الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الماضي الواقع جواباً لـ "لو" بـ"قد"، وقد استغربه ابن هشام في "المغني"، وأنشد عليه قولَ جرير:
لَوْ شِئْتِ قَدْ نَقَعَ (1) الفُؤَادُ بِشَرْبَةٍ
…
تَدَعُ الحَوَائِمَ لا يَجُدْنَ غَلِيلَا (2)
قلت: وقد وقع في البخاري -أيضاً- في باب: رجم الحبلى في الزنا، في حديث ابن عباس الطويل الذي فيه ذكر البيعة بعدَ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ما نصه: قال لي عبدُ الرحمن بنُ عوف: لو رأيتَ رجلَا أتى (3) أميرَ المؤمنين [فقال: يا أمير المؤمنين](4)! هل لك في فلان؟ يقول (5): لو قد مات عمر، لقد بايعت فلاناً (6)، وفي هذا والذي قبله اقترانُ (7) فعل شرط (8)"لو" الماضي -أيضاً- بـ "قد".
* * *
باب: جِوَارِ أَبِي بَكْرٍ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَقْدِهِ
1299 -
(2297) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ،
(1) في "ع" و"ج": "يقع".
(2)
في "ع" و"ج": "خليلا". وانظر: "مغني اللبيب"(ص: 358).
(3)
في "ع" و"ج": "إلى".
(4)
ما بين معكوفتين ليس في "ع".
(5)
"يقول" ليست في "ج".
(6)
رواه البخاري (6830).
(7)
في "ع": "إقران".
(8)
في "ع": "الشرط".
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ.
وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلَاّ وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَاّ يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم طَرَفَيِ النَّهَارِ، بُكْرَةً وَعَشِيَّهً، فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ، خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِراً قِبَلَ الْحَبَشَةِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ، لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ -وَهْوَ سَيِّدُ الْقَارَةِ-، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي، فَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الأَرْضِ فَأَعْبُدَ رَبِّي. قَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ: إِنَّ مِثْلَكَ لَا يَخْرُجُ وَلَا يُخْرَجُ، فَإِنَّكَ تَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، وَأَنَا لَكَ جَارٌ، فَارْجِعْ فَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبِلَادِكَ. فَارْتَحَلَ ابْنُ الدَّغِنَةِ، فَرَجَعَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، فَطَافَ فِي أَشْرَافِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلَا يُخْرَجُ، أَتُخْرِجُونَ رَجُلًا يُكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ؟! فَأَنْفَذَتْ قُرَيْشٌ جِوَارَ ابْنِ الدَّغِنَةِ، وَآمَنُوا أَبَا بَكْرٍ، وَقَالُوا لاِبْنِ الدَّغِنَةِ: مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَلْيُصَلِّ، وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ، وَلَا يُؤْذِينَا بِذَلِكَ، وَلَا يَسْتَعْلِنْ بِهِ، فَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا. قَالَ ذَلِكَ ابْنُ الدَّغِنَةِ لأَبِي بَكْرٍ، فَطَفِقَ أَبُو بَكْرٍ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، وَلَا يَسْتَعْلِنُ بِالصَّلَاةِ، وَلَا الْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ دَارِهِ، ثُمَّ بَدَا لأَبِي بَكْرٍ، فَابْتَنَى مَسْجِداً بِفِنَاءِ دَارِهِ وَبَرَزَ، فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ، وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَيَتَقَصَّفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ
وَأَبْنَاؤُهُمْ، يَعْجَبُونَ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلاً بَكَّاءً، لَا يَمْلِكُ دَمْعَهُ حِينَ يَقْرَأُ، الْقُرْآنَ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكينَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَةِ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا لَهُ: إِنَّا كُنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، وَإِنَّهُ جَاوَزَ ذَلِكَ، فَابْتَنَى مَسْجِداً بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَأَعْلَنَ الصَّلَاةَ وَالْقِرَاءَةَ، وَقَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا، فَأْتِهِ، فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَعَلَ، وَإِنْ أَبَى إِلَاّ أَنْ يُعْلِنَ ذَلِكَ، فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ؛ فَإِنَّا كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ، وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لأَبِي بَكْرٍ الاِسْتِعْلَانَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَةِ أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ، فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ تَرُدَّ إلَيَّ ذِمَّتِي، فَإِنَّي لَا أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنِّي أُخْفِرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ له. قال أَبُو بَكْرٍ: إنِّي أَردُّ إليْكَ جِوارَكَ، وأرْضَى بِجوَارِ اللهِ. ورسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"قَدْ أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتَكُمْ، رَأَيْتُ سَبْخَةً ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ"، وَهُمَا الْحَرَّتَانِ، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ حِينَ ذَكَرَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَرَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ بَعْضُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِراً، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"عَلَى رِسْلِكَ؛ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبي أَنْتَ؟ قَالَ: "نَعَمْ". فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِيَصْحَبَهُ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ.
(باب: جوار أبي بكر الصديق رضي الله عنه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقده).
(لم [أعقل] (1) أبويَّ إلا وهما يَدينان (2) الدين): أي: عهدُتهما منذُ عقلتُ وهما على دين الإسلام.
(حتى إذا بلغ بَرْكَ الغِماد): بفتح الباء لأكثرهم وبعضهم يكسرها، وبضم الغين المعجمة وتكسر، وهو اسم موضع باليمن.
وقيل: وراء مكة بخمس ليال.
وقيل: في أقاصي (3) هَجَر (4).
(لقيه ابنُ الدَّغِنة (5)): بفتح الدال وكسر الغين المعجمة وتخفيف النون، كذا لأكثرهم، وعند المروزي: بفتح الغين.
وقال الأصيلي: وكذا رواه لنا؛ لأنه كان في لسانه استرخاء لا يقدر على ملكه.
وقال القابسي: -بضم الدال والغين وتشديد النون-، قال: وهي اسم أمه، واسمه ربيعةُ بن رُفَيع (6).
قلت: حكى شيخُنا عن مغلطاي: أنه سماه في "سيرته": مالكاً.
(وهو سيد القارَة): -بقاف وراء مخففة-: هم قوم يوصفون بجودة الرمي.
(1) في "ع": "لم أعقل" ليست في "م".
(2)
في "ع": "يدينا".
(3)
في "ع": "أفاض".
(4)
انظر: "التنقيح"(2/ 512).
(5)
في "ع": "دغنة".
(6)
انظر: "التنقيح"(2/ 512).
(إن (1) مثلَك لا يَخرج ولا يُخرج): بفتح أول الأول، وضم أول الثاني (2).
(تُكسب العديم): قال الزركشي: أي: الفقير (3)، فَعيلٌ بمعنى فاعل، قال: وهذا أحسن من الرواية السابقة أولَ الباب في حديث خديجة: "تُكْسِبُ المعدومَ"(4).
(وآمنوا أبا بكر): بالمد وتخفيف الميم.
(فطفِق): بفتح الفاء وكسرها.
(فابتنى مسجداً بفِناء داره): هذا أول (5) مسجدٍ بُني في الإسلام.
(فينْقَصِفُ): أي: يزدحمون حتى يسقط بعضُهم على بعض، وأصلُ التقصُّف: التكسُّر.
(فأفزع): من الفزع، وهو الخوف.
(أشراف قريش): جمع شريف.
(كرهنا أن نُخفرك): -بضم أوله-؛ من الإخفار، وهو نقض (6) العهد. قال ابن المنير: وهذا الحديث ينبغي إدخالُه في كفالة الأبدان لمكان
(1)"إن" ليست في "ج".
(2)
في "ع" و"ج": "بفتح الأول وضم الثاني".
(3)
"أي: الفقير" ليست في "ع" و"ج".
(4)
انظر: "التنقيح"(2/ 513).
(5)
"أول" ليست في "ع".
(6)
في "ع": "بعض".
المناسبة؛ كما ناسب {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 33] كفالةَ الأموال، ووجهُ المناسبة: أن المخفر كأنه تكفل بنفسٍ أن تُضام، فتكون العهدةُ (1) عليه (2).
(رأيت سَبَخَة): -بفتح الباء-؛ أي: أرضاً (3) مالحة، وإذا وُصفت به الأرض، كُسرت الباء.
* * *
(1) في "ع": "فيكون العهد".
(2)
"عليه" ليست في "ع".
(3)
في "ج": "أرض".