الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبي سعيد، والعمل على هذا عند [108 ب] أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، وهو قول سفيان (1)، وابن المبارك (2)، والشافعي (3)، وأحمد (4)، وإسحاق. انتهى.
4 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: إِذَا نُحِرَتِ النَّاقَةُ فَذَكَاةُ مَا فِي بَطْنِهَا فِي ذَكَاتِهَا إِذَا كَانَ قَدْ تَمَّ خَلْقُهُ وَنَبَتَ شَعَرُهُ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ ذُبِحَ حَتَّى يَخْرُجَ الدَّمُ مِنْ جَوْفِهِ. أخرجه مالك (5). [موقوف صحيح]
الفصل الثالث: في آلة الذبح
1 -
عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَنَدَّ بَعِيرٌ فَطَلَبُوهُ فَأَعْيَاهُمْ فَأَهْوَى رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ الله تَعَالى، فقَالَ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ لهِذِهِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الوَحْشِ، فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا". قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّا لَاقُو العَدُوِّ غَداً، وَلَيْسَتْ مَعَنَا مُدىً، أَفَنَذْبَحُ بِالقَصَبِ؟ فَقَالَ: "مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ الله عليهِ فَكُلوهُ، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ،
= وعمر بن قيس المكي؛ قال البخاري: منكر الحديث، تركه أحمد والدارقطني، وقال يحيى: ليس بثقة، وقال أحمد أيضاً: أحاديثه بواطيل.
["التاريخ الكبير" (6/ 187)، و"المجروحين" (2/ 85)، "الجرح والتعديل" (6/ 129)].
(1)
انظر: "موسوعة فقه الإمام سفيان الثوري"(ص 407).
(2)
انظر: "المغني"(13/ 309).
(3)
"روضة الطالبين"(3/ 279)، "البيان" للعمراني (4/ 556).
(4)
"المغني"(13/ 309).
(5)
في "الموطأ"(2/ 490 رقم 8)، وهو أثر موقوف صحيح.
سَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ، أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الحَبَشَةِ". أخرجه الخمسة (1). [صحيح]
"نَدَّ"(2) أي: هرَب. ومعنى "حَبَسَهُ" منعه من الذهاب (3).
"وَالأوَابِدُ"(4) الوحوش، وتأبَّدت البهائم توحَّشت ونَفَرت من الإنس.
"وَالمُدى"(5) جمع مدية وهي الشَّفرة والسكين.
"وَأَنْهَرَتِ الدَّمَ"(6) أي: أسالته تشبيهاً بجري الماء في النهر.
قوله: "الفصل الثالث في آلة الذبح".
قوله: "في حديث رافع بن خديج: في سفر" أقول: قد بينه في الرواية حيث قال: "بذي الحليفة من تهامة".
قوله: "فندَّ منها بعير"(7) بفتح النون وتشديد الدال المهملة، أي: هرب وفرَّ.
(1) أخرجه البخاري رقم (5498)، ومسلم رقم (20/ 1968)، وأبو داود رقم (2821)، والترمذي رقم (1491)، والنسائي رقم (4404)، وابن ماجه رقم (3178)، وهو حديث صحيح.
(2)
قاله ابن الأثير في "غريب الجامع"(4/ 492).
(3)
أي: منعه من الذهاب بوقوع السهم فيه. قاله ابن الأثير في "غريب الجامع"(4/ 492).
(4)
انظر: "غريب الحديث" للهروي (2/ 54)، "الفائق" للزمخشري (1/ 18).
(5)
قاله ابن الأثير في "غريب الجامع"(4/ 492).
(6)
قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث"(2/ 810): الإنهار الإسالة والصَّبُ بكثرة، شبَّه خروج الدم من موضع الذبح بجري الماء في النهر، وإنما نهى عن السنَّ والظفر؛ لأن من تعرض للذبح بهما خنق المذبوح، ولم يقطع حلقه.
وانظر: "غريب الحديث" للهروي (2/ 55).
(7)
تقدم شرحها.
قوله: "وكان في القوم خيل يسيرة" فيه تمهيد لعذرهم في كون البعير الذي ندَّ أتعبهم، ولم يقدروا على تحصيله، كأنه يقول: لو كان فيهم خيول كثيرة لأمكنهم أن يحيطوا به فيأخذوه.
قوله: "فحبسه الله" أي: أصابه السهم فوقف.
قوله: "أوابد"(1) جمع آبدة بالمد وكسر الموحدة؛ أي: غريبة، يقال: جاء فلان بأبدة، أي بكلمة أو فعلة مستغربة، والمراد أن لها توحشاً. وفي رواية الطبري (2) بعد فاصنعوا به هكذا وكلوه.
وفيه جواز كل ما رمي بالسهم في أي موضع كان من جسده؛ بشرط أن يكون وحشياً أو متوحشاً.
واعلم (3) أن الحيوان الذي لا تحل ميتته ضربان، مقدور على ذبحه، ومتوحش، فالأول: لا يحل إلا بذبحه في الحلق واللبة، [109 ب] وسواء فيه الإنسي والوحشي إذا قدر على ذبحه، كأن أمسك الصيد أو كان مستأنساً.
والثاني: جميع أجزائه تُذْبحُ ما دام متوحشاً، فإذا رماه بسهم أو أرسل عليه جارحاً فأصاب منه شيئاً فمات يحل بالإجماع.
والإنسي إذا توحش كأن ندَّ البعير، أو فرس، أو بقرة، أو شردت شاة أو غيرها، فهو كالصيد يحل بالرمي إلي غير مذبحة، وبإرسال الكلب وغيره من الجوارح، وليس المراد من التوحش مجرد الإفلات؛ بل متى تيسر لحوقه فليس متوحشاً، فلا يحل إلا بالذبح في المذبح، فإن تحقق العجز حالاً جاز رميه (4).
(1) تقدم شرحها.
(2)
ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 627).
(3)
انظر: "فتح الباري"(9/ 629).
(4)
انظر: "فتح الباري"(9/ 629).
قوله: "وليست معنا مدى" بضم (1) أوله مخفف مقصور؛ جمع مدية بسكون الدال بعدها تحتانية، وهي السكين، سميت بذلك لأنها تقطع مدى الحيوان، أي: عمره. والرابط بين قوله: "نلقى العدو وليست معنا مدى" يحتمل أن يكون مراده أنهم إذا لاقوا العدو وصاروا بصدد أن يغنموا منهم ما يذبحونه. ويحتمل أن يكون مراده أنهم يحتاجون إلى ذبح ما يأكلونه ليتقووا به على العدو إذا لقوه.
قوله: "وكأنهم كرهوا أن يذبحوا بسيوفهم" لئلا يضر ذلك بحدها، والحاجة ماسة إلى معرفة ما يذبحون به.
قوله: "ما أنهر الدم" أقول: بفتح الهمزة فنون ساكنة، فهاء مفتوحة، فراء، أي: أساله وصبَّه بكثرة، ولبعضهم (2) بالزاي، أي: المعنى الرفع، و (ما) موصولة مبتدأ، والخبر: فكلوه، أو شرطية وهو جزءه.
وقوله: "أما السن فعظم" قال ابن الصلاح (3): هذا [110 ب] يدل على أنه قد كان قرر عندهم أن الذكاة لا تحصل بالعظم، فلذا اقتصر على قوله فعظم. قال: ولم أجد بعد البحث من ذكر المنع من الذبح بالعظم، معنى يعقل. وكذلك قاله ابن عبد السلام. وعلله النووي بأن العظم يتنجس بالدم إذا ذبح به وقد نهي عن تنجيسه:"لأنه زاد إخوانكم من الجن".
قوله: "وأما الظفر فمدى الحبشة" قالوا: وهم كفار (4)، وقد نهى عن التشبه بهم.
(1) قاله الحافظ في "فتح البارى"(9/ 628).
(2)
عزاه الحافظ في "فتح الباري"(9/ 628) لأبي ذر الخشني.
(3)
في "مشكل الوسيط"(7/ 142 - 143).
(4)
قاله الحافظ في "فتح الباري"(9/ 629).
وقيل (1): ينهى عنهما؛ لأن الذبح بهما تعذيب للحيوان، ولا يقع بهما غالباً إلا الخنق، الذي ليس هو على صورة الذبح.
وقيل (2): المراد بالسن المتصلة، وبالظفر الذي هو نوع من البخور. وفي "المعرفة"(3) للبيهقي من رواية حرملة عن الشافعي، أنه حمل الظفر على النوع الذي يدخل في الطيب؛ فقال: معقول في الحديث أن السن إنما يذكى بها إذا كانت منتزعة، فأما وهي ثابتة فلو ذبح بها لكانت منخنقة؛ يعني: فدل على أن المراد بالسن السن المنتزعة، وهذا بخلاف ما نقل عن الحنفية من جوازه بالسن المتصلة.
قال (4): وأما الظفر فلو كان المراد به ظفر الإنسان لقال فيه ما قاله في السن، لكن الظاهر أنه أراد به الظفر الذي هو طيب من بلاد الحبشة [320/ أ]، ترجم له البخاري (5) بقوله:(باب ما أنهر الدم من القصب).
2 -
وعن نافع: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَاً لكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ يُخْبِرُ ابنَ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ أَبَاهُ أَخبَرَه أَنَّ جَارِيَةً لَهْمْ كانَتْ تَرْعى غَنَماً، فَأَبْصَرَتْ بِشَاةٍ مِنْها مَوْتًا، فَكَسَرَتْ حَجَرًا فَذَبَحَتْهَا. فَقَالَ لِأهْلِهِ: لَا تَأْكُلُوا حَتَّى أَسْأَلَ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَهُ فَأَمَرَهُ بِأَكْلِهَا.
(1) قاله ابن الصلاح وتبعه النووي.
"مشكل الوسيط"(7/ 143)، "شرح صحيح مسلم"(19/ 125 - 126).
(2)
انظر: "فتح الباري"(9/ 629).
(3)
"معرفة السنن والآثار"(13/ 454 رقم 18815).
(4)
البيهقي في "معرفة السنن والآثار"(3/ 454 رقم 18815).
(5)
في صحيحه (9/ 630 الباب رقم 18 - مع الفتح) باب: ما أنهر الدم من القصب والمروة والحديد.
أخرجه البخاري (1) ومالك (2). [صحيح]
قوله: "المروة" قال في "الفتح"(3): المروة حجر أبيض، وقيل: هو الذي تقدح به النار (4).
قلت: وظاهر الحديث أنه ذبح الشاة المذكورة بحجر من جملة الأحجار لا خصوصية له.
وفي الحديث (5) دليل أنه يصدق [111 ب] الأجير الأمين فيما أؤتمن عليه حتى يظهر دليل الخيانة.
وفيه: جواز تصرف الأمين كالمودع بغير إذن المالك للمصلحة.
وفيه: جواز أكل ما ذبح بغير إذن صاحبه.
وعورض بقصة الشاة التي ذبحتها المرأة بغير إذن صاحبها، وامتنع صلى الله عليه وسلم عن أكلها لكنه قال:"أطعموها الأسارى"(6) فدل على جواز أكلها، وإنما تورع هو وأصحابه عن أكلها وقد جوز أكل ما تذبحه المرأة، صغيرة كانت أو كبيرة، حرة كانت أو أمة، طاهر أكانت أو غير طاهر.
(1) في صحيحه رقم (5501).
(2)
في "الموطأ"(2/ 489).
وأخرجه أحمد (3/ 454)، وهو حديث صحيح.
(3)
في "فتح الباري"(9/ 631).
(4)
انظر: "النهاية"(2/ 654)، "المجموع المغيث"(3/ 201).
(5)
ذكره الحافظ في "فتح الباري"(9/ 633).
(6)
أخرجه أحمد (5/ 294)، وأبو داود رقم (3332)، وهو حديث صحيح.
3 -
وعن جابر رضي الله عنه قال: صَادَ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِي أَرْنَبًا أَوِ ثِنْتَيْنِ فَذَبَحَهُمَا بِمَرْوَةٍ وَعَلَّقَهُمَا حَتَّى سَأَلَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَنْهُما فَأَمَرَهُ بِأَكْلِهِمَا. أخرجه الترمذي (1). [صحيح]
قوله: "في حديث جابر: صاد رجل" أقول: اسمه صفوان بن محمد أو محمد بن صفوان.
قوله: "أخرجه الترمذي" قلت: وقال (2): وفي الباب عن محمد بن صفوان، ورافع، وعدي بن حاتم.
وقد رخَّص بعض أهل العلم في أن يُذكَّى بمروة، ولم يروا بأكل الأرنب بأساً، وهو قول أكثر أهل العلم، وقد كره بعضهم أكل الأرنب. وقد اختلف أصحاب الشعبي في رواية هذا الحديث.
فروى داود بن أبي هند عن الشعبي عن محمد بن صفوان، وروى عاصم الأحول عن الشعبي عن صفوان بن محمد أو محمد بن صفوان، ومحمد بن صفوان [أصح](3).
وروى جابر الجعفي عن الشعبي عن جابر بن عبد الله نحو حديث قتادة عن الشعبي، ويحتمل أن يكون الشعبي روى عنهما جميعاً.
قال محمد: حديث الشعبي عن جابر غير محفوظ. انتهى بلفظه.
4 -
وعن عطاء بن يسار عن رجل من بني حارثة: "أَنَّهُ كَانَ يَرْعَى لِقْحَةً فَرَأَى بِهَا المَوْتُ فَلَمْ يَجِدْ مَا يَنْحَرُهَا بِهِ، فَأَخَذَ وَتَدًا فَوَجَأَ بِهِ لَبَّتِهَا حَتَّى اهْرَاقَ دَمَهَا، ثُمَّ أَخْبَرَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَهُ بِأَكْلِهَا". أخرجه الأربعة إلا الترمذي (4). [صحيح]
(1) في "السنن" رقم (1472)، وهو حديث صحيح.
(2)
في "السنن"(4/ 70).
(3)
زيادة من (أ).
(4)
أخرجه أبو داود رقم (2823)، وهو حديث صحيح. =
"اللُّقْحَةُ": الناقة ذات اللبن.
5 -
وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه: أَنَّ ذِئْبًا نَيَّبَ شَاةٍ فَذَبَحُوهَا بِمَرْوَةٍ، فَرَخَّصَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فِي أَكْلِهَا. أخرجه النسائي (1). [صحيح لغيره]
"المَرْوَةُ": الحجر.
قوله: "وعن عطاء بن يسار" أقول: هو أبو محمد عطاء بن يسار، مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أخو سليمان بن يسار، من التابعين المشهورين [112 ب] بالمدينة. روى عن جماعة من الصحابة، وكان كثير الرواية عن ابن عباس. والحديث فيه رجل مجهول (2) إلا أنه صحابي فلا تضر جهالته، وهو حديث زيد بن ثابت الذي بعده وما تقدم دالة على معنى واحد حِلّ الذبح للضرورة بالحجارة.
= وأخرجه مالك في "الموطأ"(2/ 489) والنسائي في "السنن" رقم (4402).
(1)
في "السنن" رقم (4400).
وأخرجه أحمد (5/ 184)، وابن ماجه رقم (3176)، وهو حديث صحيح لغيره.
(2)
وهو حاضر بن المهاجر، وقيل: مقبول.
وقد أخرج أحمد (2/ 12)، والبزار في مسنده رقم (1223 - كشف)، والطبراني في "الأوسط" رقم (7371) عن ابن عمر، وهو حديث صحيح.
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 33) وقال: رواه الطبراني في "الأوسط"، ورجال أحمد والبزار رجال الصحيح.
وهو حديث صحيح.
[الفصل](1) الرابع: فيما نهى عن أكله من الذبائح
1 -
عن عائشة رضي الله عنها قالت: سُئِلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ نَاساً يَأْتُونَنَا بِاللَّحْمِ لَا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ الله عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ قال: "سَمُّوا عَلَيْهِ أنْتُمْ وَكُلُوهُ". أخرجه البخاري (2) ومالك (3) وأبوداود (4) والنسائي (5). [صحيح]
قوله: "الفصل الرابع: فيما نهى عنه من الذبائح".
قوله: "عن عائشة" أقول: ترجم له البخاري (6): "باب ذبيحة الأعراب ونحوهم".
قوله: "سموا عليه أنتم وكلوا" أقول: قال المهلب (7): هذا الحديث أصل في أن التسمية على الذبيحة لا تجب، إذ لو كانت واجبة لاشترطت على كل حال، وقد أجمعوا على أن التسمية - أي على الطعام - ليس فرضاً، فلما نابت عن التسمية على الذبح؛ دل على أنها سنة؛ لأن السنة لا تنوب عن الفرض. ودل هذا على أن الأمر في حديث عدي وأبي ثعلبة محمول على التنزيه؛ لأنهما كانا يصيدان على مذهب الجاهلية، فعلمهما النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصيد والذبح، فرضه ومندوبه لئلا يوافقا شبهة، وليأخذا بأكمل الأمور فيما يستقبلان.
وأما الذين سألوا عن هذه الذبائح فلأنهم سألوا عن أمر قد وقع لغيرهم؛ ليس فيه قدرة على الأخذ بالأكمل،
…
وعرفهم بأصل الحِلّ فيه.
(1) كذا في "جامع الأصول"(4/ 497).
(2)
في صحيحه رقم (5507).
(3)
في "الموطأ"(2/ 488).
(4)
في "السنن" رقم (2829).
(5)
في "السنن" رقم (4436). وأخرجه أحمد (1/ 108)، وابن ماجه رقم (3174)، وهو حديث صحيح.
(6)
في صحيحه (9/ 634 الباب رقم 21 مع الفتح).
(7)
ذكره الحافظ في "فتح الباري"(9/ 635).
وقال ابن التين (1): يحتمل أن المراد بالتسمية هنا عند الأكل، وبذلك جزم النووي (2).
قلت: ولا يخفى بعده.
قال ابن التين: ويحتمل أن يراد أن تسميتكم الآن تستبيحون بها أكل ما لم تعلموا أذكر اسم الله عليه أم لا، إذا كان الذابح ممن تصح ذبيحته إذا سمى.
ويستفاد منه: أن كل ما يوجد في أسواق المسلمين محمول على الصحة، وكذا ما ذبحه أعراب المسلمين؛ لأن الغالب أنهم عرفوا التسمية. وبهذا الأخير جزم ابن عبد البر (3) فقال فيه: إن ما ذبحه المسلم يؤكل، ويحتمل على أنه سمى؛ لأن المسلم لا يظن به [113 ب] في كل شيء إلا الخير حتى يتبين خلاف ذلك.
وعكس هذا الخطابي (4) فقال: فيه دليل على أن التسمية غير شرط على الذبيحة؛ لأنها لو كانت شرطاً لم تستبح الذبيحة بالأمر المشكوك فيه، كما لو عرض الشك في نفس الذبح، فلم يعلم هل وقعت الذكاة المعتبرة أم لا. وهذا هو المتبادر من سياق الحديث، حيث وقع الجواب فيه:"فسموا أنتم وكلوا" كأنه قيل: لا تهتموا بذلك، بل الذي يهمكم أنتم أن تذكروا اسم الله وتأكلوا.
(1) ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 635).
(2)
في شرحه لـ "صحيح مسلم"(13/ 74).
(3)
في "التمهيد"(10/ 320 - الفاروق).
(4)
في "معالم السنن"(3/ 254 مع السنن).
وهذا من الأسلوب (1) الحكيم كما نبه عليه [321/ أ] الطيبي (2)، ومما يدل على عدم الاشتراط قوله تعالى:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (3) فأباح الأكل من ذبائحهم مع وجود الشك في أنهم سموا أم لا.
قوله: "أخرجه البخاري، ومالك" أقول: لفظ "الجامع"(4): أخرجه البخاري، وفي رواية "الموطأ" مرسلاً عن عروة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيها: "أن ناساً من البادية يأتوننا
…
" الحديث.
قال مالك (5): وكان ذلك في أول الإسلام. وفي رواية أبي داود (6): أنهم قالوا: يا رسول الله! إن قوماً حديث عهد بكفر يأتوننا بلحمان
…
الحديث. انتهى.
وبه يعرف إخلال المصنف بكثير مما لا ينبغي الإخلال به.
(1) كذا سماه السَّكاكي، وهو من خلاف المقتضى، وهو تلقي المخاطب بغير ما يرتقب، يحمل كلامه على خلاف مراده، تنبيهاً على أن الأولى بالقصد أو السائل بغير ما يتطلب، بتنزيل سؤاله منزلة غيره تنبيهاً على أنه الأولى بحاله أو المهم به.
مثاله: كقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189] قالوا: ما بال الهلال يبدو رقيقاً مثل الخيط، ثم يتزايد قليلاً قليلاً حتى يمتلأ ويستوي، ثم لا يزال ينقص حتى يعود كما بدأ؟ انظر:"معجم البلاغة العربية"(ص 280 - 281).
(2)
في شرحه على المشكاة (8/ 97).
(3)
سورة المائدة: 5.
(4)
(4/ 498).
(5)
في "الموطأ"(2/ 488).
(6)
في "السنن" رقم (2829).
2 -
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: "نَهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنْ أَكْلِ المُجَثَّمَةِ وَهِيَ الَّتِي تُصْبَرُ بِالنَّبْلِ، وَعَنِ الخَلِيسَةِ وَهِيَ التي يَأخُذْهَا الذِّئْبُ فَتُسْتَنْقَذُ". أخرجه الترمذى (1) إلى قوله: "تُصْبرُ للنَّبل". [صحيح]
وأخرج باقيه رزين.
قوله: "في حديث أبي الدرداء: عن أكل المجثمة"(2) أقول: بالجيم والمثلثة المفتوحة هي التي تربط وتجعل غرضاً للرمي.
و"المصبورة"(3) بسكون الصاد المهملة التي تصبر، أي: لترمى. ولفظ الترمذي عن أبي الدرداء: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المجثمة وهي تصبر بالنَّبل". قال: وفي الباب عن عرباض بن سارية، وأنس، وابن عمر، وابن عباس، وجابر، وأبي هريرة.
وحديث أبي الدرداء؛ حديث (4) غريب، ثم ساق سنده إلى العرباض (5)، وذكر أنه نهى [114 ب] نهى صلى الله عليه وسلم عن أشياء، ومنها:"وعن المجثمة، وعن الخليسة" ثم قال (6): قال: محمد بن يحيى هو القطعي، سئل أبو عاصم عن المجثمة؟ فقال: أن تنصب الطير أو الشيء فيُرمى، وسئل عن الخليسة؟ فقال: الذئب أو السبع يدركه الرجل فيأخذه منه فيموت في يده قبل أن يذكيها. انتهى بلفظه.
(1) في "السنن" رقم (1473)، وهو حديث صحيح.
(2)
قال ابن الأثير في "غريب الجامع"(4/ 499): "المجثَّمة" كانوا ينصبون الحيوان ويرمونه بما يقتله، من نبل أو غيره صبراً، فهذه المجثمة كأنها أقعدت لذلك من جثم الطائر.
(3)
انظر: "النهاية"(2/ 10)، "الفائق" للزمخشري (2/ 277).
(4)
قاله الترمذي في "السنن"(4/ 71).
(5)
أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (1474).
(6)
أي الترمذي في "السنن"(4/ 72 الحديث رقم 1474).
قوله: "وأخرج باقيه رزين" أقول: لفظ "الجامع"(1): "وعن الخليسة" وهي: التي يأخذها الذئب فاستنقذت منه بعد اليأس. ثم قال: هكذا أخرجه رزين، ولم أجده في الترمذي؛ إلا أقوله:"تصبر للنبل".
قلت: قد سقنا لك لفظ الترمذي، وأن المجثمة والخليسة كلاهما في روايته عن العرباض (2) وتفسيرهما.
نعم. رواية أبي الدرداء (3) ليس فيها أنه في الترمذي إلا المجثمة، وتفسير الخليسة أدرجه رزين في الحديث وهو في الترمذي من تفسير أبي عاصم كما عرفت، و"الخليسة" بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام ومثناة تحتية وسين مهملة؛ فعلية بمعنى مفعولة.
واعلم أن النهي عن المجثمة ينهى عن صبرها وينهى عن أكلها، أما صبرها فلأنه محرم؛ لما أخرجه الترمذي (4) عن ابن عباس قال:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتخذ شيء فيه الروح غرضاً".
قال (5) الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".
وأما عن أكلها؛ فلأنها موقوذة.
(1)(4/ 499).
(2)
أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (1474).
(3)
عند الترمذي رقم (1473)، وقد تقدم.
(4)
في "السنن" رقم (1475).
وأخرجه أحمد (1/ 285)، ومسلم رقم (58/ 1957)، والنسائي رقم (4444)، وابن ماجه رقم (3187) ، وهو حديث صحيح.
(5)
في "السنن"(4/ 72).