الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنها: السؤال: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (1)، ومنها: القول: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ} (2)، والنداء:{يَوْمَ يَدْعُوكُمْ} (3)، والثناء:{قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} (4).
وفيه ثلاثة أبواب
[الباب الأول: في آدابه:
وفيه أربعة فصول] (5)
الفصل الأول: في فضله ووقته
([الباب] (6) الأول: في فضله ووقته)
قوله: "في فضله ووقته" اعلم أنه كان المعلوم منذ خلق الله آدم عليه السلام شرعية الدعاء وفضله وكل شيء دعا الله لجلب نفع أو دفع ضر من الأول: {وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114)} (7)، {أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ} (8)، {إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)} (9)، وما لا تحصيه الأقلام.
(1) سورة غافر: 60.
(2)
سورة يونس: 10.
(3)
سورة الإسراء: 52.
(4)
سورة الإسراء: 110.
(5)
زيادة من (ب).
(6)
في (ب) الفصل.
(7)
سورة المائدة: 114.
(8)
سورة المائدة: 114.
(9)
سورة القصص: 24.
ومن الثاني: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83)} (1)، {هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38)} (2)، وما لا يخفى على من عرف القرآن.
وهكذا كان رسولنا صلى الله عليه وسلم وأصحابه وجميع [386 ب] المؤمنين حتى بالغت طائفة (3) فقالت: السكوت والرضا أفضل من الدعاء، وتأولوا الأوامر القرآنية نحو:{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (4) أن المراد بالدعاء العبادة، بدليل قوله آخر الآية:{إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} (5)، وبدليل أنه يدعو الداعي فلا يجاب، ولو كان المراد لما تخلف خبره تعالى بالإجابة عنها، ولا خيب كل دعاء.
وأجيب (6):
(1) سورة الأنبياء: 83.
(2)
سورة آل عمران: 38.
(3)
ذكره القشيري في "الرسالة القشيرية"(ص 265).
(4)
سورة غافر: 60.
(5)
سورة غافر: 60.
(6)
قال الشيخ تقي الدين السبكي: الأول حمل الدعاء في الآية على ظاهره، وأما قوله بعد ذلك:{عَنْ عِبَادَتِي} [غافر: 60] فوجه الربط أن الدعاء أخص من العبادة، فمن استكبر عن العبادة استكبر عن الدعاء، وعلى هذا؛ فالوعيد إنما هو في حق من ترك الدعاء استكباراً، ومن فعل ذلك كفر، وأما من تركه لمقصد من المقاصد فلا يتوجه إليه الوعيد المذكور، وإن كنا نرى أن ملازمة الدعاء والاستكثار منه أرجح من الترك لكثرة الأدلة الواردة في الحث عليه.
انظر: "فتح الباري" رقم (11/ 95).
بأن [الآية](1) وردت لبيان أن الدعاء أعظم العبادة نحو: "الحج عرفة"(2) أي: [أعظم](3) الحج وركنه الأكبر، والدليل على هذا ما ورد من أحاديث الترغيب في الدعاء والحث عليه والأمر به، وتعليم الصحابة له مما لا تتسع له المجلدات.
والجواب عن الثاني: بأن الإجابة ليست إعطاء المطلوب، بل قد بينها صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الترمذي (4) والحاكم (5) بسند صحيح من حديث عبادة الذي يأتي قريباً وهو أنه:"إما أن يعطى ما سأل، أو يصرف عنه من الشر مثلها".
وفي حديث أبي سعيد (6) زيادة: "وإما أن يدخرها له في الآخرة".
ثم إن لإجابة الدعاء شروط، وكم من داعٍ لا يقوم بها، وجواب آخر: وهو أن الله قيد الإجابة بمشيئته، فقال:{فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ} (7).
(1) في (ب): "الأمر".
(2)
تقدم، وهو حديث صحيح.
(3)
في (أ): "معظم".
(4)
في "السنن" رقم (3573).
(5)
في "المستدرك"(1/ 492).
وأخرجه أحمد (5/ 329)، والطحاوي في "مشكل الآثار"(881)، والشاشي في "مسنده" رقم (1301)، وأبو نعيم في "الحلية"(5/ 137)، والطبراني في "الأوسط" رقم (147)، وفي "مسند الشاميين" رقم (3523)، وفي "الدعاء"(86).
وهو حديث صحيح لغيره.
(6)
أخرجه أحمد (3/ 18)، والبخاري في "الأدب المفرد" رقم (710)، والبيهقي في "الشعب" رقم (1130)، والبزار في "مسنده" رقم (3144)، وهو حديث صحيح، والله أعلم.
(7)
سورة الأنعام: 41.
فالآية [المطلبة](1) مقيدة بمشيئته تعالى.
وقد ذكر القشيري في "رسالته"(2) الخلاف في المسألة فقال: اختلف أيُّ الأمرين أولى: الدعاء أو السكوت والرضا؟ فقيل: الدعاء، وهو الذي ينبغي ترجيحه لكثرة الأدلة، ولما فيه من الخضوع والافتقار، وقيل: السكوت والتسليم أفضل، لما في التسليم من الفضل وشبهتهم أن الداعي لا يعرف ما قدر له دعاؤه، إن كان على وفق المقدور فهو تحصيل الحاصل، وإن كان على خلافه فهو معاندة.
قال ابن القيم (3): إن هذه الطائفة مع فرط جهلهم وعنادهم متناقضون، فإن ظاهر مذهبهم يوجب تعطيل جميع الأسباب، فيقال لأحدهم: إن كان الشبع والري قد قدر لك فلا بدَّ من وقوعهما أكلت أو لم تأكل، وإن كان الولد [387 ب] قد قدر لك فلا بدَّ منه وطئت الزوجة أو الأمة أو لم تطأ، وإن لم يقدر فلا حاجة إلى التزويج والتسري.
فالصواب: أن هذا المقدور الذي تطلبه قدر بأسباب، من أسبابه الدعاء، فلم يقدر مجرداً عن سببه ولكن قدر بسببه، فمتى أتى العبد بالسبب وقع المقدور، ومتى لم يأت بالسبب انتفى المقدور، وهذا كما قدر الشبع والري بالأكل والشرب وقدر الولد بالوطء، وقدر حصول الزرع بالبذر؛ إذا عرفت هذا فالدعاء من أقوى الأسباب، وليس شيء من الأسباب أبلغ من الدعاء، ولا أبلغ منه في حصول المطلوب، وما استجلب شيء أنفع من الدعاء، ولا دفع المكروه شيء أنفع منه.
(1) هكذا رسمت في (أ، ب).
(2)
"مدارج السالكين"(2/ 148 - 150).
(3)
"الجواب الكافي"(ص 27).
وهذا أمر معروف قد جربه كل أحد، ولكن الابتداع والخيالات الصوفية المبتدعة تفعل مثل هذا لقصورهم عن علمي الكتاب والسنة، وإذهاب أعمارهم في كلام شيوخهم الصادر عن سطحاتهم وأدمغتهم الخالية عن الحق ومعرفته.
وستعرف من الأدعية النبوية مما تضمنه هذا الحرف من نفائسها وفضلها.
قوله: "في فضلته ووقته" زاد ابن الأثير: "وجوائزه"(1).
قلت: بل عقد الفصل هذا لوقته؛ لأنه جعل الفضائل كلها في حرف الفاء، وقد أشار المصنف في أول كتابه إلى ذلك.
1 -
عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدُّعاءُ هُوَ العِبَادَةُ". ثُمَّ قَرَأَ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (2) الآية. أخرجه أبو داود (3) والترمذي (4)، وهذا لفظه وصححه. [حسن]
قوله: "في حديث النعمان بن بشير: الدعاء هو العبادة" وذلك لأن العبادة هي غاية الخضوع والتذلل لله تعالى، وفي الدعاء الخضوع والتذلل، فهو العبادة.
(1) في "جامع الأصول"(4/ 138).
(2)
سورة غافر: 60.
(3)
في "السنن" رقم (1479).
(4)
في "السنن" رقم (3247) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه النسائي في "السنن الكبرى" رقم (11464)، وابن حبان رقم (890)، والحاكم (1/ 491) وصححه، وأحمد (4/ 267)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (1384)، والطيالسي رقم (801)، والبخاري في "الأدب المفرد" رقم (714)، وابن ماجه رقم (3828)، وأبو نعيم في "الحلية"(8/ 120)، وهو حديث حسن.
قوله: "الآية" ساق الترمذي (1) الآية إلى آخرها، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وقد رواه منصور والأعمش عن ذرِّ، ولا نعرفه إلا من حديث ذرِّ. انتهى.
قلت: في "التقريب"(2): ذر بن عبد الله [388 ب] المرهبي بضم الميم وسكون الراء، ثقة عابد رمي بالإرجاء. انتهى.
2 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ فُتِحَ لَهُ بَابُ الدُّعَاءِ فُتِحَتْ لَهُ أَبوابُ الرَّحْمَةِ، وَما سُئِلَ الله تَعَالَى شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ العافِيَةَ، وَإِنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمّا نَزَلَ، وَممّا لَمْ يَنْزِلْ، وَلا يَرُدُّ القَضاءَ إلَاّ الدُّعاءُ، فَعَلَيْكُمْ بِالدُّعَاءِ". أخرجه الترمذي (3). [حسن]
قوله: "في حديث ابن عمر [260/ أ] من فتح له منكم باب الدعاء" يريد: من يسر الله له الدعاء وأطلق به لسانه وهدي إليه جنانه فتحت له أبواب الرحمة التي منها قبول دعائه.
قوله: "وما سئل شيئاً أحب إليه" في الترمذي (4) بعد قوله: "شيئاً" يعني: أحب إليه.
قوله: "من أن يسأل العافية" لأن بها صلاح الدين والدنيا والأولى والأخرى، وقد حث صلى الله عليه وسلم على سؤال العافية في عدة أحاديث، ودعا هو صلى الله عليه وسلم في أدعيته بطلبها.
وفي الترمذي (5): عن العباس بن عبد المطلب قال: قلت: يا رسول الله! علمني شيئاً أسأله الله عز وجل، قال:"سل الله العافية"، فمكثت أياماً ثم جئت فقلت: يا رسول الله! علمني
(1) في "السنن"(5/ 456).
(2)
(1/ 238 رقم 1).
(3)
في "السنن" رقم (3548)، وهو حديث حسن.
(4)
في "السنن"(5/ 552 رقم 3548).
(5)
في "السنن" رقم (3514). وهو حديث حسن.
شيئاً أسأله الله، فقال:"يا عباس! يا عم رسول الله! سل الله العافية في الدنيا والآخرة". قال الترمذي (1): حديث صحيح.
وفي الترمذي (2)[أيضاً](3): أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أي الدعاء أفضل؟ فقال: "سل ربك العافية والمعافاة في الدنيا والآخرة" ثم أتاه في اليوم الثاني فقال: يا رسول الله! أي الدعاء أفضل؟ فقال له مثل ذلك، ثم أتاه يوم الثالث فقال له مثل ذلك، قال:"فإذا أعطيت العافية في الدنيا وأعطيتها في الآخرة فقد أفلحت". وقال (4): حديث حسن.
وفي "سنن الترمذي"(5) أيضاً: أنه قام أبو بكر على المنبر ثم بكى، ثم قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الأول على المنبر ثم بكى فقال: "اسألوا الله العفو والعافية، فإن أحداً لم يعط بعد اليقين خيراً من العافية".
قوله: "مما نزل" أما نفعه فيما نزل فتصبره عليه وتحمله له ورضاه به، حتى لا يكون في نزوله متمنياً خلاف ما كان.
قوله: "ومما لم ينزل" فنفعه فيه صرفه عنه [و](6) عده قبل نزوله بتأييد من عنده حتى يخف عليه أعباء ذلك إذا نزل به.
(1) في "السنن"(5/ 534).
(2)
في "السنن" رقم (3512).
وأخرجه ابن ماجه رقم (3848)، وهو حديث ضعيف، والله أعلم.
(3)
زيادة من (أ).
(4)
في "السنن"(5/ 534).
(5)
في "السنن" رقم (3558)، وهو حديث حسن.
(6)
في (أ): "أو".
قوله: [389 ب]"فعليكم" زاد في الترمذي (1): "عباد الله بالدعاء"، وليس فيه:"ولا يرد القضاء إلا الدعاء".
قوله: "أخرجه الترمذي".
قلت: وقال (2): هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي، وهو المكي المليكي، وهو ضعيف في الحديث، قد تكلم فيه بعض أهل الحديث من قبل حفظه. انتهى.
3 -
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا عَلَى الأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو الله بِدَعْوَةٍ إِلَّا آتَاهُ الله إيّاهَا، أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا مَا لَمْ يَدْع بِإِثْمٍ، أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ". أخرجه الترمذي (3). [صحيح لغيره]
قوله: "في حديث عبادة: أو صرف عنه من السوء مثلها" زاد في رواية: "أو ادخر له في الآخرة خيراً منه".
قوله: "أو قطيعة رحم" زاد في الترمذي (4): "فقال رجل من القوم: إذن نكثر فقال: الله أكثر" وكذلك زادها ابن الأثير في "الجامع"(5)، ثم قال الترمذي (6): هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. انتهى.
(1) في "السنن" رقم (3548).
(2)
أي: الترمذي في "السنن"(5/ 552).
(3)
في "السنن" رقم (3573) وقد تقدم تخريجه، وهو حديث صحيح لغيره.
(4)
في "السنن" رقم (3573).
(5)
(9/ 512).
(6)
في "السنن"(5/ 567).
وساق في "الجامع"(1) الرواية التي عن جابر بلفظ: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من عبد مسلم يدعو الله بدعاء إلا آتاه الله ما سأل أو ادخر له في الآخرة خيراً منه، أو كف عنه من السوء مثله"، ونسبها إلى الترمذي (2) ولم أجدها فيه.
4 -
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَلَا أُنَبَّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمالِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجاتِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِعْطاءِ الوَرِقِ والذَّهَبِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْناقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْناقَكُمْ؟ ". قالُوا: بَلَى يا رَسولَ الله، قَالَ:"ذِكْرُ الله". أخرجه مالك (3) موقوفاً، والترمذي (4) مرفوعاً. [صحيح]
قوله: "في حديث أبي الدرداء: وخير لكم من [إنفاق](5) الورق
…
" إلى آخره.
قد فضل الذكر أولاً على كل الأعمال، ثم خص تفضيله على الصدقة وهي بذل المال، ثم على الجهاد وهو بذل النفس.
قوله: "موقوفاً" أي: على أبي الدرداء، ولكن له حكم الرفع، إذ لا مسرح للاجتهاد فيه، إلا أنه قد أورد على الحديث أنه مشكل؛ لأنه تعارضه أحاديث فضائل الجهاد وفضائل صدقة المال، ولأن نفعها متعد، والمتعدي أفضل من القاصر. وأجاب عنه الإمام الحليمي: أنه ليس
(1)(9/ 513).
(2)
في "السنن" رقم (3381) وهو حديث حسن.
(3)
في "الموطأ"(1/ 211) موقوفاً.
(4)
في "السنن" رقم (3377) مرفوعاً.
وأخرجه أحمد (5/ 195)، (6/ 447)، والحاكم (1/ 496)، وأبو نعيم في "الحلية"(2/ 12)، والبغوي في "شرح السنة"(5/ 15)، وابن المبارك في "الزهد" رقم (1244)، والبيهقي في "الشعب" رقم (519).
وهو حديث صحيح، والله أعلم.
(5)
كذا في (أ، ب) وفي متن الحديث إعطاء.
المراد من هذا التركيب ذكر اللسان وحده، بل ذكر اللسان والقلب جميعاً، وذكر القلب أفضل [390 ب] لأنه يردع عن التقصير في الطاعات وعن المعاصي والسيئات، نقله عنه البيهقي في "شعب الإيمان"(1) وأقره، ونحوه في تفسير الواحدي (2) في قوله:{وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} (3) قال: لأنه إذا ذكر الله ارتدع عما يهم به من السوء، فخرج من هذا أن المراد (4) ذكر الله في موضع أمره ونهيه، فإذا ذكره فعل ما أمر به وانتهى عما نهي عنه فذلك أفضل من الجهاد؛ لأنه فرض كفاية، وذكر الله في كل حال في أوامره ونواهيه فرض عين، وأفضل من هذا التفكر في عظمة الله وجلاله وجبروته وملكوته وآياته في سماواته وأرضه، فهو أفضل الأذكار وأجلها.
5 -
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقولُ الله عز وجل: أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ ذَكَرَنِي يَوْمًا أوْ خَافَنِي في مَقَامٍ". أخرجه الترمذي (5). [ضعيف]
6 -
وعن معاذ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما مِنْ مُسْلِمٍ يَبِيتُ عَلَى طهْرٍ ذاكِرًا للهِ تَعَالَى، فَيَتَعارُّ مِنَ اللَّيْلِ، فَيَسْأَلُ الله خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا والآخِرَةِ إِلَاّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ". أخرجه أبو داود (6). [صحيح]
(1)(2/ 62) بإثر الحديث رقم (521).
(2)
(2/ 421 - 422).
(3)
سورة العنكبوت: 45.
(4)
انظر: "المنهاج"(1/ 503).
(5)
في "السنن" رقم (2594) وهو حديث ضعيف.
(6)
في "السنن" رقم (5042).
وأخرجه ابن ماجه رقم (3881)، وأحمد (5/ 235، 241، 244)، والبزار في "مسنده" رقم (2676)، والطيالسي رقم (563)، والطبراني في "الكبير"(ج 20 رقم 235).
قوله: "فَيَتعَارَّ"(1) أي: ينتبه.
قوله: "في حديث معاذ: وما من مسلم يبيت على طهر" أي: ينام عليه. والمراد به الوضوء كاملاً حال كونه ذاكراً لله تعالى عند بيتوتته بالأذكار المأثورة عند النوم أو غيرها.
قوله: "فيتعار" بالعين المهملة، فسره المصنف بقوله: ينتبه.
"فيسأل الله خيراً من الدنيا والآخرة" أي: من خيرهما.
"إلا أعطاه إياه" قيد مسألة النوم على طهارة وعلى ذكر الله تعالى.
قوله: "أخرجه أبو داود".
قلت: قال أبو داود (2) بعد روايته: قال ثابت البناني: قدم علينا أبو ظبية فحدثنا بهذا الحديث عن معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال ثابت: قال فلان: لقد جهدت أن أقولها حين أنبعث فما قدرت عليها. انتهى كلام أبي داود.
وقال المنذري (3): أخرجه النسائي (4) وابن ماجه (5)، وبين فيه أن ثابتاً رواه عن شهر عن أبي ظبية عن معاذ.
قال المنذري (6): [261/ أ] وأبو ظبية شامي ثقة هو بفتح الظاء المعجمة وسكون الموحدة بعدها تحتية وتاء تأنيث. انتهى.
(1) أي: هبَّ من نومه واستيقظ. والتاء زائدة وليس بابه. "النهاية في غريب الحديث"(1/ 190)، "غريب الحديث" للهروي (4/ 135).
(2)
في "السنن"(5/ 296 - 297).
(3)
في "مختصر السنن"(7/ 317).
(4)
في "السنن الكبرى" رقم (10574).
(5)
في "السنن" رقم (3881).
(6)
في "مختصر السنن"(7/ 317).
قلت: ولم يذكر في "التقريب"(1) اسمه بل أتى به بكنيته. [391 ب].
وفي المنام على طهارة أحاديث، وبوب له البخاري (2) وساق حديث (3) فيه بلفظ:"فتوضأ وضوءك للصلاة"، قال ابن حجر (4): إن الأمر فيه للندب، وفيه فوائد منها: أن يبيت على طهارة لئلا يبغته الموت فيكون على هيئة كاملة، ويؤخذ منه الندب إلى الاستعداد للموت بطهارة القلب؛ لأنه أولى من طهارة البدن.
وقد أخرج ابن حبان في صحيحه (5) عن ابن عمر يرفعه: "من بات طاهراً بات في شعاره ملك فلا يستيقظ إلا قال الملك: اللهم اغفر لعبدك فلان".
وأخرج عبد الرزاق (6): "من أوى إلى فراشه طاهراً، أو نام ذاكراً كان فراشه مسجداً وكان في صلاة وذكر حتى يستيقظ".
7 -
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، أوْ آوَى إلَى فِرَاشِهِ ابْتَدَرهُ ملكٌ وَشَيْطانٌ، يَقُولُ المَلَكُ: افْتَحْ بِخَيْرٍ، وَيَقُولُ الشَّيْطَانُ: افْتَحْ بِشَرٍّ، فَإِنْ ذَكَرَ الله تَعالىَ طَرَدَ المَلَكُ الشَّيْطانَ، وَظَلَّ يَكْلَؤُهُ، وَإذَا انْتَبَهَ مِنْ مَنامِهِ قالَا ذلِكَ، فَإنْ هُوَ قَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي رَدَّ نَفْسِي إليَّ بَعْدَ مَوْتِها وَلَمْ يُمِتْهَا في مَنامِها، الحَمْدُ للهِ الذي يُمْسِكُ السَّماواتِ السَّبع أنْ تَقَعَ عَلَى الأرْضِ إلَاّ بِإذْنِهِ، فإِّن خَرَّ مِنْ فِراشِهِ فَمَاتَ كانَ شَهِيداً، وَإِنْ قامَ وَصَلَّى صَلَّى في فَضائِل" أخرجه رزين.
(1)(2/ 442 رقم 3).
(2)
في صحيحه (11/ 109 الباب رقم 6 مع الفتح).
(3)
رقم (6311) من حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما.
(4)
في "فتح الباري"(11/ 110).
(5)
رقم (1051) بإسناد حسن.
(6)
في مصنفه (11/ 37 رقم 19837).
8 -
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ الله تَعَالَى مِنْ صَلَاةِ الغَداةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إِلىَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ أَرْبَعَةً مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَلأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ الله تَعَالَى مِنْ صَلَاةِ العَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ أَرْبَعَةً". أخرجه أبو داود (1). [حسن]
قوله: "في حديث أنس: مع قوم يذكرون الله" كأنه خرج على الأغلب، وإلا فلو قعد وحده من بعد صلاة الغداة - أي صلاة الفجر - وهذا هو الذكر بالغدو، كما أن قوله:"من بعد صلاة العصر" هو الذكر بالآصال.
قوله: "أحب إليَّ" أي: في نيل الأجر.
"من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل" كأن المراد: من أشرف الأوادم، وإلا فإن ولد إسماعيل هم العرب، ولا يجري عليهم الرِّق إلا عند من يرى جواز سبيهم [392 ب]. وللعلماء (2) فيهم قولان، أحدهما: أنه لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف فلا يسترقون. والثاني: أنهم يسترقون كغيرهم.
وفيه فضيلة الذكر في هذين الوقتين بعد هاتين الصلاتين؛ لأنه يفتتح يومه بالطاعة ويختمه بها، وذكر الله يشمل كل طاعة، فمن قعد في قراءة الحديث وإملائه، وتعلم العلم النافع وتعليمه، وغير ذلك من الطاعات يصدق عليه أنه ذاكر لله.
9 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرِ، فَيَقُولُ: مَنْ يدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأغْفِرَ لَهُ".
(1) في "السنن" رقم (3667) وهو حديث حسن.
(2)
انظر: "البناية في شرح الهداية"(6/ 670)، "فتح الباري"(5/ 170)، "الأم"(5/ 668).
أخرجه الستة (1) إلا النسائي. [صحيح]
وفي أخرى لمسلم (2): "إِنَّ الله تَعَالَى يُمْهِلُ، حَتَّى إِذا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الأَوَّلُ نَزَلَ إِلَى السَّماءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: أَنَا المَلِكُ، أَنَا المَلِكُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي" الحديث.
والمراد: نزول (3) الرحمة والألطاف الإلهية.
(1) البخاري رقم (1145)، وطرفاه رقم (6321، 7494)، ومسلم رقم (758)، وأبو داود رقم (1315)، والترمذي رقم (446، 3498)، ومالك في "الموطأ"(1/ 214)، وابن ماجه رقم (1366)، وهو حديث صحيح.
(2)
في صحيحه رقم (172/ 758) عن أبي سعيد وأبي هريرة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يمهل، حتى إذا ذهب ثلث الليل الأول نزل إلى السماء الدنيا، فيقول: هل من مستغفر؟ هل من تائب؟ هل من سائل؟ هل من داع؟ حتى ينفجر الفجر".
(3)
اعلم أن النزول إلى السماء الدنيا صفة فعلية ثابتة لله عز وجل بالسنة الصحيحة المتواترة.
الدليل:
حديث النزول المشهور: "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر
…
" رواه البخاري (7494)، ومسلم (758) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
قال أبو سعيد الدارمي في "الرد على الجهمية"(ص 79) بعد أن ذكر ما يثبت النزول من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فهذه الأحاديث قد جاءت كلها وأكثر منها في نزول الرب تبارك وتعالى في هذه المواطن، وعلى تصديقها والإيمان بها أدركنا أهل الفقه والبصر من مشايخنا، لا ينكرها منهم أحد، ولا يمتنع من روايتها". اهـ وقال إمام الأئمة محمَّد بن خزيمة في "كتاب التوحيد"(1/ 289): "باب: ذكر أخبار ثابتة السند صحيحة القوام، رواها علماء الحجاز والعراق عن النبي صلى الله عليه وسلم في نزول الرب جل وعلا إلى السماء الدنيا كل ليلة: نشهد شهادة مقر بلسانه، مصدق بقلبه، مستيقن بما في هذه الأخبار من ذكر نزول الرب، من غير أن نصف الكيفية؛ لأن نبينا المصطفى لم يصف لنا كيفية نزول خالقنا إلى سماء الدنيا، وأعلمنا أنه ينزل، والله جل وعلا لم يترك ولا نبيه عليه السلام بيان ما بالمسلمين الحاجة إليه من أمر دينهم؛ فنحن قائلون مصدقون بما في هذه الأخبار من ذكر النزول، غير متكلفين القول بصفته أو بصفة الكيفية؛ إذ النبي صلى الله عليه وسلم يصف لنا كيفية النزول. =
قوله: "في حديث أبي هريرة: ينزل ربنا
…
" الحديث. هذا مما يجب الإيمان به، ويوكل معرفة معناه إلى الله كسائر أحاديث الصفات، ومن يتأوله قال كما قال المصنف: نزول (1) الرحمة والألطاف، ويبعده قوله: "فيقول" إلى آخر الحديث.
وقوله: "من يدعوني" عام لكل دعاء، ثم خصص بعد التعميم سؤال العطية كما يرشد إليه "فأعطيه" والاستغفار، فإنه دعاء لطلب المغفرة. وفيه فضيلة الثلث الآخر من الليل، وأنه ينبغي تحريه لطلب الخير والاستغفار وغير ذلك.
وحديث مسلم دال أن النزول الإلهي من الثلث الثاني، ولا مانع من أنه يكون هذا تارة والآخر تارة.
10 -
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قِيلَ: يا رَسُولَ الله، أَيُّ الدُّعاءِ أَسْمَعُ؟ قَالَ:"جَوْفُ اللَّيْلِ الآخِرُ، وَدُبُرَ الصَّلَواتِ المَكْتُوبَاتِ". أخرجه الترمذي (2). [صحيح]
= وفي هذه الأخبار ما بان وثبت وصح: أن الله جل وعلا فوق سماء الدنيا الذي أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أنه ينزل إليه، إذ محال في لغة العرب أن يقول: نزل من أسفل إلى أعلى، ومفهوم في الخطاب أن النزول من أعلى إلى أسفل". اهـ وقال أبو القاسم اللالكائي في "أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (3/ 434):"سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في نزول الرب تبارك وتعالى، رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم عشرون نفساً". اهـ.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله في تفسير سورة الإخلاص "دقائق التفسير"(6/ 424): "فالرب سبحانه إذا وصفه رسوله بأنه ينزل إلى سماء الدنيا كل ليلة، وأنه يدنو عشية عرفة إلى الحجاج، وأنه كلم موسى بالوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة، وأنه استوى إلى السماء وهي دخان، فقال لها وللأرض: ائتيا طوعاً أو كرها؛ لم يلزم من ذلك أن تكون هذه الأفعال من جنس ما نشاهده من نزول هذه الأعيان المشهودة، حتى يقال: ذلك يستلزم تفريغ مكان وشغل آخر".
(1)
انظر التعليقة المتقدمة.
(2)
في "السنن" رقم (3499)، وهو حديث صحيح.
"جَوْفُ اللَّيْلِ": المراد به الأوقات التي يخلو الإنسان فيها بربه في أثناء الليل، "وَدُبُرُ كُلِّ شَيْءٍ" وراؤه وعَقِبُهُ، والمراد بعد الفراغ من الصلوات.
قوله: "في حديث أبي أمامة: جوف الليل الآخر" في "النهاية"(1): أي ثلثه الآخر، وهو الجزء الخامس من أسداس الليل. انتهى. وفسره المصنف بما ترى.
قوله: "بعد الفراغ من الصلوات" ظاهره بعد الخروج منها، وقال بعض العلماء: دبر الحيوان فيه، فالمراد هنا: قبل الخروج منها في آخر التشهد، وقد ثبت فيه حديث:"وليتخير من الدعاء ما شاء"(2) أي: بعد التشهد قبل الخروج من الصلاة بالسلام. والمصنف فسره: بعد الفراغ منها.
وترجم البخاري (3) بقوله: باب الدعاء بعد الصلاة، قال الحافظ (4): أي المكتوبة. وفي هذه الترجمة رد على من زعم أن الدعاء بعد الصلاة لا يشرع، متمسكاً بما أخرجه مسلم (5) عن عائشة: كان رسول الله [393 ب]صلى الله عليه وسلم[لم يقعد](6) إلا قدر ما يقول: "اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام".
(1)"النهاية في غريب الحديث"(1/ 310).
وانظر: "الفائق" للزمخشري (2/ 196)، "غريب الحديث" للخطابي (1/ 39).
(2)
أخرجه أحمد (1/ 382)، والبخاري رقم (831)، ومسلم رقم (58/ 402)، وأبو داود رقم (968)، وابن ماجه رقم (899)، والنسائي في "الكبرى" رقم (1201) كلهم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(3)
في صحيحه (11/ 132 الباب رقم 18 - مع الفتح).
(4)
في "فتح الباري"(11/ 133).
(5)
في صحيحه رقم (592).
وأخرجه أحمد (6/ 62، 184، 235)، والترمذي في "السنن" (298) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وابن ماجه رقم (924). وهو حديث صحيح.
(6)
في (أ، ب): "لا يقف"، وما أثبتناه ومن مصادر الحديث.
والجواب: أن المراد بالنفي المذكور نفي استمراره جالساً على [هيئته](1) قبل السلام، بل يتحول ويقبل على أصحابه. وأطال (2) في البحث ونقل كلام ابن القيم (3) ورده وادعاء الإجماع على أن المراد بدبر الصلاة: بعد السلام.
11 -
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يُرَدُّ الدُّعَاءُ بَيْنَ الأَذانِ والإِقامَةِ". قِيلَ: مَاذَا نَقُولُ يا رسول الله؟ قَالَ: "سلُوا الله العافِيَة في الدَّنْيَا والآخِرَةِ". أخرجه أبو داود (4) والترمذي (5)، وهذا لفظه. [صحيح]
قوله: "في حديث أنس أخرجه أبو داود والترمذي وهذا لفظه".
قلت: بوب له الترمذي (6) بقوله: باب ما جاء في أن الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة، ثم روى حديث أنس بلفظ:"الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة" فقط، وقال: قال أبو عيسى (7): حديث أنس حديث حسن، وقد رواه أبو إسحاق الهمداني عن يزيد بن أبي مريم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذا (8). انتهى. وليس فيه:"قيل: ماذا نقول .. " إلى آخره فيما رأيناه.
(1) في (ب): "هيئة".
(2)
أي الحافظ في "فتح الباري"(11/ 133 - 134).
(3)
في "زاد المعاد"(1/ 248، 255).
(4)
في "السنن" رقم (521).
(5)
في "السنن"(212، 3594، 3595)، وهو حديث صحيح، والله أعلم.
(6)
في "السنن"(5/ 577).
(7)
في "السنن"(5/ 577).
(8)
وقال الترمذي: وهذا أصح.
وقال ابن الأثير في "الجامع"(1): إنه زاد الترمذي في رواية: "قيل [فماذا](2) نقول
…
" الحديث. انتهى.
فدل على أن رواية الترمذي وأبي داود متفقة على لفظ: "لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة"، وأن رواية:"قيل [فماذا] (3) نقول" رواية زادها الترمذي في بعض روايته لقول المصنف وهذا لفظه - أي: الترمذي - أي: في رواية رواها بالزيادة ولم أجدها في الترمذي (4) فيما بوب له، ولعله ذكر هذه الرواية بزيادتها في محل آخر.
12 -
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثِنْتَانِ لَا تُرَدَّانِ: الدُّعَاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ، وَعِنْدَ البَأْسِ حِينَ يُلْحِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا". أخرجه مالك (5) وأبو داود (6). [صحيح]
وزاد في رواية (7): "وَتَحْتَ المَطَرِ". [ضعيف]
وفي الموطأ (8): "ساعَتَانِ تُفْتَحُ فِيهِمَا أَبْوابُ السَّمَاءِ، وَقَلَّ دَاعٍ تُرَدُّ عَلَيْهِ دَعْوَتُهُ، حَضْرَةُ النِّداءِ لِلصَّلَاةِ، والصَّفُّ فِي سَبِيلِ الله". "النِّدَاء": الأذان.
(1)(4/ 142).
(2)
في (ب): "ماذا".
(3)
في (ب): "ماذا".
(4)
في "السنن"(5/ 577) بإثر الحديث رقم (3594)، حيث قال: وقد زاد يحيى بن اليمان في هذا الحديث هذا الحرف، قالوا: فماذا نقول؟ قال: "سلوا الله العافية في الدنيا والآخرة".
(5)
في "الموطأ"(1/ 70 رقم 7)، وهو موقوف صحيح.
(6)
في "السنن" رقم (2540)، وهو حديث صحيح.
(7)
بإثر الحديث رقم (2540)، وهو حديث ضعيف.
(8)
في "الموطأ"(1/ 70 رقم 7)، وهو موقوف صحيح.
قوله: "في حديث سهل بن سعد: ثنتان لا ترادن" صفة موصوف [394 ب] محذوف، أي: دعوتان ثنتنان لا تردان، بل تستجابان، وبينهما بقوله:"الدعاء عند النداء" هو إذا أطلق تبادر منه الأذان، وكأن المراد تعبديته بعد الفراغ منه؛ لأن عند إيقاعه المشروع إجابة المؤذن في ألفاظ أذانه والحولقة عند الحيعلة.
قوله: "وعند البأس" مهموز، في "النهاية" (1): أنه الخوف، وقد عين هنا محله بقوله:"حين يُلحم بعضهم بعضاً"، في "النهاية" (2) أيضاً: يقال: ألحم الرجل واستلحم إذا نشب في الحرب فلم يجد له مخلصاً. انتهى.
فالمراد حين ينشب بعضهم بعضاً وهو بضم حرف المضارعة من لحم، يقال: ألحم فهو ملحوم إذا قتل، كذا وجدته [262/ أ].
وقوله: "تحت المطر" أي: عند نزوله، والصف في سبيل الله، هو عند قتال القوم بعضهم بعضاً.
13 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَقْرَبُ ما يَكُونُ العَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ". أخرجه مسلم (3) وأبو داود (4) والنسائي (5). [صحيح]
قوله: "في حديث أبي هريرة: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" أي: أقرب ساعاته إجابة دعوته حال سجوده وتواضعه لله وتعفير خده له، أو أقرب ما يكون من رحمته
(1)"النهاية في غريب الحديث"(1/ 97).
(2)
"النهاية في غريب الحديث"(2/ 592).
(3)
في صحيحه رقم (215/ 482).
(4)
في "السنن" رقم (875).
(5)
في "السنن" رقم (1045، 1120). وهو حديث صحيح.