسند"(6/ 232)، وابن حبان في صحيحه رقم (4487)، وعبد الرزاق في مصنفه رقم (18032)، وابن ماجه رقم (2638).

(4)

في "السنن" رقم (4778)، وهو حديث صحيح.

ص: 346

قوله: "بعث أبا جهم" أقول: [اسمه هو](1) بفتح الجيم وسكون الهاء، اسمه عامر بن حذيفة العدوي القرشي. قال ابن الأثير (2): يقال: اسمه عبيد، وهو مشهور بكنيته، وهو الذي طلب صلى الله عليه وسلم إنبجانيته.

قوله: "فلاحّه رجل" في "النهاية"(3): لاحيته فلاحاة [ولحاء](4) إذا نازعته.

وقوله: "فشجه"(5) الشج في الرأس خاصة في الأصل وهو أن يضربه بشيء فيجرحه فيه، ثم استعمل في غيره من الأعضاء، يقال: شجه يشجه شجاً.

قوله: "الليثيين" جمع ليثي بفتح اللام، وسكون المثناة التحتية، وبالمثلثة منسوب إلى ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر.

قوله: "أرضيتم" أقول: قال الخطابي (6): فيه من الفقه وجوب الإقادة من الوالي والعاقل إذا تناول دماً بغير حقه، كوجوبها على من ليس بوالٍ.

وفيه دليل على جواز إرضاء المشجوج بأكثر من دية شجته إذا طلب المشجوج القصاص.

وفيه دليل على أن القول في الصدقة قول [91 ب] رب المال، وأنه ليس للساعي ضربه وإكراهه على ما لم يظهر له من ماله.

(1) زيادة من (أ).

(2)

في "أسد الغابة"(3/ 530 رقم 3490)، وانظر:"الإصابة" رقم (5347).

(3)

"النهاية في غريب الحديث"(2/ 595).

(4)

في (أ): "ولحاؤ".

(5)

"النهاية في غريب الحديث"(1/ 843).

(6)

في "معالم السنن"(4/ 672 مع السنن).

ص: 347

وفيه حجة لمن رأى وقوف الحاكم عن الحكم بعلمه، لأنهم لما رضوا بما أعطاهم صلى الله عليه وسلم ثم رجعوا لم يلزمهم برضاهم الأول، حتى كان ما رضوا به ظاهراً، وروي عن أبي بكر وعمر: أنهما أقادا من العمال. وممن رأى عليهم القود: الشافعي (1)، وأحمد (2)، وإسحاق. انتهى.

6 -

وعن هلال بن سراج بن مجاعة عن أبيه عن جده: أَنَّهُ أَتَى رسول الله صلى الله عليه وسلم يَطْلُبُ دِيَة أَخِيهِ، قَتَلَتْهُ بَنُو سَدُوسٍ مِنْ بَنِي ذُهْلٍ. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"لَوْ كُنْتُ جَاعِلاً لمشْرِكٍ دِيَةً جَعَلْتُهَا لأَخِيكَ، وَلَكِنْ سَأُعْطِيكَ مِنْهُ عُتُبَى"، فَكَتَبَ لَهُ صلى الله عليه وسلم بِمِائَةٍ مِنَ الإِبِلِ مِنْ أَوَّلِ خُمُسٍ يَخرُجُ مِنْ مُشْرِكِي بَنِي ذُهْلٍ، فَأَخَذَ طَائِفَةً مِنْهَا، وَأَسْلَمَ بَنُو ذُهْل فَطَلَبَهَا بَعْدُ مُجَّاعَةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَأَتَاهُ بِكِتَابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فَكَتَبَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ صَاعٍ مِنْ صَدَقَةِ اليَمَامَةِ أَرْبَعَةِ آلَافٍ بُرًّا، وَأَرْبَعَةِ آلَافٍ شَعِيرًا، وَأَرْبَعَةِ آلَافٍ تَمْرًا، وَكَانَ فِي كِتَابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم:"بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِمُجَّاعَةَ بْنِ مُرَارَةَ مِنْ بَنِي سُلَيْم، أنِّي أَعْطَيْتُهُ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ مِنْ أَوَّلِ خُمُسٍ يَخرُجُ مِنْ مُشْرِكِي بَنِي ذُهْل عُتْبَةً مِنْ أَخِيهِ". أخرجه أبو داود (3). [إسناده ضعيف].

قوله: "وعن هلال بن سراج بن مُجَّاعة"(4) أقول: أي: ابن مرارة الحنفي، روى عن أبيه، وعن ابن عمر، وأبي هريرة. وسراج: بكسر السين المهملة وبالراء آخره جيم. ومُجَّاعة: بضم الميم وتشديد الجيم. ومرارة: بضم الميم، فراءين مهملتين. ومُجَّاعة صحابي، ولكنه لم يذكره ابن الأثير في الصحابة، وذكره الكاشغري فقال: مُجَّاعة (5) بن مرارة الأسلمي، وقيل: ابن

(1)"البيان" للعمراني (11/ 429 - 430).

(2)

انظر: "المغني"(11/ 465 - 466).

(3)

في "السنن" رقم (2990) بإسناد ضعيف؛ لجهالة سراج بن مُجَّاعة، والدخيل بن إياس محمد بن عيسى هو ابن الطباع البغدادي.

(4)

انظر: "التقريب"(2/ 323 رقم 134).

(5)

انظر: "الاستيعاب" رقم (2528)، "التقريب"(2/ 229 رقم 918).

ص: 348

سليم الحنفي، وَفَدَ هو وأبوه، ويقال له السلمي منسوب إلى جده سليم المذكور إلى سليم بن منصور، المنسوب إليه مجاشع بن مسعود. انتهى.

ولا ذكر ابن الأثير سراجاً في التابعين. نعم: ذكر هلال بن سراج، وأنه روى عن أبيه، ولعل مُجَّاعة لم يتحقق إسلامه حتى يعد في الصحابة؛ لأن أخاه الذي قتله بنو سدوس كافر كما دل له قوله صلى الله عليه وسلم:"لو كنت جاعل لمشرك دية".

قوله: "ولكن سأعطيك منه عتبى" أقول: معنى العتبى (1): العوض. [92 ب] ويحتمل أن يكون أعطاه ذلك تألفاً له، أو لمن وراءه من قومه على الإسلام.

قوله: "مُجَّاعة بن مرارة من بني سليم"(2) أقول: هذا يرد قول الكاشفري: إنه منسوب إلى جده سليم، بل إلى القبيلة.

7 -

وعن جابر رضي الله عنه قال: "كَتَبَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم كُلِّ بَطْنٍ عُقُولَةً، وَلَا يَحِلُّ لِوَلِيٍّ أَنْ يَتَوَلَّى مُسْلِمًا بِغَيْرِ إِذْنِهِ". أخرجه النسائي (3). [صحيح]

قوله: "في حديث جابر: علي كل بطن عقوله" أقول: البطن (4) ما دون القبيلة وفوق الفخذ، أي: كتب عليهم ما تغرمه العاقلة من الديات، فبين على كل بطن منها، ويجمع على أبطن وبطون.

(1) كذا في المخطوط: "عتبة"، وفي الشرح:"العتبي".

والذي في "سنن أبي داود": "عقبة"، وكذلك في "جامع الأصول" (4/ 449). انظر:"النهاية"(2/ 154، 231).

(2)

انظر: "الاستيعاب" رقم (2528)، "التقريب"(2/ 229 رقم 918)، وقد تقدم.

(3)

في "السنن" رقم (4829).

وأخرجه مسلم في صحيحه رقم (17/ 1507)، وأحمد (3/ 321، 342، 349)، وهو حديث صحيح.

(4)

قاله ابن الأثير في "النهاية"(1/ 143)، وانظر:"المجموع المغيث"(1/ 169).

ص: 349

قوله: "ولا يحل لولي أن يتولى مسلماً بغير إذنه" أقول: في "النهاية"(1) ومنه حديث: "من تولى قوماً بغير إذن مواليه"(2) أي: اتخذهم أولياء له، ظاهره يوهم أنه شرط وليس شرطاً؛ لأنه لا يجوز له إذا أذنوا أن يوالي غيرهم، وإنما هو بمعنى التأكيد لتحريمه والتنبيه على بطلانه، [والإرشاد](3) إلى السبب فيه؛ لأنه إذا استأذن أولياؤه في موالاة غيرهم منعوه فيمتنع، والمعنى: إن سولت له نفسه ذلك فليستأذنهم فإنهم [يمنعونه](4). انتهى.

فقوله: "لولي" أي: لمولى. وقوله: "بغير إذنه" أي: إذن من يريد موالاته، ومعناه أن المسلم إذا استأذنه المولى أن يتولاه يمنعه عن ذلك ويعرفه أنه لا يحل له الخروج عن مواليه.

8 -

وعن ابن شهاب رضي الله عنه قال: مَضَتِ (5) السُّنَّةُ أَنَّ العَاقلَةَ لا تَحْمِلُ مِنْ دِيَةِ العَمْدِ شَيْئاً إلَاّ أنْ تَشَاء. [منقطع صحيح]

وَكّذلِكَ لَا تَحْمِلُ (6) مِنْ ثَمَنِ العَبْدِ شَيْئاً قلَّ أَوْ كَثُرَ، وَإنَّمَا ذَلِكَ عَلَى الذي يُصِيبُهُ مِنْ مَالِهِ بَالِغاً مَا بَلَغَ لأنَّهُ سِلْعَةٌ مِنَ السِّلَعِ، لِقَوْلِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم:"لَا تَحْمِلِ العَاقِلَةٌ عَمْداً، وَلَا صُلْحاً، وَلَا اعْتِرَافاً، وَلَا أَرْشَ جِنَايَةٍ، وَلَا قِيمَةَ عَبْدٍ إلَاّ أَنْ تَشَاءَ، وَمضَتِ السُّنَّةُ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَصَابَ امْرَأَتَهُ بِجُرْحٍ خَطأً أَنَّهُ يَعْقِلُهَا وَلَا يُقَادُ مِنْهُ، فَإنْ أَصَابَهَا عَمْداً أُقِيدَ بِهَا".

(1)(2/ 881).

(2)

أخرجه أحمد (2/ 398)، ومسلم رقم (1508)، وأبو داود رقم (5124).

(3)

في (ب): "الإشارة".

(4)

في (أ): "ينعونه".

(5)

أخرج مالك في "الموطأ"(2/ 865) عن الزهري قال: مضت السنة أن العاقلة لا تحمل شيئاً من دية العمد إلا أن يشاءوا. وهو منقطع صحيح.

(6)

أخرجه الدارقطني في "السنن"(3/ 177)، والبيهقي في "السنن" (8/ 104) عن عمر قال: العمد والعبد والصلح والاعتراف لا تعقله العاقلة. وهو أثر ضعيف منقطع.

ص: 350

وبلغني أن عمر رضي الله عنه قال: تُقَادُ المَرْأَةُ مِنَ الرَّجُلِ في كلِّ عَمْدٍ يَبْلُغُ ثُلُثَ نَفْسِهَا فَمَا دُونَهُ مِنَ الجْرَاحِ. أخرجه رزين.

قوله: "في أثر ابن شهاب: لا تحمل العاقلة عمداً" أقول: يريد أن كل جناية عمد فهي في مال الجاني خاصة، ولا يلزم العاقلة منها شيء، وكذلك ما اصطلحوا عليه من الجنايات في الخطأ، وكذلك إذا اعترف الجاني بالجناية [93 ب] من غير بينة تقوم عليه، فإن ادعى أنها خطأ فلا يقبل منه، ولا تلزم بها العاقلة، وأما العبد إذا جنى على حر فليس على عاقلة مولاه شيء من جناية عبده، وإنما جنايته في رقبته، وهو مذهب أبي حنيفة (1). وقيل: هو أن يجني حر على عبد فليس على عاقلة الجاني [شيء](2)، وإنما جنايته في ماله خاصة، وهو قول ابن أبي ليلى (3)، وهو موافق لكلام العرب إذ لو كان على الأول لقيل: لا تعقل العاقلة على عبد، ولم يكن لا تعقل عبداً، وهذا اختاره الأصمعي وأبو عبيدة (4).

قوله: "أخرجه رزين" أقول: قد حذرنا عن هذه النسبة مراراً، واعلم أن أثر ابن شهاب ذكره ابن الأثير في "الجامع"(5) وبيض له، إلا أنه جعله خبرين.

الأول: من قوله: "مضت السنة أن العاقلة لا تحمل" وآخره قوله: "ولا قيمة عبد إلا أن يشاء"، والأثر الثاني: أوله قوله: "ومضت السنة أن الرجل إذا أصاب امرأته" وآخره: "فما دونه من الجراح"[315/ أ] والمصنف جمعهما كما ترى.

(1) انظر: "الهداية"(4/ 161).

(2)

زيادة من (أ).

(3)

انظر: "عيون المجالس"(5/ 1978)، "المغني"(11/ 473)، "روضة الطالبين"(9/ 151).

(4)

"الغريبين"(4/ 1311 - 1312).

(5)

(4/ 450).

ص: 351

9 -

وعن طارق بن شهاب رضي الله عنه قال: جَاءَ وَفْدُ بُزَاخَةَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيق رضي الله عنه يَسْأَلُونَهُ الصُّلْحَ، فَخَيَّرَهُمْ بَيْنَ الحَرْبِ المُجْلِيَةِ وَالسِّلْمِ المُخْزِيَةِ، فَقَالُوا: هَذِه المُجْلِيَةُ قَدْ عَرَفْنَاهَا فَمَا المُخْزِيَةُ؟ قَالَ: نَنْزِعُ مِنْكُمْ الحلْقَةَ وَالكُرَاعَ، وَنَغْنَمُ مَا أَصَبْنَا مِنْكُمْ، وَتَرُدُّونَ عَلَيْنَا مَا أَصَبْتُمْ مِنَّا، وَتَدُونَ لَنَا قَتْلَانَا وَتَكونُ قَتْلَاكُمْ في النَّار، وَتَتْرُكونَ أَقْوَامًا يَتَّبِعُون أَذْنَابَ الإِبِلِ حَتَّى يُرِيَ الله خَلِيفَةَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وَالمُهاجِرِينَ أَمْرًا يَعْذِرُونَكُمْ بِهِ، فَعَرَضَ أبُو بَكْرٍ مَا قَالَ عَلَى القَوْمِ، فقَالَ عُمَرُ: أمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنَ الحَرْبِ المُجْلِيَةِ وَالسِّلْمِ المُخْزِيَةِ، فَنِعْمَ مَا ذَكَرْتَ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ أَنْ نَغْنَمَ مَا أَصَبْنَا مِنْكُمْ، وَترُدُّونَ مَا أصَبْتُمْ مِنَّا فَنِعْمَ مَا ذَكَرْتَ، وَأمَّا مَا ذَكَرْتَ تَدُونَ قَتْلَانَا، وَتَكونُ قَتْلَاكُمْ في النَّارِ؛ فَإِنَّ قَتْلَانَا قَاتَلَتْ فَقُتِلَتْ عَلَى أمْرِ الله تَعَالَى، أُجُورُهَا عَلَى الله لَيْسَ لَهَا دِيَّاتٌ، فَبَايَعَ القَوْمُ عَلَى مَا قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه

قلت: ذكر هذا الأثر بتمامه شرف الدين البارزي، ولم يعزه إلى من خرجه، ولم يذكره صاحب "الجامع".

وقد ذكر منه البخاري (1) قول أبي بكر رضي الله عنه: تَتْبَعُونَ أذْنَابَ الإبِلِ حَتَّى يُرَيَ الله خَلِيفَةَ [رسولِ الله صلى الله عليه وسلم](2) وَالمُهَاجِرِينَ أمراً يَعْذُرُونَكمْ بِهِ. فقط دون باقيه في آخر كتاب الأحكام (3) بغير سند، والله أعلم.

قوله: "في حديث طارق بن شهاب: أن بزاخة"(4) بضم الموحدة وتخفيف الزاي وبالمعجمة، موضع بالبحرين، غزاهم أبو بكر وأسرهم، فسألوا [94 ب] الصلح فخيرهم بين

(1) في صحيحه رقم (7221).

(2)

كذا في المخطوط، والذي في البخاري: نبيه صلى الله عليه وسلم.

(3)

في صحيحه (13/ 205 الباب رقم 51/ 51 مع الفتح).

(4)

قال الأصمعي: بُزاخة ماءٌ لطي بأرض نجد، وقال الشيباني: ماء لبني أسد كانت فيه رقعة عظيمة في أيام أبي بكر الصديق مع طليحة بن خويلد الأسدي. =

ص: 352