الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولعل دليلهم الأمر في الآية: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} (1) إلا أنه قد قيل: إن الأمر خاص به صلى الله عليه وسلم إذ لو كان واجباً على غايره لعلمه السعاة. [187 ب].
قلت: في رواية جابر بن عتيك عند أبي داود: "وليدعوا" أي: السعاة. "لكم" وهو أمر للسعادة كافٍ بها التعليم لهم، ولا يشترط لفظ معين (2).
الباب الخامس: فيمن تحل له الصدقة ومن لا تحل
وفيه فصلان
الفصل الأول: فيمن لا تحل له
1 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أَخَذَ الحسَنُ بْن عَليٍّ رضي الله عنهما تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ، فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"كِخْ كِخْ، ارْمِ بِهَا، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، أَوْ أَنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ". أخرجه الشيخان (3). [صحيح]
قوله: (الباب الخامس فيمن تحل له الصدقة ومن لا تحل له).
قوله في حديث أبي هريرة: "كخ كخ"(4) أقول: بفتح الكاف وكسرها وسكون المعجمة مشددة ومخففة وبكسرها منونة وغير منونة، كلمة تقال لردع الصبي عند تناوله ما يستقذر.
وقيل: فارسية، والثانية تأكيد للأولى.
(1) سورة التوبة: 103.
(2)
انظر: "روضة الطالبين"(2/ 211)، "المجموع شرح المهذب"(6/ 146).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (1491)، ومسلم رقم (161/ 1069)، وأخرجه أحمد (2/ 409 - 410).
(4)
"النهاية في غريب الحديث"(2/ 526)، "الفائق" للزمخشري (3/ 248).
قوله: "أما علمت" أقول: هو من خطاب (1) من لا يميز بقصد إسماع من يميز، وهذه صيغة يعبر بها عند الأمر الواضح، وإن لم يكن المخاطب به عالماً، أي: كيف خفي عليك مع ظهوره.
وقوله: "إنا لا تحل لنا الصدقة" شك من أحد رواته، والحديث مخصص لعموم آية المصارف لجميع أصنافها، ولفظ البخاري:"أنا لا نأكل" ولفظ مسلم: "لا تحل لنا"، وفي رواية معمر (2):"إن الصدقة لا تحل لآل محمد" وكذا عند أحمد (3) والطحاوي (4) من حديث الحسن نفسه. وقال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فمر على جرين من تمر الصدقة فأخذت منه تمرة فألقيتها في فيَّ فأخذها بلعابها وقال: "إن آل محمد لا تحل لنا الصدقة".
قال الحافظ (5): وإسناده قوي.
قال النووي في "شرح مسلم"(6): مذهبنا أنه كان يحرم عليه صدقة الفرض بلا خلاف، وكذا صدقة التطوع على الأصح. وسئل ابن عيينة: هل حرمت الصدقة على أحدٍ من الأنبياء غير نبينا [188 ب]عليه السلام؟ فقال: [347/ أ] أما سمعت قول الله: {وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88)} (7) يريد أنها كانت حلالاً لهم. قاله البغوي (8).
(1) ذكره الحافظ في "فتح الباري"(3/ 355).
(2)
أخرجها أحمد في "المسند"(2/ 476) بسند صحيح.
(3)
في "المسند"(1/ 200) بسند صحيح.
(4)
في "شرح معاني الآثار"(2/ 6) و (3/ 297).
(5)
في "فتح الباري"(3/ 355).
(6)
(7/ 177).
(7)
سورة يوسف: 88.
(8)
في "معالم التنزيل"(4/ 272).
قلت: وهو مبني على أن إخوة يوسف كانوا حينئذ أنبياء، وفيه خلاف.
واعلم أنه اختلف (1) في المراد بآل محمد كما في رواية الحسن بن علي عليه السلام. فقيل: هم بنو هاشم وبنو المطلب، وقيل: بنو هاشم فقط عن أبي حنيفة (2) ومالك (3). وقيل غير ذلك.
والحق أنهم من عدهم زيد بن أرقم في حديثه في مسلم (4) وغيره، وهم: آل علي، وآل العباس، وآل عقيل، وآل جعفر، فإن الراوي أعرف بتفسير ما رواه.
قلت: وكذلك عبد المطلب بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب؛ فإنه ممن منعه النبي صلى الله عليه وسلم عنها، وعن العمالة عليه، وأخبره:"أنها لا تحل لآل محمد".
قال ابن قدامة (5): لا نعلم خلافاً في أن بني هاشم تحرم عليهم الصدقة المفروضة. كذا قال.
وقد نقل الطبري (6) الجواز عن أبي حنيفة (7). وقيل عنه: تجوز لهم إذا حرموا سهم ذوي القربى، وهو وجه لبعض الشافعية (8). وعن أبي يوسف: تحل من بعضهم لبعض لا من غيرهم.
(1) تقدم مراراً.
(2)
"البناية في شرح الهداية"(3/ 554 - 555)، "حاشية ابن عابدين"(3/ 270).
(3)
"التسهيل"(3/ 747).
(4)
تقدم تخريجه، وهو حديث صحيح.
(5)
في "المغني"(4/ 109).
(6)
ذكره الحافظ في "الفتح"(3/ 354).
(7)
"البناية شرح الهداية"(3/ 554).
(8)
"المجموع شرح المهذب"(6/ 237).
وعند المالكية (1) في ذلك أربعة أقوال مشهورة: الجواز، المنع، جواز التطوع دون الفرض، ودليل المنع حديث [الباب](2) ونحوه، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم سماها:"أوساخ الناس" كما رواه مسلم (3).
قيل: ويؤخذ من هذا جواز التطوع دون الفرض، وهو قول أكثر الحنفية والمصحح عند الشافعية والحنابلة. واعلم أن قول أبي حنيفة بالجواز بصدد النظر، وقول أبي يوسف به إذا حرموا أسهم ذوي القربى، أقوالاً لا دليل عليها. وكيف يقال: إذا حرمهم الملوك ما هو لهم حل لهم ما حرم عليهم؟ وهل إلا نظير أن يقال: إذا أخذ ظالم مال زيد جاز لزيد أخذ مال عمرو، وأحل له؟ وهذا باطل، وقد أوضحت ذلك في رسالة سميتها:"حل العقال"(4).
2 -
وفي أخرى لهما: أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "إِنِّي لأَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِي فَأَجِدُ التَّمْرَةَ سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي أَوْ فِي بَيْتِي فَأَرْفَعُهَا لآكُلَهَا، فَأَخْشَى أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً، فَأُلْقِيهَا"(5). [صحيح]
"كِخ كِخ"(6) زَجْرٌ للصبيان وَرَدْعٌ عما يلابسونه من الأفعال.
قوله: "وفي آخر لهما" الحديث. [قوله: "لهما"](7) أي: للشيخين، إلا أني لم أجده في البخاري (8) في كتاب الزكاة، كأنه ذكره في غيره. [189 ب].
(1) انظر: "التسهيل"(3/ 748)، "فتح الباري"(3/ 357).
(2)
سقطت من (ب).
(3)
في صحيحه رقم (1072).
(4)
وهي الرسالة رقم (96) من "عون القدير من فتاوى ورسائل ابن الأمير" بتحقيقي.
(5)
أخرجه البخاري رقم (2432، 2055 معلقاً)، ومسلم رقم (163/ 1070).
(6)
قاله ابن الأثير في "غريب الجامع"(4/ 658).
(7)
في (أ): "قولهما".
(8)
في صحيحه رقم (2432، 2055).
3 -
وعنه رضي الله عنه قال: "كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أُتِيَ بِطَعَامٍ سَأَلَ عَنْهُ، فَإِنْ قِيلَ هَدِيَّةٌ أَكَلَ، وَإِنْ قِيلَ صَدَقَةٌ لَمْ يَأْكُلْ، وقال لأصْحَابِهِ: كُلُوا". أخرجه الشيخان (1). [صحيح]
قوله في حديث أبي هريرة الثاني: "وإن قيل صدقة لم يأكل" أقول: ظاهره العموم للفرض والنفل، ويؤيده أنه أتى سلمان (2) إليه صلى الله عليه وسلم بتمر فقال:"أصدقة أم هدية؟ " فقال: صدقة. ومعلوم أنه حين جاء به كان مملوكاً، بل لم يكن مسلماً، فأي صدقة فرض عليه على أن صدقة سلمان نفلاً محمول على إذن مولاه له، وإلا فلا ملك له.
4 -
وعن أبي رافع رضي الله عنه قال: بَعَثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رَجُلاً مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقَالَ: اصحَبْنِي لَعَلكَ تُصِيبُ مِنْهَا. فقُلْتُ: حَتَّى أَسْأَلَ رسُول الله صلى الله عليه وسلم فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: "مَوْلَى القَوْمِ مِنْ أَنفُسِهِمْ، وإنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ". أخرجه أبو داود (3) والترمذي (4) واللفظ لهما، والنسائي (5). [صحيح]
(1) أخرجه البخاري رقم (2576)، ومسلم رقم (175/ 1077).
(2)
أخرجه أحمد في "المسند"(5/ 442)، وابن سعد في "الطبقات"(4/ 75 - 80)، والبيهقي في "السنن"(10/ 322، 340)، وفي "دلائل النبوة"(2/ 92).
(3)
في "السنن" رقم (1650).
(4)
في "السنن" رقم (657) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(5)
في "السنن" رقم (2612).
وأخرجه أحمد (6/ 8 - 9)، وابن خزيمة رقم (2344)، وابن حبان رقم (3293)، والطيالسي رقم (972)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(3/ 214)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(2/ 8)، والحاكم (1/ 404)، والبيهقي (7/ 32)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (1607)، وهو حديث صحيح.
قال ابن الأثير (1): والمشهور من المذاهب أن موالي بني هاشم وبني المُطَّلِبِ لا تحرم عليهم الزكاة، وفي ذلك على مذهب الشافعي وجهان: أحدهما: لا تحرم؛ لانتفاء السبب الذي به حَرُمَ على بني هاشم وَالمُطِّلِبَ، ولانتفاء نصيب الخُمُسِ الذي جعل لهم عِوضَاً عن الزكاة، والثاني: تحرم لهذا الحديث. ووجه الجمع بين الحديث وبين نفي التحريم: أنه إنما قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لأبي رافع تنْزِيهاً [وَحثَّاً له](2) على التّشبُّهِ بهم وَالاسْتِنَانِ بِسُنَّتِهِمْ.
قوله في حديث أبي رافع: "بعث رجلاً من بني مخزوم" أقول: هو الأرقم بن أبي الأرقم.
قوله: "قال ابن الأثير" أقول: هذا قاله في "غريب الجامع"(3) وتمام كلامه بعد قوله: بسنتهم والاقتداء بسيرتهم من اجتناب مال الصدقة التي هي [غسالة](4) أوساخ الناس، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكفي أبا رافع مولاه مؤنة ما يحتاج إليه، فقال له: إذا كنت مستغنياً من جانبي فلا تأخذ أوساخ الناس.
قلت: وقول ابن الأثير ووجه الجمع (5) بين الحديث وبين نفي التحريم عجيب؛ لأن نفي التحريم لم يرد به دليل حتى يجمع بين الدليلين، إنما هو قول لأحد وجهي الشافعي وعلله بقوله: لانتفاء السبب الذي به حرم على بني هاشم والمطلب، لانتفاء نصيب الخمس الذي جعل لهم عوضاً عن الزكاة.
(1) في "غريب الجامع"(4/ 660 - 661).
(2)
كذا في المخطوط (أ. ب)، والذي في "غريب الجامع":"بعثاً له".
(3)
(4/ 660 - 661).
(4)
زيادة من (أ. ب)، وليست في "غريب الجامع".
(5)
انظر: "المجموع شرح المهذب"(6/ 429 - 430)، "البناية في شرح الهداية"(4/ 578 - 579).
قلت: لا يخفى أن هذا التعليل عليل؛ لأن السبب الذي حرمت به الزكاة على بني هاشم كونها أوساخ الناس كما صرح [190 ب] به الحديث، وهذا السبب عام لأنفسهم ومواليهم، إذ قد جعلهم الشارع من أنفسهم.
وقوله: ولانتفاء الخمس، يقال: إن أراد بانتفائه تغلب الملوك عليه فلا يصلح ذلك ما حرم، كان أراد غيره فما أعرف ما هو! فالحق أن موالي من حرمت عليهم الزكاة تحرم عليهم كأنفسهم (1).
قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي" قلت: وقال (2): وهذا حديث حسن صحيح.
5 -
وعن ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنيٍّ وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ". أخرجه أبو داود (3) والترمذي (4). [صحيح]
"المِرَّةُ"(5) القُوَّةُ والشدة.
"وَالسَّوِيُّ"(6) السليم الخَلْق التام الأعضاء.
(1) انظر: "المغني"(4/ 114 - 116)، "البناية في شرح الهداية"(3/ 555 - 556).
(2)
في "السنن"(3/ 46).
(3)
في "السنن"(1634).
(4)
في "السنن" رقم (652).
وأخرجه أحمد (1/ 192)، والطيالسي رقم (2271)، وعبد الرزاق في "المصنف" رقم (7155)، والدارمي (1/ 386)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(2/ 14)، وابن الجارود في "المنتقى" رقم (363)، والدارقطني (3/ 119)، والحاكم (1/ 407)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (1599)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 13).
(5)
انظر: "الصحاح" للجوهري (2/ 815).
(6)
قاله ابن الأثير في "غريب الجامع"(4/ 661)، وانظر:"الصحاح" للجوهري (6/ 2385).
قوله في حديث ابن عمرو بن العاص: "أخرجه أبو داود والترمذي" قلت: وقال (1): حديث عبد الله بن عمرو حديث حسن. وقد رَوَى شُعبةُ عن سعد بن إبراهيم هذا الحديث ولم يرفعه، وقد رُوِيَ في غير [هذا] (2) الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تحل المسألة لغني ولا لذي مرة سوي"، وإذا كان الرجل قوياً محتاجاً ولم يكن عنده شيء فتصدق عليه أجزأ عن المتصدق عند أهل العلم. ووجه هذا الحديث عند بعض أهل العلم على المسألة، ثم ساق (3) سنده إلى حبشي بن جناده السلولي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وهو واقف بعرفة، أتاه أعرابي فأخذ بطرف ردائه فسأله إياه فأعطاه وذهب، فعند ذلك حرمت المسألة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن المسألة لا تحل لغني ولا لذي مرة سوي، إلا لذي فقر مدقع، أو غرم مفظع، ومن سأل الناس ليُثرى به مَالَهُ كان خُموشاً في وجهه يوم القيامة، وَرَضْفاً يأكله من جهنم، فمن شاء فليقلل، ومن شاء فليكثر" انتهى.
6 -
وعن عطاء بن يسار قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنيٍّ إِلَاّ لِخَمْسَةٍ: لِغَازٍ فِي سَبِيلِ الله، أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا، أَوْ لِغَارِمٍ، أَوْ لِرَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ أَوْ لِرَجُلٍ كانَ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ فَتُصُدِّقَ عَلَى المِسْكِينِ فَأَهْدَى المِسْكِينُ لِلْغَنِيِّ". أخرجه مالك (4) وأبو داود (5). [صحيح]
(1) في "السنن"(3/ 42 - 43).
(2)
سقطت من (أ. ب).
(3)
أي الترمذي في "السنن" رقم (653) وهو حديث ضعيف.
ويغني عن الضعيف ما أخرجه أحمد (2/ 231)، ومسلم رقم (105/ 1041)، وابن ماجه رقم (1838) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من سأل الناس أموالهم تكثُّراً فإنما يسأل جَمْراً فليستقلَّ أو ليستكثر". وهو حديث صحيح.
(4)
في "الموطأ"(1/ 268) مرسلاً.
(5)
في "السنن" رقم (1635) مرسلاً، ووصله في "السنن" رقم (1636). =